الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موعد مع الموت

محسن كفحالي

2017 / 4 / 22
الادب والفن


رن الهاتف ... من ...عبدو ...
أريدك أن تأتي إلى منزلي فأنا أنتظرك ، خرجت مسرعة ركبت السيارة ، و انطلقت بسرعة كبيرة و كثرة الأسئلة تراودها ، ماذا جرى ؟ لماذا هذا الاتصال المفاجئ ؟ ... و صلت إلى الشقة دقت دقات خفيفة ، بعد هنيهة أحست بصوت يقترب من الباب ، ظهرت فتاة ترتدي لباسا شفافا و عبدو يقف وراءها لم تقو على الكلام ، خرجت مسرعة نحو مقهى اعتادت أن تجلس فيه رفقة عبدو ،طلبت فنجان قهوة و أخرجت سيجارة من علبة السجائر و بدأت تدخن بجنون و تنفث دخانها في السماء و الدموع تلامس خديها ، تفكر في ما شاهدته جلس أمامها شخص لم يكن سوى عبدو الذي لحق بها ، نظر إليها نظرة تأمل و كأنه يراها لأول مرة و لأخر مرة ، نظرته تكاد تخترق جسدها ، لم تعر اهتماما لنظراته .
ماذا تريد مني ... لماذا جئت
الحب يا حبيبتي ، تعرفين أنك روحي و كل حياتي ، كل دواوين الحب لا تستطيع وصف مقدار حبك لك
مقدار حبك لي هو نفس مقدار كراهية لك ، الحب ليس أنانية ، الحب تضحية و أنا ضحيت بعالمي من أجلك و النتيجة خيانة كبيرة ، خيانة ليس لي فقط و إنما لمبادئ تحدثت عنها كثيرا ، لكن كانت مجرد كلمات تتبجح بها .
أي حكم في هذه اللحظة يا حبيبتي سيكون ليس صحيحا ، و ستعرف كل شيء في الوقت المناسب لأن التاريخ ظالم ، كم من اللص تحول إلى بطل و العكس صحيح ، و أنا لا أقدم تبريرات و لكن لا أحب أن يرتبط مصيرك بالمجهول ، بالموت ، توقف عن الكلام وساد الصمت بينهما ، بدأ يصفف شعرها المنسدل على خديها بكل حنان و لطف ، مسح دموعها و يديه ترتعش ، حاول أن يقبلها فرفضت ، قابل رفضها بابتسامة رقيقة ، تحرك من مكانه و لم تعره اهتماما ، أخرج من جيبه كتابا أسودا صغيرا ووضعه على الطاولة أمامها و انصرف وصل إلى باب المقهى رفع يديه اليمنى يودعها ، أخذت الكتاب ركبت سيارتها و انطلقت بسرعة الضوء وسط شوارع المدينة المضيئة ، دخلت إلى غرفتها ارتمت على السرير لم تعر اهتماما كبيرا للمقدمة الكتاب و انتقلت للفصل الأول .
عبدو في السنة الرابعة عشرة من عمره ، يدرس في السنة الثالثة إعدادي لباسه بالية ، نحيف الجسم وجهه شحب ، يعيش أغلب أوقاته مع أبيه ، يخرج من المدرسة يجول الشوارع يقدم مساعدة للناس من أجل تخفيف عبء الحياة القاسية عن أبيه ، الذي يعمل " سيرور " يجول الشوارع ليلا نهار ، صيفا شتاءا من شارع إلى شارع و من مقهي إلى مقهي من أجل بعض الدريهمات ، شباب عصفت بهم ريح الفقر و التشرد ، قرب سور على وشك السقوط واحد منهم يشم كيس بلاستكي بكل نشوة ، نشوة الانتصار على الذات يعيش عالم الأحلام و الأوهام ، الأخر ممدد على الأرض و سؤال الموت يختمره ، فتاة جميلة تمر أمامهم يقوم أحدهم بمناداتها بصوت مبحوح متقطع " فين الزين " ترد عليهم بابتسامة رقيقة و حركة طريفة من عينيها اليسرى ، فيها نوع من السخرية و الاحتقار إلى هذا النوع من الشباب المستسلم للقدر، قدر الأرض الذي يتحكم في رقاب البشر ، أحلامها أكبر ، أحلامها تتجاوزهم ، تتعالى أصواتهم بين الفينة و الأخرى من أجل نصف سيجارة محشوة بالحشيش ، يمر والد عبدو بجانيهم . يحاول أحدهم سلب ما يملك من الدريهات التي جمعها في مسيرته و بعد مشادات يتخلص منهم بمساعدة بعض الأشخاص ، ليكمل مسيرته في إتجاه المنزل ، عبارة عن بتاء من القصب و القصدير ، أم عبدو خادمة في فيلا تعود ملكيتها لرجل ثري ، يقال أنه يشتغل في السياسة ، تطبخ و تكنس و تعمل طوال النهار في بيت مشغلها و في الليل تعمل في بيت زوجها الثاني تزوجته بعدما انفصلت عن والد عبدو .
من عادة عبدو بعد إنهاء دراسته يوم الجمعة ، أن يذهب إلى المسجد من أجل تناول وجبة الغذاء مع أبيه ، لكن هذه المرة كانت مختلفة بالنسبة إليه ، في طريقه رأى حشودا من الناس مجتمعة على شكل دائري ، اقترب منهم و انسل بجسده الضعيف بينهم ، لم يكن يعلم أن الشخص المرمي على الأرض سيكون والده يحتضر و يودع حياة البؤس و المرارة بعدما صدمته سيارة ، ارتمى عليه و أجهش بالبكاء أبي ...أبي ... نظر إليه و أشار بأصبعه إلى الصندوق الخشبي ، إنها وصيه الأخيرة لابنه و فارق الحياة تعالت أصوات الناس الرجل توفي ، " إن لله و إن إليه راجعون " .....
ذهب مهرولا يجري إلى بيت أمه و ارتمى في حجرها ، و الأطفال من ورائه " إبن السيرور " أخذته أمه في حضنها و الدموع تملأ عينيها ، أخذه النوم من فرط الصدمة ، لا يمكن أن يعيش في بيت أمه فزوجها سيطرده بالتأكيد أو عليها أن تختار بين الزوج و الابن ، أشرقت شمس الصباح تحرك من مكانه وودع أمه و خرج مسرعا في اتجاه المنزل وضع الصندوق الخشبي على الطاولة و المحفظة بجانبه يتأملهما ،أخذ المحفظة و الصندوق الخشبي لتبدأ حياة جديدة من المعاناة لكن هذه المرة في غياب سند له ................................
..........إن هذا اليوم هو يوم تاريخي تشهده الجامعة ، لقد قررنا مقاطعة الامتحانات نظرا للأوضاع المزرية التي تعيشها الجامعة ، يتحدث بثقة كبيرة وهو يلتفت يمينا و يسارا ، تسللت فتاة جميلة إلى وسط الحلقية ، أخرجت كتابا من محفظتها و جلست تنصت و تتابع حركته بكل دقة ، شعرها أشقر عيناها عسليتان خدودها وردية ، يستطرد قائلا إن البلد تعاني من استبداد سياسي و ثقافي ، إن اللحظة تاريخية تفرض علينا أن نكون يدا واحدة ضد القمع و القهر و الظلم ... أنهي كلمته و بعد تحية الإطار انسحب ، تفرق الطلاب و أعينهم شرارة الغضب ، تقدمت نحوه بخطى متثاقلة ،
دقيقة لو سمحت لدي سؤال
نعم
هناك مجموعة من الأحزاب السياسية تقوم بهذا الدور
الأحزاب لا تمثل إلا نفسها ، ليس لدينا مؤسسات ، لدينا أشخاص تتحكم في حياة الناس
قبل أن تسأله سؤالا أخر عرف أنها تريد معرفة الكثير ، فطلب منها أن تتناول وجبة الغذاء معه ، وافقت وهي محتارة لم تعتد الدخول إلى مثل هذا المطعم ، أخذ وجبته بينما هي اكتفت بالنظر إليه
ما اسمك
منى ، طالبة سنة الأولى شعبة الاقتصاد
عبد ، السنة الثالثة شعبة الفلسفة
ضحكت عندما سمعت اسمه ، اعتذرت له وابتسم في وجهها و دار بينها حديثا مطولا .... عاد إلى المنزل جلس على كرسي خشبي قرب السرير أخذ سيجارة ، يعرف أن حياته لا تنتهي بشكل جيد ، و يعرف جيدا أن مسألة اعتقاله مسألة وقت فقط ، لكن مهما تكون النهاية سأستمر في نفس الطريق ، طريق الحق و العدل و الحرية الحقيقية ، الإيمان بالمبادئ و الأخلاق أهم من الحياة ، لأن الحياة بدون مبادئ هي في نفس الوقت موت ، لأن الموت الفعلي هو موت الضمير و ليس الجسد ، قاطعت زيارة رفاقه تفكيره ، اخترق الأزقة و الشوارع ، متشردون و أوساخ في كل مكان ، وصل إلى غرفة في ركن أحد الدروب دق بانتظام و أعاد مرة أخرى ، فتح الباب عانقه عادل سائلا عن أحوال الجامعة ، فأخبره بأخر المستجدات في حضرة سهام .
عاد إلى منزله ارتمى على السرير يتقلب يمينا و يسارا ، يضع الوسادة على رأسه و هو يفكر في الغد ، هل سينجح الإضراب .... دقات قوية على الباب قاطعت تفكيره ، نهض مفزوعا فوجد سهام تخبره أن عادل تم اعتقاله فهوى على كرسي و تمددت سهام بجانبه ....
في اليوم الموالي تسلل إلى الجامعة ، بدأ الإضراب و اختلطت الشعارات بالصفير ، بصوت سيارة البوليس و القنابل المسيلة للدموع ، و الرصاص المطاطي ، و الحجارة .... كسور و جروح و اعتقالات ، طوقت الجامعة و بصعوبة كبيرة وصل عبدو إلى المنزل ، التحقت به منى، سألها عن عادل فقالت إنه بخير و قال المحامي أن مدته لن تقل عن خمسة عشر سنة ....
في اليوم التالي جات منى تحمل بعض الطعام و لتطمئن عليه ، لم ترى شخصا مثل هذا في حياتها ، يتحدث بلطف يحب الناس يثور في وجه الأعداء ، يتنفس الحرية يكسر العادات و التقاليد ، لا تستطيع أن تنسى حديثا مع صديق له ، نحن لنا حياة بديلة ، نريد للشخص أن يحيا إنسانيته نريد أن نعيش الحب الحقيقي أن نعيش الحرية و العدل و المساواة ، نريد مجتمع المساواة و الإحترام و ليس مجتمع الخوف ، نريد الوضوح و لا نريد التزييف و الخداع ، لذلك أحبته بجنون، لم يكن حبا روتينيا ، بل عشقها له كان إيمانا منها بمبادئه عن المرأة ، أحب فيها الإنسانة الطيبة الخجولة التي تحافظ على أنوثتها ، التي تعشق الحرية الحقيقية ، طوقت عنقه بيدها ووضعت شفتيها على شفتيه ، ارتمى على السرير ارتمت فوقه ، التصق جسدها بجسده بدأت تفتح أزرار قميصه ، بدأ يداعب حلمة نهديها تقبله من جبينه و صدره و عنقه و كأنها تحثه على الحركة و الاستمرار فتعالت أصوات النشوة بينهما .
تمددت على السرير و الخوف يِورقها على عبدو ، لأنه كسر جدار الصمت كما كسر العادات و التقاليد ، خرج عبدو إلى المقهى المجاور للبيت الذي يكتريه أخذ فنجان قهوة و أخذ سيجارة ، دخلت سهام متنكرة ، سجن عادل بخمسة عشر سنة سجنا و عليك أن تختفي ، قبلته قبلة خفيفة امتلأت عيناها بالدموع و غادرت ...
انتهت من قراءة الكتاب ، أخذت السيارة و انطلقت تجاه المنزل رأت حشودا من الناس مجتمعين ، سألت أحد الأشخاص ماذا يجري أجاب ، قد تم اعتقال شخص اسمه عبدو يقال أنه إرهابي خطير ، قيد إلأى مخفر الشرطة و بدأ التحقيق معه .
وجهت له مجوعة من التهم ، فأجاب أن محاكمته خاطئة ليس أنا من يجب أن يحاكم ، و لكن الظروف يجب أن تحاكم ، أنا فقط عاشق للحرية ، عاشق للحياة ن عاشق للسلم ، حاكموا الفقر ، حاكموا الاستبداد ، حاكموا الظلم ، حاكموا الإرهاب .......
انتفض أحدهم فقال يجب أن يعدم ، فأجاب أعدمت يوم ولدت لكن مبادئي تستمر ، و موت الجسد أقل ضررا من موت الضمير ، في تلك اللحظة وصلت منى لم يسمحوا لهل بالدخول ، لكن عندما عرف أحدهم أنها تنتمي إلى عائلة غنية سمح لها ، عانقته بقوة و قبلته لتستفز أعداءه ، سقطت دمعة على خدها الأيسر و قالت كان الموت و مصيري ربطته بالموت و المجهول .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-


.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ




.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ


.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني




.. بعد فيديو البصق.. شمس الكويتية ممنوعة من الغناء في العراق