الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذات غير سوية.....جسد غير متوافق

محمد طه حسين
أكاديمي وكاتب

(Mohammad Taha Hussein)

2017 / 4 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ذات غير سوية.... جسدٌ غير متوافق!
مرور سايكوصحي....وسايكوفلسفي
محمد طه حسين
الشخصية المتوافقة في المنظور الطبي النفسي، هي المنسجمة مع نفسها(ذاتها)، والمتلائمة مع الجماعة(الآخرين)، والمتكيفة مع البيئة(بكل أصنافها وانواعها). ليست الصحة فقط تخص الفرد وحده وتدور حول كيان هذا الفرد الأنساني فقط، أن الصحة مفهوم سايكوجسدي تتمظهر في التوازن السلوكي والحركي والتنظيمي والتعبيري وكذلك في التوازن الأنفعالي والعاطفي والأجتماعي والجسدي وفي النهاية العقلي والمعرفي.
صحة الفرد النفسية والجسدية تتجلى في نوعية العلاقات التي تربط الفرد بكل هذه الفضاءات التي سبق وأن ذكرناها، العلاقة مع الذات تفسح المجال أمامه كي يُقَدِّرَ ذاته ويُقَيِّمَها ويُخَمِّنَها ويَفهَمَها وكذلك يؤكِّدها ومن ثم يكشفها كما هي وكما يدركها لا كما تريد منه جهات لبرمجتها على أنماط كليشية مؤدلجة أو مؤطرة أشكالاً وقوالب عجيبة.
معرفة الذات هي أعمق العمليات أو أن جاز التعبير مجموعة عمليات أستراتيجية عقلية، حيث التنقيب لا يتوقف عند أكتشاف ميلٍ أو رغبةٍ أو دافعٍ أو أية قدرة غريزية أخرى وأي نزعة سيكوأجتماعية. ذاتٌ هي بمثابة كونٍ مصغر، كلَّما يقتنص منها الفرد ذَرَّةِ معرفة، تنفتح أمامه آفاق جديدة للرؤى ويندفع أكثر نحو الحياة والسعي الحثيث للحصول على السعادة التي هي الأستراتيجية الأوحد للعيش والحياة ذات المعنى.
والعلاقة مع الآخرين كما يؤكدها أدلر وهورناي ورولو ماي وآخرون، هي اللحمة العقلانية القوية لتكامل صورة الأنسان التشاركيّ والاجتماعيّ، فالحياة المشتركة الموزونة المنتظمة والمرتبة كما يقول شوبنهور في كتاب "حكمة الحياة" هي السند الأقوى لحد الآن للحياة الهانئة والسعيدة، فالسعادة هي الحياة وهي من مقررات الديمقراطية الحقة كما يشير اليها فريدريك لونوار في كتاب" في السعادة" والتي لا تنمو الّا على أرضية قيمية عدالوية تبرز سعي المؤسسات نحو أعلاء شأن السعادة لكل فرد من بين آلاف المساعي التي يتحرك اليها الكائن دوماً وبشكل أعتيادي.
نحن في الجماعة والجماعة فينا، هذه هي آية الحياة السعيدة التي تمتلأ بالمعاني ذات الصلة الأساسية بالوجود بكل مستوياته، تشاركية السعادة لا تسلب من الفرد حق الأمتاع الفرداني بما يخصه وما يحتاجه ضمن حياته الخاصة، فالفردانية لن تتحقق دون وعي جماعي ووحدة معرفية مشتركة ضامنة لأعلاء شأن الفرد ككيان محترم له مميزاته وخصاله الشخصية والسايكولوجية لا تجدها عند فرد آخر على نفس القياس والوتيرة.
الأتحاد لأجل تبيان حقيقة الأختلاف والتمييز هو الوعي بالذات عند الأفراد، كون الفرد يشعر بوجوده القوي والنشط داخل فضاءات الجماعة الواعية بذاتها الجمعية المترعرعة ضمن تأريخ متكدس من خبرات داعمة لأنماء أفراد أقوياء معتمدين على أنفسهم ولديهم ثقة عالية بدور الفرد في التأريخ وبمكانته البنائية للقيم الأنسانية الحرة. الوعي بالذات هو العودة الى المنابع الأصيلة للعقل والأدراك المنطقي لأهمية الفرد وأهمية حياته، التغييب التقليدي الى الآن للوعي في تراثنا وتراث غيرنا من حولنا، جعل من الكائن موجوداً أحتراسياً ووقائياً يحمي وجوده الفيزيكي ووجود الجماعة التي ألتهمته منذ ولادته وهضمته وذلك لأحتراق قِواه ضمن الماكينة العصبية المبنية على القَبَليَّة في أغلِفَةٍ لن تخدع حتى الأعيُنَ وليس فقط الأذهان والعقول.
العلاقة مع البيئة هي الأرتباط الأزلي والأبدي بالمكان، صلة الفرد بالمكان هي أرادةٌ لحياةٍ على أصعدةٍ ليست مادية فقط، فهي محاولة غريزية لأستكمال الشعور والوعي بالذات التي لا تتوازن أِن لم تحتضنها أرضٌ أو يضمها مكان يحس الفرد فيه ويشعر الوجود الروحي لذاته، الحالة الروحية المتجسدة في المكان تنعكس العلاقات وفق نوعية التعاطي مع مثيراته ومعطياته المتنوعة والمتناثرة هنا وهناك، لن يمد الفرد جسوره مع المكان أن لم يشعر بأنه منه وهو منه، الوجود بكل أشكاله نعيه ونشعر بوجوده داخلنا، المخيلة تَسِع للكون وليس فقط لمكانٍ ضيقٍ تأوينا، فالوعي اليقظ يفتح ابوابه على الكون بأسره وتذوب الأمكنة بداخله في صور ومخزونات رمزية بسيطة ومعقدة في نفس الوقت.
علاقة الفرد بذاته والآخرين والبيئة لا تبقى فقط ضمن حدود الأجتماع والنفس والروح، بقدر ما تمتد الى عالم الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا ولوجيات أخرى عديدة. محكومية العلاقة الفيزيائية هي من البديهيات، وأن لم يتطرق اليها منطلقات علمية طبيعية بالشكل المباشر، فيزيائية وقع الحواس على الأشياء وكذلك فيزيائية الأستقبال والردود الأستجابية للدماغ والجسد ومن ثم النفس أليس هي علاقة بين الذات والفيزياء أو بين النفس والفيزياء؟. علاقة الفرد بالجسد الأجتماعي وبالعكس ترسم أجمل وأدلّ صورها فيزيائياً، ترتيب العيش على المكان وتصميم الحياة في أطر هندسية معينة، والعمل الجمالي بين المثيرات المتنوعة التي تعطي للجسد الأجتماعي هيكلية متناسقة أن لم تكن فيزياءً فأيَّ شيئٍ يكون؟.
نأتي الى الكيمياء، فالفرد هو من مُخرجات الكيمياء الحياتية التي أمتزج عناصرها ومكوناتها ليس فقط في أجساد الأفراد بقدر ما لها من سطوة تفاعلية مع وعلى الجسد حيث أنطبع بها الأِبصار والأِسماع واللمس والتذوق والتشمم، والأكل والشرب والتلذذ الآني بملذات حياتية متنوعة. أنا من الأرض والارض في داخلي وفي تكويني الكيميائي ساهمت ما لا تعد ولا تحصى من العناصر في البناء الأستاتيكي الشمولي لديَّ. كيميائية الحياة أسست على العمليات التفاعلية الأستراتيجية بين الفرد ومكونات الأرض والماء والنار والهواء والعناصر المختلفة للمكان، أذن لا مفر من البحث عن أعقل العلاقة بيني وبين العالم كي يتوازن الفعل التواصلي المرن لي في الحياة.
والقِران البيولوجي بيننا وبين آلاف بل ملايين الكائنات الحية التي تزودنا بمقويات الحياة والبقاء والكائنات التي نعيش عليها وتعيش هي علينا هي قران حياتي وتطوري وأنمائي ضمن جدلية طبيعية وبيولوجية حددت دور كل كائنٍ على خريطة الأرض والحياة. علاقة الأحياء فيما بينها هي جدلية وتطورية وأرتقائية بل هي حتمية فالصيرورة لن تكتمل أبداً أن لم تكن هناك متآلفات ومتناقضات بين الأحياء، أنا بجاجة الى كل الأحياء على أختلاف تكويناتها من البسيط الى المعقد من حيث الرقي والنمو، فالتوازن الحياتي والمحيطي يعطي للتنوع أصالته ولجدلية الأنواع ضرورتها البيولوجية، صراعٌ تُزيِّنه جماليات التشارك والعقلانية التي تتشكل في شبكات علائقية نسميها بالحياة.
حقائق قلناها هنا لأجل الاعتراف بحقائق بيننا في مجتمعنا نقولها وبصراحة:
• ذوات ضائعة داخل أجسادها لا تهمها الظهور، الجسد هو من يتحكم بالذات، وكلاهما لا يتحكم بهما أصحابها الحقيقيين، والكارثة هنا تكمن، ضياعٌ لجدلية العلاقة الموزونة بين الذات والجسد هو ضياع وجودي وقعنا فيه، والمعنى يدلنا على عدم الأنسجام والتوافق بينهما فالتوافق مع الذات هو من مظاهر الشخصية السليمة.
• أجساد ضائعة داخل جسد أكبر مريض وعليل هو الجسد الأجتماعي، فالجسد الأكبر شلَّت أطرافه ليس بمقدوره أن يجد وجهته فهو كالمقعد في السرير ينتظر من يسعفه بشيئ يظلّ يتحرك فقط، القطيعة بين الفرد والجماعة تتسبب اللانسقية واللانظام والفوضى وتعمق العزلة الذاتوية السلبية وليست الفردية، وتجسد حياة الحشد والقطيع وهذه تثبتها نظريات أجتماعية وسايكولوجية من امثال نظرية الأنساق لنيكولاس لومان ونظرية جوليان روتر في الثقة الأجتماعية.
• مكان ضائع، هو ضائع فينا ونحن فيه ضِعنا، علاقة مَرضية غير سوية مع المكان سائدة في ترسيمة علاقاتنا الأزلية معها، نحن عدوانيين مع المكان رغم فيزيائية وكيميائية الروابط بيننا، أفسدنا علاقتنا الكيميائية به حيث لا نزرع عليه شيئاً ولا نأكل من ثمراتها شيئاً، نمتص دم الأرض ونهدم مكوناتها بالخراب الدائم عليها والتلويث المستمر لها، كل هذا أشباعاً لرغباتنا النرجسية الأنوية والفموية التي لن تمتلأ أبداً. فيزيائية علاقاتنا بالمكان تبرز في الهدم اليومي له حيث اللاهندسة المدنية والحياتية في المدن والقرى وكذلك عدم الأهتمام بجماليات الطبيعة وصناعة الحياة عليها.
• مكان سائل على حد تعريف باومان يسيل تحت أقدامنا حيث فقدنا أهميته كبعد تكويني لهويتنا وخرائط معارفنا على أثر سوء أرتباطنا الحيوي والفيزيكي به، فالزمن السيبرنيتيكي على الرغم من مبالغة أبرازها في الغرب لن يتمكن أبداً النيل من أولوية المكان في رسم أنسانية الأنسان مهما تغيرت الحقب. بقينا كالضيوف في أرضنا وأستجبنا أشراطياً الى الآن لمثيراته المناخية والطوبوغرافية والجغرافية، لم نتمكن قط وضع آثار العقل على المكان، ولهذا أصبحنا شعباً متناثراً على أرضنا لا يجمعنا الاّ مفاجئات الطبيعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح