الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عود قصب

دينا سليم حنحن

2017 / 4 / 23
الادب والفن


عـــــود قصـــب
دينا سليم حنحن
تركت له الوردة تتخبط بسحر جمالها على المنضدة، فهذا كل شيء تبقّى منها ومنه بعد انقضاء ليلتهما الأخيرة.
القيتارة معلقة على الجدار وصوره تملأ المكان، حتى حذاؤها تركته له فلربما يقوم بتصويره كما صور الأحذية المعلقة على الجدران، أحذيته هو لا تشبه أحذية رعاة الأبقار ولا ألفيس بريسلي، هي أحذية من نوع مختلف داست فساتين الحكايا، لكل فستان حكاية ولكل ثوب قصة امرأة خلعت حذاءها في يوم ما لكي تهديه له محبة وعشقا بعد انقضاء ليلة صاخبة لكي تلبي له طلبه... (ما له والأحذية)؟ سألت نفسها كثيراَ.
تركت له كأس النبيذ ملآنا حيث لم ترتشف منه سوى رشفة وحيدة فيطبع شفاهه اللذيذة على بصمة شفتيها، مكيدة كادتها له فلربما لن ينسى تلك الليلة الراعشة.
كل خطوة خطتها في منزله هاتيك الليلة اعتبرتها نزوة، والنزوات في حياتها معدودة، انفرطت حكايتها معه بأسرع ما يمكن، كما انفرطت طبقات الوردة عن أمها بعد أن ذوت وذابت قبل سقوطها!
عود القصب في الزاوية ينحني للقادمات، يتبدّل فجأة ويصبح زنبقا، ثم ينكسر أمامهن فيتحول إلى عود قصب مهيء للكسر..لقد انحنى لها أيضا، خطر ببالها أن تنحت اسمها بباطن الغصن، لكنها عزفت عن ذلك!
أحبته، لكنها كشفت ألاعيبه فتركته حالا، لحق بها يتوسلها البقاء فلم تبدأ قصتهما بعد، صفعته صفعة وحيدة ثم غادرت سريعا تنحني للزنبقة لحظة خروجها.
عاد إلى مخدعه يعد الصفعات التي تلقاها من بعدها، هي صفعة واحدة فقط التي تركت آثارها على خده لسنوات طويلة، لماذا هي بالذات التي تركت آثارها تنخر داخل عقله طوال تلك السنوات؟ سأل نفسه
من بعدها، حوّل القبو إلى مدفن دفن فيه صور أحذيته، كمن يدفن الحكايا القديمة واللحن الحزين يبكي على عمره الذي فات، لم تستطع القيتارة إيناس وحدته.
ومرت الآيام ساخرة وإذ بها تلتقي به مجددا في مكان غريب وناء جدا، حاصرتهما أغنية أحباها "

Through the door there came familiar laughter
I saw your face and heard you call my name
Oh my friend we re older but no wiser
For in our hearts the dreams are still the same
عبر الباب جاء صوت ضحك مألوف
رأيت وجهك وسمعتك تنادي اسمي
آه يا صاحبي
لقد تقدمنا في العمر لكن لم نزدد حكمة
ففي قلبينا ما زالت الأحلام كما هي".
تاهت منها الطريق في بلد معزول، أمسكت الخريطة بين يديها المرتجفتين عندما توجهت له بالسؤال، بما أنه محلي، ركن على جانب الطريق تاركا المحرك مشتعلا وباب مركبته مفتوح إزاء الريح التي عصفت به مترنحا رغم ثقله، تقدّم نحوها بخطوات الرجل الفلاح المقدام والنشيط والقوي.
في طريق المزارع الشاسعة التقيا مجددا..(هل .. أنتِ)؟ اختنق السؤال في حلقه.
من المحرج أن تطيل النظر إلى أصابع غليظة لرجل سلبت الأرض منه شبابه ..
من المحرج أن تنظر في وجهه وتجده وسيما رغم سنواته الخمسين..
من المحرج ألا ترد له الابتسامة عندما حاول إرشادها إلى الطريق الأقصر لوصول هدفها المنشود...
من المحرج أن تبقى بصماته راسخة على خارطة الطريق ...
من المحرج أن تضيع الطريق منهما والخارطة بين يديها..
من المحرج أن تحتفظ بالخارطة عندما تنتهي منها، ولا تستطيع التخلص من حركات أصابعه الغليظة ونظراته الدافئة!
لم يغمض لها جفن طيلة تلك الليلة الغريبة، انتقلت بذاكرتها إلى الماضي الذي جمعهما في يوم ما، الذكريات لا تنطفئ!
أطفأ زوجها المصباح وألقى التحية لها واستعد للنوم، وبقيت هي ساهرة تستعيد أحداث النهار، تقلبت داخل السرير، ونصحها بأن تحاول النوم لأن الطريق غدا إلى الجبال سيكون شاقا وطويلا، فرحلتهما لن تنته في هذه المدينة الصغيرة.
وعندما استفاق صباحا وجد عودا جافا من القصب يركن مكانها، ورسالة بيضاء فارغة إلا من كلمة واحدة.. (لنفترق).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا