الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر و التشكيلي السوري ناصر زين الدين... مفاتيح المدن الضائعة

اسامة كامل كيوركيس

2017 / 4 / 24
الادب والفن


من المؤكد إنه كلما تدنى حجم الأهمية المعطاة للفنون في أي مجتمع كلما إزداد فيه الإنسان تشوها، و لأن ما نمر به اليوم في أغلب الدول العربية، من فقر و قمع و حروب و صراعات و أزمات إنسانية، تشكل بمجموعها قوى إنسانية إنفلت عقالها، أضف إلى كل ذلك ما نجده من إنتشار لثقافة الإستهلاك، أخضعتنا جميعا لآليات السوق و قوانين العرض و الطلب حولت الإنسان و الإنسانية إلى مجرد أشياء، فكان من نتيجة كل ذلك أن امتلئ الإنسان بالقلق و اللامبالاة بالحياة و هو ما إنعكس بدوره على مجمل المشهد الثقافي العربي و ما فيه من فنانين و أدباء، و في وسط هذا الألم و عجز الإنسان عن أن يكون له صلة بالواقع، تأتي أهمية رسالة الأدب و الفنون التشكيلية، لما لها من عميق الأثر في الذات الإنسانية عبر غرس قيم العدالة و الحق و الجمال، فقيمة الإبداع الفني تتحدد بمدى إرتباطه بالناس و حياتهم كوسيلة للتقارب الذهني و الفكري فيما بينهم، ، و لأنه من بين قلة من الفنانين التشكيليين العرب إستطاع أن يجمع بين سحر القصيدة و سحر التشكيل ما جعل تجربته متميزة و تستدعي الوقوف أمامها مطولا، إنه الشاعر و التشكيلي السوري ناصر زين الدين، ما من أحد يقرأ بعمق تجربته الإبداعية يمكن أن يفوته هذا الإحساس بالآثار التي نفذت إلى أعماله عبر المزج الذي عمل عليه بين نتاجه الشعري و الفني لتكون القصيدة رافدا للوحة الفنية مكملا كل منهما الآخر، فبرهن بذلك على الإخوة الحقة بين قصائده الشعرية و أعماله الفنية، مما يعطي الفن عمقا في المضمون و الإثمار بالمعنى، ينتمي ناصر زين الدين إلى تيار التعبيرية الواقعية عبر تجربته الفنية و الغنية بجذورها و مساراتها و التحولات التي رافقتها، أنجز خلالها عشرات اللوحات الزيتية و المائية و العديد من المجموعات الشعرية، ناصر زين الدين يرسم في إندفاع حسي و رغبة في الإنطلاق إلى اللامحدود مستندا إلى تمكن ثقافي و حرفي و براعة فائقة لا يملكها إلا شاعرا، من إبداع أعمال تترك في المشاهد أعظم الأثر فيبصر فيها الجمال و الشعر معا فيما يعترض عينيه، عكست مواقفه الإجتماعية و التزامه تجاه قضايا الإنسان العربي، هو فنان و شاعر المدن الذي تمكن من رصد غربة الشاعر / الفنان المعاصر بالمدينة فعندما نتأمل في لوحات ناصر زين الدين و نتفتح لها نجد إنها قد تفتحت هي لنا، إن لكل لوحة مذاقا خاصا، و ترنيمة تناغمية مختلفة، لكنها جميعا مسكونة بنظرة فاحصة و ثاقبة، إتخذ من موضوعات الطبيعة، الطفولة، الذكريات، المرأة، الرجل،(الجسد الإنساني)، الحياة الجديدة للمدينة، أساسا لموضوعاته مبتعدا عن النسخ أو المحاكاة المطابقة للطبيعة، لأنه أدرك بوعي الشاعر إن العصر الذي نعيشه هو عصر الأزمات، لم يخن صداقته مع الكلمة و اللون و الخط (اللوحة) فهذه بالنسبة له من أوليات الحياة، إن جسد المرأة لايعنيه بحال من الأحوال بإعتباره سلعة أو دعوى للإستهلاك أو الإستمتاع الجسدي، فمنح بذلك الطبيعة معنى الإستمرار المثير و كمسافر بين المدن الخضراء من مدينة دمشق إلى المدن وسط البيداء الإمارات العربية المتحدة حيث يعمل مدرسا لمادة التربية الفنية، إستطاع الإرتقاء بالقضية التي يتناولها إلى إعطائها بعدا فلسفيا عميقا، فالإنسان/المدينة/الحلم/ هي التي تنقل مواقف الشاعر و التشكيلي للملتقي عن الأحداث و المآسي التي تعيشها الحضارة العربية اليوم، مشيرا إلى الإزدحام و السرعة و جهل الآخر و فقدان التواصل، درجات الألوان و تدرجها و الحساب الدقيق لها بين سيطرة اللون الأخضر و مشتقاته حينا و ألوان ترمز إلى الصحراء و تدرجها الترابي و الترابي الأصفر حينا، جمعت في دلالاتها لإشارات و رموز و إضاءات، تكشف عن هذا التناول، أغناها بعلاقات حميمية أفصح فيها عن مواقف إنسانية نبيلة تستمد طاقتها من حالات التسامي الوجداني، فهو لا يقدم مفرداته إلينا دفعة واحدة بل لجأ إلى شيء من الغموض و الإيحاء الذي يفسح المجال لكل الإحتمالات و التساؤلات المزدحمة، رغبة منه في الإبحار بكائنات أحاسيس المتلقي للنفاذ إلى عمق العمل الفني لأن خلف كل المظاهر المرئية... تكمن الحقيقة، و إنك لتدخل إلى صمت و حزن قديم فالإنسان في هذه المدن محاصر يبغى الخلاص و يصرخ كأنه صيحات المعذبين على إمتداد صفحات التاريخ ، الشاعر / التشكيلي الذي يتوق إلى الحرية و إلى الإنعتاق من نمطية الحياة، لم يكن ذلك ممكنا، إلا بالسفر عبر الزمن ليهدم معالمها، فالمدن في أعمال ناصر زين الدين لم تعد ذات معالم معينة لها علاقة بمفهوم المكان، فهي تتلاشى كما تتلاشى الوجوه و الأحلام، يتلاشى الإحساس بها.. بالحياة، تجربة ناصر زين الدين تطفح بآلام و آمال كبيرة تتطلع إلى عالم جميل متحفز ينشد إزالة الحواجز التي تقف بين إنسان و آخر بحثا عن المدينة الفاضلة/ بإعتبارها مهد الحلم الجمعي.

و في عجالة سريعة :
الشاعر و التشكيلي السوري ناصر زين الدين عضو في إتحاد الأدباء العرب جمعية الشعر
تخرج من كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق 1990
حائز على دبلوم دراسات التصوير الزيتي
له خمس مجموعات شعرية:
سأفتح بابا لعطرك أو للرياح - 1996
منازل و طيور - 2001
أمير العزلة - 2005
هلوسة الطين - 2010
سحر الفن (عمل نقدي فني) - 2011
ما أجملك - 2017








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا