الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسئلة في الحاجة إلى الثورة(2) -التحرر من الصيغ الجاهزة-

يوسف أحمد إسماعيل

2017 / 4 / 27
حقوق الانسان


الثورة في مفهومها الحضاري هي قفزة في الوعي الجمعي ضد البدهيات التي تحولت إلى تابوات محرمة بفعل رسوخها في العرف الاجتماعي أو الوعي الديني الشعبي أو الطقس الموروث. وفي مفهومها السياسي المحدود هي انقلاب على السلطة؛ تبرره الرغبة الشعبية الجامحة في تغيير السلطة الحاكمة لإغراقها المجتمع بالفساد السياسي والإداري والاقتصادي. وبهذا يكون ذلك الانقلاب فعلا إجرائيا أوليا يتماهى من حيث الفعل مع مفهوم الانقلاب العسكري، ويختلف عنه من حيث الغاية والمشروعية؛ إذ يعبر الانقلاب العسكري عن طموح فردي إلى السلطة، كما حصل في سورية في خمسينيات القرن الماضي. ويعبر الانقلاب في إطار الثورة عن حاجة اجتماعية للتغيير، ويكون بمثابة خطوة مرحلية لإزالة العوائق في طريق المشروع النهضوي الحضاري الذي يمس حرية الانسان أولاً، كما حصل في مصر في ثورة تموز سنة 1952 م. وذلك بغض النظر، إن حصل بعد ذلك التغيير المنشود أم فشل.
وعليه فإن الثورة بمفهومها النهضوي تحمل فكرا تحرريا، يعمل على تخليص المواطن من عوائق تمرده على العبودية المترسخة في وعيه الجمعي كأنساق ثقافية مقدسة؛ إن كانت هذه الأنساق موروثة من عصور سابقة أو مكتسبة من مرحلة تسلطية راهنة. وقد تتداخل أحيانا الموروثة والمكتسبة لتضفي طابعا سلبيا على الوعي برمته فيمتاز به بعض المواطنين، ويتمرد عليه آخرون، بل يسخرونه لخدمة مصالحهم.
ومن أبرز تلك الصور العيش في إطار" الصيغ الجاهزة"؛ وتتمثل تلك الصيغ بالمقولات العامة السياسية او الاجتماعية، والعيش فيها يعني الاستسلام لها، وتكرارها بغباء لا يأخذ بعين الاهتمام التفاصيل الموضوعية للحظة الراهنة، وبالتالي فإن العيش تحت شعارها يلغي المسافة الفارقة بين الظالم والمظلوم أو بين الحق والباطل او بين القاتل والضحية، كأنْ نشيد بدور المعلم العربي في عيده، ونمجد مهمته وتضحياته، ونتغافل عن علة التعليم الراهنة في الوطن العربي ، والتي للمعلم فيها حصة كبيرة. أو نصفق بشموخ وكبرياء وغبطة لافتتاح أبواب المدارس والجامعات مع بداية العام الدراسي في سورية مثلا، دون أن نلمح ولو بإشارة عابرة إلى الأجيال التي حُرمت من التعليم في تلك الحرب القذرة. أو نردد بين وقت وآخر عبارات وطنية عشوائية قد تدل على طيبة وصفاء نية ولكنها في المقابل تدل على الغباء لأن تكرارها دون ملاحظة الواقع الموضوعي يعني القفز فوق المعطيات والاستسلام للشعارات أو الصيغ السياسية الجاهزة، مثلا" المجد لسورية الموحدة، الشعب وحده من يقرر وحدة سورية،،،،" نعم، أخلاقيا وأمنيات وأحلاماً " المجد لسورية الموحدة، الشعب وحده من يقرر وحدة سورية" ولكن التاريخ لم يثبت تلك المقولات؛ فالمجد مرتبط بالعمل وليس بالأمنيات؛ وإسرائيل تنتصر على العرب بالعمل وليس بالشعارات! فكيف يتحقق المجد في ظل انتشار ثقافة الاتكال والتبعية والكسل والربح المجاني مثلا! وكيف يقرر الشعب وحده وحدة سورية وهو محروم لعقود مضت من التفكير بالسياسة أو المشاركة في شؤون وطنه؟! ألم يتغير موقفه " العروبي " من الحرب العراقية الإيرانية لتغير موقف السلطة الحاكمة.! ألم يشارك الجيش السوري مع أمريكا العدو الأول في القائمة الرأسمالية الإمبريالية في تحرير الكويت؟ طبعا هناك من سيقول: تلك كانت مواقف السلطة الحاكمة وليست مواقف الشعب السوري! وهنا تكمن المفارقة بين الصيغة الجاهزة وبين الواقع: فالشعب لا يصنع مستقبل بلاده السياسي وإنما يصنعه الساسة المحليون والدوليون.
وليس للصيغ الجاهزة ماهية ثابتة أو ثيمة محددة؛ إنها طريقة تفكير وتعبير عن وعي، فمتمثلها يعبر عنها في أي حقل دلالي يتحدث به؛ فإذا سمع أن الشاعر خليل الحاوي انتحر احتجاجا على دخول الجيش الإسرائيلي لبيروت، تحدث هو عن قتل النفس في الإسلام! وإذا قال نزر قباني " كل النساء أمي" كفّره وزندقه. وإذا قال كاتب: الكتابة هي دفاع عن النفس ضد الموت، قال هو" الكتابة نبراس الحياة" وإذا قالت شخصية روائية: إن الله لم يعد يهتم بحاجتنا الشديدة للكرامة. قال هو: استغفر الله العظيم ولا تشرك به أحدا.
إن العيش تحت سقف الصيغ الجاهزة له صورتان: الأولى صورة عبودية تعبر عن حالة الاستلاب. والثانية انتهازية تسلطية تعبر عن حالة الاستعلاء. يعيش في الأولى مثقف السلطة المصاب بما يسمى في علم الاجتماع بـ" العنف الرمزي" أي أن المثقف يتمثّل ثقافة السلطة، ويعيد إنتاجها ، ويحرص على تعميمها وشرحها والدفاع عنها فيفقد بذلك قدرته على التمييز بين ما يراد في الواقع وما يراد في القول؛ إذ يصبح الشعار العام ديدن تلك الثقافة، ويترافق ذلك مع نقيضه في أرض الواقع. ويعيش في الثانية المتسلط بصوره المختلفة، ووفق موقعه؛ إذ يدرك أن صيغه الجاهزة حق يراد به باطل، وتنطوي على مفارقة بين الواقع والشعار، ولكنه يحرص على تمثل الصيغ الجاهزة في منطوقه لكي يرسخ ثقافته، ويؤكد على ربطها بالمثقف المستلب لتبنيها والدفاع عنها. وبذلك يصبح مثقف السلطة هنا حصان طروادة للهيمنة واستمرار لعبته التسلطية.
وعليه، فإن الحاجة إلى الثورة هي في جوهرها حاجة إلى تغيير المنهجية في التفكير والوعي؛ والانقلاب على السلطة بشكله الفردي العسكري لا يدفع بوعي المواطن إلى هذا المنحى، وبشكله الجماعي لا يحقق هدفه قفزة واحدة، ولا يدفع بوعي المواطن تجاه التغيير إلا إذا كان الانقلاب على السلطة فعلا إجرائيا أوليا ومرحليا في مفهوم الثورة الاجتماعية التي تقيم القطيعة مع صور الوعي القديم الذي يرهن الوجود الوطني بالسلطة بصورها المتعدة ودورها الاستلابي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل


.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون




.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة


.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟




.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط