الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف أصبحت ملحدا ؟

صيقع سيف الإسلام

2017 / 4 / 22
الادب والفن


كان جوزيف أبا لثلاثة ابناء ، بول و فريد و ديفيد . . . يعيش في قرية صغيرة اسمها مركا ،حيث كانت تعج بمختلف المذاهب الفكرية التي سببها الاستعمار الذي كانت تعاني منه البلاد
. . . كانت مركا مزيجا وخليطا من المستوطنين و من السكان الاصليين ومن المهاجرين ، حيث كان هؤلاء الثلاثة يمثلون ثلاثة إيديولوجيات يعتنقونها ، الالحاد للمستوطنين ، و الاسلام للسكان الاصليين ، و النصرانية للمهاجرين الذين أتوا من بعيد . . .
. . . جوزيف كان رجلا أميا ، لا يعرف القراءة والكتابة ، ولا يتقن من الحرف الا رعي الغنم الذي ورثه عن أبيه ، الغنم المتبقية التي يسوقها كل يوم لكيلومترات شمال القرية حيث يكثر الكلأ و الماء ، لما لا يملكه الرجل من مال لشراء مستلزمات قطيعه من الماشية ، و رغم كونه من السكان الاصليين إلا أنه لم يكن يعرف من الاسلام الشيء الكثير ، إلا الصلاة التي كان كثيرا ما يشاهد طقوسها ضمن المسجد الصغير الذي في القرية ، و صيام شهر رمضان ، الذي رأى ان في عدم صيامه عقوبة إلهية كبيرة سوف تتسبب في فقده ربما للماشية التي يملكها . . .
. . . كان جهل جوزيف هذا ناجما عن عيشه البعيد في فترة الطفولة ، مع ابيه ضمن خيمة بعيدة عن القرية لرعاية رزقهما من الماعز و الغنم المتوفرة ، الذي لم ينتقل لحضارة القرية مركا الا بعد وفاة والده ، وخسرانه لكثير من الماشية التي كان يملكها من طرف الاستعمار ، فدخل القرية محتميا من الاذى الذي قد يناله . . . هناك تزوج الجميلة المتعلمة زولا و أنجب منها ابناءه الثلاثة ، بول الذكي الشرير ، فريد اللطيف الودود ، ديفيد اللامهتم بشيء يحدث حوله ، وهو أصغرهم سنا ، يليه فريد ثم الاكبر هو بول البالغ من العمر عشرين سنة ، و الفارق بين كل اخ و الذي دونه كان عاما واحدا فقط . . .
. . . كانت القرية تعج بالاختلاف و التنافر ضمن الافكار التي ينطقون بها ويدعون اليها . . . حيث كان كل فوج يقيم محاضرة له عند الشجرة المقدسة القابعة وسط القرية ، يحاول دعوة البقية الباقية من اهل القرية ممن لا شأن لهم بتلك القضايا كــالرعاة للماشية ، و الفقراء المغلوب عليهم ، و المسافرين العابرين من المنطقة . . . هكذا كان اهل قرية مركا يتراشقون الافكار و العقائد بدل الحجارة و السيوف . . .
. . . لقد كان ذلك الاختلاف يؤرق ذهن جوزيف ، ولم يفهم لماذا يحدث ذلك ؟ . . . حيث كان يعتقد ان الانسان متشابه في التركيب و الهيئة ، فيجب عليه ان يكون متشابها في الافكار و الخواطر كما يتشابه الافراد في الحب و البغض ، في الحياء و الخجل ، في المدح و الذم . . .
. . . و لايجاد الحل لهذه المشكلة العويصة ، قرر جوزيف القيام بتجربة يستطيع بها كشف اللغز الغامض هذا . . . تجربة قرر ان تكون على اولاده و زوجته بتمثيلهم كمجتمع صغير . . .
. . . ذهب جوزيف الى رجل من كل حزب من الاحزاب الثلاثة ليأتي من عنده بكتاب يدافع عن الايديولوجية التي يمثلها ، فاعطاه الملحد المستوطن كتاب وهم الالحاد لريتشارد دوكنز ، الذي وصاه بأن يعتني له به كثيرا ، فهو كتاب نادر ولا يمكن الحصول عليه في مثل هذه المنطقة . . . بعدها اتجه الى أحد المسلمين الذين يعرفهم و طلب منه نفس الامر ، فأهداه كتاب الاسلام يتحدى للدكتور وحيد علي خانا ، فحمله متجها الى الحزب الاخير ليرى ماذا يمكن ان يأتي به ، فلم يحصل من عند صديقه المسيحي الا نسخة الملك جيمس للانجيل. . . لكنه يحملها راضيا بما قد جلب ، يفكر في اسلوب تطبيق تجربته الخاصة على أولاده وزوجته ليجد حلا للمعضلة التي سطت على دماغه .
. . . يدخل البيت ويحاول في التفكير في أي الضحايا سيبدأ بها ؟ . . . حتى يلمح ابنه الاكبر بول ، حيث ينادي عليه ويقول له : " عندي لك يا بني هدية ، تفضل هذا الكتاب اقرأه وأخبرني بالنتيجة التي ستخرج بها ؟ " . . . يمسك الفتى الكتاب ويذهب به . . . الا ان الاب جوزيف يبقى في مكانه ينادي على ابنه الثاني ديفيد ليمنحه نسخة الملك جيمس للانجيل ، ويحتفظ بكتاب الاسلام يتحدى حتى يستخدمه في خطته لاحقا . . . و يبقى منتظرا في النتائج . . .
. . . كعادته ، يعود جوزيف من رعي الغنم ، الى بيته متعبا ، ينتظر بفارغ الصبر طعام عزيزته زولا ، مرتقبا في نفس الوقت نتائج التجربة التي بدأ بها ، فيسأل ابنه بول : " هل أنهيت الكتاب ؟ " . . . يجيب بول : نعم يا أبتي " . . . فيأمر الابن الاوسط فريد بان يبقى مع بول للايام المقبلة لانهما سيأمرهما بأداء عملية رعي الغنم ، في حين يرتاح هو في البيت . . .
لقد اراد جوزيف بذكاء ان يترافق الاخوين للرعي معا ، حتى ينظر مدى التاثير الذي سيكون على فريد من طرف بول . . .
. . . في الصباح الباكر ، ينطلق بول و فريد معا ، و بمجرد خروجهما ، ينادي الاب جوزيف على ابنه الاصغر ديفيد ، حيث يسأله : " ماذا استفدت من الكتاب الذي اعطيته لك ؟ "
. . يجيب ديفيد : " لقد رأيت مدى تسامحية السيد المسيح يا أبتي ، واقتنعت تماما بأفكاره ، أنا الآن مسيحي يا أبت . . " . . . يعلق الأب : " ليس في ذلك مشكلة يا ابني ، هاك كتابا ثانيا ادرسه دراسة واعية ، ثم اطلعني على ما استفدت منه ؟ " . . . يقوم الأب بمنح الابن كتاب الاسلام يتحدى لوحيد خانا ، حتى يشرع في تقليبه و البحث في ثاناياه . . .
. . . كان جوزيف يخرج من حين لآخر ، يراقب فيها سلوكات و الاجواء النفسية التي يعيش بها الاحزاب الثلاثة ، فوجد أن بها تشابها كبيرا . . . لقد وجد ان الحزب الاسلامي الذي يمثله السكان الاصليين يعيشون بنفس البهجة التي يعيش بها باقي الحزبين الملحد المستوطن و المسيحي المهاجر . . . حيث تساءل في ذهنه : " كيف لثلاثة دساتير مختلفة ان يكون لها نمط عيش واحد ؟ " . . . ثم راح يضع فرضياته التي يفسر بها هذه المفارقة ، فيقول في ذهنه : " اما ان هؤلاء الناس مخدوعين ولا يعيشون ضمن الدساتير التي يدعون الانتساب اليها حقا ، او ان هذه الايديولوجيات الثلاثة هي متحدة ومتناسقة في حقيقتها . . " . . . ثم يشعر بالتناقض فيعود ليقول : " مستحيل بل محال جدا "
. . . يعود أدراجه إلى بيته المتواضع ، حيث يدخل فيلتقي بابنه ديفيد . . . يسأله : " هل أنهيت الكتاب يا بني ؟ " . . . يجيب الفتى : " نعم يا أبت ولقد تركت اعتقادي بالمسيحية ، الآن أنا مسلم يا أبت ، لقد أقنعني الكتاب الثان بخطأ المسيحية . . " . . . يسكت الأب جوزيف من غير تعليق ، ويأخذ الكتابين ، ثم يتجه مباشرة صوب زوجته الجميلة زولا ، واجدا إياها تخيط ثوبا لنفسها ، حتى تلتحق بأحد الاعراس القادمة لأحد ابناء قرية مركا . . . فيقول لها : " يا عزيزتي ، عندي لك كتاب ، اريد منك ان تشرحيه لي .. "، و يناولها كتاب الاسلام يتحدى اولا ، على عكس ما صنع مع ابنه ، يريد هل تكون نفس النتيجة أم ستختلف الخاتمة ، و تعاكس ابنها ديفيد . . .
. . . يعود الاخوين من عملية الرعي المرهقة لعضلاتهما ، حيث يستقبلهما أبوهما بطاولة العشاء تنتظرهما ، مجهزة بلحم الغنم ، و فاكهة الموز و التفاح ، مع صحن مملوء بالتمر المعسل و اللبن المخثر . . . فيأكلان حتى تنتفخ معدتهما و تثقل اذهانهما ، شاعرين بالنعاس و الكسل . . .
. . . يسأل جوزيف : " ماذا استفدت من كتاب وهم الاله يا بول ؟ . . . يجيب بول : " لقد اقتنعت بأرائه كاملة يا أبي ، بأدلته علمت أنه لا إله ولا أديان ..." . . . يضيف الاب جوزيف : "و انت يا فريد ، ماهو رأيك ؟ " . . . يرد فريد : " نعم يا أبت ، أنا اوافق تماما ما قاله أخي بول . . . وانا طرحت نفس الاسئلة التي تلغي الإله وتلغي الأديان . . . "
. . . يطرق جوزيف برأسه ، ويصمت للحظة ، ثم يردف : " الآن ، ناموا أيها الفتية ، فغدا ينتظركم يوم آخر من الرعي ، وبعدها ستعود نوبتي . . . خذوا قسطا من الراحة "
. . . يمضي اليوم اللاحق ، مضيا عاديا من غير طارئ يطرأ ، أو نبأ يستدعي الاهتمام ، و جوزيف مازال يحاول تحليل النتائج التي بدأت تظهر للعيان من طرف اولاده ، ولم يبق في المعادلة إلا زوجته زولا حتى تنتهي المسرحية ، وتقفل القضية ، ويصدر الحكـــــــم . . .
. . . تنتهي الجميلة زولا من قراءة كتاب الاسلام يتحدى ، فتذهب باحثة عن زوجها جوزيف لتجده متأملا في لمعان نور القمر وبريقه الاخاذ ، حيث تقاطع تأمله قائلة : " لقد أنهيت الكتاب يا عزيزي و انا الآن ممتلئة لما فيه من افكار يا عزيزي ، بكل ما ذكره الدكتور وحيد علي خانا في الكتاب . . . " . . . يجيب جوزيف : " اممم ، جميل لننتقل للخطوة الثانية " . . . ويقوم بمنجها نسخة الملك جيمس للانجيل لتقوم بدراسته ، حتى تنتهي القصة و يستطيع الادلاء بحكم نهائي تفسيري لهذه المعضلة التي تراوده . . .
. . . يغادر الأب في الصباح الباكر لإتمام عملية الرعي ، حاملا زاده وقوته معه ، وهو مع كل ذلك يحاول تركيب الاستنتاجات التي وصلها ، والاستخلاصات التي بلغها ، حتى تكون ضمن تفسير متناسق و واضح المعالم ، به ، يكون الحــل للمعضلة العويصة التي جعلت هكذا مجتمعات تتكون داخلها احزاب متفرقة وشيع متعارضة . . . لا يعود الا في المساء المتأخر منهكا ، يقتله التعب من حر الشمس و لهيبها ، حيث يجلس على طاولة العشاء مع اولاده وزوجته ، يتسامرون ، ويتضاحكون كعائلة سعيدة قانعة . . .
. . . يسأل جوزيف الحسناء زولا : " هل انهيت دراسة الكتاب يا عزيزتي "
زولا : " نعم ، لقد انتهيت منه ، وانا الآن مقتنعة اكثر باراء كتاب الاسلام يتحدى لوحيد خانا . . . اوجدت التناقض التام بين ما كتبه وحيد خانا وما قاله الانجيل تماما يا عزيزي " . . . يضع جوزيف ملعقته و يتناول المنديل ليمسح ما علق على وجهه من الطعام . . . ثم يقول :
" اسمعوا يا أحبتي . . . إن كل الافكار التي تنضح بها أذهانكم ، إنما هي بسببي ، فقد استغليت جهلكم بالافكار لأجربها عليكم ، باحثا عن سر الاختلاف بين الناس في مثل هذه التمزحبات و التمذهبات ، و يبدوا أنني قد نلت طرفا من الجواب فاانتبهوا :
إن مرد هذا الاختلاف اولا ليس عائدا لكون الناس معتقدة اعتقادا جازما بالاراء التي يقولون بها ، بل في الحقيقة هم يرددون من غير قناعة البتة ، و تصنيف اسباب هذا يعود لثلاثة اامور :
التقليد في الشك - العاطفة - القراءة بالمنطلق . . . اما التقليد في الشك : فهو ما استنتجته من بول وبقائه مع فريد حيث استطاع بول تمرير افكار الشكوك لـ فريد من غير ان يتساءل هذا الاخير حقيقة . . . فجاء فريد مقلدا في الشك لــ بول فقط ، ولو لم يكن مع بول لما طرح اي اسئلة البتة . . . اما العاطفة : فهو ما استنتجته من بول و ديفيد بحيث أن الافكار التي تحملها الكتب التي اعطيتها لهما صدمتهما مباشرة فولدت تلك الصدمة اثرا عميقا في نفوسهما ، اثرا عاطفيا كما يحدث للطفل الصغير حينما تصيبه صدمة بخسارة شيء ما فتولد له عقدة نفسية ، هكذا تماما كان مع بول و ديفيد في المرتين مع الكتابين حيث انه رفض فكرة الكتاب الاول بمجرد ان الكتاب الثاني صدمه ثانية . . . فاعتقد كليهما ان الصدمة تدل على الاقتناع وهذا خطأ ، ولذلك صارا يبشران بما صدمهما ، ولو أنهما قراءا كتابا جديدا ذا وزن لجاءتهما صدمة ثالثة لاشعورية تجعلها يفقدان القناعة بما سبق و القبول بالجديد ، فالامر كله في الاخير عاطفي تماما من غير ذرة اقتناع . . . . اما القراءة بمنطلق فهي ما عاشته عزيزتي زولا حيث عاشت الصدمة ك بول و ديفيد مع كتاب الاسلام يتحدى ثم جعلته لاشعوريا هو الحكم وهو القانون على غيره ، فحين قراءتها لنسخة الملك جيمس للانجيل جعلت مضمونه محكوما بما قرأته سابقا وهو الاسلام يتحدى فلما وجدت التناقض وهو طبيعي اعتبرت الانجيل كتابا غير صحيح البتة . . .
. . . هذه المفاتيح الثلاثة هي التي جعلت الافراد يختلفون كثيرا . . . حينما يظنون انهم مقتنعون ومتوازنين فكريا ونفسيا و الامر على خلاف الحقيقة تماما . . . بل هم في اغلب احوالهم ايا كانت افكارهم ومذاهبهم مجرد ضحايا للعواطف والتقليد العادي والتقليد في الشك و التحكيم اللاشعوري بما سبق لكل ماهو مستجد . . . "
. . . هكذا عاد جوزيف يرعى غنمه في هدوء لانه علم سر الاختلاف بين الناس والايديولوجيات التي يتراشقون بها . . . عاد ليشعر بالسكينة مع غنمه و ماعزه وتيسه المحبوب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حفل تا?بين ا?شرف عبد الغفور في المركز القومي بالمسرح


.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار




.. اعرف وصايا الفنانة بدرية طلبة لابنتها في ليلة زفافها


.. اجتماع «الصحافيين والتمثيليين» يوضح ضوابط تصوير الجنازات الع




.. الفيلم الوثائقي -طابا- - رحلة مصر لاستعادة الأرض