الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النقابات العمالية العربية ودورها في التنمية البشرية

سلامه ابو زعيتر

2017 / 4 / 30
ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا


تعتبر النقابات العمالية أحد أهم مكونات المجتمع في الوطن العربي مع خصوصية كل دولة، وهي أكبر مؤسسات المجتمع المدني إن جاز التعبير، ولها مهام وظيفية تعنى بالطبقة العاملة؛ لتحسين ظروف حياتها الاجتماعية والاقتصادية، وتطوير مهاراتها وقدراتها في العمل، انطلاقاً من دورها التنموي، ومهمتها في تنمية القدرات وتطوير المهارات وزيادة المعارف لدى أعضائها، واستجابة لمتطلبات المجتمع والكثير من القضايا ذات الطابع التنموي في مقابل انحسار وتراجع دور الدولة في القيام بمهامها، فالنقابات العمالية لها دور مؤثر في التنمية، وخاصة في ظل المتغيرات العالمية والإقليمية المصاحبة لسياسات العولمة، والتي انعكست على الأدوار الاجتماعية ودور الدولة الاقتصادي والاجتماعي، فالدولة لم تعد كسابق عهدها بل أصبحت عرضة للنقد، الذي يفرض التراجع والانكماش في فضاء محدد تؤدي في إطاره مجموعة من الوظائف المحددة، ولقد كان هذا التطور الحادث وليد ثلاثة ظروف، الأول: الدولة لم تستطع الوفاء بالتزام تحقيق تنمية حقيقية، ولم تنجح في تجسيد مشروعاتها الاجتماعية على أرض الواقع، والثاني: عجز الدولة عن تعبئة وحشد الجماهير ودفعها بإيجابية، لإنجاز الأنشطة والمشروعات التنموية والاستعاضة عن ذلك بالاستناد إلى بيروقراطية، من شأنها بناء التنمية بمعزل عن الجماهير، مما يؤدي إلى إجهاض الرؤى والمبادرات الخلاقة، التي كان يمكن أن تقدمها الجماهير لصالح التنمية، وأخيراً، تحدد الظرف الثالث بظهور فاعلين جدد من مؤسسات المجتمع المدني ومنها النقابات العمالية، والتي تركز على تعبئة الجماهير ودفعها للمشاركة الايجابية، وهي أقصر الطرق لتحقيق التنمية، وبناء على ذلك حاولت المؤسسات تدريب الجماهير وتأهيلها لتقود تنمية مجتمعاتها بأقل قدر من الموارد وأكبر عائد من الجهود التنموية ، وتعتبر النقابات العمالية من أهم القوى المؤثرة اجتماعياً لما تحمل من قضايا، وقوة تمثيل، فهي تمثل السواد الأعظم في المجتمع وهم العمال، وتعتمد قوة النقابات والاتحادات العمالية وتأثيرها على عدة عوامل، أهمها عدد العمال المنتسبين لهذه النقابات وحجم التمثيل من الإجمالي، ومقدرة النقابات على تفعيل دور العمال بغض النظر عن أعدادهم من خلال توسيع حملاتها الضاغطة، ومساهماتها في تشكيل لوب ضاغط من مؤسسات تدافع عن حقوق العمال وتطالب بزيادتها، سواء ذلك من العقود الجماعية، أو تحقيق فوائد ومكاسب عمالية من خلال تحسين التشريعات والقوانين العمالية، ومقدرتها على صناعة السياسات التي تساهم بالرقي بواقع العمال وشؤون حياتهم على جميع المستويات العربية والعالمية ، فلم يقتصر دورها على الدفاع عن مصالح الشريحة التي تمثلها وحسب، بل اتسعت لتشمل الرعاية والتوجيه والمشاركة الفاعلة، لخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمجتمع والدولة، ولتأخذ موقع الريادة والقيادة جنباً إلى جنب مع مؤسسات صنع القرار السياسي والاقتصادي، كرديف وداعم واستشاري، ومراقب للأداء ناقداً حيناً ومصوباً حيناً آخر وداعماً ومؤيداً ومساعداً في معظم الأحيان .
إن النقابات العمالية العربية بحكم التصاقها بالقاعدة الجماهيرية، فهي الأقدر على فهم واقع وحاجات ومشاكل الجماهير، وهي خير من يستطيع التعبير عن آمالهم وطموحاتهم ومصالحهم، لذا فإن صوتها يجب أن يكون مسموعاً لدى صانع القرار، فهي تزوده بالمعلومات الدقيقة اللازمة لعملية صنع القرار بحكمة ورشد.
النقابات العمالية من أهدافها تنظيم العمال والدفاع عن مصالحهم والنهوض بواقعهم الاجتماعي والاقتصادي، وهذا مدخل ومقدمة لأهداف فرعية منبثقة عنها وشديدة الصلة، تضمنتها اللوائح الداخلية للنقابات، مثل: زيادة الوعي الثقافي والمهني والانتفاع به، في التعبئة الاقتصادية والحضارية والقومية والمساهمة في تخطيط وتطوير برامج التعليم، والتدريب والتنسيق مع الجهات الحكومية في رسم السياسيات العمالية، وتنظيم علاقات العمل والحوار الاجتماعي، بما يحقق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، نلاحظ أن الأهداف كلها لا تنحصر في مصلحة الأعضاء كفئة محددة، بل تتعدى لخدمة المجتمع ومشاركة أصحاب القرار في التخطيط الاستراتيجي، بل وتتجاوز ذلك للبعدين الإقليمي والدولي، فالنقابات العربية حقيقة موضوعية تاريخية أصيلة تتحدى واقع التجزئة الراهن، وتجسد الإرادة لجماهير العمال ، ولها دور بارز في مجالات التنمية على اختلاف أشكالها اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، بل نستطيع القول بأنها تشكل العمود الفقري لهذه التنمية، فالدعم الذي تقدمه النقابات العمالية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، ينعكس بشكل مباشر دعماً سياسياً للنظام والدولة، وإن اختلف في التفاصيل والسياسات مع الحكومات، تمثلت الديمقراطية الانتخابية بأبهى وأنصع وأصدق صورها في النقابات العمالية، ومازالت نموذجاً يحتذى في الانتخابات الحرة النزيهة وتداول السلطة الحقيقي والسلمي، وقد خرّجت النقابات العمالية من بين صفوفها العديد من القيادات السياسية، وتساهم النقابات بشكل فاعل في القضايا العامة، ولها موقف سياسي ثابت من كافة المصالح الوطنية والعربية والإسلامية، مما يعطيها دعماً شعبياً واسعاً، وهذا الموقف يمثل موقف كافة الهيئات العامة للنقابات، باعتبارها من النخبة المثقفة في المجتمع ، ولعبت النقابات العمالية دوراً مهماً ولا تزال في خدمة عمليات التحول الديمقراطي، فهي بحق مدارس للتنشئة السياسية على الديمقراطية؛ لأنها تزود أعضاءها بقدر لا بأس به من المهارات والفنون التنظيمية والسياسية، بحكم ما تنطوي عليه من حرية نسبية في تنظيم الاجتماعات والحوار والمنافسة، لاختيار القيادات والترشيح والانخراط في الحملات الانتخابية والتصويت ومراقبة ومحاسبة القيادات ، وقد استطاعت النقابات أن تعبر عن مواقف قطاعات اجتماعية وثقافية كبيرة، حيث تتميز بقدراتها على الاتصال بالحكومة، والبرلمان من خلال اللقاءات الشخصية مع المسؤولين أو مراسلتهم، وأثبتت قدرتها على إيصال المطالب الجماهيرية إلى مفردات النظام السياسي، ومفاصل صنع القرار؛ وعلى الصعيد الاقتصادي تشكل القوة العمالية عصب الاقتصاد في المجتمع، وتنظيم واقع العمال في نقاباتهم يعود عليهم وعلى المجتمع بالنفع، فتحقيق مصالحهم الاجتماعية والاقتصادية أمراً في غاية الأهمية؛ لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن قطاع الإسكان والعقارات والإنشاءات وخدماته وقطاعي الزراعة والخدمات العامة، والتي تعد من أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد، يتضح لنا أهمية الدور الاقتصادي الذي تقوم به النقابات العمالية، من خلال تطوير مهارات العمال وتنمية قدراتهم وتوفير بيئة عمل مناسبة ولائقة، يساهم كله في شعور العامل بذاته وبآدميته، فاستقراره وتوفير احتياجاته ينعكس ضمناً على قوته الإنتاجية، ويساهم ذلك في زيادة الإنتاج وبجودة عالية، كما تقدم النقابات العمالية بعض البرامج مثل: صندوق الادخار، والتأمين الصحي وإنشاء التعاونيات.. الخ، التي تخفف عن العمال أعباء وتكاليف الحياة، وتقوم بمحاربة البطالة، وتعمل على الدفاع عن مكتسبات أعضائها ومصالحهم وعلاواتهم والسعي لرفع مستواهم الاقتصادي، والمهني والثقافي مما ينعكس إيجاباً وبشكل كبير على حلقه الاستقرار الاجتماعي، كما أن النشاطات الاجتماعية والثقافية المكثفة التي تقوم بها تنعكس آثارها الإيجابية بوضوح على المجتمع بشكل عام، وتعزز دور العمل النقابي وترتقي بمكانته اقتصادياً واجتماعياً وتنموياً، ولا ننسى هنا أن ننوه إلى دور النقابات العمالية في المساهمة في العديد من النشاطات الاجتماعية المحلية، مثل: توزيع المعونات العينية والمادية على العمال والعائلات الفقيرة، وتفاعلت تفاعلاً اجتماعياً كبيراً مع المجتمع المحلي، وصارت مقصداً للمشاركات الاجتماعية، وأثرت في النسق الاجتماعي، والثقافي للمجتمع المدني بشكل إيجابي كبير ومؤثر، وهذا يتناسب مع نجاح التنمية التي تتوقف على ثالوث الديمقراطية والكفاءة الاقتصادية والاندماج الاجتماعي ، وهو سبيل تحقيق رفاهية الجميع بما فيها الفئات المعنية، وهذا يجري في إطار الحديث عن التنمية البشرية، ليس فقط بحد ذاتها، بل كمدخل إلى التنمية بشكل عام، وهو ما يجعل الشغل الأساسي، هو إعادة بناء التنظيم الاجتماعي Social Organization على نحو متطلبات تحقيق مشاركة جميع فئات المجتمع في التنمية جهداً وعائداً، بحيث لا يؤدي تدني العلاقات بين هذه الفئات، إلى إهدار في قدرات المجتمع على النمو، بما قد يعقبه من آثار سلبية أخرى على المجتمع العالمي ، ويعتبر هذا استكمالاً لنظرية التنمية وفق المدخل الاقتصادي، التي تعنى في المقام الأول بتصحيح وتدعيم البنية الاقتصادية (لا سيما الإنتاجية) التي تحسن استخدام البشر كمورد إنتاجي، من أجل تزويد الإنسان بثمار جهده على أكفأ الوجوه، وهذه النظرية تحتاج لتطوير مكمل كاعتبار العدالة الاجتماعية، وهذا التطوير لب التنمية البشرية، التي يتزايد الإدراك حالياً بأبعادها المختلفة والمترابطة، والتي تتشابك بشكل عضوي مع التنمية الاقتصادية، حيث كفاءة عمل المؤسسات الاقتصادية، وسلامة تدفق المتغيرات الاقتصادية، يتوافقان على النهوض بالبنية الاجتماعية بما يجعلها قادرة على التعامل في تناغم تام، من أجل تحقيق الأهداف المجتمعية، التي تصاغ وفق دالة تفضيل مجتمعية، لا يمكن بناؤها إلا في ظل اندماج اجتماعي صحي .
* د. سلامه أبو زعيتر
* باحث نقابي في التنمية البشرية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكونغرس الأمريكي يقر مشروع قانون مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا


.. لازاريني: آمل أن تحصل المجموعة الأخيرة من المانحين على الثقة




.. المبعوث الأمريكي للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط: على إسرا


.. آرسنال يطارد لقب الدوري الإنجليزي الممتاز الذي غاب عن خزائنه




.. استمرار أعمال الإنقاذ والإجلاء في -غوانغدونغ- الصينية