الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(3-5) تطور استغلال الأراضي في مصر - استغلال الأراضي تحت الحكم العربي

محمد مدحت مصطفى

2017 / 4 / 28
الصناعة والزراعة




بعد دخول العرب مصر وسيطرة الدولة الإسلامية علي أراضي الدولة البيزنطية وجدت نفسها فجأة مسئولة عن إدارة تلك المساحات الضخمة، ونظراً لانعدام خبرة العرب في إدارة مثل تلك الضياع نجد أن الاستغلال المباشر لأراضي الدولة الذي كان سائدا في العهدين البطلمي والروماني يكاد أن يختفي، وفضلت الدولة أسلوب الاستغلال غير المباشر حتى تضمن الخراج، لذلك لجأت لنظام قبالة الأرض والاقطاعات، بل وتم اقطاع خِراج مصر بكامله مع بقاء نظام التقبيل على حاله ابتداء من عهد الدولة الأموية. ونتيجة لذلك النظام في حيازة الأرض الزراعية وانحسار ظاهرة الامتلاك الخاص للأراضي كانت هناك أعداد كبيرة من الفلاحين تستأجر الأراضي الزراعية. إلا أن العدد الأكبر من الفلاحين لم يكن يمتلك القدرة علي استئجار الأرض وكانوا يتعيشون من بيع قوة عملهم للآخرين، وهم من يُطلق عليم الفلاحون الأجراء. وفي بعض البرديات الخاصة بفترة الفتح العربي يلاحظ استخدام كلمة نبطي أو أنباط بدلا من فلاح أو فلاحين. ولم يكن هذا اللفظ شائعا في مصر وإنما هو لفظ عراقي حيث كان الفلاحون هناك يُعرفون بالأنباط.

أنماط استغلال الأراضي
تحت الحكم العربي
بدراسة أنماط إيجار الأرض الزراعية في تلك الفترة تبين أنها تضمنت كل من الإيجار المطلق والإيجار بالمشاركة، وتضمنت عقود الإيجار كافة الأركان القانونية لحماية الحقوق وحددت بدقة كافة الالتزامات علي كل من المؤجر والمستأجر. ففي ورقة بردية ترجع إلي سنة 236هـ خاصة بتأجير ثلاثة فدادين نجد النص التالي [هذا كتاب كتبه محمد بن إسمعيل لمعوية بن بكر وإبراهيم بن حمدون. إنكما سألتموني وطلبتما إلي أن أكريكما ثلاثة فدادين أرض طين سوداء من أرضي التي في يدي بهور من أرض الساقية قبلي خليج هور علي أن تُزرع قمح لسنة ست وثلاثين وماتين بستة دنانير مثاقيل تاما وافيا ….] ويتضح من هذا العقد أنه تم تحديد المساحة المتعاقد عليها، ومكانها، ونوعية التربة، بل ونوعية المحصول المفروض زراعته، بالإضافة إلي قيمة أجرة الأرض(26). كما توجد وثيقة أخري في مجموعة الأرشيدوق رينر في فينا تتضمن عقد إيجار أرض من بداية العصر الإخشيدي مساحتها ستة فدادين وإيجارها خمسة عشر دينراّ في السنة. كما وجد في بردية ترجع لعام 253هـ خاصة بإيجار أرض مقطول من كورة الأشمونين نجد أن صاحب الأرض يُؤجر 14 فدانا أرض طيبة سوداء ويشترط علي المُستأجر أن يزرعها كتاناّ وقمحاّ، ويدفع في السنة أحد عشر ديناراّ بنقد بيت المال ووزنه، ويشترط المالك علي المُستأجر "فما تزيدت فحساب ذلك وما بورت فعليك خِراجِ ". وفي وثيقة أخري ترجع إلي العصر الإخشيدي عام 348هـ نلاحظ الشروط المختلفة التي يطلبها المالك من المُستأجر، وهي أن يُؤدي المستأجر الخِراج في ميعاد أقساطه بالدنانير الجيدة، وألا يترك جزءا من الأرض بدون زرع وإلا وجب عليه دفع خِراجها، وهذا هو نص البردية [هذا كتاب سجل من ابن نجم بدر كتبه لشيب بن أسطر هيوه. إنك سألتني أن أسجلك من أراضي ساقية قلودة من البلد ثلاثة فدادين أرض طيبة سوداء بثلاثة دنانير معسولة علي الرسم الجاري في البلد في الصرف الأجود والحين والآن. فأجبتك إلي ذلك علي أن تُؤدي خِراجك مع أنجم السلطان أعزه الله وأوقاته فازرع علي بركة الله وعونه فما تزيد فحساب بسجلك وما بورته فخِراجه لازم لك وذلك لخِراج سنة ثمان وأربعين وثلثماية تزرع في المعلن فدان بدينار].

وتدل الأوراق البردية التي ترجع إلي العصر الإخشيدي علي أنه كثيرا ما كانت تفلح الأرض بالمزارعة، بحيث يحصل المالك علي النصف أو الثلث أو الربع، وينص في العقد علي الطرف الذي يدفع الخراج أو يقوم بغير ذلك من النفقات. ويبدوا من تلك الوثائق أن المستأجر كان يأخذ علي عاتقه عمارة الأرض أي إصلاح جسورها ومد ترعها وتحسين أرضها. بالإضافة إلي قيمة الإيجار التي وردت في البرديات السابقة تتوفر عقود أخري لإيجار الأرض الزراعية يتبين منها أن إيجار فدان القمح عند بداية العصر الإسلامي كان يتراوح بين دينار ودينارين، وأحيانا يكون الإيجار 0.5 دينار أو 2.5 دينار. إذا أردنا تقدير الإيجارات المادية بمقابل عيني نجد في مجموعة ويسلي أن إردبان وربع ويبة أو إردبان وثلث ويبة من القمح تسوى دينارا، وفي مجموعة البودليان أن 55 إردبا من القمح بخمسة دنانير ونصف، أي أن ثمن الإردب يعادل 1/12 من الدينار وهو ما يتفق والثمن الوارد في برديات المتحف البريطاني.

استغلال الفلاح
تحت الحكم العربي
تكشف برديات الأشمونين التي تتحدث عن فترة القرنين الثالث والرابع الهجريين أن أجرة الفلاح كانت تتراوح بين دينار أو إثنين، أو أقل من دينار أو أكثر. ولكن لا يُعرف إن كانت هذه الأجور عن العمل السنوي أو علي العمل الموسمي شتوي كان أم صيفي لذلك لا نستطيع معرفة أجر العامل الزراعي بدقة خلال هذه الفترة(62). عند النظر إلي ما كان مفروضاّ علي الفلاح في عهد الولاة إذا كان مُستأجرا لفدان من الأرض علي سبيل المثال: [دينار جزية ودينار خِراج ثم ضريبة الطعام 3 كيلات من القمح]. ورغم اختلاف ثمن القمح إلا أن متوسط ثمن ثلاث كيلات كان يعادل دينار فيصبح علي الفلاح أربع دنانير من الضرائب إلي جانب أن هناك ضرائب أخري صغيرة كضريبة الجسور وضريبة النُزل في حين أن نتاج المحصول 21 كيلة للفدان فما يتبقى له نُزر يسير فإذا كان أجيراّ فعليه ضريبة ديناران جزية في حين أن ما يتحصل عليه في العام وفقاّ للبرديات لا يتجاوز 2 أو 3 دينار ويُعد هذا إجحافاّ به(47). كما كان فلاحو القرية متضامنين في الضرائب التي تفرض عليهم، وكان لا يجوز لهم الهجرة من مقرهم إلا بإذن من الحكومة، وقد اتخذت الحكومة في بداية العصر الإسلامي إجراءات شديدة لمنع الهجرة من كوره إلي أخرى، كما كان لا يجوز نقل المحاصيل أو المنقولات من مكان إلي آخر إلا بتصريح. أدت تلك الظروف القاسية إلي التذمر، وكانت أول ثورة للفلاحين المصريين بسبب قسوة الضرائب في الوجه البحري عام 107هـ/ 725م في عهد خلافة هشام بن عبد الملك أثناء ولاية عبيد الله بن الحبحاب علي الخراج. ثم تتابعت ثورات المصريين في الوجه البحري وامتدت إلي الوجه القبلي خاصة بعد أن أصبح الخراج يُفرض علي الأرض بغض النظر عن دين مالكها، وبعدما أصبح العرب يدفعون الخراج علي الأراضي الزراعية بدلاً من العُشر أصبح العرب يثورون مع المصريين ضد الحكومة العربية بسبب الخراج وزيادة الأعباء الضريبية خاصة عام 167هـ / 783م. ولم تنته تلك الثورات إلا بمجيء الخليفة المأمون العباسي إلي مصر لإخمادها سنة 217هـ/832م وقيل أن الخليفة المأمون سخط علي الوالي عيسى بن منصور وقال له [لم يكن هذا الحدث العظيم إلا عن فعلك وفعل عمالك حملتم الناس ما لا يطيقون وكتمتموني الخبر حتى تفاقم الأمر واضطربت البلد].








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن