الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العمل الجمعوي بالمغرب: روافد للتغيير أم أدوات للإحتواء والتدجين؟!

ابراهيم أحنصال

2017 / 4 / 22
المجتمع المدني


اختصارا، العمل الجمعوي في المغرب هو وليد ونتاج لأساليب المقاومة التي خاضتها جماهير الشعب ضد الاحتلال الفرنسي والإسباني لاسيما مع أوائل خمسينيات القرن الماضي، فهو ثوأم المقاومة المسلحة ورديفها في معركة التحرر الوطني المجهض أو غير المنجز؛ كما أنه في نشأته ومساره تجاذبه منظورين وممارستين نقيضين عكست مستوى حدة الصراع الطبقي في البنية الاجتماعية، ويمكن التأشير على ذلك من خلال ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: عنوانها الأرأس الصراع مع النظام الديكتاتوري في ارتباط وثيق بالصراع الاجتماعي العام الذي عاشه المغرب، وهي المرحلة التي انطلقت منذ الاستقلال الشكلي إلى نهاية السبعينيات تميزت بهيمنت الفكر التقدمي في بعده اليساري الجذري وسط الشباب، حيث لعبت العديد من التناقضات الداخلية ومؤثرات خارجية في صياغتها: كانطلاق الثورة الفلسطينية في فاتح يناير 1965، انتفاضة 23 مارس 1965، هزيمة حزيران 1967، المد التحرري العالمي، انتفاضات ماي 1968 التي اجتاحت أوروبا الغربية، ميلاد منظمات ماركسية لينينية في المغرب 1970، مذبحة أيلول الأسود 1970 وما تبعها من تنامي الكفاح الفدائي الفلسطيني...

كما صعد النظام الرجعي من أساليب التضييق والقمع الذي طال العديد من مناضلي الحركة الجمعوية بالمغرب من أجل تطويقها والحد من فعاليتها، صدام كان تعبيرا عن المقاومة التي أبدتها الحركة التقدمية بصفة عامة بالمغرب في مواجهة الاستعمار الجديد الذي اتخذ عناوين مختلفة، خاصة وأن المرحلة أشرت لتقاطع السياسي بالاجتماعي بالثقافي، مما جعل الحركة الجمعوية التقدمية تشكل امتدادا طبيعيا لنضال الحركة التقدمية وطنيا وأمميا من أجل التحرر الحقيقي. لقد تميز العمل الجمعوي آنذاك بكونه يبدو على مستوى الشكل متجاوزا لخصوصيات ومجال اشتغاله، فقد أعلن وانخرط منحازا لمبادئ وأهداف الحركات المنادية بالتغيير.

المرحلة الثانية: فتميزت بدخول الدولة كمنافس من خلال إنشائها لإطارات السهول والهضاب والوديان...، مع إغداقها بكل وسائل الدعم المالي والإعلامي واللوجستيكي لدرجة فاقت ميزانياتها بعض مؤسسات الدولة والمجالس البلدية من أجل إغراق وتمييع الحقل الجمعوي لإفقاده مصداقيته، عبر تنظيمها لمهرجانات المدن والتبوريدة وحفلات الأعراس والإعذار...؛ مرحلة انطلقت منذ بداية الثمانينات متزامنة مع عملية ضرب المكتسبات الاجتماعية التي كافح من أجلها الشعب المغربي، بنهج سياسة التقويم الهيكلي ثم مسلسل الخصخصة وتفويت ممتلكات الشعب، ومن ثم الإجهاز على مكتسبات الحركة الجمعوية بالمغرب عبر استصدار قوانين ومراسيم تضيق الخناق المادي والمعنوي على الجمعيات التقدمية.

مرحلة تميزت أيضا بتنامي تفريخ جمعيات مشبوهة أوكلت لها مهمة التضييق الميداني من خلال مزاحمة الإطارات الجمعوية الجادة بدُور الشباب وفضاءات التخييم ، مع نشر كل أنواع السلوكات المائعة والمنحطة… لقيم متخلفة وثقافة رجعية، كما تم الدفع بالتيارات الظلامية المتأسلمة للانخراط في الإطارات الجمعوية وتأسيس أخرى خاصة بها كوصفة لمواجهة الحركة التقدمية.

المرحلة الثالثة: انطلقت مع أواخر التسعينيات وما تزال مستمرة إلى اليوم، عنوانها البارز هو الاحتواء والتدجين. فقد تفنن النظام الديكتاتوري في أساليب الاستقطاب باستعمال مغريات كثيرة، خاصة مع استفحال ظواهر اجتماعية جديدة كبطالة الخريجين موصولة باكتساح منظومة القيم الرأسمالية كالنزعة الفردية والأنانية والانتفاعية والوصولية والانتهازية وأوبئة اجتماعية أخرى. وهي معطيات أشرت لتراجع فعل وتأثير الحركة الجمعوية التقدمية وخفوت أدوارها، مع ما رافق ممارساتها من نخبوية انعزالية في العمل وانحسار فعلها وغياب الديمقراطية والعقم في التجديد والإبداع. كل ذلك مع ارتهان أغلبها للتمويلات الأجنبية وتهافتها على تمويلات الدولة بلا ضوابط كحالها مع "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية"، وهي التمويلات التي تتكامل في الأهداف والمرامي؛ والتي لا تغدو أن تكون إلا شكلا من الإرشاء وشراء الذمم وتحييد الجمعيات عن وظيفتها وأهدافها في التنوير والتحريض والاشتباك مع دفعها إلى الاشتغال باليومي للتنفيس عن الاحتقانات الاجتماعية وتدبير الأزمات.

من هذا الجانب فالجمعويون بخلفية مبدئية ديمقراطية وتقدمية معنيون بتدقيق موقفهم من هذه التمويلات بمساءلة هوية ومرامي المانحين، مع تحديد موقعهم من مجمل الصراع الطبقي الدائرة رحاه، ومن جهة أخرى: هل تخلي الدولة عن مهامها الاجتماعية مسوغ للتهافت على تمويل مشاريع لم تقدم حلولا ولا قضت على فقر بل كانت أداة مساهمة في إعاقة وعي الجماهير وتخذيرها وتغذية الوهم لديها؟ ويكفي التذكير هنا بمراتب ووضع المغرب في ظل" المبادرة الوطنية التنمية البشرية « المتقهقرة حيث استفحال البؤس والفقر والاجهاز على الخدمات الاجتماعية. إذ رغم كل هذه الأموال التي صرفت ونهبت والديماغوجية التي رافقتها فإن الجماهير الشعبية تعاني الانسحاق الطبقي بكل أشكاله الاستغلالية. إنه نهج يؤشر بوضوح في أحد أوجهه لواقع الأزمة التي يتخبط فيها الحقل الجمعوي، وهي امتداد طبيعي وموضوعي لمرحلة نكوص واحتواء أدوات النضال كالنقابات وغيرها. إذ تراجعت كل قيم التضحية والتطوعية أمام زحف قيم التسلق الاجتماعي والاسترزاق مما أسقطها في الأخير في خدمة النظام الرجعي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تاريخ من المطالبات بالاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية في ا


.. فيتو أمريكي ضد منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم الم




.. هاجمه كلب بوليسي.. اعتقال فلسطيني في الضفة الغربية


.. تغطية خاصة | الفيتو الأميركي يُسقط مشروع قرار لمنح فلسطين ال




.. مشاهد لاقتحام قوات الاحتلال نابلس وتنفيذها حملة اعتقالات بال