الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من الذّاكرة ( عودة الى سنة 1991)

لقمان منصور

2017 / 4 / 28
الادب والفن


من ذاكرة محتجز في سجون العراق
لقمان منصور،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد تذوق الجيش العراقي مرارة الهزيمة في حرب الخليج الثانية (عاصفة الصحراء)بقيادة الولايات المتحدة الامريكية وبمشاركة أكثر من ثلاثين دولة في تحالف مناهض ضد العراق و نظامه العدواني لأرغامه على ألأنسحاب من دولة الكويت التي تم غزوها و أحتلالها من قبل العراق في ١٩٩٠/٨/٢ وبعد أن وجه أول جندي عراقي فوهة مدفع دبابته صوب جدارية لصورة الدكتاتور المقبور (صدام حسين)بذلك تم زرع نواة الانتفاضة الجماهيرية التي بدأت من عقب هذا الحادث وسرعان ما أنتشرت في أغلبية المدن والمحافظات العراقية واغتي سقطت على أثرها أربعة عشرة محافظة مع أقضيتها ونواحيها في أيدي الجماهير المنتفضة الغاضبة في الجنوب والشمال.
أتبعت أفراد النظام البائد أساليب قذرة للتصدي لأنتفاضة الجماهير وقمعها.وبعد أنتقاضة الشمال بقيادة الأحزاب الكردية وسقوط مدن الشمال مدينة تلوى ألأخرى وقبل سقوط مدينة كركوك,وتحديداً في يوم ١٩٩١/٣/١٠ تم تطويق المناطق الكردية من قبل قوات منعناصر حزب البعث المنحل وقوات الأمن والقواة الخاصة منذ الصباح الباكر وتم مداهمة البيوت بيتاً بيتاً وغرقة غرفة.كانوا يبحثون عن الذكور من ألأكراد بين عمري ١٥٦٠ سنة.
تم اِلقاء القبض على ١٦٠٠٠ کردي من الشباب والشيبة وتم حجزهم في معتقلات النظام لم يقترفوا ذنباً سوى أِنهم من القومية الكوردية.
على فكرة أِسمي (لقمان منصور فتاح).وقتها كنت في الثامنة والعشرين من عمري عندما دخلت هذه القوات بيتنا في منطقة ازادي قي مدينة كركوك عند الساعة الحادية عشرة والنصف صباحاً وتم القاء القبض عليّ مع أخي الأصغر مني سناً بستة سنوات (كامران منصور فتاح ) وكذلك ابن عمي(محمود غفور فتاح) الأصغر سناً مني بأربعة سنوات والذي كان يسكن نفس الدار الذي نسكنه مع عائلته أيضاً.
تم أِلقاء القبض على كل هؤلاء بحجة انه سوف يعودون بعد خمسة دقائق يلقي فيها علي حسن المجيد بعض الارشادات والنصائح ولحين هذا الوقت تعرَف هذه الخمة بين أهلي المدينة خصوصاً ألأكراد منهم بحملة الخمس دقائق نسبة لحجتهم.
تم نقل كل هؤلاء الى مقرات الفرق الحزبية لحزب البعث المنحل ومنها الى معسكر طوبزاوة في جنوب غرب مدينة كركوك
بقينا في معسكر طوبزاوة ثلاثة أيام بلياليها دون أكلٍ أو شُرب .
تم أِدخالنا أِلى القاعات وتم أِقفال ألأبواب علينا فكان باب قاعتنا لا ينقفل جيداً وكنا مشاغبين نوعاً ما عليه تم نقلنا الى قاعة أُخرى قريبة من الحراس (القاعة الأُولى القريبة من ألباب الرئيسي) وتم لحام الباب بلحام الولدن.
في الليلة الاُولى عند الساعة التاسعة أتوا بأِثنين وثلاثين شاباً كردياً وأَدخلوهم في قاعتنا جاء أحدهم جلس معنا ,سألناه عن كيفية أِلقاء القبض عليهم أجاب بأنه تم أِلقاء القبض عليهم في منطقة القادسية الاولى كان اسمه سركوت على ما أتذكر.
في الصباح الباكر وعند السادسة صباحاً أتوا بباصات من نوع الريم الى باب القاعة
وأخذوا الذين أتوا بهم ليلاً.بعد خروجنا من الحجز عَلِمنا بأنه تم أعدامهم رمياً بالرصاص في منطقة الشورجة.
في اليوم الرابع تم نقلنا الى ناحية العباسي,هنا لم يتم أستلامنا كون المكان لا يكقي لكثرة العدد,هنا حاول أخي كامران ألأبتعاد والهروب منعته من خوفي غلى حياته لأنه كان لايدرك الخطر الذي يحل به.
عليه تم نقلنا من العباسي الى معسكرات لحجز ألأسرى ألأِيرانيين بين قضاء بيجي و مدينة تكريت,أستلمتنا قوات الأنضباط العسكري حسب العدد لا قائمة أسماء وتم توزيعنا على المعسكرات وأدخالنا الى القاعات لا تتجاوز مساحتها ثلاثين متراً مربعاً كل ستين فرد في قاعة.
بقينا في هذة المعسكرات مدة أسبوعين تذوقنا فيها من التعذيب النفسي والجسدي ما لا ننساه أبداً.كان أكلنا شوربة عدس صباحاً و تمن ومرق عند الغذاء والعشاء ما لايكفي لثلاث أو أربعة أشخاص حصة لأثني عشرة شخصاً,كانت طريقة أخراجنا للأستراحة طريقة غريبة تكمن فيها أشد أنواع التعذيب النفسي,لأنهم كانوا يخصصون عشرة دقائق لكل قاعتين موزعة على ثمانية من المرافق الصحية وعند انتهاء المهلة كان الحراس يتعمدون ضربنا بالماسحات الملوثة لأجبارنا على الدخول الى الغرف التى يسمونها قاعات ليتيحوا عشرة دقائق أخرى لقاعتين اُخريين.بعد مرور ستة أيام أو اسبوع من بقاءنا في هذه المعسكرات تحديداً قبل يوم من سقوط مدينة كركوك في أيدي الجماهير المنتفضة و قوات البيشمركة أتوا بعدد اخر من المعتقلين وتم توزيعهم على القاعات معنا,ذكر أحد الذين دخل قاعتنا منهم أنه تم أعتقاله في السوق على الهوية (أي كونه كردي)هو وابنه الذي كان معه.توفى أحدنا بسبب أصابته بأسهال شديد مصحوباً بالدم في أِحدى القاعات أِسمه (نايف عبد الواحد)من سكنة المنطقة التى نسكنها أي انه كان جيراناً لنا.كثير منا أصاب بالأسهال المصحوب بالدم بسبب المياه الذي نشربه من نهر دجلة مباشرة بدون أي عملية تصفية أو تعقيم.عند مساء يوم غد تمكن أحد المحتجزين الذي كان في القاعة المجاورة لقاعتنا من الوصول الى باب المعسكر بنية الهروب عند أِنتهاه مدة الأستراحة(عشرة دقائق) ولكنه لم يفلح في ذلك وتم الامساك به و تذوقه مرارة عقوبة ولا في الجحيم,فأِن امر السجن أمَر بأِحضار قطعة حديد فأحضروا له قطعة حديد زاوية طوله أكثر من متر ونصف المتر وضعه في النار الموقد من جذع شجرة يابسة في باحة السجن وتركه حتى ألأحمرار وأجبرنا على الوقوف و النظر من خلال الشبابيك الى كيفية حرق جسد المسكين الفاشل في محاولة الهرب.لم يبق سنتمر مربع من جسمه لم يكوى بالحديد الموضوع في النار,لا أعرف كيف أصف المشهد المؤلم والمرعب الذي رأيناه.كنا نتوسل اليه جميعاً لتركه وأيقاف التعذيب دون جدوى.كيف لجسد هزيل أن يتحمل كل هذا العذاب؟!حقاًأِنها معجزة.بعد التوسل الى الضابط مراراً وتكراراً تركه و وقف عن تعذيبه ولكن ليس نهائياً,
ففي الواحدة من اليل أخرجه من القاعة و كواه مرة أخرى، فزعنا من نومنا على صراخه من التعذيب والحرق كوياً.انه الجحيم
بعد سيطرة قوات البيشمركة على مدينة كركوك أصاب افراد النظام بالقلق لذا قام بنقلنا الى معسكرات الاسرى في مدينة الرمادي, تم نقلنا على شكل وجبات قي كل يوم وجبة.
تمكن سجناء اِحدى الحافلات القائمة بنقل المحتجزين من الهرب لذا شددت الحراسة عند القيام بنقلنا حيث قبل أِنطلاق الحافلات والتى كانت حماية كل باص ذو أربعين راكب تتكون من ضابط وخمسة جنود من الانضباط العسكري أتى امر نعسكر الاسرى الى باب الحافلة وقال للضابط المسؤول على الحراسة بصوت عال (اذا هرب واحد من السجناء في البداية ارمي جميع الباقين و من ثم اذهب للحاق بالمسجون الهارب).
أدخل كلام الأمر الرغب في قلوبنا ولم نكن على علم بأنتمكنت جماعة منا على الهرب.
أمَرَ الضابط بربط ايادينا من الخلف ولم يكن لديهم كلبجات لذا قاموا بربط ايادينا بواصطة وايرات التلفون الرفيعة . كنت أنا وأخي كامران نجلس على مقعدين مجاورين كان لدينا (غالون خاص بزيت المحرك) مملوء بالماء من مياة ألأسالة لغرض الشرب فقال أخي كامران بأنه عطشان فطلبت من للحارس أن يفك وثاقي لأتمكن من أرواء أخي قال لي ممنوع فك الوثاق , قمت بالانحناء ورفع الغالون بأسناني ووضعه في حضني ومن رفعه مرة أخرى ليتمكن أخي من الشرب وأنا رافع الغالون بأسنانى , لقطة تحمل من الصعوبة ما لا أنساه مدى الحياة .
أمر الضابط بربط ايادينا من الخلف ولم يكن لديهم كلبجات لذا قاموا بربط ايادينا بواصطة وايرات التلفون الرفيعة . كنت أنا وأخي كامران نجلس على مقعدين مجاورين كان لدينا (غالون خاص بزيت المحرك) مملوء بالماء من مياة ألأسالة لغرض الشرب في الطريق الذي نجهل بعده و مداه، فقال أخي كامران بأنه عطشان فطلبت من للحارس أن يفك وثاقي لأتمكن من أرواء أخي قال لي ممنوع فك الوثاق , قمت بالانحناء ورفع الغالون بأسناني ووضعه في حضني ومن رفعه مرة أخرى ليتمكن أخي من الشرب وأنا رافع الغالون بأسنانى , لقطة تحمل من الصعوبة ما لا أنساه مدى الحياة .
على ما أظن كانوا يقومون بنقل محتجزين من كل معسكر في يوم واليوم التالي محتجزي معسكر اخر.
على كل تم تهيئة القافلة المتكونة من عدد من الحافلات ذات أربعين مقعد و سيارات بيك اب شفروليت مركبة عليها رشاشات الدوشكة في مقدمة القافلة وبين كل ثلاث حافلاات سيارة بيك اب اخرى وفي نهاية القافلة سيارة بيك أب .تحركت القافلة وأتجهت نحو الغرب حيث الفلوجة وألأنبار، على مدى الطريق كانوا يمنعوننا من الكلام كنا نتكلم بهمس.
عند دخولنا مدينة الفلوجة كان أهالي المدينة يؤشرون بأياديهم الى رقابهم ليقولوا لنا سنذبحكم جميعاً،
تعطلت أِحدى الحافلات و بسببها توقفت القافلة وسط المدينة لأِصلاحها حسب ما قاله لنا أحد الحراس ولا نعرف أِن كان صحيحاً أم لا، في هذه ألأثناء جاء أحدٌ من أهالي المدينة الى باب الحافلة التى نحن فيها يصر بقوله (أنه يريد خمسة أشخاص من المحتجزين ألأكراد ليحرقهم وسط المدينة حياً ، ذهلت من طلبه أصراره ، ما هذا النوع من الكائنات أَهو من الجنس البشري حقاً؟!
ما الذي فعلناه فيه؟!من أين يعرفنا؟!كيف تراكم كل هذا الحق في قلبه؟! أَهو يمتلك القلب حقاً ، بعد أِلحاحٍ كبير من الضابط و توضيح الموقف له بأنه أستلم العدد ذمة ويقع المسؤولية على عاتقه ولا يستطيع أن يلبي طلبهُ تمكن من أِقناعه أن يكف عن طلبه .
واجهتنا شتى أنواع ألأِهانات و سمعنا أنواع المسبات داخل مدينة الفلوجة ولم نقترف ذنباً سوى أِننا من القومية الكردية .

بعد تصليح الحافلة العاطلة كما زعموا بدأت القافلة بالسير نحو طريق الرمادي
حيث وجود معسكر كبير للأسرى ، وصلنا الى معسكر ألأسرى الذي وجدنا فيه ملابس وأشياء خاصة بالكويتيين المحتجزين في العراق والذين نجهل أين ومتى نقلوهم والذي كان مصيرهم أحد شروط أُمم المتحدة لفك الحصار ألأقتصادي على العراق.
كان الوقت بعد غروب الشمس بربع ساعة أو ثلث ساعة على ما أتذكر، وقفت القافلة أمام باب معسكر ألأسرى أنزلونا من الحافلات بالتسلسل حسب قائمة ألأسماء ولم يسمح لنا برفع رؤوسنا كان حراس المعسكر من قوات ألأنضباط العسكري و كانوا يحملون في أيديهم الكيبلات،كان أحد حراس الحافلة يقرأ أسماً فيترجل وهو منحني الرأس جاعلاً نظره صوب ألأرض ويجلس على ركبتيه كما يأمرونه الحراس بعد تذوقه الماً بضربة كيبل ، فيقرأُ أِسماً اخر وهكذا حتى يتم أخلاء الحافلات.
كان جلوسنا على الرُكب بجانب الحافلات على شكل صفوف متكونة من خمسة أو ستة أشخاص على ما أظن وكنت أنا وأخي كامران وأِبن عمي محمود في الصف الثالث أو الرابع ، رفع كامران رأسه ليتمكن من قراءة قطة باب المعسكر قبل تمكنه من قراءة القطعة أستلمنا ضربة كيبل قوية تمكن من أصابتنا نحن الثلاث .
وكان دخول المحتجزين الى داخل المعسكر على طريقة لا مثيل لها من ألأِهانة والتعذيب الجسدي والنفسي ، حيث كان بعد القاعات مئتان و خمسين أو ثلاثمئة متر عن مكان جلوسنا فكان ألأنضباط موزعين على المسافة كل ثلاثة أو أربعة أمتار يقف فيها أنضباط يحمل كيبلاً في يده ، فكانوا يقرأون أِسماً يبدأ بالدخول مروراً بين حاملي الكيبلات ليتمكن كل حامل كيبل من ضربه فيجتاز أربعة من ألأنضباطيين حتى يقرأوا أِسماُ اخر وهكذا حتى ألأنتهاء من أِدخالنا .
تم قراءة أسم محمود أبن عمي م أجتاز أربعة من رجال ألأنضباط وأخذ حصته من الضرب ثم قرأوا أسم كامران وأجتاز ثلاثة منهم ثم قرأوا أسمي، كنا نرتدي المعاطف (قمصلات) لتقليل ألم ضربة الكيبل ، كان قسم من ألأنضبات يضرب السجناء بكل مايمتلك من قوة وبكامل ما يكمن من حقد ، وكان قليل منهم يحملون في قلوبهم نوع من الشفقة لايضربون بقوة ، كنت أتحمل ثلاثة أنواع من ألألم لأنني كنت أرى الضربات الموجهة لأِبن عمي وأخي وألضربات الموجهة لي ،
كان على طريق الدخول أِنعطاف الى اليسار وألأنضباط واقفين على شكل تدل على العكس ليتوجه المسجون نحو اليمين حتى يقومون بأِرجاعه ضرباً ليحظوا بضربات أضافية من باب ألتسلية ، وقع أبن عمي محمود في هذا الكمين وأتجه نحو اليمين ثم استدل الطريق بعد تذوقه أربعة أو خمسة ضربات أضافية ، عليه تمكننا أنا وكامران من أستدلال الطريق من وقوع أبن عمنا في الكمين ولم نقع قيه ولم نتذوق ضربات أضافية ، نسيت أن أذكر أِما ثالث أو رابع أنضباط كان لا يحمل في يده كيبلاً ولكن كان يتسلى بطريقة اُخرى في ضرب المحتجزين ، أنه كان يرجع خطوتين أو ثلاثة ويقفز في حركة كاراتية ويضرب برجليه سوية بطن أو ظهر المحتجز ، كان بين المنعطف والقاعة مسافة مئة متر تقريباُ قطعناه بنفس الطريقة من تحمل الالام ، وكان اخر أِنضباط و يقف واضعاً الكيبل على كتفه لا يضرب أحداً فقط يسأل (أضِربُك؟!).عندما وصلت اليه أعاد السؤال علي قلت في جوابه بقي عليك؟! خذ حصتك ، نطقت هذه الكلمات و قلبي مليءٌ بالأحساس بالمذلة والكره تجاه البشرية والقيم وألأخلاق وتجاه الله الذي يسكت عن كل هذا الظلم.
في الصباح الباكر علمنا بأن الأنضباط الذي لم يضرب أحداً طبيب مجند لأنه أتى القاعة ومعه أثنان من الجنود يحملون كراتين أدوية ليتم توزيعه علينا بعد أن
أمرنا بألأستحمام (بشكل جماعي كل عشرة دفعة واحدة) .

في الصباح الباكر علمنا بأن الأنضباط الذي لم يضرب أحداً طبيب مجند لأنه أتى القاعة ومعه أثنان من الجنود يحملون كراتين أدوية ليتم توزيعه علينا بعد أن
أمرنا بألأستحمام (بشكل جماعي كل عشرة دفعة واحدة) .
كان لدى الكثير منّا قماصل عسكرية جردونا منها عند دخولنا القاعات على أنها عسكرية ممنوع أرتدائها.
كما ذكرت من قبل أِنهم كانوا يقومون بتوزيع الطعام( كمية لا تكفي لأِشباعِ ثلاثة أشخاص ) حصة لأثني عشرة محتجز قبل نقلنا الى السجن الجديد ، بعد وصولنا الى السجن الجديد وتوزيع الادوية والاستحمام قام الحراس بتوزيع أول وجبة طعام علينا ، عندما وقعت أعيننا على كمية الطعام أندهشنا جميعاً لأَنهم عندما زوّدونا بالطعام كانت القِصَعْ (شيءٌ على شكل صينية ولكن عمقها يتجاوز عشرة سنتمترات يستخدم لتوزيع الطعام في المعسكرات ) مملوءة ولكن لم تستطع اية مجموعة من مسح القِصْعة لأَننا كنا قد تعودنا على قلة ألطعام في الفترة التي قضيناها في المعسكر السابق لذلك تقلصت معدتنا ولم تستوجب للطعام الكثير. كان قاعات السجن الجديد أكبر و كذلك ساحات ألاستراحة أوسع وكانت الساحة تحتوي على ألعاب بسيطة . كان هناك شيء يجلب ألأنتباه وهو أننا عند الصباح عندما كانوا يمنحوننا فرصة لقضاء الحاجة عند الصباح ننتظر بفارغ الصبر أنتهاء الفرصة والعودة الى القاعة لسماع اخر الاخبار أو بمعنى أصح ماذا يحدث في خارج السجن ! حيث كان في أحدى القاعات جهاز راديو صغيرة جلبها معه أحد المحتجزين في الخفاء وأحتفظ به رغم كل الصوبات كما زعموا . اننا لم نرى الجهاز ولم نعرف أن كان صحيحاً انه يوجد جهاز راديو أم لا ، ولكن كنا ننتظر أنتهاء الفرصة بلهفة لنتمكن من سماع أخبار خارج أسوار السجن حتى ولو كان عارياً من الصحة . سمعنا أن أثناء قمع ألانتفاضة قامت الحكومة العراقية بهدم المنازل في المناطق الكردية ،وكذلك سمعنا بالهجرة المليونية للشعب الكردي الى أيران وتركيا .
قضينا في المعسكر الجديد للمحتجزين فترة مدتها خمسة وأربعين يوماً أِ لم أكن مخطئً مضت ألأيام بشكل أعتيادي كما في معسكرات ألأسرى و المحتجزين الى أن جاء يومٌ وسمعنا أخبار بحدوث مفاوضات بين الحكومة و ألأحزاب و الحركات التحررية ألكردية (قادة ألأحزاب كل من ألأتحاد الوطني الكردستاني و الحزب الديمقراطي الكردستاني و حزب الشعب الديمقراطي الكردستاني والحزب الشيوعي الكردستاني)وعلى أثره زار المحتجز وفد من أعضاء حزب البعث المنحل وتم جمعنا في الساحة وأبلغونا بأن سوف يتم أطلاق سراحنا بناءً على هذه المفاوضات ولكن لا عودة الى موطن ألأم كركوك و عليه تم تسجيل ألأسماء و أختيار أحدى المدينتين (السليمانية ، أربيل) ، عندما سمعت بأننا سوف لن نعود الى كركوك وعند تسجيل ألأسماء و أجبارنا أحد الخيارين تمنيت أنحصرتْ في داخلي بكاءً ربما لا ينتهي الى الابد وتمنيت بكل ما أمتلك من العقل و الشعور أن نموت دون العودة الى كركوك التي وُلدتُ و ترعرعت وقضيت كل عمري فيها.على أية حال بعد تسجيل الاسماء والحنان الى لقاء العائلة و أشراقة ألامل لأنتهاء هذه المأساة دخل بصيص من الفرح الى قلوب الجميع ، فعندما أحل اليل كنا نجتمع مع بعضنا وجلب بعض المحتجزين الاناء الكبير الذي على شكل مستطيل الذي يسمونه (قصعة) و والعزف عليه مثل الة الأيقاع بدأوا بالغناء والطرب مع التصفيق ، جاء أحد الحراس و سأل ما هذا الضجيج؟! نادى على مسؤول القاعة (الذي كان من المحتجزين وتم أختياره من قبل الحراس )و سأله من الذي يعمل الضجة؟! قال في جوابه (أنا مع جماعة من المحتجزين)
أمر بأحضارهم عند فتحة الشباك و مسؤول القاعة في المقدمة وانا كنتُ خلفه والاخرون وراءنا ، صفع على وجه كل منا أربعة مرات بكل ما يمتلك من القوة و كل ما يكمن بداخله من الحقد والكراهيه تجاهنا ، رأيتُ فيها النجوم التي تدور أعلى الرأس عند أســطدامه بجسم صلب كما في أفلام الصـــور المتحركة الكارتونية .
حفرت هذه الذكريات المؤلمة جروحاً في ذاكرتي لا يلتئم أبداً مهما طال العمر فأن في هذه الفترة رأيت ما لايطيقه طاقة ألأنسان و تذوقت من العذاب النفسي والجسدي وترك أثرا بين صفحات قرطاس الذاكرة كل ما هو أمرُّ من العلقم .
أنتهى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار


.. اعرف وصايا الفنانة بدرية طلبة لابنتها في ليلة زفافها




.. اجتماع «الصحافيين والتمثيليين» يوضح ضوابط تصوير الجنازات الع


.. الفيلم الوثائقي -طابا- - رحلة مصر لاستعادة الأرض




.. تعاون مثمر بين نقابة الصحفيين و الممثلين بشأن تنظيم العزاءا