الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التجديد في قصيدة -حتى الخلود أو الخلود - محمد أبو عون

رائد الحواري

2017 / 4 / 22
الادب والفن



جميل أن يتقمص الشاعر شخصية من يكتب عنه، ويتحدث بصوته، فهنا يلغي الشاعر شخصيته وينقلنا إلى الشخصية التي يتحدث بصوتها، الشاعر "محمد أبو عوان" يحدثنا يصوت الأسرى القابعين في سجون المحتل، حتى يتبادر إلى ذهننا بأننا أمام أسير شاعر يحدثنا عما يمر فيه، فنجد صوات الصمود وصوت الإنسان في ذات الوقت، فالمتحدث يبقى إنسان، فمرة نجده صلب كالفولاذ، ومرة نجده ناعم/سلس كالماء، وقد يبدو هذا الأمر للوهلة الأولى تناقض في رسم طبيعة شخصية الأسير لكنه عكس ذلك تماما، فالشاعر يتحدث بصوت إنسان، يحمل مشاعر مرهفة اتجاه من يحبهم، ومشاعر نارية اتجاه من يعاديهم.
فاتحة القصيدة تبدأ بحرف الجزم "لم" والذي يتحدى فيه الشاعر/الأسير عن السجان:
" لم أعد أخشى أساطيرَ العدم
لستُ أخشى العادياتِ من الليالي
لا, و ليسَ العالمُ السفليُ يرهبني
فقد أسلمتُ روحي
و استعضتُ عن الحياةِ ببعضِ ماءٍ
و انتقلتُ من الخلودِ الى الخلودْ"
ما يحسب لهذا الطرح أنه يتحدث عن الأساطير البالية التي يتبناها المحتل، ويرد عليها الشاعر أيضا من خلال الأساطير القديمة، فعندما تحدث عن "العلم السفلي" رد على الأسطورة بأسطورة، بمعنى ساوى بين اشكال الصراع، فهو محارب نبيل، يستخدم عين الأدوات والوسائل التي يستخدمها العدو، لهذا نجده يتوغل في الأسطورة أكثر ويتحدث عن الخلود، بحيث فقد صفات البشر الفانيين وتحول إلى مصاف الآلهة الخالدة كما جاءت في الأساطير القديمة.
بعد حسم معركة الأساطير لصالح الشاعر/الأسير نجده ينقلنا إلى الواقع، إلى العصر الحديث، فيقول:
"ها أنا بالجوعِ قد أصبحتُ أعلى
ها أنا بهزالِ جسمي قد غدوتُ الآنَ أحلى
و القيودُ تذوبُ من لهبٍ بجسدي
و الحصونُ من الإرادةِ قد تهاوت
و الجنود"
رائع ان يحول/يقلب مفهوم الألم إلى فرح، وكأن الشاعر/الأسير يتمتع ويبتهج بما يقوم به من تحدي للمحتل، فهو يجد ذاته بهذا الفرح الذي يواجه به الجلاد، وهنا يكمن ابداع الشاعر/الأسير تحويل الألم إلى فرح، والجوع إلى فضيلة، فهو من خلالهما استطاع أن ينتهي وجود المحتل وادواته.
لا هناك كان الشاعر/الأسير بطل مطلق، يتحدى وينتصر على المحتل، لكن كما قلنا شاعرنا/أسيرنا إنسان، لهذا سيحدثنا بمشاعر الإنسان، فيقول:
"لست أرهبُ موتيَ الآتي
و لكن دمعَ أمي ...
آه يا أماهُ يا أم الأسير
قُبْلتي الاولى , و محرابي , و يا وجعي المكبل
آه يا أماهُ يا أحلى المقاطعِ بالنشيد " لهذا نقول أن الإنسانية في الشخصية الأدبية مهمة جدا، وهي من تجعل النص قريب من المتلقي، فلو استمر الشاعر بالحديث عن الأسير "السوبر" لفقد إنسانيته وأصبح خارج دائرة الاهتمام، لكنه بهذه الإنسانية يقربنا من ذاتنا أولا، ومن النص ثانيا، ومن المتحدث ثالثا، بحيث تجتمع العناصر الأدبية مع الفكرة لتتوحد معا وتقدمنا مما أراده الشاعر طرحه في قصيدته.
بعد هذه المشاعر الناعمة ينقلنا الشاعر إلى واقع المواجهة مع السجان، ولكن بصوت الإنسان هذه المرة، وليس بصوت البطل كما جاء في فاتحة القصيدة:
"لستُ من يخشى ظلامَ السجنِ
و الليلَ الطويل
لستُ من يخشى سلاسِلكم , معاقِلكم
أو زنزانةَ العزلِ
فإنَ الفجرَ طوعُ يدي
و إنَّ النصرَ في صبري
و ثقتي بي ستهزمكم
و جوعي عن غدي سيذود" نجد إنسانية الشاعر/الأسير في قوله "لست من أخشى" فهذا يحمل/يشير أن هناك ـ في العقل الباطن ـ رهبة وألم من السلاسل والزنزانة، وكأنه يقول مآزرا لنفسه: "أن النصر قادم"، لكي يمنحها معنوية لتستمر في المواجهة، فهو إنسان.
لهذا نجده يحدثنا بما أصاب جسده من وهن وتغيرات تشير إلى ما يعانيه من ضعف:
"لست أخجل من دواري
أو دوارِ الليلِ في جسدي المُعَنّى
لستُ أخجلُ من شحوبِ الوجهِ
غَوْرِ الوجنتينِ , و انسدالٍ للجفون
لستُ أخجلُ من خيالاتٍ أراها للأحبةِ و الديارِ
بقعرِ كأسٍ قد تحلى بالملوحةِ و الكرامة
إنّما خجلي إذا ساومتكم
من وجهِ طفلي
حين يسألني بيوم
عن تقاليد الاسود" هنا ينتهي البطل "السوبر) المطلق ويضعنا الشاعر/الأسير أمام إنسان طبيعي، يشعر ويحس ويخاف ويتألم لكنه في ذات الوقت يقاوم وبشراسة، وهنا يكمن ابداع الشاعر "محمد أبو عون" فهو بدأ بفاتحة فولاذية لكنه ختمها بمشاعر إنسانية، لهذا سيكون وقعها على المتلقي أشد أثرا، وأكثر قناعا، لأن المتحدث إنسان.

"حتى الخلود أو الخلود

لم أعد أخشى أساطيرَ العدم
لستُ أخشى العادياتِ من الليالي
لا, و ليسَ العالمُ السفليُ يرهبني
فقد أسلمتُ روحي
و استعضتُ عن الحياةِ ببعضِ ماءٍ
و انتقلتُ من الخلودِ الى الخلودْ
*****************
ها أنا بالجوعِ قد أصبحتُ أعلى
ها أنا بهزالِ جسمي قد غدوتُ الآنَ أحلى
و القيودُ تذوبُ من لهبٍ بجسدي
و الحصونُ من الإرادةِ قد تهاوت
و الجنود .
****************
لست أرهبُ موتيَ الآتي
و لكن دمعَ أمي ...
آه يا أماهُ يا أم الأسير
قُبْلتي الاولى , و محرابي , و يا وجعي المكبل
آه يا أماهُ يا أحلى المقاطعِ بالنشيد
***********
لستُ من يخشى ظلامَ السجنِ
و الليلَ الطويل
لستُ من يخشى سلاسِلكم , معاقِلكم
أو زنزانةَ العزلِ
فإنَ الفجرَ طوعُ يدي
و إنَّ النصرَ في صبري
و ثقتي بي ستهزمكم
و جوعي عن غدي سيذود
***********
لست أخجل من دواري
أو دوارِ الليلِ في جسدي المُعَنّى
لستُ أخجلُ من شحوبِ الوجهِ
غَوْرِ الوجنتينِ , و انسدالٍ للجفون
لستُ أخجلُ من خيالاتٍ أراها للأحبةِ و الديارِ
بقعرِ كأسٍ قد تحلى بالملوحةِ و الكرامة
إنّما خجلي إذا ساومتكم
من وجهِ طفلي
حين يسألني بيوم
عن تقاليد الاسود"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم الحلقة كاملة | الفنان محمد عبده يطمئن جمهوره على صحت


.. كلمة أخيرة - ندمت على القرارات دي.. غادة عبد الرازق: لو رجع




.. تفاعلكم | 200 فنان يتضامنون لإنقاذ العالم من موسيقى الذكاء ا


.. أبرزهم شقو وعالماشي واحدهم وصل 38 مليون .. 4 أفلام تتنافس ف




.. شبيه عادل ا?مام يظهر فى عزاء الفنانة شيرين سيف النصر