الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مُواطنةٌ على كفِ عفريتٍ

سامي عبد العال

2017 / 4 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


في العالم العربي هناك ما يُسمى بالحالة السياسة للدولةِ. هذه الوضعية التي تقف عليها مؤسسات الحكم بالكاد. فاللحظة التي تمر بها تُحدد شكل الاستقرار السياسي من عدمه. وليس ثمة خريطة لفهم ما يدور عبر كواليس السلطة. كلُّ شيءٍ يتم في الخفاء وبتكتم شديدٍ. كأنَّ الدولة – ذاتها- هي المرحلة اللاهوتية الأخيرة التي لا ينبغي مساءلتها. وبالطبع سيترتب على ذلك اعتبارها يقينا ثابتاً خارج التاريخ.

تجري ما تجري من تغيرات وتنشب ما تنشب من صراعات لكن تحت طبقة عازلة. جميع الأمور غير قابلة للرؤية لأنَّها تُطرح بأساليب مغايرة لما هو معروف. فالإطاحة بمسؤول تتم فجأة ليُقال إنَّه ليس رجلاً للمرحلة. وعندما يفسد أحدهم – بعد النهب العام- يقال تمَّ إعفائه من منصبه لأسباب صحية. وحينما تفوح رائحة العفن الوظيفي يتم التخلص من صاحبه بمنصب أخر يتربح خلاله طوال حياته.

بهذه الآلية عاشت الدول العربية سنوات وسنوات قبيل الزائر الغريب (الربيع العربي) وبعده. لم يكن معروفاً ماذا يجري داخل أروقة السلطة كما في مصر وسوريا وتونس. حيث وُضع المواطنون في إطار سري من أفعال الدولة. إنَّ أكبر الاسرار الباقية – بعد زمن الأساطير والخرافات- هي أنظمة الحكم المستبد في أدغال الشرق.

كان المقصودُ من ذلك أولاً: عدم اعطاء أية فرصة للمناداة بالحقوق السياسية وخصوصاً تداول السلطة ونزاهة أية انتخابات. ثانياً: احاطة الرئيس وحاشيته بهالات التقديس المُتربة كالعواصف الخمسينية. تلك التي تهب عليه بفعل فاعل من رجال الدين والمؤسسة الدينية. ثالثاً: وضع المواطنين في حالة دينونة للدولة على غرار علاقة العبد والسيد. وهي نفسها العلاقة التراتبية التي تحكم الإله والبشر في التاريخ. رابعاً: قطع الطريق على تغيير الأوضاع السياسية. بحيث ينفرد الحُكام بالسلطة من جيل إلى آخر. خامساً: خلق أجواء من التوتر الدائم الذي يبرر أية اجراءات تعسفية وتعطيل القوانين والمبادي السياسية.

لذلك يبقى المواطن العادي- مع التحفظ على الكلمة!! – هو المؤشر العام. حيث تهبط درجة أهدافه العليا إلى مستوى اليوم الواحد. ويتأرجح في موقعه الهامشي ليس أكثر. حيث يأخذه القلق لا من مستقبل آتٍ، بل إزاء حاضر غير محدد. وإذا استطاع أن يستفيق فلبضع ساعات ثم تطارده لعنة الأنظمة بإدخاله تروس الألة مرة ثانية.

هكذا تبدو أوضاع الدولة كرقاصٍ لساعة قديمة بلا معالم. على غرار الحال الغامض للإله: " كل يوم هو في شأن" كما يشير القرآن. وكأنَّ الفكرة تسند الإرادة المطلقة لكائن مفارق لا يعيش عبادُه إلاَ بترقب الأقدار منه وإليه. والسياسة- بهذا المعنى- أقرب المجالات لتكرار اللاهوت.

فعلى هذا الاستنساخ المفهومي استطاع حُكامنا تأكيد أنَّ الدولة أيضاً: "كل يوم هي في شأن". وينبغي لمواطنيها الوقوف حداداً على أعصابهم إذا كانت ثمة بقايا أعصاب. فالقوانين تنسخها قوانين تالية على نحو دوري. واللوائح تمسخها اللوائح الفرعية. والبرلمانات تتلاعب بها الأنظمة وتحولها إلى أدوات قمع للشعوب بدلاً عن كونها معبرةً عن تواجدها المباشر في الحياة.

ولذلك ما لم ترتبط المواطنة بالوعي التاريخي للشعوب تغدو استثناءً زمنياً. فالانتماء السياسي للأفراد لا يسير في فراغ. إنه يحتاج دوماً مبرراً حياتياً لا يميز بينهم، بحيث يستندون إلى قاعدته بشكل موضوعي. لأنَّ الدولة كائن عمومي غريب إلاَّ بما نراه متاحاً لنيل كافة الحقوق. والمواطنة هي ما تؤصل تلك الحقوق بلا صراع. بينما في غيابها(المواطنة) تمثل الدولة متاهة لن يكون المواطن فيها إلا شخصاً طارئاً. وما أكثر الظواهر السياسية التي ترسخ الطارئ أبعد من أي شيء سواه. وبهذا ليست قوانين الطوارئ غير حلقة في سلسلة متصلة بدءاً من المجتمع ومروراً بالسلطة وانتهاءً بالتحول السياسي.

ولئن كانت هناك أرقام تخرجها المؤسسات يومياً عن حركة التجارة والانتاج والصادرات والواردات فأقدام المواطن تقرر أهمية ما سيحدث. هل هي أرجل زلقة على تراب سائب؟ هل ما تملكه الدولة لتقدمه للأفواه مجرد احصائيات معلقة؟ أيُّ شكل للمواطنة تخلقها تلك الحالة؟

إنَّها المواطنة في "دولة اليوم بيومِه". بالضبط مثل عمال التراحيل في الثقافة المصرية. هؤلاء الخارجون إلى أعمالهم ولا يعرفون ما إذا كانوا سيعملون أم لا. وما إذا كانوا سيواصلون مسيرتَّهم أم دون ذلك. وهل سيحصلون على أجرهم؟ وإذا حملتهم الظروف للحصول على أجر مجزٍ فلن يدوم طويلاً. سرعان ما تتقهقر أوضاعهم عائدة إلى نقطة التأرجح. وعليهم أن يخرجوا يومياً إلى العمل بالأجر لأن التكاسل رفاهية عالية تكلفهم جوعاً لا مناص منه.

وبإمكان المسؤول أنْ يتواجد في "دولة اليوم بيومه" بإفشال فكرة المواطنة. فليست إحاطته باهتمام زائد يسيِّل لعاب الفاسدين إلاَّ لقمع المواطن. وجعله في درجة أدنى بحيث لا يتطلع إلى أكثر من الامتثال لما يمارس. والمسؤول بهذا لا يعلن عن انحرف جزئي بل يشارك في تكريس دولة اللا قانون. بحيث يعطى ضوءً أخضر لما سيرتكبه لا حقاً من فساد. وتلقائياً تختفي قيمة الإنسان لصالح شياطين من صنف مدمر.

إن المواطنة بكامل حقوقها هي الخريطة المهمة للتحول السياسي الايجابي. أبرز معالمها البناء في أساسها وأركانها بحيث لا يستطيع حاكم الانفراد بقرارات أو ممارسة الديكتاتورية بعد مجمل التغيرات العالمية.

وما نراه من سرية الأنظمة السياسية العربية إنما هي أبرز سمات دولة قمعية بلا مواطنين. لأن الديمقراطية وحقوق الإنسان تقتضي التمتع بشفافية المعلومات. هذا الجانب المهم لكيفية تأكيد الوعي بالعمل العام من آليات واجراءات وقيم ومبادئ. وكما كانت السلبيات لدى أرجل المواطن فكذلك ستكون أية نواح إيجابية.

ينبغي أنَّ تكون المهمة الأولى: ترسيخ المواطنة على أساس الحق والقانون. وبالتالي تنتفي أية مرجعيات تصنيفية أخرى. لا هوتية أو سياسية أو عرقية أو اجتماعية أو طبقية أو رمزية. لأن المرجعيات من هذا النوع تعطي فرصة لكف العفريت بالظهور والتضخم. سواء أكان استبداداً أم نظاماً متخلفاً لا يرى غير أتباعه ومصالحهم.

كذلك ينبغي أن تشكل المواطنة حياة عامة ليست جزئية ولا ممزقة كأثواب رقيعة. بحيث تتميز بالانفتاح على الآخر، المختلف، المغاير، المناقض. ولا يعنى هذا أكثر من إعادة الاعتبار لمفاهيم الإنسانية داخل الإنسان. وعندما يؤكد نظام سياسي فكرة الإنسان الطارئ فإنه يمزق الإنسانية عن بكرة أبيها. لأنَّ دوام الأخيرة يعلمنا كيف نحترم إنسانها مهما يكن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت