الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فولتير والدين /ج 3

يوسف الصفار

2017 / 4 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


فولتير والدين / ج3
كان تصور فولتير عن السيد المسيح متذبذباً , فمن ورع الطفولة , انتقل وهو شاب الى عدم التوقير الى حد قبول قصة مريم مع الجندي الروماني .. .. لكنه انتقل بنظرته للمسيح من وصفه له بالمتعصب الاحمق الى الاعجاب به وبتعاليمه الخلقية , وأكد ان خلاصنا مستمد من هذه المباديء الاخلاقية لا نتيجة ايماننا بان المسيح هو الله ..
في كتابه ( الملحد والحكيم ) , سخر كثيراً من التثليث ..حينما سأل الملحد الحكيم ( هل تؤمن بأن للمسيح طبيعة واحدة وشخصاً واحداً وإرادة واحدة , او ان له طبيعتين وشخصيتين وارادتين , ام ان له ارادة واحدة وطبيعة واحدة وشخصيتين , او ارادتين وشخصيتين , وطبيعة واحدة ..؟؟ لكن الحكيم يأمره ان ينسى هذه الالغاز ويكون مسيحياً طيباً..
يشير فولتير الى ان المسيح بخلاف القديس بولس وبقية المسيحيين , ظل مخلصاً لليهودية , رغم نقده للفريسيين فهو كان يؤدي الشعائر اليهودية , ويتردد على المعبد اليهودي .. ثم يستخلص فولتير بان يسوع المسيح يقينياً ليس هو الذي اسس الديانة المسيحية ..لذا دعا الى ديانة جديده قوامها الاخلاق الفاضلة .لان الناس العاديين لايمكن لهم ان يفهموا الحياة ويبتعدوا عن مقومات الجريمة بدون دين ..
عام 1766 وهوفي سن الثانية والسبعين سال فولتير نفسه في (( الفيلسوف الجاهل )) ..( هل من الضروري ان اعرف ..؟؟ فانا لا استطيع ان اجرد نفسي من الرغبة في التعلم والمعرفة ..وحب الاستطلاع عندي لا يمكن اشباعه , لكن الانسان الجهول لا يرى هذا ولا يفكر هكذا ..)
ويبدوا لنا فولتير يحسد اولئك الذين لايفكرون , لانهم آمنوا ويراودهم الامل دائما .. ومع هذا رجع الى رأي سقراط , وهو ان الحياة بدون تفكير غير جديرة بالانسان , وعبر عن تردده هذا في كتاب ( تاريخ برهمي طيب ) ..
اتفق لي ان التقيت في رحلاتي ببرهمي عجوز و وكان ذا علم واسع وثراء عريض ويتميز بعقل راجح .. وقال لي هذا الرجل يوما : وددت لو اني لم اولد قط .. فسألته : لم يقول هذا ؟.. فقال لي : لاني كنت ادرس طيلة السنوات الاربعين تلك , ووجدت اني ضيعت من عمري الشيء الكثير والوقت الطويل .وبالنتيجة توصلت الى كوني لااعرف شيء رغم اني اعلم الاخرين .. فانا موجود في الزمن دون ان اعرف ما الزمن .. . انا مجرد موضوع موجود بين عالمين لا نهائيين , ومع هذا ليس لدي اي فكرة عن الخلود والابدية ..وانا مكون من مادة لكن لايمكنني ان اقنع نفسي بهذا الذي ينتج الفكر .. ولا ادري لماذا انا موجود مع العلم انا منكب كل يوم على حل اللغز, لكني لااستطيع ان اقول شيئاً مرضيا ..اتكلم كثيرا وعندما انتهي من كلامي اظل متحيراً مرتبكا وشاعراً بالخجل مما قلته ..يقول فولتير شعرت بالهم والحزن بحالة هذا الرجل ولكن في نفس اليوم التقيت بعجوز وكان معها حديث وسألتها : هل شعرت يوما بعدم السعادة (لانها لاتعرف كيف صنعت نفسها ).. في طبيعة الحال لم تفهم سؤالي لانها لم تفكر ولو برهة قصيرة في حياتها وفي مثل هذه التساؤلات التي عذبت البرهمي الطيب لكنها كانت تؤمن من اعماق قلبها بتحول إلهها (فنشو) وترى نفسها اسعد النساء شرط ان يتاح لها الحصول على شيء من الماء المقدس من نهر الكنج لتغتسل به .. واثارتني سعادة هذه المخلوقة المسكينة .. فعدت الى فيلسوفي ( البرهمي ) وبادرته بقولي : الا تخجل من بؤسك وتعاستك , على حين انه على بعد 50 ياردة منك يوجد مخلوق آلي لا يفكر في شيء ويعيش هانئاً راضياً . فرد عليّ بقوله : انت على حق لقد قلت في نفسي ألف مرة إني ساكون سعيداً لو اني كنت جاهلاً مثل جيراني العجائز .. مع هذا فتلك سعادة لاارغب فيها..
كان اثر رد البرهمي في نفسي أعظم من اي شيء مضى , وخلصت الى اننا على الرغم من اننا قد نضفي على السعادة قيمة عظيمة , فلا زلنا نقدر للعقل قيمة أعظم .. لكن بعد تامل ناضج ... لاازال أرى ان هناك قدراً كبيراً من الجنون في إيثار العقل على السعادة ..!!
بدا فولتير مترددا وهوفي سن السبعين مضطربا مشوش الذهن .. لكنه بدا يوطن النفس على قبول فكرة ان الدين , اي دين امر مرغوب به بصفة عامة .. وتقبل فكرة ان تكون هنالك عبادة عامة يجتمعون بها اربعة مرات كل عام وفي معبد كبير . تصدح فيه الموسيقى . يقدمون الشكر لله على كل نعمه, فليس هناك غير شمس واحدة وإله واحد فلماذا لاتكون لنا ديانة واحدة ؟؟ حتى يكون بني البشر كلهم اخوة .. ان الشمس كما يقولون مهدت لنا نصف الطريق الى الله ..
وفي ساعات التجلي كان التائب العجوز يريد زيادة التجمعات الدينية لتكون مرة كل شهر بل حتى كل اسبوع , ويكون هنالك صلوات وعبادات ودروس في الاخلاق ..لكن بدون قرابين او ذبائح ولا توسلات ولتكن المواعظ قصيرة . اما التماثيل والصور فتكون لتخليد ابطال الانسانية لا ذكرى القديسين المشكوك في امرهم ..
في العقد الاخير من عمره أخذ الرجال الذي حفزهم ذات يوم وشجعهم على الحملة ضد الرجز وباعتبارهم اخوة اخذ هؤلاء ينظرون اليه كفيلسوف تائه وقائد ضائع , ورغم ان الملحدين في باريس قد زاد عددهم واعتزازهم بانفسهم اداروا له ضهورهم واعتبروه ربوبي متعصب .. فبدا الشيخ الواهن وبعد ان تخلى عنه الجانبان , يفقد ثقته بامكان الفوز وخشى من ان دينه الجديد ( دين الله والتسامح ) لن يأتي .. انه ارتاب في وهن الفلسفة وانعدام جاذبية الفكر وفتنته العقل , واعترف ان اي فيلسوف سوف لن يؤثر في عادات الناس حتى ضمن الشارع الذي يسكنه .. واسلم الجماهير الى الخرافة او الاساطير وراوده امل ان يؤثر من خلال اربعين حكيما في الطبقة الوسطى ..لكن هذا الامل ايضا خذله وبدا له انه يذوي حين آذنت شمس حياته في المغيب ولكن ظل لديه حلم تنوير الشباب شيئا فشيا , فربما يعود اليه ايمانه بالانسان وامله فيه ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح