الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ندوة حول كتاب جاك غودي : سرقة التاريخ. أو كيف فرضت أوروبا قصة ماضيها على باقي العالم

العربي عقون

2017 / 4 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


جاك غودي (1919-2015) Jack GOODYكاتب ومفكر بريطاني أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة كمبريدج كانت دراساته الميدانية في شمالي غانا قد أوصلته إلى رفض المركزية الأوربية وكأنه وهو في أفريقيا غيّر موقعه وأصبح ينظر إلى أوربا بعين أخرى وبعقل آخر خال من الاستعلاء الكولونيالي ومن مركب العظمة الذي ظل مهيمنا على الفكر الأوربي أيام الإمبراطوريات الاستعمارية وهذا هو الدوافع الذي كان وراء إصداره للكتاب محل الندوة التي نظمها قسم الفلسفة بجامعة قسنطنة II بمبادرة واقتراح من الأستاذ الدكتور رشيد دحدوح رئيس قسم الفلسفة وترأسها الدكتور عبد الله بوقرن أستاذ الفلسفة بنفس القسم وحضرها أساتذة من قسمي الفسلفة والتاريخ وكذا طلبة الماستر والدكتوراه .
https://fb-s-c-a.akamaihd.net/h-ak-xft1/v/t1.0-0/p235x350/17952749_1432820900071838_7802885458713583276_n.jpg?oh=396a278091f0acc308e8c3d314c94f30&oe=597FFE67&__gda__=1503071266_5b6388a036f6c5e6596d9b351e0ed157
الكتاب من الحجم الصغير يقع في 610 صفحات ، كان قد صدر سنة 2006 بالانكليزية بعنوان The Theft of History وصدرت ترجمته الفرنسية سنة 2010 بعنوان Vol de l’Histoire مع عبارة مفسرة له وهي Comment l’Europe a imposé le récit de son passé au reste du monde التي يمكن ترجمتها إلى العربية بهذه الصيغة : كيف فرضت أوربا قصة ماضيها على باقي العالم ؟
يقول الناشر : مرة أخرى، ومثلما هو الحال بالأمس القريب في شأن الأسرة في أوروبا أو مكانة الكتابة في حضارتنا، يأتي جاك غودي لتعكير صفو المؤرخين بالطعن في قناعاتهم. في هذه القضية التي أثارها الانتروبولوجي البريطاني، ونحن نخمن بالفعل ماذا سيكون جواب هؤلاء الذين سببت لهم مثل هذه "المبالغات" قلقا كبيرا فالمقارنات ليست صحيحة لكن هذه هي رؤية جاك غودي !
القضية المثارة هي "سرقة أو اختطاف التاريخ" أي سيطرة الغرب على تاريخ العالم انطلاقا من مسرح الأحداث التي عرفتها أوربا ؛ هذه القارة التي تصورت وفبركت الماضي وفقا لأمجادها قامت بفرض تمثلاتها تلك على باقي الحضارات وأصبحت تدّعي اختراع الديمقراطية والإقطاع ورأسمالية السوق والحرية والفردانية وكذا حب الآخر وهذا كله نتاج الحياة الحضرية والتصنيع .
قضى جاك غودي سنين عديدة في أفريقيا وهو ما جعله اليوم يضع عددا من تلك "الاختراعات" التي يفخر بها الأوربيون موضع شك وهي اختراعات موجودة حسب رأيه لدى مجتمعات عديدة في الحالة "الجنينية" على الأقل .
في مداخلتها تحدثت الدكتورة نورة بوحناش عن الدولة الوطنية" ما بعد الكولونيالية عن أسسها وهياكلها وفلسفتها وهي أي الدولة الوطنية بين التطلع إلى اللحاق بركب التقدم من جهة وبين العوائق التي يسببها الموروث الماضوي المغالي في ماضويته لذلك وجدت نفسها في مأزق المصطلحات والرموز وكيف ترقى بأفراد شعبها من مجرد رعايا Sujets قبل الفترة الكولونيالية وأهالي Indigènes خلال الفترة الكولونيالية إلى المواطنةCitoyenneté وأخيرا فشلت في إقامة نظام حداثي ديمقراطي مع استيقاظ غول حب الزعامة والنزعة القبلية فسقطت صريعة الانقلابات العسكرية التي تذكرنا بدولة المتغلب في التراث العربي الإسلامي .
تلاها الدكتور عبد الناصر جبار الذي تحدثّ بإسهاب عن مضمون الكتاب وعن الاستيلاء على التاريخ الذي وصفه بالنهب المنظم من قبل منظِّري الفكر الأوربي انطلاقا من التاريخ الروماني الذي بنوا عليه فلسفتهم السياسية واعتبروه إرثا خاصا بهم مع أن الإمبراطورية الرومانية كانت إمبراطورية عالمية توالت على حكمها أسر إمبراطورية من مختلف شعوب الإمبراطورية مثل الأسرة السيويرية الشمال أفريقية بل إن روما كانت تحسن احتواء الشعوب التي هيمنت عليها فها هو فيليب "العربي" مع انه من المقاطعة العربية (Provincia Arabia) يصل إلى سدّة العرش الإمبراطوري في روما ذاتها فلماذا يكون تاريخ وتراث روما أوربّيا فقط بل وممتدا في الإمبراطورية الجرمانية التي أطلقت على نفسها اسم الإمبراطورية الرومانية المقدّسة ؟ يتساءل المحاضر مع أن الجرمان كانوا خارج الإمبراطورية وخارج الحضارة الرومانية التي هي حضارة متوسطية بل إن الرومان ذاتهم أصبحوا أقلية في الإمبراطورية التي اغتنت بإسهامات نخب الأقاليم والمقاطعات .
في مداخلة الدكتور بن علي عبد الغني حديث عن نقد الاستشراق وأورَبَة الإنسان وفقدان الهوية والفصام والاستلاب ؟ اعتمادا على رؤى ادوار سعيد ، كما تناول الدكتور احمد حداد موضوع استمرار التبعية الثقافية في الدولة ما بعد الكولونيالية وانعكاسات ذلك على المنظومة الفكرية في العالم العربي .
وفي الأخير ختم الدكتور عبد الله بوقرن منظم اليوم الدراسي بمداخلة تطرق فيها إلى مكانة التراث العربي – الإسلامي في الحضارة الإنسانية ومع وجود غُلاة في الضفة الأخرى لا تخلو منهم أي حضارة إلا أنّ هناك منصفون وموضوعيون ولعل جاك غودي واحد منهم وهو في كتابه هذا يعبر عن رفضه للمركزية الأوربية بل إن أوربا التي قادت العالم في العصر الحديث يمكن أن تصبح من الماضي فدلائل انتقال زعامة العالم إلى فضاء آخر تتضح تدريجيا .
في مداخلتنا الموجزة أشرنا إلى أن جاك غودي يتحدث عن التحقيبPériodisation الأوربي لتاريخ العالم في هيكلة تركيبية تجعل حركية التاريخ في أوربا بمثابة طليعة فكل الأحداث الكبرى التي نقلت "العالم" من عصر إلى عصر هي أحداث أوربية : سقوط روما كنهاية للتاريخ القديم وبداية للتاريخ الوسيط ، وسقوط بيزنطة كنهاية للتاريخ الوسيط وبداية للتاريخ الحديث والثورة الفرنسية كنهاية للتاريخ الحديث وبداية للتاريخ المعاصر وداخل كل عصر حوصلة لكل الاختراعات والإبداعات ... التي انفردت بها أوربا فحق لها بذلك أن تهيمن على العالم وان تنشر أنوار حضارتها على المعمورة لكن المتدخلين في الندوة اكتفوا عموما بالنقد الخارجي أي نقد الآخر "الأوربي" الذي هو نصف المشكلة وعدم التطرق بالنقد للنصف الآخر وهو الأهم وهو النقد الداخلي والبلدان العربية التي قامت بـ "ثورة خارجية" لطرد الاستعمار لم تقم بثورة داخلية ولم تقم بنقد "داخلي" ولا تزال في حالة بائسة من النرجسية التي تمجد الماضي وتقدسه بل جعلت مدارسها وجامعاتها أسيرة الماضي "المقدّس" وتم العبث بالعقول والأفكار وذلك بالنكوص Régression الذي يعرفه المتخصصون في العلوم التربوية والنفسية فهذه أيديولوجية تُمنينا بخلافة "لا يظلم فيها أحد" فتصدق عامتنا الساذجة وتنتفض وتلك أيديولوجية أخرى تُمنينا بإمبراطورية ممتدة في قارتين وتجعل بلدنا مجرد "قطر" سيدفع الخراج ذات يوم ويأتيه عامل يذكرنا بابن الحبحاب ... ونحن طليعة هذا العالم العربي البائس ... لماذا نخاف من النقد الداخلي بل لماذا نخشى من العقل ؟ أليس العقل نعمة ربانية جديرة بالاحترام والتقدير !
لقد كانت مساهمة الشمال الأفريقي في الحضارة الرومانية مساهمة فعالة وصلت إلى حدّ أفرقةAfricanisation روما باعتلاء السيويريين العرش الإمبراطوري الروماني بل إنّ كاركلّة السيويري هو صاحب قرار منح المواطنة لجميع أحرار الإمبراطورية الرومانية وهذا عمل يحسب لنا في شمال أفريقيا ومع ذلك تنازلنا طوعا عن هذا التاريخ المشرق لأنّ الرومان "مستعمرون" أليس من الواجب اليوم أن نسترجع تاريخنا ألا يستحق كاركلّة ملتقى للتعريف به وبأعماله لقد كان أسلافنا أحسن فهما وإدراكا منا عندما أقاموا له أقواس نصر أبرزها قوس في جميلة وآخر أفخم وأعظم في تبسة ، كما أنني لا أعرف ما إذا كان فيليب العربي قد احتفي به أو نُظم له ملتقى في سوريا باعتباره أصيل بلدة شهبا السورية.
في الحديث عن الاصطلاحات ينبغي لطلبتنا أن يفهموا أن العربية توقفت في قاموس ابن منظور ومن يومها لم نصنع شيئا لننفرد بتسميته وكادت لغتنا العربية أن تصبح من الماضي على غرار اللاتينية والإغريقية القديمة لكن الدفعات الأولى من خريجي مدارس الإرساليات في عهد الامتيازات الأوربية في الشرق العربي احتكت باللغات الأوربية الحية فاهتمت بتحديث اللغة العربية (ولا ننسى هنا محنة تحريم المطبعة خوفا على طبع قرآن محرّف) وعن طريق الاشتقاق ابتدعت مئات المصطلحات والكلمات والصيغ الجديدة التي كانت قد ظهرت في قواميس اللغات الحية الأوربية معبرة عن التطور الفكري والتقني ... والحديث في هذا الموضوع يطول ... وصنعت العربية الحديثة » « L’Arabe Moderne فعندما تقابَل كلمةAutomobile - التي تعني حرفيا : ذاتي الحركة - بكلمة سيارة ليس لأن السيارة هذه صنعت في بيئتنا الصناعية بل لا وجود لهذه البيئة عندنا وما فعلناه هو أننا اخترعنا كلمة وهذا الوضع ينسحب على باقي المئات من الاصطلاحات الحديثة في مختلف العلوم ومن يخترع شيئا يخترع له اسمه الأصلي المطابق له الذي لا يمكن أن يكون محل جدل .
وفي الحديث عن كلمة "استعمار" التي أصبحت محل جدل نقول إن الكلمة وضعت من قبل المجمع اللغوي لتقابل كلمة Colonialisme المشتقة من الكلمة اللاتينية Colonia التي تعني "جالية" أي جماعة تعيش خارج وطنها أما كلمة colonisation فتعني "توطين" أو إنشاء مستعمرةColonie وهناك فرق ليس كبيرا بينها وبين كلمة Colonialisme التي تعني النزعة إلى احتلال بلدان أخرى لكن كيف نجد مصطلحين واضحي الدلالة للكلمتين في العربية ؟
لقد قام الاحتلال الأوربي فعلا بتوطين جاليات أوربية في البلدان التي احتلها وبالنسبة إليه يعد هذا العمل استعمارا وإذا كان بعضنا لا يوافق على هذا المصطلح لأنه يحمل في العربية معنى ايجابيا للمستعمِر وليس للمستعمَر وهو فعلا كذلك فمن حقه بل من الواجب عليه أن يضع الاصطلاح الأكثر دلالة فماذا تفعل المجامع اللغوية العربية وهي المعنية بمثل هذه المواضيع ؟
في الأخير نجدد شكرنا لقسم الفلسفة ولكلّ من الأستاذين رشيد دحدوح وعبد الله بوقرن اللذين جمعا الفلسفة والتاريخ في هذه الندوة القيّمة على أمل أن تتكرر مثل هذه الندوات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ضربة في الصميم
الشهيد كسيلة ( 2017 / 4 / 23 - 19:15 )
مقالات الدكتور كلها تصيب الهدف ولا شك انها ضرباتها موجعة لشراذم الظلاميين ولقدت يا دكتور في وصفك لهم بالنكوصيين واظن انه لا احد سبقك الى هذا الوصف الدقيق
فحال هؤلاء الذين يبشرون بالخلافة ويغررون يالعامة التي لا تعرف ان خلفاء بني امية وبني العباس كلهم فسقة وشاذين ومنحرفين وهم يزعمون انهم يمثلون دينا سماويا والعامة غير مطلعة على كل تلك المجاسة التي تملا قصورهم لان الفقهاء
منحوهم صكوك الغفران
لقد اصبت الهدف
شكرا


2 - لن يأتينا أي خير من الشرق 1
إبن الجزّار ( 2017 / 4 / 25 - 13:09 )
الثقافة السائدة في شمال إفريقيا تُغيِّب المَحلّي وتفرض التبعية إما للشرق أو للغرب: الشرق لماضيه (المقدس) عند المؤمنين والغرب لحاضره المجيد عند (المستنيرين)، الفصام يبلغ أشده عند الذين يجمعون بين الإثنين أو يتوهمون ذلك تحت مسمى التراث والحداثة. لا أتصوّر أن الحقيقة تخفى على المختصين والدارسين وأصحاب العقول الحرة، فإدعاء المجد كله للغرب غير صحيح وكمثال ما نقله الكاتب عن جاك غودي ((.. وهي اختراعات موجودة حسب رأيه لدى مجتمعات عديدة في الحالة -الجنينية- على الأقل)): أعطي مثالا وهو العلمانية التي من أهم دعائمها التعدد وقبول الآخر المختلف، ففي جل المجتمعات قبل الأديان الإبراهيمية كان تعدد الآلهة هو الميزة لثقافات متنوعة وتعددية، لذلك يمكن أن نجزم أن البذرة الأولى للعلمانية كانت سابقة على عصر الأنوار بكثير. هذا لا يعني إنكار فضل الأروبيين وعلمائهم وفلاسفتهم العظام طبعا ولا يعني أيضا مواصلة ترديد الأوهام حول ((مكانة التراث العربي–الإسلامي في الحضارة الإنسانية)) الذي إقتصر دوره على الترجمة وبأيادي أغلبها غير عربية وغير مسلمة ولا يجب أيضا تهويل دور بعض العلماء والفلاسفة كإبن سينا وإبن الهيثم وإبن


3 - لن يأتينا أي خير من الشرق 2
إبن الجزّار ( 2017 / 4 / 25 - 13:10 )
رشد وغيرهم وإن شططنا وهوّلنا علينا أن لا ننسى أنهم لم يكونوا عربا ومسلمين.
ختاما؛ من جهِل تاريخه سمح بتبعيته للغير، من تشدّق بالغير عاش أبدا عالة عليه، لا أرى مستقبلا قادما من الشرق بل المستقبل لن يكون إلا مع الغرب وقبل كل شيء يجب الإنطلاق من الذات بعد معرفة حقيقتها والتصالح معها.

اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن