الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الإنسانية ودينُ المُسْتقبل
زكريا كردي
باحث في الفلسفة
(Zakaria Kurdi)
2017 / 4 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في كتابه " مُستقبل العلم " أفصح فيلسوف والمفكر فرنسي إرنست رينان (.1823-1892) عن إعتقاده الراسخ بأن الأديان بمختلف أنواعها ومشاكلها إلى زوال ، وأن دين المستقبل سيكون النزعة الإنسانية الخالصة ، وقد أوضح ما عناهُ بذاك الدّين الجديد والأكيد القادم ، بأنه سيكون عبادة كل ما ينتسب إلـى الإنسان وتقديس الحياة الإنسانية ورفعها إلى قيمة معنوية سامية عليا ..
لقد آمن رينان بشدة أن العِلم سيُنقذ الإنسانية في المستقبل ، وأنّ العصر الذي يسود فيه العقل ويصل فيه الانسان الى الكمال والوئام المنشود آتٍ لا محالة ، لأن العلم في معناه الواسع من حيث هو تنظيم المعرفة جميعها على اختلاف ألوانها ، هو الذي سيحل باستمرار كل المشكلات التي تواجهها الإنسانية .. بما فيها مشكلة الموت وهو ما ذكرني بالعملية الخطيرة والمنتظرة لزراعة رأس إنسان في جسم إنسان آخر ، التي سيُجريها هذا العام الطبيب الإيطالي سيرجيو كنافيرو بمساهمة 150 مختص ، والتي إذا ما نجحت كما هي التوقعات العالية حولها ، ستخلق جدلاً فكرياً كبيراً جداً ، وتفتح باب الأسئلة العلمية والفلسفية على مصراعيه حول ماهية الحياة وكنه الروح وحقيقة الموت ..وما إلى ذلك ، من جواهرٍ تقوم عليها الأديان وكثير من العقائد بشكل عام .
أما بالنسبة إلى رينان فقد أكد أن لا مناص للإنسان سوى أن ينحو منحى العلم والإيمان به ، بديلاً عما يؤمن به الآن من أديان أخذها عن غيره ، وباتت تصطدم أجوبتها في أمور الحياة مع أبسط بسائط العلم الحديث ..
وقد طاف في خلدي وأنا أُغلقُ دفتي هذا الكتاب الهام، تساؤلات عديدة ومُقلقة ، تدور في معظمها حول مدى صلادة تلك الحدود المُتعددة التي مازالت تفصل بين بني البشر ، مثل : اللغة / العرق / الدين / الجنسية / ..الخ .
و تذكرتُ كيف أن الأديان وتعاليم العقائد لعبت دوراً في كثير من الحروب في التاريخ البشري ، حيث كانت – وربما بعضها مازال - المُحرّك الرئيس للحروب الأهلية ، وأهم مصادر بثُّ الفرقة وأفكار الكراهية والتمييز بين البشر ،
واستذكرتُ أيضاً كيف شكّلَ الايمانُ الأعمى بالتعاليم المُقدسة وطاعتها كلٌ حسب فهمه وتفسيره لنصوصها ومقولاتها أبرز الأسباب في قتل الانسان لأخيه الانسان ، وكذلك كيف كانت الحروب في كل العصور ومازالتْ تُغلَّفُ بشعاراتٍ دينية حتى الآن ، (من فتح وجهاد وغزو وحماية واستعمار و ...الخ).
وبالرغم من معرفتي اليقينية أن هناك فوارق واقعية في تأثيرها وحقيقية في وجودها الحالي بين البشر ، لكن في الحقيقة مازلت أجدُ في خاطري الحاجة المُلحّة كي أتساءل بكل عفوية وصدق :
تُرى أما آن الأوان كي يدفعنا عنف هذا الإختلاف الديني المرير إلى الإئتلاف ، والسعي نحو خلق المعراج الحقيقي للإنسان ، ونبذ الخلافات بالحوار ، والركون إلى صدق الاعتراف بالآخر ، والتبصر فيما نؤمن به وما نعتقده مُطلقاً في صوابيته ..
أما آن الأوان كي نجعل هذا العالم خالٍ من المُفرّقات القليلة والاهتمام بالمُوحّدات الكثيرة ، وعلى رأسها السير مُوحّدين قدماً في طريق العلم وحقائقه الواحدة ، التي يُجمع عليها كل الناس على اختلاف مشاربهم ، ومن ثمَّ الاتجاه بالإنسانية نحو صالحها ورغد مصيرها في فردوس العلم والمعرفة الذي بشّرَ به المُفكر العظيم رينان ..؟!
ترى أليس من الأجدى التخلي عن نواجذ تلك الفوارق المقيتة من ( دين – عرق - طائفة – أثنية - ) التي مازلنا نقيم منها سدوداً تحجّزُ بيننا ، وتُشكل عامل تفرقة في أفهامنا ، أو تسمم فينا القلوب والعقول بالأحقاد والضغائن ، و تمنعُ عنا حقيقة أساسية هي أننا جميعا وبرغم من كلّ شتات افكارنا وتناحر عقائدنا و تلوينات جلودنا ، ننتمي إلى طائفة واحدة تدعى " الإنسانية " وأننا جميعا شركاء وأخوة حقيقيون مع باقي الكائنات على هذا الكوكب وغيره من العوالم في هبة أُمّنا الطبيعة الأسمى ألا وهي " نعمة الحياة " ..
قصارى القول : لعل الأديب والشاعر إلياس فرحات أوجز الحقيقة حين أنشد قائلاً :
مادمتَ مُحترماً حقي فأنتَ أخي آمنتَ بالله أم آمنتَ بالحجر
وللحديث بقية ...
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. تظاهرات في جامعات أميركية على وقع الحرب في غزة | #مراسلو_سكا
.. طلبوا منه ماء فأحضر لهم طعاما.. غزي يقدم الطعام لصحفيين
.. اختتام اليوم الثاني من محاكمة ترمب بشأن قضية تزوير مستندات م
.. مجلس الشيوخ الأميركي يقر مساعدات بـ95 مليار دولار لإسرائيل و
.. شقيقة زعيم كوريا الشمالية: سنبني قوة عسكرية ساحقة