الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


واه حسرتاه، يتيم أنا

أوري أفنيري

2006 / 1 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


كان ذلك يوم ملوّن في بلعين، أعلام حزبية بكل الألوان رفرفت في الرياح الشديدة، لافتات انتخابية ورسوم جدارية ملونة زينت الجدران. كانت هذه أكبر مظاهرة جرت منذ وقت طويل. في هذه المرة اندمج الاحتجاج ضد الجدار بالدعاية الانتخابية الفلسطينية.

مشيت مبتهجا في شمس فصل الشتاء الدافئة، يحيط بي مئات من الشباب الإسرائيليين والفلسطينيين يحملون الأعلام المرفوعة. تقلدت باعتزاز شعار "كتلة السلام"، المكوّن من علمي إسرائيل وفلسطين، أحدهما إلى جانب الآخر. اقتربنا من صفّ الجنود المسلحين الذي انتظرنا قبل الجدار، وأدركت فجأة أني محاط بالأعلام الخضراء لحركة حماس.

الإسرائيليون العاديون كانوا سيستغربون. ماذا، المخربون القتلة يسيرون في صفّ واحد مع نشطاء سلام إسرائيليين؟ إسرائيليون يسيرون، يتحدثون ويتسامرون مع مَن مِن شأنهم أن ينتحروا في مدنهم؟ أنحن معهم؟ أهم معنا؟ هذا غير ممكن!

إلا أن هذا كان أمرا طبيعيا للغاية. كل الأحزاب الفلسطينية شاركت في المظاهرة، ومعها نشطاء السلام الإسرائيليين والدوليين. هربنا معا من غيوم الغاز المدمع، اجتزنا معا صفوف الجنود، دُفعنا معا، ضُربنا معا. اندمجت أعلام حركة حماس الخضراء وأعلام حركة فتح الصفراء وأعلام الجبهة الديمقراطية الحمراء وأعلام إسرائيل الزرقاء والبيضاء على لافتاتنا بتجانس، تماما مثل الأشخاص الذين رفعوها.

في النهاية أوجدنا نوعا من جوقة الاحتجاج. وقفنا كتفا إلى كتف، إسرائيليون وفلسطينيون، على امتداد السياج الحديدي الذي يعزل مسار الجدار، وقرعنا الإيقاع عليه بالحجارة. كان ذلك بمثابة طام-طام أفريقي يمكن سماعه عن بعد. من المؤكد أن المستوطنين الحريديين في موديعين-عيليت، التي أقيمت على أراضي بلعين، قد استغربوا هذا الأمر.

مشاركة كل الأحزاب الفلسطينية كانت بحد ذاتها ظاهرة هامة. لا شك في أن الانتخابات الفلسطينية، التي من المزمع أن تجرى يوم الأربعاء، قد أسهمت في ذلك. كان من الغريب بعض الشيء أن نرى تلك الوجوه على اللافتات على امتداد الطريق وإلى جانبنا في المسيرة.

إلى أن هذا يبيّن كم أصبح الجدار هاما بالنسبة إلى الجمهور الفلسطيني.

قبل سنوات، عندما بدأت عملية بناء الجدار، قمنا بزيارة لياسر عرفات لكي نقترح عليه نضالا مشتركا ضد الجدار. بدا لي أن أقوالي عن المخاطر الكامنة من وراء بناء الجدار بدت له جديدة تماما. المؤسسة الفلسطينية لم تكن تدرك حتى ذلك الحين أهميته. أما اليوم فقد أصبح الجدار يتصدر قمة جدول الأعمال الفلسطيني.

كانت هذا الأسبوع، عشية الانتخابات التي من شأن حماس أن يحرز فيها إنجازات باهرة، أهمية كبيرة لصورة يظهر فيها نشطاء حماس يسيرون كتفا إلى كتف مع نشطاء سلام إسرائيليين – لأن حماس ستدخل في البرلمان الفلسطيني لتوّها وربما أيضا في الحكومة الفلسطينية.



كوندوليسا رايس أبدت تحفظا شديدا من الانتخابات، بسبب مشاركة "الإرهابيين". وقد شكلت بذلك صدى لزميلتها الجديدة، تسيبي ليفنيه، التي أعلنت أن "الانتخابات ليست ديمقراطية" بسبب مشاركة حماس.

ما نشأ هنا هي ذريعة جديدة لرفض حكومتنا الدخول في مفاوضات مع الزعامة الفلسطينية المنتخبة. الذرائع تتغير كل الوقت، ولكن الهدف يبقى نفسه.

في البداية كان الادعاء الإسرائيلي هو أن إسرائيل لن تتفاوض قبل أن يقوم الرئيس الفلسطيني الجديد، أبو مازن، بتفكيك "بنى الإرهاب التحتية". وبالفعل فقد التزم، في إطار "خارطة الطريق" بفعل ذلك، ولكن شارون أيضا التزم بنفس الوقت بتفكيك البؤر الاستيطانية والمستوطنات المئة التي أقيمت قبل وصوله إلى السلطة في عام 2001. شارون تجاهل ذلك تماما.

بعد ذلك جاء الادعاء بأن السلطة الفلسطينية غارقة في الفساد. كيف يمكن التفاوض مع الفساد؟

يأتي الآن الادعاء أنه من غير المتوقع أن تتفاوض إسرائيل مع زعامة فلسطينية تشتمل على حماس، وهي منظمة نفذت عمليات انتحارية في إسرائيل وأنها ما زالت لا تعترف، من الناحية الرسمية على الأقل، بوجود إسرائيل.

الذرائع كثيرة، ويمكن خلق المزيد منها، وفق الحاجة. (هذا يذكرني بصديقي المرحوم ناتان يلين-مور، وهو من كان زعيم "ليحي" ومن ثم داعية سلام: "ليت الله يبعث لي الكثير من الإغراءات بقدر الذرائع التي أستسلم لها").

وجود حماس في الحكومة الفلسطينية القادمة ليس سببا لرفض التفاوض. بل على العكس، إنه سبب جيد للبدء بالمفاوضات أخيرا. لأن معنى ذلك هو أننا سنتفاوض مع الطيف السياسي الفلسطيني كله (فيما عدا الجهاد الإسلامي وهو حركة صغيرة). إذا انضمت حماس للحكومة التي ستقام على أساس برنامج السلام الذي اقترحه أبو مازن، فمن الواضح أنها أصبحت جاهزة للمفاوضات، مع السلاح أو بدونه، على أساس الهدنة.

من المؤكد أن أصحاب الذاكرة القوية يتذكرون أنه قبل 30 سنة، حين بدأت اتصالاتي السرية مع زعامة منظمة التحرير الفلسطينية، كنت الشخص الوحيد في إسرائيل تقريبا، الذي يقترح التفاوض مع المنظمة، التي تم تعريفها رسميا في حينه "منظمة إرهابية". لقد احتاجت حكومة إسرائيل إلى حوالي 20 سنة للوصول إلى النقطة ذاتها. ها نحن نبدأ الآن من نفس النقطة.

لماذا ترفض المنظمات الفلسطينية نزع سلاحها؟ لا يجدر بنا أن نوهم أنفسنا: بالنسبة لمعظم الفلسطينيين، يعتبر هذا السلاح ذخيرة استراتيجية. في حال لم تثمر المفاوضات مع إسرائيل، فعلى الأرجح أن النزاع المسلح سيتجدد. هذا ليس توجّه غير اعتيادي (انظر أيرلندا).



حتى وإن أراد أبو مازن نزع سلاح حماس، فهو لم يكن قادرا على ذلك. مكانته الضعيفة ومكانة حركة فتح الضعيفة، حوّلت الأمر إلى مستحيل.

هذا الضعف الذي يتجسد في "الفوضى"، سببه بالأساس أريئيل شارون. جهوده الماكرة في تقويد مركز أبي مازن قد أثمرت.

لقد نبّهت من ذلك مرات عديدة: يعتقد شارون بأن ارتفاع شأن أبي مازن كان بمثابة خطر محدث. لقد قدم بوش الزعيم الفلسطيني الجديد كمثال لنجاحه في خلق ديمقراطية وسلام في الشرق الأوسط. هذا الأمر شكل خطورة على العلاقات الحصرية بين الولايات المتحدة وإسرائيل وكان من شأنه أن يسبب ضغطا أمريكيا على إسرائيل.

لمنع ذلك، امتنع شارون عن تقديم أصغر التنازلات لأبي مازن مثل إطلاق سراح الأسرى (على سبيل المثال: مروان البرغوثي)، تغيير مسار الجدار، تجميد المستوطنات وتنسيق الانسحاب من غزة مع أبي مازن. لقد نجحت هذه العملية وقد تضررت مكانة أبي مازن بشكل كبير.



يستغل الآن ورثة شارون هذا الضعف كذريعة لعدم التفاوض مع الحكومة الفلسطينية القادمة على السلام. هذا يذكرنا بالفتى الذي قتل والديه وطلب الرحمة من القضاة: "ارحموني، يتيم أنا!"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر




.. -يجب عليكم أن تخجلوا من أنفسكم- #حماس تنشر فيديو لرهينة ينتق


.. أنصار الله: نفذنا 3 عمليات إحداها ضد مدمرة أمريكية




.. ??حديث إسرائيلي عن قرب تنفيذ عملية في رفح