الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الارهاب يفجر المواخير في تونس ، من الضحية و من الجلاد

إقبال الغربي

2017 / 4 / 24
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة


تمكنت فرقة مكافحة الإرهاب التونسية من القبض على قيادي بتنظيم أنصار الشريعة التابع للقاعدة قبل لحظات من تنفيذه مخطط لتفجير ماخور نهج زرقون بالعاصمة تونس .
و كان الإرهابي منفذ الهجوم ينوي تفجير نفسه داخل بيت الدعارة، و قد قام بإرسال مخططه إلى احد أصدقائه الإرهابيين مبينا إليه بالتفصيل كيفية تنفيذ العملية ،حسب ما أوردته وزارة الداخلية التونسية.
و من المفارقات أن هذه الحادثة الأليمة أثارت لدى التونسيين موجات من الضحك و الاستهزاء و تعليقات ساخرة على شبكات التواصل الاجتماعي.
و تعتبر السخرية و الاستهزاء من الحيل السيكولوجية الرئيسية للسيطرة على الأوضاع السيئة والصعبة ، وهي أيضا آلية معروفة لإعادة ترتيب منظومة القيم والمعاييرفقد كشفت هذه الجريمة المسكوت عنه، و أعادت طرح مكانة و دور البغاء في مجتمعاتنا
فوجود البغاء اليوم هو نتاج منظومة استغلال و قسوة الإنسان على أخيه الإنسان.
وتاجرات الجنس، المعروضات للبيع في أسواق النخاسة الحديثة، هن طبعا بنات العمال و الفلاحين الفقراء و العاطلين المهمشين اللاتي اجبرن على بيع أجسادهن و تحويلها إلى أداة عمل مأجور.
ووضعيتهن وصمة عار على جبين النظام الاجتماعي السائد الذي يشجع البغاء سرا و علنا ،لأنه يمثل سندا يحافظ على مؤسساته الاجتماعية من الانهيار و يحمي أخلاقه المنافقة و المتشددة من أخطار العفوية و التحرر التمرد لأنه يعرف جيدا أن الحرية هي البنية الخاصة بالكائن البشري فالإنسان حر حتى وهو بين يدي الجلاد على حد تعبير جون بول سارتر.
فالمعروف أن الانضباط و النظام الصارم ضروريان لضمان دوران عجلة الرأسمالية ،وان كبت المشاعر و البؤس الجنسي استلزمته دواعي السيطرة السياسية و الاقتصادية التي لا تعترف بقيمة سوى قيمة النقود المدفوعة فورا.
فالمجتمع الحالي أساسه الصراع و حرب الكل ضد الكل فهو بالتالي ينتج ويدعم الدوافع العدوانية و يقمع دوافع التعاطف و الحب و السخاء المتأصلة في النفس البشرية . لذلك تقوم المنظومة السائدة بابتكار اشباعات بديلة و بارعة لتحويل مجرى الطاقات الفطرية إلى قنوات آمنة مثل فضاءات الدعارة و غيرها. و تعتبر اليوم تجارة الجنس و السلاح من أكثر أنواع الاتجار غير المشروع نموو ربحا حيث تقدر ميزانية السلاح ب 73مليار دولار و ميزانية الجنس التي تشغل اربعة ملايين امراة ب72 مليار دولار.
كما تعكس هذه الحادثة التركيبة السيكولوجية للفاعل الذي يجسد الميكروفاشية و تشوهاتها السيكولوجية بامتياز.
يعرف المحلل النفساني ولهالم رايخ "الميكروفاشية" بكونها : "مجموع ردود الفعل الانفعالية اللاعقلانية للإنسان المتوسط المضطهد من طرف الحضارة الاستبدادية التي أعاقت حركة الحياة الطبيعية عبر مصادرها الثلاثة : الحب والعمل الخلاق والمعرفة العقلانية ".
الإرهابي الذي حاول تفجير العاملات البائسات اسقط صراعاته النفسية الداخلية على ضحايا أبرياء .
يخبرنا علم النفس أن الميول الطبيعية التي يقع إعاقة مسارها لا تتلاشي بل تبقى حية في اللاشعور و تضل مستمرة في نموها ولكن بطرق منحرفة و غير سوية . فيتحول ضحية الحرمان العاطفي إلى بركان ، و يصاب بما أسماه النفساني الألماني رايخ ب"الطاعون العاطفي ". وهو غالبا ما يكون مسكونا بروح تبشيرية ، ولوعا بالتحكم بالآخر و بتوجيهه والتسلط عليه وهدايته إلى سواء السبيل ، معاديا لكل من يخالف نظامه الأخلاقي الصارم مكفرا لكل من يحقق ذاته و يحميها من مصادرة الآخرين لها .
فهدف العملية الإجرامية هو طبعا تطهير المدينة من الفساد الأخلاقي .
و الإرهابي عموما مهووس بالنقاء و الطهارة . لذلك نراه يؤكد ويطالب بتنقية الدين من الشوائب - بنقاوة اللغة بنقاوة الأمة التي هي خير امة أخرجت للناس. ويؤدي هوس النقاوة و الطهارة المزعومة إلى تدمير و إبادة كل ما ومن يهدد هذا الوهم ويكذب هذه الصورة المثالية و المؤمثلة للذات و هذه الادعاءات الهلوسية. فبالنسبة اليه يهدد الفساد بكارة ونقاء جسد الأمة التي تماثلت في اللاوعي الجمعي مع جسد الأم الطاهرة.
المطلوب اليوم هو حماية حقوق المتاجرات بالجنس، وليس انتهاكها و التفنن في معاقبتهن. فنحن بحاجة إلى تشريع يستهدف الجذور الاقتصادية المشكلة و ذلك بتجريم القوادين وأصحاب دور البغاء وعملاء الجنس، مع رفع التجريم في الوقت ذاته عن العاملات وكفالة دعمهن، بما في ذلك مساعدتهن على الخروج من هذه المهنة المهينة للكرامة البشرية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رواية النصف الحي


.. زواج القاصرات كابوس يلاحق النساء والفتيات




.. خيرات فصل الربيع تخفف من معاناة نساء كوباني


.. ناشطة حقوقية العمل على تغيير العقليات والسياسات بات ضرورة مل




.. أول مسابقة ملكة جمال في العالم لنساء الذكاء الاصطناعي