الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوم صناع الحياة..بناة المستقبل

جاسم العايف

2017 / 4 / 27
الحركة العمالية والنقابية


عام 1886 في شيكاغو الأمريكية ثمة عمال يتظاهرون للمطالبة بتحسين ظروف عملهم وبؤس حياتهم اليومية، بسبب الضغوط التي تمارس عليهم من قبل أصحاب العمل المسنودين بالسلطة السياسية وتشريعاتها الرأسمالية المتوحشة وأجهزتها القمعية وعملائها الذين أطلقوا النار على بشر عُزل هزلت أجسادهم وأسرهم ،وتوجهوا للمطالبة ، سلمياً، بالحق الأدنى في الحياة, وجراء ذلك سقط بعضهم صرعى الرصاص ، وضمنهم بعض عملاء الشرطة السرية الأمريكية ، الذين كان دمهم مميزا عن غيرهم. ولذلك تم دفع بعض العمال، إلى محاكم صورية والحكم عليهم بالإعدام، ونُفذ الحكم في حينه، وإزاء الهيجان الشعبي والسخط وموجات الاحتجاج واستيقاظ ضمائر بعض القضاة ،وإحساسهم بالذنب المتأخر واستمرار حملة الاحتجاجات في كل الولايات الأمريكية بضراوة وتفعيلها عالمياً، تكشفت الأسرار وأعيدت المحاكمة عام 1888 لتتم براءة المعدومين من العمال، بعد فوات الأوان، مع إدانة بسيطة لشراسة الشرطة السرية الأمريكية ، دون تحميلها تلك المجزرة ، والتي وقعت بحق هياكل عظمية لا ذنب لها سوى مطالبتها بالحد الأدنى في الحياة , وتخليداً لتلك الذكرى ومنعاً لتكرار همجية الرأسمالية وهي في طريقها ، المتوحش، للصعود على جثث ومصالح الناس والشعوب، تنادت المنظمات العالمية العمالية عام 1889 ، والتي بدأت في تنظيم نفسها بجدية، لتخليد شريان الدم العمالي وجعل (الأول من آيار) عيداً للعمال في العالم ، معلنين الحقيقة القوية البسيطة التي نطق بها العامل(بيشوب) ، وهو في طريقه إلى المشنقة قائلاً: "إن في نفسي شيئاً لن تستطيعوا قتله أبداً..." . ومع كل المتغيرات الكبرى التي وسمت التاريخ الكوني في بداية القرن المنصرم وما صاحب ربعه الأخير من انهيارات مدمرة لأحلام ملايين البشر في العدالة الاجتماعية . وما رافق ذلك من وأد للآمال والأحلام ، وكذلك التغييرات العاصفة التي جرت في بداية القرن الحالي, ومع تصاعد سعار الذئب الأمريكي الإمبريالي المتوحش وشراسته ووحدانية قدراته العسكرية وبطشها ومحاولته تسيد عالمنا المعاصر, في قطبية أحادية بلا منازع,ومع هذا وغيره فان ثمة شيئاً في الحياة والذات الإنسانية لا يمكن قتله حقا, شيئاً في حياة بشرية آمنة لا قهر فيها ، ولا عدوان ولا تمييز بين البشر، بغض النظر عن اللون والعرق والجنس والدين, فالحياة التي لا تُعاش ثانية ، أثمن من تهضم عبر القسوة والعنف والقتل والغدر والتمييز وشراسة البيروقراطيات, وقوة رأس المال الذي يقنع ارق الطبائع البشرية وأعظم الأفكار الإنسانية بجليد لا يمكن لأية قوة في الكون أن تذيبه ما لم تنسجم معه وتخدمه و تحقق مصالحه. بالنسبة لتاريخ العراق فقد لعب العمال وتنظيماتهم النقابية -السياسية دوراً فاعلاً في البناء الاجتماعي ولم تشغلهم الطائفية السياسية والقوموية مغلقة الأفق والمناطقية والعشائرية، والتوجهات الدينية الملفقة - الزائفة. وأدت الطبقة العاملة العراقية دوراً اجتماعياً جوهرياً منذ أن تبلور وعيها الطبقي في أوائل الثلاثينيات من القرن الفائت, فساهمت في وأد الأحلاف, والحكام الذين حاولوا فرضها على العراقيين ,و مواجهة مخططات الاستعمار الإنكليزي الذي سعى إلى تحويل العراق إلى محمية بريطانية . إن مراقبة السجل والسفر النضالي لعمال العراق تاريخياً لا يمكن لفرد واحد توثيقه بدقة, ولكنه يثير في النفس زهو وعنفوان مجد صناع الحياة وبناة الأوطان ومستشرفي المستقبل. لقد انخرط ملايين العمال بعد14 - تموز 1958 في العمل النقابي التطوعي وتبلورت قدرات الطبقة العاملة العراقية في الدفاع عن منجزات ديمقراطية مدنية كان يمكن أن تحدث تحولات جوهرية - مدنية في المجتمع العراقي ، ولكن القيادة العسكرية خنقت بجهلها وسذاجتها ووحدانية ودونية فكرها التحولات الجنينية الديمقراطية- التقدمية في العراق، وساهم احتراب القوى السياسية في ذلك, ولم ترتفع تلك القوى للمستوى الوطني المناسب لتلك المرحلة العاصفة, فسارت خلف التيار الشعبي الجارف بدلاً من قيادته, ورهنت الوطن لرغبات العسكر على أمل قطف الثمار في ساحة أخرى, لا علاقة لها بالوضع الشعبي العراقي المرتهن حينها لمصالح دول كبرى أصبحت في ذمة التاريخ آلآن, وتزامن ذلك وشراسة القوى الرجعية المحلية- الإقليمية في لجم التحولات الديمقراطية في العراق والإجهاز على ذلك الضوء التموزي الباهر في عاصفة- 8- شباط الدموية بدعم وتخطيط وتنسيق إقليمي -عربي - أمريكي واضح لا مجال لنكرانه, وما أن بدأت العافية تتجدد في الحياة العراقية حتى اطل البرابرة ثانية وتم تبييض صفحاتهم السوداء السابقة وغسل أياديهم الملطخة بالدماء وتأهيلهم دولياً - محلياً, مع كل الرفض الشعبي الذي رافق ذلك, وسيق الشعب العراقي إلى محارق الحروب و التعسف وتبديد الثروات والمقابر الجماعية, والمهانة وجوع سنوات الحصار , والوقوع فريسة للصوصية، والاسلمة السياسية - الطائفية و الإرهاب والاقتتال الطائفي ضمن مخططات دولية- إقليمية. في (الأول من أيار) يوم صناع الحياة بناة المستقبل ، يطرح الواقع الراهن على العراقيين مهمات جسيمة في أولياتها تأمين بلدنا ومواطنينا من الإرهاب وشرور الـميلشيات الطائفية ومحاولتها تقاسم النفوذ في الساحة العراقية, وفق مصالح ومؤشرات لا علاقة لشعبنا ومصالحه المشروعة بها ، ومحاولة رسم الخارطة الاجتماعية- الجغرافية العراقية بما ينسجم ومصالح بعض القوى الإقليمية. إن إعادة بناء العراق على أسس ديمقراطية - مدنية - سياسية متوازنة قائمة على قواعد العصرنة والتوجه صوب بناء الإنسان العراقي وتجذير إحساسه بالمواطنة وحقوقها مع بناء دولة المؤسسات القانونية التي تؤسس للدولة العراقية ،وإعادة الاعتبار للسلطات القضائية المستقلة والمؤسسات المدنية ، الحارس والضابط من طغيان أجهزة الحكومة في العبث بحياة الناس وكراماتهم, وفي مقدمة تلك المؤسسات المدنية, النقابات العمالية المستقلة عن الحزبية وبرامجها وأهدافها في الكسب الحزبي الرخيص ، وبعيداً عن الطائفية ومحاصصاتها.تلك المؤسسات والنقابات العمالية ,بوجه خاص, كفيلة بإعادة شريان الحياة للعراق اجتماعياً -اقتصادياً, من اجل أن يتمتع أبناء العراق وبما ينسجم وما يملكون من ثروات روحية - مادية هائلة, ويتوافق مع العدالة الاجتماعية الإنسانية والتوجه صوب المستقبل عبر التخطيط الاقتصادي والتنمية الاقتصادية التي تنسجم والأسس القائمة على العصرنة- الإنسانية, من اجل عراق قادم تتعمق فيه التحولات الاجتماعية - التقدمية وبما ينسجم والإرث التنويري التاريخي العراقي المعروف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإسرائيليون يتعاملون مع الشهيد -زاهدي- أنه أحد أركان غرفة ا


.. لماذا يلوّح اتحاد الشغل في تونس بالإضراب العام في جبنيانة وا




.. الشركات الأميركية العاملة في الصين تشكو عرقلة المنافسة


.. الشركات الأميركية العاملة في الصين تشكو عرقلة المنافسة




.. صباح العربية | أرقام ستصدمك عن استقالة الموظفين حول العالم