الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقل الديني الجمعي ومشكلة التقديس المسبق والتسليمي

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 4 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


العقل الديني الجمعي ومشكلة التقديس المسبق والتسليمي


لعل من أهم المشاكل التي تواجه حركة التصحيح والمشتغلين في نقد الفكر الديني التقليدي بشقيه الروائي التأريخي أو الفكر الأعتباطي المسترسل، أن جمهورا عريضا يخضع بالكلية لمفاهيم العقل الجمعي التسليمي الذي يرى في الخوض بمسائل الموروث الديني مساسا بالقدسية اللازمة لأحترام وتقديس الدين، ولعل الإشكال الأعظم عندهم المساس برجال هذا الفكر حتى لو تقاطع هذا التعظيم مع بديهيات الفكر ذاته وتقديس الدين، فمنهم من برى أن مجرد ذكر شخصية روائية أو فقهية على أنها نجحت أو فشلت في تقديم ما هو الأصح أو الأجدر أن يكون جزءا حقيقيا من الفكر الديني الحق، حتى تثور ثائرته ويبدأ بضجيج منفعل ليبرر كفرك وخروجك عن الدين حتى دون التحقق من مصادره أو مقدماته التي يثق بها.
لا غرو مثلا أننا نجد في تصانيف هذا الإرث التأريخي والذي يشكل جزءا مهما من تشكيلات العقل الجمعي الديني أمورا لا يقبل بها عقل سليم ولا يتقبلها إيمان العاقل المؤمن، فمن عجائب الأمور أن يصنف راوي لحديث الرسول ص ومطلوبا منا أن نؤمن بما يكتب ونصدقه فيما يقول من يصنف على أنه «رواي ثقة فقيه كثير الإرسال والتدليس»، فكيف جمعت الثقة التي تعني الإطمئنان النفسي والعقلي بما روي مع تأكيد وجود حالة الكذب والتدليس مع أضافة تفضيل نوعي موصوف على أنه (كثير)، أي أكثر حديثه تدليس في تدليس ومع ذلك يبقى فقهيا ثقة في نظر البعض، هل الثقة تعني أن نضع ما يناسب أولا يناسب مع الدين حسب الدفع والقبض، أم أن التدليس لا يعني الكذب والأفتراء وله معنى مقدس أخر؟ ((حبيب بن أبي ثابت)) راوي فقيه ثقة ومدلس ومسترسل مثال حي ومصنف عند علماء الجرح والتعديل يمكن الأعتماد على روايته والتعبد بها ونأخذ منه الدين ونتخذه لنا قدوة، ومثال أخر يوصف بالصدوق كثير التدليس ((المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي)) على نفس الشاكلة وعلى نفس الهذيان.
أولا لا بد لنا من الإقرار الصريح بأن العقل الجمعي الديني قد تم صياغته وتشكيله على أن يكون مدجننا بعناوين القداسة والتأريخية، طبعا القداسة للرجال وليس للموضوعية الفكر، من هذه المقدمات التي تم تدجينها أن الصحابة والتابعين ومن عاش في عصر الرسول كلهم في سلة واحدة من المعصومية والتكريم وأنهم أمة لوحدهم، دون النظر إلى حقائق المنطق الديني ذاته الذي لا يقر بالمساواة التفضيلية بين الأنبياء والرسل مع كونيتهم وأصطفائهم من الله، هذه النقطة بالذات ركز عليها التثقيف الفكري وجعلها واحدة من أساسيات الوعي عند المؤمن، فمن يريد أن يناقش قضية تأريخية لا يمكنه أن يخترق هذه النقطة لأن العقل الديني المشكل لا يصح عنده ولا يقبل أن تذكر أحد منهم مطلقا مع إقرارهم بأنهم قد حدث بينهم ما يحدث في كل جماعة بشرية من أختلاف وتفاوت وتنازع وصولا للصراع الدموي بينهم.
هذا العقل الذي لا يقبل بالمنطق ولا بأحكام الدين ولا يؤمن بالبديهيات العقلية لا يمكنه أن يكون عقل مؤتمن على دينه وحريص على الحفاظ عليه، فهم يتعبدون بالأشخاص ويعبدون أسماء ويقدسون المنازل، ويبنون إيمانهم بالدين على هذه النتيجة، لا يهم أن يكون هذا الإيمان مطابق للعقيدة الحقة والفكرة الدينية المجردة أم لا، عندما تناقش أحدهم في موضوع معين وتقول أن الله قال كذا في الموضع الفلاني وأن الرسول فعل هذا، سيبادرك بالقوا أن فلان قال وأنه قد روي عن فلان، تقول له الله ورسوله يرد بقال الشيخ الفلاني وحدث الفقيه الفلاني، هذا العقل تسكنه خرافة دين ولا تجد فيه إلا قشور يابسة لا تنبيء عن عقل ديني وإنما عن وعي تأريخي يخلط بين الرواية والحكاية.
هذا العقل الجمعي المهووس بالخلاف والمخالفة والمتابعة والتصديق والتكذيب كلها على سطح واحد يخلط بين الحق والباطل ولا يهتم إن كان ذلك يؤدي إلى الإيمان أو خلافة، يجزم بكل قوة أن على خط الإيمان المطلق ولا يمكن لأحد أن يتنافس معه على خيريته، ماذا يمكننا أن نستخلص من واقعه وماذا يمكن أن نتعامل به معه وهو مريض بداء الوهم المزمن، العقل الديني الذي يرفض مجرد تسمية النقد ولا النطق بهذه الكلمة النافرة عن عقليته لا يمكنه أن يصحح مساراته، ولا يملك الشجاعة اللازمة لتطوير أدواته العقلية ليرتقي بها وهو الذي يؤمن بمقولة أقرأ وترقى فقط دون فهم وإدراك وتمعن بما يقرأ، ويبقى أسير فرضيات القداسة والتقديس ويخشى في لحظة أن تنكشف عورات رجاله ورموزه، لأنه في عمقه لا يثق بالحقيقية ويتمنى أن يبقى الحال على ما هو عليه لينتصر لغروره وينتصر لجهله بنفسه.
مشكلة العقل الجمعي الديني هي التمحور حول ذاته والتركيز فيها على المسلمات دون أن نمتحن هذه المسلمان في كل مرة يرتق لها الشك أو تضع نفسها في دائرة عدم الوضوح، هذا التمركز القوي ليس طبيعيا في العقل البشري السوي ولا متوافقا حتى مع المبدأ الديني الذي ينادي بالبحث عن البينة والتبيان، لذا لا يتورع البعض وهو محق بأن يصف هذا العقل بالفصام الفهمي، ولا يمكن لنا أن ندافع عن وقائع مادية وحالات من الجمود المستهدف بذاته لذاته، هذا العقل الذي لا يبالي بعامل الزمن ولا يهتم بالإنصات للصوت الأخر ويجعل منه مرأة ذاتيه تصحح له الأنحراف والزيف سيكون دوما عرضة للتلاشي والإضمحلال مع كل الجهود المبذولة للمحافظة عليه متماسكا وكأنه معصوم بالحق والأبدية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ان التقديس الذي لا اساس له هو دليل الغباء
سمير أل طوق البحرآني ( 2017 / 4 / 28 - 12:30 )
انا لا اعتقد بان الله سيحاسبني على ما رواه الكليني والصدوق اوالطوسي والمجلسي عن رواة لا دليل على وجودهم وان وجدوا على دليل على صدقهم اما الجرح والتعديل فهذا ليس بعلم بل مخرج من ورطة احددثها التاريخ وانا اقولها بكل صراحة ( انا شيعي ) لماذا لا ياتينا امام هذا الزمان بالاحاديث الصحيحية بدل هذه المعضلات وعلى راسها التقليد. فهل الله يريد ان يورط عباده؟؟. حاشاه. ان القول الفصل هو ان لا وجود لامام والتقيد بالاخلاق الحسنة واحترام البشرية واجتناب الموبقات المتفق عليها عالميا هو الدين الصحيح الذي يجب اتباعه. لا الكليني ولا الصدوق ولا الطوسي ولا البخاري ولا مسلم ولا غيرهم حجة على احد فهل حدثا التاريخ ان النبي محمد اوصى المسلمين بالاخذ منهم ؟؟؟. كلا. ان ترك الحبل على الغارب هو دليل دامغ ان الاديان هي من صنع الانسان واكثر تشريعاتها هي بنت بيئتها.السلام عليكم مبتدءا وختاما.


2 - شكرا وأمتنانا
عباس علي العلي ( 2017 / 4 / 28 - 19:35 )
وعليكم السلام صديقي معضلة الفكر الإسلامي عموما هب تقديس الأشخاص والأنحياز الأعمى للفكرة الذاتية حتى لو كانت معارضة ومناقضة للفكرة الأصلية، هذا ليس بجديد ولا غريب عن فكر عاش في مقابر التاريخ وينتظر أن يمده الإرث ما هو بحاجة له وليس لما تمده حركة الزمن من حاجات الإنسان المتجددة.... انا أتفق معك تماما وتفصيلا بكل ما تفضلت به.

اخر الافلام

.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب


.. مأزق العقل العربي الراهن




.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah