الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذكرى المئوية لثورة اكتوبر 1917 الماركسية - اللينينية في الاتحاد السوفيتي

فواد الكنجي

2017 / 4 / 26
ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا


توطئه
...........

الحديث عن الثورة أكتوبر الاشتراكية التي فجرها و قادها الزعيم (لينين) عام 1917 وأكمل مشوار مجدها في عهد الزعيم (ستالين) والتي يصادف ذكراها المئوية الأولى لهذا العام 2017 ، ليس من الأمور السهلة رغم ما فيها من المتعة واللذة التي يشعر بها المرء وهو يتصفح أرشيفها الخالد، لان فيها إحداث عظيمة ووقائع وأفكار وعمل جبار وآلاف المؤلفة من المنشورات والمطبوعات والخطب والمحاضرات والمقالات ودراسات فلسفية ومحاورات فكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية قيمة ألقاها (لينين) و(ستالين) خلال فترة حكمهما مابين 1917 – 1953، شكلت منعطفا فكريا في الفلسفة (الماركسية) إثناء تطبيقها على ارض الواقع في الاتحاد السوفيتي، والتي سميت بـ(الفلسفة الماركسية - اللينينية) لحجم الأطروحات والإضافات التي وضعها (لينين) على الفلسفة (الماركسية) من خال تطبيقها على ارض الواقع، لان المفهوم النظري للفلسفة (الماركسية) اختلف أمره إثناء التطبيق، لان هناك وقائع على الأرض تحكمت في رسم خارطة الفلسفة إثناء التطبيق - رغم ان (لينين) حافظ على جوهر الفلسفة (الماركسية) - ولهذا سميت بـ(الماركسية - اللينينية) لأنها جاءت وفقا للفهم العملي لفكر الماركسي إثناء التطبيق على ارض الواقع، ومن هنا فان ما تم طرحه وممارسته في (الاتحاد السوفيتي) لا يمكن تجاهلها في أي دراسة وفلسفة علمية تنطلق بحديثها الفكري عن القيم الإنسانية المعاصرة .
فنحن إمام صرح عظيم وهائل من الثقافة العلمية الماركسية والماركسية - اللينينية، تم وضع وكتابة ملاين البحوث والدراسات العلمية لنيل شهادات علمية مرموقة من ارقي جامعات العالم وألف عنها بحوث وكتب بملاين المجلدات ومنشورات، لتأخذ مكانها المشرف على رفوف كل مكتبات العالم، فان قلمنا هنا وبهذه المناسبة الميمونة يعجز من تناولها بقدر ما يشرفنا إن نسط الضوء عن بعض الملامح ما حدث في (الاتحاد السوفيتي) من تطور فكري وعملي الذي أسهم إسهاما كليا في تحويل المجتمع السوفيتي من مجتمع زراعي إلى مجتمع صناعي الذي أمكن (الاتحاد السوفيتي) الانتصار على (دول المحور) في الحرب العالمية الثانية، ليخرج بانتصاره إلى مرتبة القوى العظمى، وهنا نطرح ما تم انجازه بشكل سريع في هذه المناسبة الخالدة اعتزازا منا لقيمتها الحضارية والإنسانية والتاريخية التي لا يمكن الاستغناء عنها، ونترك القارئ لتصفح والقراءة ما يحلو له من صفحات هذه الفلسفة الحديثة، الفلسفة الماركسية والماركسية - اللينينية الاشتراكية.

المقدمه
...........

لقد غيرت ثورة الطبقة العاملة في عام 1917 مجرى التاريخ ليس في (روسيا) فحسب بل في العالم اجمع، حيث تمكن عمال المعامل و المصانع والمحلات و الشركات الصناعية بعد إن انضموا إليهم الطلبة والمعلمون والأطباء من نشر دعوتهم للإضرابات شعبية عارمة في جميع أنحاء موسكو العاصمة، بعد أن أصبحت معاناتهم لا تطاق للحصول على قطعة (خبر) فسارت طوابير الجماهير الروسية الجائعة مشاركين التظاهرات نتيجة النقص الحاد في الخبز و الغذاء، وبجهود المئات من الناشطين الاشتراكيين، انتشرت دعوة الإضراب العام واستمر لحين قصمت هذه الاحتجاجات والإضرابات ظهر الحكم القيصري الذي دم لأكثر من 300 عام وبذلك طويت صفحة الحكم القيصري من روسيا ولى الأبد .

أسباب اندلاع ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا
...............................................................

بعد إن فشل قيصر، (قيصر نيكولاس الثاني، وهو أخر القياصرة الذي قتل هو وكل إفراد عائلته في 17- يوليو 1918)، من إحداث أي إصلاحات داخل حكومته وباءت كل محاولات في تشكيل حكومة جديدة بالفشل فقدم استقالته وانسحب من الحكم تحت ضغط الجماهير الغاضبة، فتم تشكيل حكومة انتقالية مؤقتة، ولكن الحكومة المؤقتة واجهت أزمات حادة، لان الحرب الذي كان يقودها (قيصر) ضد ألمانيا أنهكت ميزانية الدولة وتركت واقعا سلبيا على أبناء الشعب الروسي، وفي 1-4 من عام ثورة اكتوبر قام حشد هائل من العمال والجنود بالتظاهرات في (سانت بطرسبرج) ومدن أخرى تحت قيادة(البلاشفه)، والبلاشفه بالروسية التي تعني(( الكثرة أو الأكثرية))، وقد أطلقت جماعة الجناح اليساري من أنصار( لينين ) في حزب( العمل الاشتراكي الديمقراطي الروسي ) هذا التعبير على نفسها عام 1903 حين انشق الحزب بسبب عدم الاتفاق على العضوية، وأصبح ( لينين ) قائدًا (الأغلبية) أو (البلاشفة)، حيث كانوا يشكلون الأكثرية في الحزب، وكانت هذه المجموعة والتي كان يرئسها (لينين) ترى بأنه يجب أن يقودوا الثورة في روسيا حزب مركزي واحد من الثوريين المحترفين، وكان (لينين) يعتقد أن هذا الحزب يمكنه الاستيلاء على السلطة بمساعدة (العمال والفلاحين)، وكانوا يؤمنون بالحل الثوري، بينما سمي البقية بـ(الأقلية) باسم (المناشفة) كانت تسعى للتغيير السلمي، وقد كون (البلاشفة) جيش يسمى بـ( الجيش الاحمر ) الذي خاض حروب أهلية مع الجيش الأبيض (المناشفة) وهذا الأخير الذي كان مدعوما من الغرب (بريطانيا – فرنسا)، وكانت الغلبة للبلاشفة حين سيطر على الحكم في روسيا في ظل الحكم الاشتراكي، وأدت هذه التظاهرات لحاشدة إلى أزمة للحكومة الانتقالية ومما زاد من أزمة الحكومة بان التظاهرات أخذت تتصاعد تدريجيا، لكن الحكومة المؤقتة قامت بشن هجوم مسلح ضد المتظاهرين فقتل وأصاب عدد كبير منهم وهو الأمر الذي زاد بالأوضاع الداخلية توترا، مما اضطر (البلاشفة) من التدخل طالبين امن العمال بتوسيع أنشطة تظاهراتهم في كل مدن روسيا، وبدأت الطبقات العاملة في موسكو إضرابا كبيرا واجتاحت موسكو ومدن أخرى بغرض أن تتخذ الحكومة الروسية المؤقتة خطة للانسحاب من الحرب العالمية الأولي.
في 25 أغسطس من عام ذاته، بدأ اليميني (لافار كورنيلوف) تمردا عسكريا وبدأ يتحرك في اتجاه سانت بطرسبرج، في 27 أغسطس ناشدت اللجنة المركزية لـ(حزب العمل الاشتراكي الديمقراطي الروسي) العمال والجنود والبحارة الاتجاه إلى(سانت بطرسبرج) للدفاع عن الثورة، فقام (البلاشفه) بتعبئة وتنظيم الشعب لهزيمة التمرد واتجه الحرس لمواجهة الجنرال (كورنيلوف) قائد التمرد وهزيمته التي تمت على أيدي قوات غير نظامية، فكانت (الثورة البلشفية) أو (ثورة أكتوبر) المرحلة الثانية من الثورة الروسية عام 1917 قادها (البلاشفة) تحت قيادة (فلاديمير لينين ) الذي كان متسلحا بأفكار (كارل ماركس) لإقامة دولة شيوعية ماركسية وإسقاط الحكومة المؤقتة لتعد (الثورة البلشيفية) أول ثورة شيوعية في القرن العشرين تحمل أفكارا تقدمية وإيديولوجية ماركسية- اشتراكية تقارع النظم الرأسمالية والإقطاعية في العالم اجمع، حيث التفت الجماهير الكادحة حول( لينين ) وكلما مضي الوقت كان الجماهير الروسية تزداد ميلا لصالح (البلاشفة) وكانت جمهوريات السوفيت- آنذاك- تجمع حولها جماهير (البروليتاريين) والجنود والفلاحين المتعطشين إلى النضال لان مصير البلد كان متوقف عليهم، حيث كانت الجبهة الداخلية موحدة لان السلطة في الواقع كانت بين أيديهم وفي نفس الوقت كانت البرجوازية مشلولة سياسيا منذ إن اصطف عشرة ملايين جندي، منهوكين بالحرب إلى جانب العمال والفلاحين، ولهذا وضعوا ثقتهم بـ(الثورة أكتوبر) وضلوا متأهبين في كل لحظة للدفاع عنها، بقوة السلاح، ضد البرجوازية والرأسمالية الجشعة بما نالت الثورة الشيوعية ثقة الشعب، لان الجماهير الثورية المنتفضة كانت مؤمنه بتطلعاتها التقدمية و لا تغفر أبدا الجبن والخيانة.
فبعد إن أنهت الثورة الروسية الحرب العالمية الأولى من خلال التوقيع على معاهدة السلام مع ألمانيا والتي سميت بمعاهدة (برست ليتوفسك)، قامت الثورة التي قادها ( لينين) بتطبيق (الشيوعية الماركسية) في البلاد بدئها بسلسة من إجراءات ثورية وتغيرات جذرية على كل أصعدة الحياة ومفاهيمها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، حيث يمكن لنا إيجازها بشكل مختصر على النقاط التالية:-
أولا... تم حظر تدخل الدين في كثير من جوانب المجتمع.
ثانيا ... تم أعطاء المرأة حقوقا مساوية لحقوق الرجال.
ثالثا ... قيام الدولة باستيلاء على الأراضي الإقطاعيين وتوزيعها على الفلاحين.
رابعا ...قاموا بتغير تسمية الدولة الروسية إلى (الاتحاد السوفيتي) .

منجزات ثورة أكتوبر وتأثيرها على الصعيد المحلي والعالمي
...........................................................................

قام ( لينين) حين انطلق في رسم سياسة الدولة صائغا مبادئها من (الفلسفة الماركسية) - ولكن وفق رؤيته بحيث سميت لاحقا بالماركسية - اللينينية - فشرع في تغيير الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لوضع الشروط (الماركسية) لبناء مجتمع اشتراكي تحكمه البروليتاريا، وبالتالي تحويلها من (( فلسفة تشرح المجتمع وتدرسه من أجل تغيير علمي )) وفق نظرية (ماركس) و (أنجلز) إلى ((أيديولوجيا تقوم بتغيير المجتمع مهما كان وضعه))، ليصبح الاقتصاد الاشتراكي حسب نظر (لينين) ((إنتاجا من نتائج السياسة )) عكس ما طرحه (ماركس) بـ(( أن السياسة نتاج للاقتصاد)) ولما كان طرح الماركسي يتجه بقوله بان((الاشتراكية لا يمكن أن تقوم إلا في مجتمع رأسمالي اكتملت شروط نضجه))، فان (لينين) جاء بمبد (حرق المراحل) كأساس توفيقية يمكن بناء مجتمع اشتراكي من خلالها في الدولة التي الرأسمالية فيها غير ناضجة بعد. لان تفسير (كارل ماركس) للوصول إلى (الشيوعية الأممية) يقتضي المرور بعدة مراحل، بمعنى:-
إن الملكية تتحول إلى الإقطاع
الإقطاع يتحول إلى الرأسمالية
الرأسمالية تتحول إلى دكتاتورية البروليتاريا
دكتاتورية البروليتاريا تتحول إلى الشيوعية الأممية .
بمعنى أخر بأن الشيوعية لا تتحقق إلا في بلد وصل إلى مرحلة النضج الاقتصادي، في حين إن (روسيا) بأوضاعها الحالية - آنذاك - بعيدة عن هذه القاعدة التي وضعها (ماركس)، ولهذا حاول (لينين) حرق المراحل بغية الوصول السريع إلى التغيير المنشود، والقفز فوق المعطيات وصولا للبراهين، ولما كانت هذه العملية لن تكون سهله لهذا دأب (لينين) وعمل كل ما في وسعه لتحقيق هذا الهدف فواجه المشاكل لتكيف بالماركسية عبر (العملية الإدارة)، لذلك حقا تعتبر أفكار (لينين) ثورة حقيقية، لها بعدا جديدا في الفكر الشيوعي، والتي يمكن لنا إن نسميها بـ(الشيوعية اللينينيه) او بـ( الماركسية - اللينينيه) لكونها الدينامكية القابلة للتعاطي مع الواقع والتي على الدوام تطور نفسها، وكانت الأممية الشيوعية في أيام (لينين) مفعمة بالنشاط حيث كانت تناقش الاستراتيجيات المختلفة، ولهذا فان (لينين) تعامل مع الماركسية لا بكونها عقيدة جامدة، بل بتميزها بسعة الأفق، انطلاقا من مقولة (ماركس) عن نفسه (( لست ماركسيا.. وإنما إنا افتح الباب على مصراعيه لفهم القضايا الإشكالية والتعاطي معها وفق مقتضيات الواقع..)).
فحين قام (لينين) بتأميم مختلف المشاريع الاقتصادية الكبرى في (الإتحاد السوفييتي) والبنوك والأراضي الزراعية، كان هدفه هو تسريع تطوير الصناعات الثقيلة، ولم يكن من سبيل إمامه سوى بتوليد أكبر كم ممكن من الفائض من الزراعة لتغذية التطوير الصناعي، فبدون إنجاز تراكم موسع الذي لا يمكن ان يتم بدون تمويل الصناعة من الفائض الزراعي، ولهذا أدرك (لينين) الإمكانية الثورية الكامنة تكمن في استمكان الثورة بإنتاج الفلاحين في روسيا التي كانت تعاني التخلف آنذاك، ولذا رفع (لينين) شعار ((وجوب التحالف بين العمال والفلاحين)) فالمجاعة كانت تنتشر بين إفراد الشعب، وكانت آثار الحرب مؤلمة وكل ذلك يترك لنا عبئا كبيرا كما وصفها (لينين)، لذا كان لا بد من نظام صارم من جهة، وسياسة اقتصادية صارمة من جهة أخرى، ولهذا عمل (لينين) إلى منح هذه (السياسة) للفلاحين درجة ملموسة من حرية التجارة في جانبها التسويقي، بينما فرضت نظاما أكثر صرامة في (الحزب – حزب الشيوعي)، كما ارتأى(لينين) بضرورة التزام لفترة أطول للعيش مع الاقتصاد المختلط قبل أن يتم توسيع القطاع الاشتراكي بشكل ملموس.
وقد طور الرئيس (ستالين) الذي عقب الحكم على الاتحاد السوفيتي بعد وفاة (لينين) عام 1924 ، على هذه الإستراتيجية السوفييتية معتمدا على الإمكانية ألسوفيته الذاتية أولا بتسريع نمو الصناعة الثقيلة وثانيا انتزاع الفائض الزراعي عن طريق انضمام الفلاحين إلى التعاونيات الاشتراكية.
وكان لوجود (ستالين) على رأس السلطة السوفيتية لمدة ليست قصيرة دامت بحدود 26 سنة هي التي مهدت الإتحاد السوفييتي بتطوير استراتيجيه التنموية ونجاحها لتخرج فترة (ستالين) آنذاك بنقطتان أساسيتان في غاية الأهمية أنجزته مرحلته:
الأولى تمثلت في الانجاز الاقتصادي وتنميته بالانسحاب من النظام الرأسمالي العالمي.
وثانيا القمع السياسي لأي شكل من إشكال المعارضة.
ليشكل نظام الذي قاده (لينين) و (ستالين) بصرامة وشجاعة نظاما ومعسكرا عالميا جديدا عكف المنظرون الشيوعيون الماركسيون إلى تطوير إستراتيجيتهم ليكون ندا قويا ضد النظام الرأسمالي والعمل على ضرورة تصفية النظم الرأسمالية واختيار التطور الاشتراكي كنظام عالميا قابلا لتطور والازدهار باعتبار إن الثورة الاشتراكية هي شرط مسبق وأساسي لأي تنمية اقتصادية.
ولما كان انسياق (لينين) في العمل الفكري والسياسي يقوم أساسا لوضع استراتيجيه سوفيتية تكون لها إبعاد عالمية ولهذا فقد عمل بتحويل النضال ضد الإمبريالية الرأسمالية إلى المستوى السياسي ما دفع بكل القيادة السوفييتية التي تلت من بعده إن تتبنى هذه الإستراتيجية، فلم يكن هدف ثورة أكتوبر1917 ، هو إنجاز الثورة الاشتراكية في الاتحاد سوفيتي فحسب أي في بلد واحد بمفرده. ولكن الإتحاد السوفييتي بقيادة (لينين) و (ستالين)، أكدوا بضرورة الاختيار في مسألة الثورة في بلد واحد لان بناء الاشتراكية في هذا الإطار المحدد بالبلد الواحد هو رد الفعل المناسب على الغزو والحصار الإمبرياليين على الاتحاد السوفيتي، وعليه فإن فك الارتباط كان بمثابة تطوير لإستراتيجية دفاعية تم تبنيها اختيارا، لان هذه إستراتيجية أدت إلى حماية البلد الاشتراكي الناشئ في روسيا من الامبرياليين وتجنب الوقوع في مطب العلاقات الغير المتكافئة، ولذا فإن سنوات التنمية المستقلة عن المركز ما بين الأعوام 1917-1954 كانت سنوات التطور السوفييتي الحقيقي على الرغم من الحصار والعدوان الإمبريالي.
وعلى رغم الدولة قامت بتشجيع الإنتاج الخاص ضمن الجمعيات ألفلاحيه التي تنتج الفائض ليتم ذلك في الدمج المنسجم في بناء الاشتراكية، أي عملية التصنيع البطيء. وفي المقابل كان برنامج المعارضة اليسارية مع تسريع أعلى في التصنيع على حساب (الكولاك)، - والكولاك تعني مجموعة من الفلاحين الأغنياء وهم من الأحرار والمستقلين، وهم أعداء الشعب بالنسبة للفلاحين الفقراء)- ومكونات السياسة الاقتصادية الجديدة وفق ما كان تسير عليه (الاتحاد السوفيتي)، لان الاتحاد السوفيتي كان يواجه تحديات داخلية في التحول، بينما كانت الدولة الوليدة تواجه الهجوم الإمبريالي الخارجي بهدف التقويض، فكانت السوفيت تطبق الاشتراكية كحالة اضطرارية دفاعيا عن ثورتها و ضد الثورة المضادة في الداخل، بل لمواجهة الغزو والحصار بأنواعها من قبل الرأسمالية الإمبريالية من الخارج .

أسباب انهيار ثورة أكتوبر
...................................

ومن هذا السياق نستشف بان مرحلة التأسيس لتصنيع (الإتحاد السوفييتي) تم خلال فترة (لينين)، ولكن تم تسريع وانجاز هذا التصنيع في عهد (ستالين) ليقترب فيها (الإتحاد السوفييتي) من مستوى تطور الغربي، وهو الرجل الذي صنع (الاتحاد السوفيتي) كقوة عظمى، رغم إن هذا التحقيق حققه (ستالين) بعد إن قدم تضحيات جسام وخسائر وتكاليف باهظة التي بذلت لهزيمة (النازيين الألمان) إعقاب (الحرب العالمية الثانية) وإعلان انتصارهم الكبير محققين اكبر انجاز في تاريخ ثورة 1917 الاشتراكية، وهو الأمر الذي تطلب قيام قاعدة صناعية قوية على ارض الواقع في (الاتحاد السوفيتي) الذي أمكنه من ممارسة مقاومة شرسة ليحقق النصر.
و (ستالين) ما كان يحقق هذا النصر على (النازيين) لولا إعطاء الأولوية لتصنيع الثقيل الذي قطع فيه شوط كبير وملموس وبالتالي كان حرصه لتطوير هذا القطاع قد أتى نتيجة الظروف المحيطة ومتطلبات المرحلة مما أدى إلى اتخاذ هذه الخطوة إلى تراجع الصناعة الخفيفة والتنمية الزراعة ولم تستطع تواكب ما آلت إليه الصناعة الثقيلة لان التكامل الاقتصادي يكتمل بتطور متوازن لهذه القطاعات الثلاثة، ولكن يجب إن لا يأخذ أي مأخذ على فترة (ستالين) لان ظروف حكمه تطلب التركيز على ما هو أهم في تلك المرحلة التاريخية الحاسمة من تاريخ (الاتحاد السوفيتي) وهو الأمر الذي قال عنه (تشرشل) رئيس وزراء بريطانيا آنذاك وبالحرف الواحد: ((استلم روسيا بمجرف زراعي وتركها بسلاح ذري))، وهنا السؤال يطرح نفسه لمن أتى إلى حكم (الاتحاد السوفيتي) الذين يتحملون كل المسؤولية لانهيار الاتحاد السوفيتي:
لماذا لم يقوم من تلا الحكم في (الاتحاد السوفيتي) بالمباشرة بتنفيذ المشاريع التي لم يتمكن ( لينين) و (ستالين) تنفيذها لانشغالهما بحرب ضروس فرضت على (ستالين) وكان مصير (الاتحاد السوفيتي) بكاملة متعلقا بها، إما الانهيار وإما النصر وقد حقق (ستالين) النصر على الأعداء ورفع قامة (الاتحاد السوفيتي) عاليا في كل إنحاء العالم، فلماذا لم يقوم الزعماء السوفيت من بعد (ستالين) تجاوز أخطاءه وتكملة مشوار نضال الذي خاضه (لينين) و (ستالين) طالما إن الأخطاء تنسب إلى الأشخاص - كما يقال - وليس إلى سياسة الحكومة وإلى ما ورائها من محركات أخرى طبقية.........؟
لماذا تدهور (الإتحاد السوفييتي) في عهد من تلوا الحكم بعد الزعيم (ستالين)، في وقت الذي يجب التأكيد هنا بان لا علاقة بين ما حدث في عهدهم والنظرية الماركسية نفسها ......... ؟
أليس من حكم بعد(ستالين) من الرئيس( لافرينتي بيريا ) ثم ( نيكيتا خروتشوف ) ثم ( جورجي ماللينكوف( ، هم من رفعوا شعار المباراة السلمية والتعايش السلمي، وهي التي كان معناها الفعلي فتح الفرصة لإعادة دمج الإتحاد السوفييتي في السوق الرأسمالية العالمية وقد بدأت الشيوعية في تغيير ملابسها، وجلدها، فبدأ الإتحاد السوفيتي يغير أسلوبه وليس سياسته وبذلك فتح باب التأمر على (الاتحاد السوفيتي) ذلك الباب الذي كان حصين كل الحصن في عهد (لينين) و مستحل اختراقه في عهد (ستالين)، وهو الأمر الذي قاد في النهاية إلى انخراط الإتحاد السوفييتي في علاقات التبادل غير متكافئة وهي سياسة التي أرست أول أسس (لانهيار الاتحاد السوفيتي) بعد إن انهار محيطه في العالم الثالث ومن ثم انهيار العلاقة وتصاعد الخلاف بين (الاتحاد السوفيتي) و (الصين) بعد وفاة (ستالين) حيث توفى(ستالين)، هذا الزعيم الخالد في 5 مارس 1953 م الذي جمع بين الإرادة الحديدية وقسوة العنف الذي لا يرحم، وهو القائد الثاني للاتحاد السوفييتي، ويعتبر المؤسس الحقيقي للاتحاد السوفيتي، لا يختلف عليه اثنان بأنه كان من الشخصيات المرعبة، فهو رجل قاسي لا يلين.
وهكذا رويدا - رويدا اخذ (الاتحاد السوفيتي) يبتعد ليس مع (الصين) بل مع أصدقائه المحمومين في الدول أوربا الشرقية، ومن هنا بدأت عوامل تقويض تطور (الاتحاد السوفييتي)، ومن ثم انهياره بدأت بفقدانه سوق (الصين)، قبل أن يبدأ بفقدان محيطه في أوربا الشرقية ومن العالم الثالث.
وهو الأمر الذي نبه إليه الثائر الخالد الزعيم ( تشي جيفارا) الرئيس (خربتشوف) اثر زيارته إلى (الاتحاد السوفيتي ) ناقدا هذا التوجه (السوفييتي) علنا بقوله:
((.. لا يمكن بناء الاشتراكية بدون تغيير في الضمير وذلك بخلق موقف أخوي تجاه الإنسانية…فنحن نعتقد بمسؤوليتنا عن مساعدة البلدان التابعة إذ يجب أن نتعامل معها بهذه الروح، ويجب أن لا يكون هناك بعد أي حديث عن تطوير التجارة الخارجية من أجل مكاسب متبادلة قائمة على أسعار محددة تجاه البلدان المتخلفة قائمة على قانون وعلاقات التبادل غير متكافئ التي يرسيها قانون القيمة..)). ولكن (خربتشوف) لم يكترث وراح في رسم سياسة متفتحة نحو الغرب الأمر الذي افرز سياسته إلى تذبذب الأسعار بين السوق العالمية والأسواق الداخلية في (الاتحاد السوفيتي) لان في عهد (ستالين) و (لينين) ركزا الرجلين على إن تكون السوق المحلية ناشطة، وهذا لا يتم دون تقليص السوق التجارة الخارجية، وهو الأمر الذي تحقق إلى حد كبير في حقبة (ستالين)، لكنه نجد قد أُهمل بشكل مقصود في حقبة (خروتشوف) و الرئيس (بريجينيف) و الرئيس (يوري اندروبوف) والرئيس ( قسطنطين تشيرنينكو) والرئيس ( ميخائيل غورباتشوف) ، ليفتحوا باب للفساد الفردي، فلقد تقلصت سلطة المخططين المركزيين، وتم هذا بالطبع لصالح المدراء وليس لصالح المنتجين أنفسهم. وطبقا ولكثرة عدد المدراء انتعشت شريحة طبقية فاسدة التي كان من الصعب ظهورها في فترة التخطيط المركزي أيام (ستالين) ولكن بعد وفاته تحولت السلطة من المخططين المركزيين إلى المدراء الذين تحولوا لاحقا إلى نخبة بيروقراطية، وكانت النتيجة هي التدهور التدريجي لوعي الطبقة العاملة والحزب الشيوعي إلى أن أصبح في وسع (غورباتشوف) الإطاحة بالنظام بأكمله.

الخاتمه
...........

وعلى ما آلت إليه صورة (الاتحاد السوفيتي)، إلا إن في ذاكرة التاريخ ستبقى ثورة أكتوبر1917 أعظم الثورات التي عرفها تأريخ البشرية وأحدى ابرز الحركات الجماهيرية ذو أهداف إنسانية الأشد عمقا في التأريخ الشعوب التي حققت المساواة والقضاء على الرأسمالية الإقطاعية وحققت الاشتراكية العلمية، وكان صانع هذه الثورة الزعيم (لينين) القائد الفذ والمحنك دورا فعالا في نقلة نوعية التي أحدثها في (الاتحاد السوفيتي) ليرسم أوسع دولة اشتراكية في جغرافية الشاسعة تشرق وتغرب فيها الشمس ولمدة 69 سنة ، عمل وواكب النضال ليرسي دعائم أفكاره بالماركسية الشيوعية في البناء النفسي للإنسان السوفيتي والبناء الحضاري باقتصاد متين مؤطر بالاشتراكية العلمية وتطور ثقافي وعلمي ومشاركة دول العالم في محاربة (النازية) وإرساء السلام العالمي ليجعل من (الاتحاد السوفيتي) خير نصير للشعوب المضطهدة، و ندا شرسا للقوى الامبريالية، ورقما لامعا في التوازن الدولي، لذا ستبقى الثورة (لينين) الماركسية في الاتحاد السوفيتي أحدى أعظم الأحداث التي عرفها تأريخ البشرية وعلى مر التاريخ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟


.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير




.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على


.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر




.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص