الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الضمير الذي لا ينام : الأحلام.

ليندا كبرييل

2017 / 4 / 24
الادب والفن


تلك كانت أوّل ليلة لي في اليابان يضغط فيها الظلام على قلبي ويقطّع أنفاسي.
استيقظت بعد أن اصطدمتْ السيارة اصطداماً مُرَوِّعاً بالحاجز الذي يفصل الشارع عن البحر، وكان الذُعْر الأكبر وأنا أرى السيارة تطير بنا في الهواء ورأسها متّجِه نحو اليَمّ.
لو لم أفتح عيني .. لو لم أطلِق تلك الصرخة المدوية، لكنت الآن في عِداد الأموات غرَقاً، أنا والمعاقون الثلاثة الذين كانوا برِفْقتي.
أدفع يوماً من عمري ــ لا أكثر ــ للأستاذ فرويد ؛ العالِم النفسي، لِيشرح لي : ماذا أخذني إلى جزيرة مالطا لأغْرق في بحرها في هذا الكابوس ؟ لا أعرف هذه الجزيرة .. لا أستطيع تحديد مكانها على خارطة العالم .. ليس لي فيها أهل .. ولا أتوق إلى زيارتها ! ولم أعرف الأعرج أو الأعور كما كانوا ينادونه في الحلم، الذي اختلف مع السائق على سعر تأجير سيارة الحادث ؛ السائق يقول له : أين رحمتك ؟ ثلاثة معاقين معي، عُرْجان مثلك وعُميان، خفِّفْ من طمعك، فيردّ الأعرج : أنا أدْرى بهم منك ومصِرّ على حقي . و فرَطَها الطرفان عندما دفعت له ما يريد، رغم علمي أنه يُغالي في الطلب، واستأجرنا السيارة، ورُحنا نغني ونصفق، ثم أخذنا النعاس حتى فاجأتْنا لحظة تهوُّر السيارة نحو البحر.

سيدي فرويد : لماذا مالطا !!؟ منْ هذا الأعور الأعرج ؟ إياك التفسير بالرموز الجنسية ها .. وإلا رُحت أحكي للأعْراب والأغراب عن تخْريفك ! كل علاقتي بمالطا أني قرأت عنها خبراً قبل أكثر من شهرين يا زلمة ! يقول إن مالطا جغرافيّاً تقع ضمن قارة أفريقيا، لكنها سياسياً تُعتبَر ضمن قارة أوروبا .. مررت على الخبر مروراً كريماً والسلام . فهل تستحقّ قراءة هذا الخبر أن أغرق في بحرها المجهول ؟ قلْ لي : ما هي الرغبة التي لم أُشْبِعها وقمعتُها حتى لم تجد انْفلاتها إلا في مالطا ؟
كمْ هو سهل عليكَ التنظير بما لا يطولك منه شخصياً أيّ مأخذ، لكنك ستتردّد حتماً في تقديم البرهان على طرْحك إذا توجّب عليك تطبيق نظرياتك على حياتك ذاتها.
أعوذ بالله ! انْعدِلْ يا شيخ وبلا تفسير الأحلام الغريبة المخيفة بالغرائز المكبوتة، الله يخلّيك !
أوووف ~ كابوس رهيب، استيقظت منه في الفجر وأنا ألهث، وقلبي يكاد يقفز من صدري.

ما رأيتُه أمس وأنا برِفقة مينامي في مركز تأهيل المعاقين * ، يستحقّ أن أنزعج من أجله، وأراه في أحلامٍ تنبّهني إلى قسوةٍ في وجْه من الحياة لم أكن ألتفِت إليه من قبل، وتُرشِدني كيف أكرّم وأحترم حياتي الثمينة.
أما مالطا ؟! منْ حضْرَتها ؟ قراءة خبر تافه عنها كاد يزهق روحي ! فماذا لو قرأت عن بلدان خطّ النار ؟
إن كنت أنا السَوِيّة أرى هذا الهَوْل في أحلامي، فماذا يرى المعاقون المساكين ؟

وجدت نفسي إثر هذا الحلم أنطلقُ في عالم التطوّع، الذي أدركت فيه أن تحسين حياة الناس يزيد من استمتاعي بأيامي.
وكان " جون بيكاسو * " ورفاقه بوّابتي لأعثر على سبب السعادة، الذي وجدتُه لا يتحقّق إلا مرتبِطاً ومشروطاً بسعادة الآخرين وتحْسين ظروفهم . واعتبرتُ سَعْيي إلى بهجة هؤلاء المعاقين نوعاً من الجهاد الجميل إلى الحياة.
وفي كل مرة كنت أستمع إلى قلوبهم المُكْتوية، أتذكّر قَوْل مينامي عن حظّها المائل في الحياة * : { لا أريد أن أفهم منطق حكمة خَلْقي بهذه المعادلة المتهوّرة ! لا أريد أن أفهم الحياة بهذه المعادلة الطائشة ! }

ذهبتُ اليوم إلى لقاء مينامي في بيتها لِتلقِّنني الدرس الأول في مهارة تنسيق الزهور على الطريقة اليابانية ( إيكيبانا ) * ؛
بيتها الذي شهِدَ قبل مدة قصيرة، ملحمة الهارِب من العدالة واستعدادي لمواجهته بكعب حذائي *، ولقائي الأول ب " هيكارو " ابن مينامي ثم في سيارة الإسعاف بالسيد " تاكاهاشي "، وأحاديثه الشيّقة عن طموحه ليصبح لاعب كرة سلة وهو المشلول *، وطموح هيكارو ليكون مذيعاً في التلفزيون وهو المُتأتِئ * .....
من هذا البيت المتواضع الأنيس، رأيتُ عالَماً فاخِر الإنسانية.

أول ما فعلتُه أن حدّثتُها عن كابوس ليلة أمس الغريب، ومشهد الغرَق المُفزِع لا يفارق مخيّلتي : السيارة الطائرة نحو البحر.

ظننتُ أن مينامي تشاركني عواطفي، فطافت عيناها بالدمع وبدأتْ تشهق . ثم اختفتْ النبرات واختنقتْ بالعبرات، فاعْتراني الذهول . لكني عدت فوراً من حيرتي لأعتذر عما سبّبتُه لها من ألَمٍ وأنا أصِف الحادث المرعِب . هزّت رأسها وهي تلوِّح بكفّها أمام وجهي بما يعني أني لست السبب . ولما تمالكت نفسها قليلاً شرحت لي مضطرِبةً بأنها رأت منذ فترة كابوساً مخيفاً، لا تستطيع البَوْح به لأحد، يعذّبها كلما خلتْ إلى نفسها وتذكّرتْه، فيُحِيل أوقاتها جحيماً.
شجّعتُها على مصارحتي، فقالت بعد تردّد :
ــ ما رأيتِه أنت مجرَّد حلْم، أما الكابوس فهو ما رأيته أنا . لا تكْرهيني أرجوك، أنا في حاجة إليك . رأيت نفسي ..
أخْفتْ وجهها بكفّيْها عاجِزة عن الكلام، فعَلا صوتي برجاء :
ــ تكلّمي، أنا أختك.
فرَّجَتْ قليلاً بين كفّيها فخرج صوتها مكتوماً متقطِّعاً :
ــ رأيت نفسي .. أقتل .. أمي .. وأخفي جثتها وراء الخزانة !!
نظرت إليّ بعينين دامعتين لِتستطلِع ردّة فعلي، لكني كنت كمنْ لم يستوعب الأمر تماماً، وتابعتْ بصوت مُلْتاع :
ــ أمي الحنون ؟ .. الحبيبة !؟ غير معقول .. حتى الذباب أكِشّه ولا أقتله، فكيف أتجاسر على التفكير بقتل أمي ولو في الحلم ؟

بدأ وجه مينامي يغيب عن عيني، لكن صوتها الباكي ونبرته العالية لم يصْرفاني عن التفكير بنفسي ؛ أني في حُلمي رغم هلعي من مشهد السيارة وهي على وشك الغرق، واختباري مشاعر الإنسان إذا دهمه الموت، فإني على الأقلّ خرجت من حلمي سالمة.
في حين أن مينامي على نقائها وحُسْن طويّتها، قد اختبرتْ فعل القتل ولو في الحلم، ومنْ ؟ أعزّ الناس !
الأحلام حقاً لا تعرف القيم والأخلاق ..
جِئتُكِ بحُلمي أسْتجير من رمْضائي، فأحلْتِه بنارك إلى رماد !

ولما عاد وجه مينامي إلى وعْيي، وجدتها تضرب بكفها على خدّها وتقول بلهجة الاستنكار الشديد :
ــ هذا يعني أن سلوكي في الحلم مُسْتوحَى من عقلٍ باطني شرير ينوي القتل . أنا إذاً كاذبة، أنا مُدلِّسة، مُضلِّلة .. لستُ ابنة بارّة بأمها .. أشعر كأني ارتكبت جريمة حقيقية.
آه ~~~ يا أمي .. لو سامحَتْني كل الآلهة فلن أسامح نفسي .. أبداً.

علِقَ نظر مينامي في نقطة ما، وتابعت كالشاردة :
ــ اتصلتُ بأمي هاتفياً في اليوم التالي لأطمئن عليها .. فأخذتْ تحكي لي بسعادة عن محصول أرض المعبد الزراعية من الخضراوات والفواكه، أنه كان ممتازاً هذا الموسم وقد أرسلتْ لي منه في البريد السريع، وقدّمتْ منه كثيراً لزوار المعبد . قطعتُ استرسالها في الكلام وقلت لها : أمي .. ثم ركبني الحرج . فسألتْني بقلق : ما بك يا مينامي ؟ كأنك مهْمومة ؟ هل هيكارو بخير ؟ قلت لها وأنا أبكي : أمي .. أنا أحبك .. أحبك كثيراً .. لو لم تكوني في حياتي لاخترتُ الموت .. أمي .. ليتني سجَدتُ عند قدميك عندما فارقتُكم .. كيف لم أضع رأسي على صدرك لأسمع دقات قلبك الحنون من وراء الثدي الذي أرضعني ؟ يُذيب قلبي أني بعيدة عنك .. قاطعتْني أمي وهي تقول بجزع : وأنا أحبك كثيراً يا مينامي، لستِ بخير حقاً، ماذا حصل ؟؟ فقلت لها : يؤلمني أن أراك تبكين من أجلي إذا أصابتْني نوبة عصبية .. أنا لا أستطيع ردّ جميلك . احتارت أمي وأجابتْني : ألستُ أمك وأحزن لمصابك ؟ ثم .. عن أي جميل تتحدثين ؟ قلت لها : أنك أنجبْتِني ؛ لو لم تُنجبيني لما رأت عيناي وجهك الحبيب، ولامَسَ رأسي صدرك الحنون، ولما التقيتُ بأصدقاء تتوهّج حياتي اليوم بحضورهم . أمي أنت .. أنت أروع إنسانة .. أنت بنظري أعظم من الإله بوذا، أنتِ .. أردتُ متابعة نجْوايَ إلا أن الكلمات ضاعت مني وأنا أسمع بكاء أمي، وكأنها أدركت أني في محنة نفسية .. فقالت لي بصوت مرتعش : حزني عليك لن ينقطع إلا بالموت .. يجافيني النوم كلما فكّرتُ بأمر مرضك العصبي الذي ورثتِه من والدي وعمّي، ثم نقلتِه إلى هيكارو .. تماسكتْ أمي قليلاً ثم تابعت : أحياناً يخطر لي خاطر تشاؤميّ عجيب ؛ أنه من الأفضل للإنسان ألا يُنجب، كي لا يرث أولاده أمراضه النفسية وعقده المكبوتة ونزواته الأخلاقية وطباعه الشرسة، ويورثه عاهات أجدادٍ كل ما فضّلوا عليه هو جينات مريضة .. أكاد أخمّن ما بكِ، ولو لم يكن أبوك مريضاً لذهبتُ لأرى أمرك . فأجبْتُها : لا تأتي يا أمي يكفي أني سمعت صوتك الحبيب.

مسحت مينامي دموعها الساخنة وقد عَدَتْني . ولما وضعتْ المنديل على أنفها لتنِفّ، انقبضت عضلات وجهها وارتعش جفنا عينيها وارتجفت شفتها السفلى، ثم عطستْ عطسةً قوية سمعها الطفل الذي يلعب في حديقة قريبة.
ومينامي إذا عطستْ ، عطَسَ بطنها أيضاً ! ( دويتو ) صمّمتْه الطبيعة ؛ بحيثُ يترافق هيجان غشاء الأنف الداخلي مع ثورة المصارين، يتناسق بتآلفٍ في نغْمة القرار المنخفِضة ونبرة الجواب المرتفعة !
خجلتُ أن أضحك وهي تبكي، فغطّيت وجهي بكفّي حتى تمالكت نفسي، وما أن كشفت عن عينيّ ووقع نظري عليها تريد العطاس ثانية حتى فقعتُ في الضحك . لكنها اعتذرت عن الثورتين ( السلميّتين ) وتابعت بلا مبالاة حديثها الباكي :
ــ أمي التي وقفت معي دوماً، مؤيّدة حقّي في الاعتراض على قرارات أبي الكاهن الذي ينصح الناس بفلسفة معلمنا بوذا، وهو أوّل منْ يجب أن يتّعظ منها، عندما حرمني من الدعم المادي وأنا في بداية سنتي الجامعية الثانية في قسم الفلسفة، لأني رفضت أن أتولّى الكهانة وأعمال المعبد بعده *، ثم زوّج أختي لمنْ تبنّاه ؛ رجل فاشل في دراسته، هيّأه ليكون الكاهن بعده، فورث مع أختي كل أملاك أبي *.
شهقت مينامي وتابعت متوجِّعةً :
ــ لو حلمتُ مثلاً بأبي هذا، لوجدتُ سبباً لسلوكي في الكابوس.
ثم أخذتْ تضرب رأسها في الحائط وتقول : تباً لنفسي الشريرة .. مَحْقاً لقلبي الخبيث ..

أسرعتُ أمسكها لأمنعها من أذية نفسها . فرمتْ رأسها على ذراعي وقد سيطرت عليها نوبة بكاء حار، وقالت :
ــ كانت أمي غائبة عن البيت يوم ذهب زوجي المرحوم ليطلب من أبي المعونة، ليبني غرفة تأوينا على أرض في قرية نائية . ردّ عليه أبي بأنه يستطيع أن يختار خشب البناء من مستودع المعبد . فشكره زوجي ظانّاً أنها منحة كريمة، فإذا هي أخشاب المعبد القديم الفاسدة من الرطوبة والعفن، وُضِعت بإهمال في المستودع، بعد أن جدّدوا بناء المعبد بأخشاب ثمينة من تبرعات المؤمنين . فغضب زوجي وقال له : جسدك العليل يحتاج إلى الراحة والاسترخاء يا سيّدنا الكاهن، تستطيع الاستفادة من هذه الأخشاب المعفِّنة المتآكِلة كوقود لتسخين مياه حمامك . ولم تنبسّ أختي بكلمة واحدة اعتِراضاً على استخفاف أبي الذي كان لا يكنّ شعوراً طيباً لزوجي . فيما بعد، علمتُ أن أمي اصطدمت مع أبي حول الأمر، وطيّبتْ خاطري عندما أرسلت لنا عن طريق البريد معونة مالية من مخصصاتها، إلا أني اقتطعتُ منها جزءاً رمزياً وأعدتُ الباقي مرفقاً برسالة أشكرها، وأبلِغها أن المبلغ المُقتطَع سأعتبره هدية منها للعائلة.
قولي لي : أمثل هذه الأم أقتلها ؟

وكأن مينامي تذكّرتْ سبب زيارتي، فاعتذرتْ وقامت بتراخٍ ووَهْنٍ لإحضار حوض تنسيق الزهور، فقلت لها :
ــ دعِينا من درس الزهور، تعالي نناقش أمر أحلامنا معاً.
ارتاحتْ لفكرتي . ثم سألتْني عن تفسيري لكابوسها.

كان عليّ أن أجد مَخرَجاً لحالة الانهيار التي أصابت مينامي، فقلت لها :
ــ حسناً، لا أهوِّل، ولا أهوِّن . خطر في بالي أمر آخر :
ألا نُكسِب الطفلَ الوقاية من المرض الخطير بحَقْنهِ بمصْل من نفس جراثيم المرض ؟ فيُصاب بالحُمّى ليوم أو يومين ثم يكتسب الحصانة من المرض مدى الحياة . وبالمثل ؛ ألا يمكن أن يكون الرعب الذي نراه في أحلامنا العنيفة تَطْعيماً وقائياً، فنُصاب بالاضطراب والألم والانزعاج في اليقظة، إلا أنه بذات الوقت ينشِّط دفاعنا في مواجهة القلق النفسي، ويُكسِبنا القوة والمناعة ضد أمراض الخوف ؟
الإنسان شبكة معقَّدة من الأزمات النفسية، وهو في توتّر وخوف متواصل أمام مشاكل الكون وتكاليف الحياة المرهقة، وهذا ما نراه بطريقة صادمة مُرعِبة في أحلامنا.
ألقتْ مينامي عليّ نظرة مثقلة بالاستغراب وقالت :
ــ أوجِدي لي تفسيراً ؛ كيف تجعلنا الأحلام نقتل أحبابنا، ونتسامح منْ يتسببون في مآسينا ؟
ــ الطبيب النفسي هو المُوَكَّل بالكشف عن أعماقك.
ــ اسمعي أختي .. هذا أفظع حلم رأيته في حياتي، لكني بين حين وآخر أرى أحلاماً غاية في الغرابة والشذوذ عن المألوف بشكل لا يُصدَّق !
آنسْتُ من مينامي هدوءاً وإصغاء، فسألتها :
ــ ألمْ تحدّثيني مرة عن روائي ياباني يعالج مشاكل الحياة بطريقة غريبة فنّية ؟ وأضيف : ألا يستوحي الرسام أو النحّات أو الشاعر الأفكار من الواقع، لكنهم يعبِّرون بشكل خيالي مجازي خارق للمألوف ؟ لِمَ لا تكون أحلامنا المُسْتقاة من مخزون ذاكرتنا، تأليفاً قصصياً يعالِج فيه عقلنا الباطني مشكلة بهذا الشكل الرمزي المخيف ليكون تنبيهاً لنا في اليقظة ؟ الفنّ إبداع العقل الباطني ؛ روايةً كان أم رسماً أم شعراً أم حلماً، يأتي دوماً بالمدهش الصادم غير المتوقَّع.

رمقتْني مينامي بنظرة متفحِّصة وقد بدأت مسحة من الطمأنينة تعود إلى قسمات وجهها . ثم قالت بعد تفكير :
ــ كأني أفهم منك أننا في حاجة إلى الأحلام لترشدنا إلى التماس سبيل إصلاح سلوكنا في الحياة ؟
ــ ولِمَ لا ؟ قسْوتنا في الحياة على الآخرين وأحكامنا الخرْقاء ترمي بنا إلى حافة اللاإنسانية . ولعل الأحلام المخيفة وسيلة لنقرأ أعماقنا المهتزّة، التي نجهد في إخفائها لتبرير سقطاتنا في الحياة . فكأن الأحلام تحذِّرنا خلال نومنا من ميولنا العدائية، فنصحو على ضرورة تفادي مصادر الشر، وانتهاج سلوك إنساني خلال اليقظة.
بصوت مرتعش النبرات صاحت مينامي :
ــ ولكنها أمي التي قتلتُها، أمي محور وجودي.
ــ الأحلام لا تعرف العواطف والأخلاق، وقد تصل إلى حدّ البذاءة . الأحلام هي الضمير الذي لا ينام .. الضمير الصاحي المُحاسِب، الذي لا غفران منه ولا مهادنة.
ــ ما أبْرد قلبك !!
ــ مينامي .. اِهْدئي وأفْسِحي لي في عقلك مجالاً لتفهمي نظرتي.
مسحت دموعها ثم أعطتني كامل وجهها . قلت لها :
ــ أعتقد أننا ؛ أنت وأنا، استطعنا بمقدرة فنّية تأليف وتمثيل وإخراج قصة من عمل عقلنا الباطني المبدع !
فجأة .. أغرقت مينامي في الضحك ورفعتْ كفّها قائلة :
ــ إذاً حضرنا فيلماً سينمائياً مجاناً !
فضحكتُ معها وأنا أصفِّق على كفها . ولما وجدتُها قد هدأت، طلبتُ منها أن تحضِّر لنا القهوة لنستمع معاً إلى الأغنيات العربية، التي نويتُ أن أشارك بها في احتفال مركز تأهيل المعاقين في الكريسماس القادم.

يتبع

حضرة القارئ الكريم :
العبارات المرفَقة بإشارة ( * ) تعني أن الأسماء والحوادث قد جاء ذكرها في الحلقات الماضية . يُرجى العودة إليها لربْط الأحداث.
وشكراً








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أحلامنا
نضال الربضي ( 2017 / 4 / 25 - 07:25 )
يوما ًطيبا ً أيتها العزيزة ليندا،

أحلامُنا هي الطريق نحو تحقيق وحدة الشخصية و نضوجها، فهي تُخرج ما في اللاشعور و تعرضه أمام الشعور حتى يتم فهمه ثم يُتخذ منه موقف يؤدي إلى تصالح كل ما في داخل الإنسان و إعطاء كل جزء حقه بالتعبير عن نفسه دون كبت.

السيارة المتدهورة في الحلم رمز لصراع ما مستمر يُقلقكِ، يأخذ بك ِ نحو المجهول أو المرفوض (البحر)، شئ ما في داخلك تعرفين عنه أو تفعلينه تحسين بأذاه و تودين لو أنه غير موجود، اللاشعور كشفه

المعاقون الثلاثة في السيارة هم وجوهكِ الذكورية، أو ما يسميه يونج animus و عند المرأة يظهر على شكل أكثر من ذكر واحد في الحلم، يبدو أن في داخلك ِ تصميما ً و عزما ً لا يلينان و حبا ً للإنجاز و التمتع بالنصر (حوار المعاق مع السائق) لكن شخصيتك التي تظهر للناس و التي نضجت بفعل التجارب (كما يُتوقع من أي إنسان) أكثر حكمة و توازن و تميل للتعاطف و الشفقة مع الآخرين فتكبح بعض من الأنانية الفردية.

هنا أتوقف لأن الباقي سيكون شخصيا ًجدا ً (اطمئني ليس جنسيا ً لكنه فردي بشكل كبير و لا يجب مناقشته هنا).

الخلاصة: ليكن عطاؤكِ مُتوازناً، لكن دللي نفسك ِ قليلا ً كفتاة ٍ صغيرة.


2 - تحية وسلام للكاتبة ليندا كبرييل
مريم نجمه ( 2017 / 4 / 26 - 13:19 )
الأديبة الرائعة البارعة الخيال الحافل بالصور والمعاني
الأحلام , الضمير الذي لاينام
..

أحييك وأشكر قلمك الفياض بكل ما هو جديد ومعاش بأسلوب فني ناجح أمتعتنا كالعادة بروايتك المعبرة حقاً عن خضم معاناة وتفكير الشخصية الإنسانية أينما عاشت

فعلاً صديقتي العزيزة ليندا أنك محللة وطبيبة نفسية .. أديبة وروائية ناجحة في السرد المشوّق الجاذب .. مربية وصديقة نبيلة حنونة
عاش القلم وإلى المزيد . طاب نهارك بجديد العطاء والمحبة التي يفتقدها عالم اليوم
لك تقديري العميق ومودتي


3 - نص جميل استاذة ليندا
رويدة سالم ( 2017 / 4 / 30 - 21:16 )
امتعني نصك عزيزتي ليندا فشكرا للرحلة الشيقة التي اخذتني فيها الى بيت مينامي واحلامكما الغريبة والمثيرة في آن وهذا الغوص في اغوار النفس لا كراوية متمكنة من مادتها واسلوبها
فحسب بل وكمحللة نفسية ايضا ههه
بورك جهدك وعاش قلمك معينا لا ينضب
خالص الاحترام والمودة


4 - تحية وسلاما بعد غياب اضطراري
ليندا كبرييل ( 2017 / 5 / 1 - 09:57 )

أعتذر للأساتذة الكرام لتأخري في الرد على التعليقات الكريمة،بسبب ظرف خاص

الأستاذ القدير نضال الربضي
شكرا للتفسير الواضح العميق،ولا أستغرب ذلك،فقراءاتك لكبار الفلاسفة وعلماء النفس تتيح لك مثل هذا الاجتهاد العلمي الرفيع
العطاء المتوازن،وكل شيء في الحياة يجب أن يكون متوازنا
عطائي سخيّ جدا،أريد تدليل نفسي،لكني لا أقدر على ذلك،فلست من الذين يعرفون تدليل أنفسهم للأسف،إذا فعلت غلبني طبعي
وما أكثر ما أُغلَب وأنا أضحك!
ممنونة جدا لحضورك العزيز


الأستاذة القديرة مريم نجمة
أسعدني جدا رأيك الكريم بجهودي
يا أختي العزيزة بفضلكم أتابع وأنشط لإحياء أفكار قديمة سجلتُها في دفتري ذات يوم ونسيتها
فشكرا لكل كلمة صادرة من أستاذة مجرِّبة حكيمة وقديرة
خالص المحبة والممنونية


الأستاذة القديرة رويدة سالم
بورك عقل يشع معرفة وعلما. ليس أكثر من محاولة في شرح ما بعقلي وجدتِ فيه متعة
أشكرك على الدعم المتواصل ولك خالص المحبة والسلام



ورد( خطأ )في الجملة التالية

كيف تجعلنا الأحلام نقتل أحبابنا، ونتسامح منْ يتسببون في مآسينا؟

إما أن أقول : ونتسامح ــ مع ــ من ...

أو أن تكون : ( ونُسامِح ) منْ ...


احترامي

اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج