الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرجل المقلوب / قصة قصيرة

يوسف الصفار

2017 / 4 / 26
الادب والفن


الرجل المقلوب / قصة قصيرة
في الفراش , تلمس جسده .. يداه مررهما على جذعه ورجلييه , رج فخذييه , انقلب على جنبه , و حين اراد ان يخرج من سريره انقلب باتجاه مغاير , رجلاه الى الاعلى وراسه تدلي , يداه ثابتتان على الارض وجذعه مستقيم باتجاه السقف , نشاط غير معهود امتلكه , اخذ يذرع الغرفة ذهابا وايابا , وهو يداري انفعاله , كيف تسنى له هذا الامر , اراد ان ينقلب الى وضعه الاعتيادي كباقي البشر , وجد استحالة غير ممكنة للسير على رجلييه وكأنه خلق هكذا و يداه المفعمتان بالقوة تتمتع بكامل اللياقة , ذهب الى الكرسي وراء المنضدة وجلس متخذا وضعية العقرب , قدماه الى الاعلى تتحرك اصابعهما بطريقة آلية وكأنهما يد ان حقيقيتان , تناول قدح الماء وقربه من فمه , لم يشعر باي تغير , كل شي على مايرام , عدا انه اصبح رجلا مقلوبا ...
نادى والده بصوت عالي
_ ابي .. ابي ... تعال بسرعة لاريك شيء
كان يتصور لحظات ويعود الى وضعه الاعتيادي ,.. لم يشاء ان يفوت فرصة المشاهدة الممتعة لوالده الكهل , جاء الاب مسرعا , لاهثا , متحمسا , طافحا بالسعادة , فنغمة صوت ابنه , اعطته ثقة انه بخير , في صباح مشرق كهذا , ولكن ما ان شاهد ولده حتى ارتد الى الوراء , ضحك بصوت عالي ..
_ ماذا تفعل انك اشبه بالحنقباز و لماذا تجلس هكذا كعقرب متحفزة للدغ .؟
_ اوه يا ابي انت دائما تتصور الامور الجادة بمنظار هزلي , انا هكذا استيقضت بهذا الترتيب , اعضاء جسدي تبدلت وظائفها , رجلاي اتخذتا وضعا جديدا استخدمها الان كيداي .. تحولت وظيفتهما الاساسية , جسدي اصبح اكثر انتعاشا ومقدرة على مواجهة متطلبات الامور ..
_ وهل ستخرج الى الشارع بهذ الوضعية ..؟؟
_ لم لا .. على الاقل ستنقلب عندي المقايس ..واجد نفسي اكثر جدارة بمجاراة المرحلة التي نعيشها ..
_وما هي المقايس عندك ..؟
_ نوع من الاستجابة للقبول بمعطيات جديدة تفرضها علينا الظروف ..
_ وضح لي الامر ارجوك .؟ . وضعك يبعث على الضحك .. وانت في هذه الوضعية المقرفة .. تطرح نكاتك.. هل تحاول ان تمزق الواقع بمفاهيم جديدة ؟؟
_ ليس هناك اي سخرية اجد نفسي في وضع افضل .. حينما اخرج الى الشارع سوف لاارى الوجوه .. سيكفيني النظر الى الاحذية .. ومن طبيعة الاحذية ساعرف طباع الناس ..الم يقل الانكليز حذاءك وجهك الثاني .. ها انا اطبق مقولتهم على الواقع ..
_ استعوذ بالشيطان ابني ..هل انت جاد .. ماذا فعلت بك الكتب الكثيرة التي قرأتها .. ؟؟
_ لاتلوم ما قرأته يا ابي .. هذه حالة جسدية اي بعرف الفلسفة مادية وانت تتكلم عن الفكر .. هل تضنني مجنونا او اتلاعب بمشاعرك .. هل كذبت عليك يوما ..؟؟
لم يشاء الاب الاستمرار بمناقشة هذا الغلام واحس ان هناك مصيبة ستحيق بالعائلة .. هذا الولد من اصدق وانبل اخوته ويعتبره اصدقاءه فلتة زمانه , حوى بعقله الدين والدنيا ولم يتوانى عن القيام باي عمل يكلف به .. وهوبهذه الوضعية يبدوا متفائلا لم يتملكه القلق .. هذه هي المرة الوحيدة التي يراه فيها لايفكر بالعواقب .. مستسلما لامر غريب .. جسد ملتوي.. فعالياته وامكانياته لايشوبها الاحراج .. عقله متزن .. مواجهته للامور تثير الاعجاب .. شعر الاب بتعب شديد فجلس على اريكة بعيدة .. اراد ان يرتب مفاهيم جديدة لمصيبة لم تخطر على بال احد ... سمع لغطا بالشارع ..صياح نسوة واطفال .. صرخات مكبرات صوت من الجامع القريب , ..صفارات سيارات الشرطة تزعق في الفضاء .. فكر مع نفسه .. هل هو يوم المحشر ..؟؟ ماذا يحدث .. ارتعدت مفاصله .. وتسائل (هل هو اليوم الموعود ..؟؟) .. ركض الى الشارع وسأل الجيران عن ما يحدث قالوا له: ( حدث ما لا بالامكان ان يصدقه انسان .. اذهب وافتح التلفزيون بعد قليل سياتي البيان ..) عاد الى بيته مهزوزا مهزوما . مضطربا .. مرتجفا كمحموم من فعل الخطوب ..
كانت المذيعة في( فضائية البؤس يا عراق ) تضحك وتستهزأ كما يبدوا بالاحداث وهي تسأل احد المحللين خارج الاستديوا من الذين لهم باع طويل في فهم الاحداث وتبريرها ..
المذيعة : هل لو تفضلتم بتبيان الاسباب الموجبة لهذه الازمة الانسانية لمرض الرجل المقلوب وباختصار رجاءاً ..؟!!
المحلل : كما تعرفين سيدتي العزيزة الامور لاتقاس الا بنتائجها واذا عرف السبب بطل العجب .
المذيعة : الا توضح للمشاهدين الكرام سبب ظهور هذه الضاهرة في اوساط شريحة معينة من المجتمع دون سواها .؟؟
المحلل : الادعاء شيء والواقع شيء آ خر ..
المذيعة : ولماذا ظهرت عندنا فقط ..
صمت غريب اكتنف الشاشة والمحلل يؤشر على اذنه اليسرى بيده اليمنى .. ويميل راسه قليلاً ثم يؤشر بسبابته على فمه ..طلب المخرج من المذيعة الانتقال مباشرة الى الاستديوا ..
المذيعة : نعتذر على هذا الخلل المفاجيء بالصوت وسنعاود الاتصال مرة ثانية
المخرج يرفع ابهامه الى الاعلى دلالة الاعجاب
المذيعة : مشاهدينا الكرام نعتذر مرة اخرى لهذا الخلل والان ننتقل الى الاستاذ الموجود معنا في الاستديوا وهواختصاص طب بجراحة الاعصاب من مستشفى ابو العلاء المعري الاختصاصية بالانف والاذن والحنجرة ونساله نفس السؤال وهو كيف حدثت هذه الضاهرة التي عجز الجميع عن إلاتيان ببيان مسبباتها وهل هي معدية ولماذا اصيب بهاعدد محدود من الاشخاص .لحد الان .
تململ ضيف الاستديوا في مكانه .. ابتسم وعاود الابتسام بانشراح اكثر.. ثم تجهم وعاود الابتسام مرة اخرى ..واخيرا نطق بالكلام المباح ..
الطبيب: من البداية شكلنا فريق عمل يأخذ بكل جوانب المشكلة . ولم نتوصل الى اجابة شافية لحد الان ..
المذيعة : لكن يقال ان اكثر المصابين اصبحوا سخرية للناس كبيرهم وصغيرهم ..حتى ان بعض الصبيان اخذوا يلاحقوهم بالحجارة بينما الكبار اكتفوا بالضحك والسخرية ..
الطبيب : المصيبة ان جميع المصابين يتمتعون بحس ثقافي ورؤية واقعية للامور كما يشار اليهم بالاخلاص والنزاهة ..
المذيعة : كيف تمكنت من هذا لاستنتاج المدهش وهل كلنا لانتمتع بهذه الخاصية ..؟؟
لم تكمل المذيعة كلامها حينما انقلب الطبيب على يديه واخذ وضع العقرب .. اضطرب الاب لهذا المشهد وطلب من ابنه تفسيرا ..الابن لم يتمالك نفسه اخذته نوبة متشنجة من الضحك مباشرة .. شاشة الفضائية انتقلت الى مشهد جديد مصحوبا بموسيقى جنائزية ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي


.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال




.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81