الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من تجاربى الشخصية مع الدين 2

زاهر زمان

2017 / 4 / 23
سيرة ذاتية


فى ذلك الزمان بعد بدايات النصف الثانى من القرن العشرين ببضعة سنوات ، وعقب طرد الملك فاروق من مصر، واستلام الحكم بواسطة ضباط ثورة يوليو 1952 ، لم يكن فى المدينة التى ولدت فى أقاصى الصعيد ، أية أماكن لتربية الأطفال أو تعليمهم ، سوى بضعة كتاتيب متناثرة هنا أو هناك ، فى بضعة مساجد حول المدينة ، وكانت مهمتها الرئيسية تقوم على تعليم مبادىء القراءة والكتابة للأطفال الذين يرغب أهلوهم فى ذلك ، ثم تحفيظهم القرءآن ترتيلاً وتجويداً مع بضعة أحاديث نبوية ، الى جانب تعليمهم فروض الاسلام كالصلاة والصوم وغيرها ، مقابل بضعة قروش شهرية ، يتقاضاها ‘‘ الفقى ’’ ، وأحياناً مقابل كيلة من الطحين أو القمح أو حتى دجاجة ! لم يكن هناك مدارس حكومية سوى مدرستين ابتدائيتين قامت ببنائهما حكومة الضباط الأحرار ، التى كان يترأسها جمال عبدالناصر فى ذلك الوقت ، بعد الإطاحة باللواء محمد نجيب ، الذى كان ضباط يوليو قد صدروه للرأى العام الدولى والمحلى على أنه قائد الثورة على فاروق ، وذلك لضمان عدم تمرد قادة الجيش من الرتب الكبيرة ، التى كانت تعلو رتبة المدبر والمفجر الحقيقى لثورة يوليو : البكباشى جمال عبدالناصر . كانت هناك أيضاً مدرسة وحيدة تابعة للأزهر ، يدرس فيها الأطفال حتى نهاية المرحلة الأولية ، ثم يذهب من يريد منهم اكمال تعليمه الى القاهرة للحصول على شهادة ‘‘ العالمية ’’ ، التى تجيز له أن يصبح مدرساً أو فقيهاً وعالماً فى فرع أو فى عدة فروع من العلوم الدينية ! وبغض النظر عن ضآلة عدد المتعلمين فى ذلك الزمان بالقياس إلى عدد سكان تلك المدينة، إلا أن الصبغة الدينية كانت هى الغالبة على التربية والتعليم فى ذلك الزمان ! كانت الأمية هى السائدة بين سكان تلك المدينة ، التى كانت الغالبية الساحقة من أهلها مزارعين أو عمال أو حرفيين أو بقالين ؛ فقد كانت غالبيتهم يفضلون انخراط أبنائهم معهم فى المهن التى يتكسبون منها معاشهم ! أولاد الفلاح يصيرون فلاحون بالوراثة ، وكذلك أبناء العمال والحرفيين والبقالين وهلم جرا ! قلة قليلة من كانت تهتم بإرسال أبنائها للتعلم فى الكتاتيب أو فى مدرسة الأزهر أو فى المدرستين اللتين أنشأتهما حكومة ثورة يوليو آنذاك ! لم أكن بالطبع فى ذلك الزمان أدرك شيئاً عن تلك التصنيفات الخاصة بديموجرافية سكان تلك المدينة أو عن نوعية التعليم وحجمه وتبعيته ؛ فلم أكن فى تلك الأيام قد بلغت عامى السادس بعد . كنت فى بدايات العام الخامس – على ماأتذكر – ولم تكن اهتماماتى تختلف كثيراً عن اهتمامات أى طفل عادى فى مثل تلك السن ، عندما أشار أحدهم على والدى بأن يبعث بى إلى كتَّاب الشيخ ‘‘ مبروك ’’ لتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرءآن ، بدلاً من قضاء الوقت كله فى اللعب والمشاحنات الصبيانية ، مع أقرانى أو حتى من يكبروننى فى السن من أبناء وبنات الجيران فى حارتنا ؛ والتى كان سكانها كأنهم أبناء عائلة واحدة ، رغم مابينهم من تفاوت فى الأرزاق وفى الانتماءات ؛ بل وحتى فى الدين ! كنت تراهم دائماً يداً واحدة فى المناسبات وفى الأعياد الدينية ؛ لا فرق بين مسلم ومسيحى الا عندما يدخل المسلم المسجد ، ويدخل المسيحى الكنيسة ! حتى الأسماء – بالنسبة لى أنا على الأقل - لم يكن لها أية دلالات دينية فى ذلك الزمان ! فأحمد أو محمد أو مصطفى أو بطرس أو حنا أو جرجس ، كانوا جميعاً مجرد أسماء لأطفال ألعب أو أتشاجر معهم لأتفه الأسباب ، أو أسماء لكبار أصدقاء لوالدى يأتون الينا فى المساء للسمر وتدخين المعسل وشرب الشاى الحبر الصعيدى مع والدى ، وتجاذب أطراف الحديث فى مايجرى من حولهم ومايختص بمعايشهم وغيره من الأحوال التى كانت تشغل الناس فى ذلك الزمان ! لم تكن تلك الروح الوهابية البغيضة قد تفشت بين المسلمين فى مصر فى ذلك الزمان كما هى الحال منذ بداية سفر المصريين بالملايين ، للعمل فى دول الخليج من بدايات الثمانينات وحتى يومنا هذا ! فى ذلك الزمان كان من النادر أن يغترب المصريون للعمل فى أى مكان خارج مصر ، وكانت حكومة الثورة الوليدة آنذاك تعمل جاهدة لتاصيل الهوية المصرية بعيداً عن التيارات الاسلامية الأصولية التى تتسم بها الدول الخليجية بوجه عام والمملكة السعودية بوجه خاص ! حتى عندما كنت أذهب الى كتَّاب الشيخ ‘‘ مبروك ’’ ، لا أكاد أتذكر أن الشيخ تطرق فى أى يوم من الأيام بذكر المسيحيين بما يسوؤهم ، وانما كان جل اهتمامه منصباً على تحفيظنا القرءآن ومعاقبة المقصرين فى الحفظ بمدهم على أقدامهم ‘‘ بالفلكة ’’ ! لم يكن المشايخ فى ذلك الزمان يعمدون الى ترسيخ الهوية الاسلامية فى وجدان النشء عن طريق الطعن فى الهويات الدينية المغايرة ، كما هو الحال الآن فى الالاف المؤلفة من كتاتيب التحفيظ الخاصة التابعة للتيارات الاسلامية الراديكالية كجماعة حسن البنا أو السلفيين أتباع الحوينى وبرهامى وغيرهم من شيوخ توظيف الدين للتخديم على حشد البسطاء والعوام منذ بدايات الادراك من أجل الوثوب على كرسى السلطة ! كان كل هم الشيخ من هؤلاء هو أن يختم الطفل القرءآن حفظاً وقراءة وتسميعاً ، دونما أى شرح أو تفسير أو تعمق فى أسباب النزول وغيرها من فروع العلوم الاسلامية !
لم أكن متفوقاً على أقرانى فقط فى الحفظ والتسميع ، وإنما كنت كذلك متفوقاً حتى على بعض من كانوا يكبروننى فى العمر ، وكان الشيخ يتفاخر بى أمام والدى ! وبالطبع كان لذلك التفاخر بى أمام والدى أثر السحر فى تعلقى بالحفظ القرءآن وبالكتَّاب ، وكل مايرتبط به من قريب أو بعيد كالصلاة والأذان والتواشيح الدينية والموالد وخاصة مولد ‘‘....... ’’ ، الذى كان يقام فى النصف الأول من شهر شعبان من كل عام .
يتبع
بقلم زاهر زمان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جميل ورائع أن تحفر فى الصخر
سامى لبيب ( 2017 / 4 / 23 - 13:29 )
تحياتى حبيبنا زاهر
رسمت لنا بشكل رائع صورة عن الجذور لأحس بمناخها وأبعادها وخطوطها ورائحتها لأشيد بك كإنسان إستطاع فى خضم هذه الأجواء أن يتوقف ويتأمل بعدها ويرسم طريقه.
توقفت أمام الجيرة والحميمية التى جمعتك مع مسيحيى القرية فهكذا كان مناخ وحضارة مصر قبل الهجمة الوهابية برعاية السادات.
أرصد حال المسيحيين فى هذا الزمن فلم تكن هناك أسماء قبطية خاصة بل كانت الأسماء مشتركة كعادل ومجدى وساامى ألخ فمن هذه الأسماء يوجد المسلم والمسيحى.
عندما بدء الإستقطاب الطائفى والتعصب لجأ المسيحييون إلى أسماء قبطية قديمة كمينا وكيرلس وبيشوى كشكل من أشكال الشرنقة الطائفية ثم يعقبها أسماء غربية كمايكل وجون ألخ كشكل من أشكال التيه والإنسلاخ عن الهوية المصرية ولم يعد هناك أسماء مشتركة كعادل ومجدى وسامى !!
هذا التحليل البسيط يفسر حال مصر ونسيجها الوطنى فلم يعد كما كان فى زمانك وزمانى صداقات بين مسلمين ومسيحيين ليتشرنق الجميع فى شرنقته لأجد إبنى ليس لديه صداقات مع مسلمين سوى اثنين ذو ميول شيوعية .


2 - زاهر على الدوام
الرصافي ( 2017 / 4 / 24 - 00:49 )
مستمرين معك على الدوام ونريدها يومية ..مع الشكر


3 - المال ياصديقى اللبيب سامى لبيب
زاهر زمان ( 2017 / 4 / 24 - 08:55 )
لقد أدرك ضباط ثورة يوليو أهمية أن تكون مستقلاً فى قراراتك وفى توجهاتك وأنك لكى تحقق الاستقلال عليك أن تكتفى ذاتياً ، ولذلك كان شغلهم الشاغل هو احداث نهضة اقتصادية ترفع من مستوى معيشة المواطنين ، ولا يحتاج الأمر للعمل خارج الوطن ، وخاصة العمل فى الدول التى كان يأتى منها الولاة لحكم مصر على مدار عمر الخلافة الاسلامية ! كان الضباط يعلمون مدى تأثير الثقافة الدينية السائدة فى تلك البلاد على من يذهبون للعمل هناك ، بل كان ضباط يوليو يرسلون بعثات تعليمية الى تلك البلاد على أمل أن تحدث نوعاً من التنوير والاعتدال بين مواطنى تلك الدول ، وكانت مصر تتكفل آنذاك بدفع رواتب تلك البعثات من خزانة الدولة المصرية ! لكن الأمور تغيرت رأساً على عقب بعد ظهور النفط فى أراضى تلك الدول ، وفى المقابل تدهورت الأحوال الاقتصادية فى بر مصر بسبب الحروب التى تم اقحام الشعب المصرى فيها وبالأخص المشكلة الفلسطينية ! خلاصة القول أن الملايين التى اضطرت للسفر والعمل فى تلك الدول ، عادت الى قرى ونجوع مصر وهى تحمل فيروس التطرف والأصولية الدينية فى وجدانها !
تحياتى


4 - يسعدنى جداً تواجدك معى أخى الرصافى
زاهر زمان ( 2017 / 4 / 24 - 10:10 )
رغم انشغالى بأمورى الحياتية ، ورغم الحصار المفروض علىَّ حتى من أقرب الناس لى ، لمنعى من مجرد التواصل مع موقع الحوار المتمدن ، لعدم رضاهم عن موقفى من الأديان الابراهيمية ، الا أننى سأحاول قدر طاقتى الاستمرار فى نشر تجاربى الشخصية مع الدين ، مهما كانت النتائج .
تحياتى لحضرتك

اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت