الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علاقة الأسطورة الدينية والنص الديني علاقة ترابط أم توظيف خارجي

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 4 / 26
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


علاقة الأسطورة الدينية والنص الديني علاقة ترابط أم توظيف خارجي

الكثير من الأفكار الدينية التي وردت في تفصيلات النص الديني الأصلي لا تخلو من جذور لها في الذاكرة الأسطورية للشعوب والثقافات والحضارات التي سبقت هذا الدين أو ذاك، وأحيانا تتحول هذه الجذور إلى تطابق في الموضوع وأختلاف بالشكلية التي يعرضها النص الديني، فمثلا رواية الخلق والخليقة وأسطورة الطوفان وقضية سفينة نوح والأسراء والمعراج وقصص أخرى تجدها حاضرة في جزء مهم من البنيان الفكري في الدين، لا تنقطع عن واقع مدون ومسجل بشكله الأسطوري في حضارات وأمم قد تكون متباعدة في الجغرافية المكانية، مع أحتمال أن التواصل لم يكن ميسرا كما هو الحال الآن، السؤال هل هذا التوافق مردود إلى حقائق دينية أسبق من الدين الذي نؤمن به مما يشكل وحدة حقيقية في المصدر؟ أم أننا ما زلنا نجهل حقيقة التواصل القديم بين الشعوب والحضارات القديمة وما لدينا من حقائق تبدو ضئيلة جدا بما لا يسمح لنا تفسير هذا التوافق بينها مع وجود عامل المكان والزمان؟
الحقيقة عندما ندرس الأفكار الدينية عموما وخاصى عندما نقارن الفكرة الواحدة مع ما مكتشف ومدون من حضارات سبقت يدهشنا التوافق الوصفي والتفصيلي وكأن الراوي واحد، هذا فضلا على أن لكل حضارة أو ثقافة تستعين برموزتها ورمزيتها الخاصة لتحيل الموضوع إلى وجودها المعرفي الخاص، وهذا لا يغني عن أن نربط الفكرة بجوهرها حيث هي فكرة خاصة ومقاربتها ومقارنتها خالية من الرموز الخاصة، مثلا قصة الإسراء والمعراج وجدت مدونة ومحفوظة بشكلها الحالي في الأدب الديني الفارسي وإسمها " أرتا ويراث " وكتبت قبل الإسلام سنة 400 م، كما أن نفس القصة وبذات المحتويات الفكرية والمشاهد التكوينية موجوده بكل تفاصيلها في الأدب الديني العبري، هل هذا الأمر يشير إلى حقائق منها على سبيل المثال:
• أن كل الأنبياء قد مروا بنفس الرحلة وبنفس التفاصيل ليثبت الله لهم أنهم أصحاب الحق من جهة ويكشف لهم الكثير مما يمتنع عقلا ومنطقا على البشر الأعتيادي ليؤكد من جهة وحدة المنهج في التعامل مع الرسل والأنبياء، وثانيا ليؤكد على وحدة الدين من آدم إلى محمد .
• إن القصة هذه مع عدم جزمنا القاطع بصحتها بالشكل المطروح روائيا وليس بالنص، قد دست وفسرت على غير ما حدث فعلا وخاصة بالتفاصيل والمسميات والأحداث والوقائع التي جرت في الرحلة، لا سيما أن النص القرآني لم يذكر سوى حدوث عملية إسراء ومعراج للنبي، دون أن يكشف أو يوضح أو ينص على تفاصيل ما، مما حدا بالمخيال الديني الشعبي وما لعبه الرواة من نقل لأحداث كانت متوفره في الساحة الفكرية الرهنة في زمنهم بتأثرهم بالديانات الأخرى، فضموا هذه على هذه وأخترعوا الحكاية التي نتعامل بها اليوم على أنها رحلة الإسراء والمعراج كاملة.
• مع أفتراض غير جازم بأن قضية الإسراء وما ذكر في النص القرآني مرتبط بقضية أكبر وهي أن النبي محمد كان له علم ومعرفة سابقة بالأساطير والروايات الدينية المتوارثة من قبل، وقد حاول أن يزج هذا الموضوع في ثقافة فكر بدائي وهو فكر العرب الذي يعتمد الخيالات الروائية، ليقنعهم بأنه نبي حقيقي ومبعوث من السماء، وأن هذه المحاولة هي جزء من ما يسمى اليوم أن القرآن والدين الذي أرتبط به ليس إلا مجرد أفكار عبقرية صاغها عقل فذ وخارج منطق عصره وثقافة قومه، وبالتالي نفي الصفة الألهية عنه، وهذا الأمر مع عدم جزمنا وتبنينا له يشير إلى أن النبي الذي صاغ هذه الفكرة يملك رؤية وفهم علمي ومنهج حقيقي قادر على إعادة مفاهيم مستهلكة وصياغتها بشكل جديد ومهذب من اللا ضروريا ليقدمه فكر كامل ويحسب له ولا تحتسب عليه.
• لو كانت القضية كما يقال بهذا الشكل الذي ورد بالثقافة الدينية الإسلامية كرواية موثقة، هل من الواجب العقلي أن تترك تعشعش في عقولنا على مر هذه السنين وتتخذ شكلها الراهن على أنها من المعجزات النبوية، ولم يذكر من كتب هذه القصة وأرخها كيفية تلقيها والمصدر الراوي، خاصة وأن زمن كتابتها كما معروف تأريخيا في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة على أقل تقدير، في الوقت الذي غاب كل الشهود الذين حضروا الواقعة أو سمعوا بها، كما أن الكثير من الكتب التي نقلت أجزاء من الرواية أما في كتب الحديث أو كتب السيرة تذكر سلسلة من الرواة لا يمكننا بأي حال أن نجزم بصحة السند مع عدم توفر الأتفاق على الكثير من الأسماء والشخصيات، بل أن البحث المتأخر في حقيقية وجود هذه الأسماء تنكر الكثير منهم على أنهم شخصيات حقيقية.
هنا لا بد لنا من القول أن الإشارات التي ترد في النص الديني إلى حدث ما أو قضية ما مثل قضية أغراق قوم نوح بسبب تكذيبهم لنبيهم ربطها الراوي التأريخي بقكرة الطوفان، في حين أن الطوفان علميا وعقليا لا يمكن حدوثه على الأرض لأسباب جيوفيزيائية وفيزيائية بحته، لأن القوانين العلمية تنافي إمكانية حدوث الطوفان على كامل وجه الأرض، إضافة إلى أن النص الديني لم يقل بالطوفان العام، وإنما أشار لقضية جزئية هي إغراق قوم نوح لوحدهم كعقاب ولم يشر ولا بنص أو تلميح إلى إغراق البشرية، لقد لعبت الثقافات الأسطورية القديمة تأثيراتها على الفكر الإسلامي الروائي بقوة، في الوقت الذي تفاجأ العقل العربي بهذا النوع المركب من الأفكار الأسطورية وأدهشته حد زجها بالدين الإسلامي وإعادة أنتاجها بثوب وطعم جديد، وبالأخر سلم أن ما سرده وأثبته هنا أصبح جزأ من الإسلام كدين وحاول لي عنق النصوص الدينية كي تتناسب مع إعجابه ورغبته بتكوين رواية تعزز من وجوده الثقافي بين الأمم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحة وقمر - القرصان أكلة شعبية سعودية بطريقة الإيطالية مع قمر


.. صنّاع الشهرة - لا وجود للمؤثرين بعد الآن.. ما القصة؟ ?? | ال




.. ليبيا: لماذا استقال المبعوث الأممي باتيلي من منصبه؟


.. موريتانيا: ما مضمون رسالة رئيس المجلس العسكري المالي بعد الت




.. تساؤلات بشأن تداعيات التصعيد الإسرائيلي الإيراني على مسار ال