الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدرب المضيء... هل لا يزال مضيئَا؟!

حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)

2017 / 4 / 29
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


عندما قال "خوسيه كارلوس مارياتيجي" مؤسس الحركة الشيوعية في بيرو عبارته الشهيرة: "الماركسية اللينينية تفتح الدرب المضيء للثورة"، كانت عبارته هذه ملهمة لكي يغير أحد الأحزاب المنشقة عن الحزب الشيوعي البيروفي مسماه ليصبح الحزب الشيوعي البيروفي – الدرب المضيء.
حقا استطاعت الماركسية اللينينية وتطبيقها الماوي أن تؤسس لنظم تمكنت من تحقيق الكثير من العدالة والرفاهة للمجتمعات التي تطبقت فيها. ولكن... هل لا يزال الأمر هكذا؟! هل لا يزال باستطاعة الماركسية سواءً كانت لينينية أم ماوية أم أي شيء آخر أن تحقق تطلعات الشعوب؟!
من العسير فعلًا الإجابة على هذا السؤال في مجرد أسطر قليلة مثل التي تتيحها المساحة هنا. ولكن يمكن على الأقل إلقاء بعض الأضواء التي تشير إلى ما يمكن أن يكون الأسباب التي تجعل من التأكيد على أن الدرب لا يزال مضيئًا هو أمر صعب يقينًا.

الصين... تنين حقيقي
لدينا التجربة الصينية لتقول إن الماركسية اللينينية الماوية أتت أكلها بالفعل؛ فالتجربة الصينية لها من الأبعاد والدلالات ما يجعلها فعلًا تأكيدًا يقينيًّا على أن الماركسية اللينينية الماوية تستطيع أن تبني اقتصادًا وتحمي مجتمعًا وتجعل الأفراد الذين يعيشون تحت مظلتها يحيون في أمان اجتماعي.
يمكن توجيه الكثير من الانتقادات إلى التجربة الصينية، ولا خلاف على ذلك. ولكن من بين أبرز تلك الانتقادات مسألة تحديث القطاع الزراعي. وهذا الانتقاد يمكن الرد عليه بسهولة بالقول إن الأمر يتعلق في المقام الأول وربما الأخير أيضًا بطبيعة الثقافة الصينية؛ فالمواطن الصيني هو إنسان تراثي بامتياز، يعيش في ظل التراث، ولا يقبل التغيير إلا بمقدار محدود، ويلعب الميراث الثقافي دورًا كبيرًا في حياته وربما بعد مماته أيضًا؛ فالأجداد وأرواحهم يلعبون دورًا رئيسيًّا في الحياة الروحية للفرد الصيني. وبالتالي، تتقاطع مسألة التحديث في جانب كبير منها مع الميراث الصيني التقليدي مما يجعل الكلام عن عدم التحديث بالإطلاق هو كلام يجافي الدقة.
كذلك من بين الانتقادات التي توجه للتجربة الصينية مسألة القمع والديكتاتورية. هذا الانتقاد حقيقي، ومنطقي. ولكن يتعين أيضًا أن يوضع في سياقه الثقافي المتعلق بالمجتمع الصيني. يعرف القارئ العادي أن المجتمع الصيني على الدوام تحكمه سلالات حاكمة تستند في حكمها إلى بعد ديني. وبالتالي، ظل الإنسان الصيني يرى في تقبل الديكتاتورية الحاكمة قربى للسماء. الأمر نفسه استغلته السلطات الشيوعية بعد نجاح الثورة في تثبيت أركان حكمها بالاعتماد على مسألة تقبل الصيني للسلطة الديكتاتورية والأمر الثاني اعتياده على المركزية دائمًا لكونه يعيش في مجتمع زراعي يحتاج إلى سلطة مركزية لتنظم أحوال الزراعة، وتشتري المزروعات.

نيبال... الماويون يؤسسون جمهورية
نيبال دولة ملكية. ولكن الحزب الشيوعي النيبالي استطاع أن يحولها إلى جمهورية، ويؤمم القصور الملكية. هكذا استطاع الحزب الشيوعي النيبالي بعد عشر سنوات من الحرب الأهلية أن يؤسس لجمهورية الشعب التي كان يحلم زعماؤه وأنصاره بها، وهم يخوضون تمردهم ضد الحكومة الملكية النيبالية انطلاقًا من الأدغال.
لا أنوي الدخول في تفاصيل عملية الانتقال السياسي في نيبال؛ فتفاصيلها تملأ المواقع الإخبارية. ولكن ما أود الإشارة إليه هو أن التمرد المسلح لم يكن هو ما أجبر الأسرة الملكية في نيبال على التنازل عن العرش لمصلحة الثوار، ولكن كان البرنامج السياسي للحزب الشيوعي هو ما منح الحزب وحلفاؤه الانتصار في الانتخابات التي جرت عام 2007 بعد اتفاق السلام؛ حيث تكونت جمعية تأسيسية كان من نتاجها هيمنة الثوار الماويين عليها وإقرار إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية بعد 240 عامًا من الحكم الملكي.
أكرر أن السلاح لم يكن هو ما منح الماويون السلطة في نيبال، ولكنها أصوات المواطنين في صناديق الاقتراع. ولم تكن أصوات المواطنين لتذهب إلى الماويين لولا أن برنامجهم كان كفيلًا بإقناع الناخب أن الثوار يحملون ما هو أكثر من السلاح؛ يحملون العدالة الاجتماعية وإزالة المظالم التي سادت في البلاد جراء حكم ملكي ضعيف هيمن فيه أصحاب المصالح من المتنفذين في القوات المسلحة والعائلة المالكة على مقاليد الحكم في البلاد.

اليسار اللاتيني.. صعود وتراجع
لكن تبقى التجربة النيبالية منفردة؛ فلا يمكن القول بكل اطمئنان أنه من الممكن تكرارها في مناطق أخرى من العالم. لماذا!؟ الواقع المحيط بنيبال يقول إن قيام جمهورية شيوعية بالقرب من الهند هو أمر تفضله الولايات المتحدة لتبقى وخزة في جنب الهند المجاورة التي تعاني من تمرد ماويّ يحاول استلهام ما جرى في نيبال. وليس من الخفي أن الهند لا تحتفظ بعلاقات طيبة مع الولايات المتحدة للتقارب التقليدي الهندي مع روسيا والتقارب التقليدي الباكستاني مع الولايات المتحدة. وبالتالي كفت الولايات المتحدة يدها عن نيبال.
فماذا عن أمريكا اللاتينية؟!
حركات شيوعية مسلحة كثيرة نشأت في أمريكا اللاتينية لكنها عجزت عن تكرار ما فعل الماويون في نيبال على الرغم من المزاج اليساري الحاد في تلك القارة. كل ما استطاعت الحركات اليسارية اللاتينية أن تفعله هو الإتيان برؤساء عبر صناديق الاقتراع في أول الألفية الثالثة سرعان ما سقطوا في فخ عدم تطابق حسابات الأحزاب مع واقع الحكم؛ حيث يواجهون صعوبات جمة في إبقاء المزاج اليساري للحكم في أمريكا اللاتينية على توهجه السابق.
لا يمكن إغفال عنصر تدخل الولايات المتحدة لـ"إيقاف اليسار عند حده" في أمريكا اللاتينية، ولا ننسى تدخل المخابرات المركزية الأمريكية بشكل مباشر لتدمير اليسار في تشيلي ولا محاولات الاغتيال العديدة التي دبرها الأمريكيون لاغتيال الزعيم الكوبي الراحل "فيديل كاسترو". لكن مشكلة اليسار في تلك القارة أعمق كثيرًا في تقديري.
المشكلة في اليسار اللاتيني هو أنه يلعب وفق قواعد الرأسمالية العالمية المكرسة في بلاده، ولا يستطيع الفكاك منها والابتعاد عنها بشكل كامل. فإذا استطاع أن يتجاوز هذه العراقيل الرأسمالية لفترة من الفترات، فلن يستطيع أن يتجاوزها إلى الأبد. الأمر هنا يتعدى مجرد مناخ رأسمالي دولي؛ فالصين استطاعت أن تنجح تجربتها في ظل هذا المناخ. المشكلة هي أن الداخل في دول أمريكا اللاتينية يعاني من توغل الرأسمالية بما يجعل أي "إصلاح" يساري يبقى مجرد محاولة لتحسين الصورة لا أكثر.
يعاني اليسار في أمريكا اللاتينية حاليًّا من تراجع. لن أقول هبوطًا، ولكنني أقول تراجعًا لصعوبة الإبقاء على أوجه الدعم المقدمة للمواطن انطلاقًا من اقتصاد قائم على الأسس الرأسمالية في ظل مناخ رأسمالي عالمي.

اليسار عربيَّا...
لا يمكن القول بأي شكل من الأشكال إن اليسار يستطيع أن يسيطر على الحكم في أي من دول العالم العربي سواءً عن طريق الثورات أو صناديق الاقتراع. هذا ليس تقييمًا متشائمًا أو متحاملًا، ولكنه رأي تأسس من الواقع القائم في الدول العربية. الدول العربية في غالبيتها ملكية، وحتى الجمهورية منها تعاني من حكم الفرد الذي لا يسمح ليمين أو ليسار بتهديده.
إلى جانب ذلك، يبقى أن الأحزاب اليسارية في العالم العربي تعاني من "رومانسية" في برامجها و"طوباوية" في تطلعاتها الأمر الذي يبعدها كثيرًا عن الناخبين بالذات في الدول التي مرت بثورات الربيع العربي. لماذا؟! لأن المواطن العربي فقير، وأتت هذه الثورات وما حملته من اضرابات وثورات مضادة إلى زيادة تردي الوضع الاقتصادي؛ فبات الفرد العربي غير قادر على الاستمرار في دفع كلفة عدم الاستقرار انتظارًا لحلم جنة الرفاهة الموعودة.
وأيضًا يأتي التحالف الأبدي بين التيارات الدينية والنظم الديكتاتورية لتثبيت دعائم حكم هذه الأنظمة كأحد أهم العوامل في تراجع اليسار سواءً من حيث عدم إتاحة المنابر أو إطلاق حملات التشويه لليسار بداعي الإلحاد، وهو الأمر شديد الحساسية في مجتمعات ذات طابع متدين ولو على المستوى المظهري.

إذن، يمكن القول في تقديري إن الدرب المضيء لم يعد مضيئًا بما يكفي لأن يأتي بالثوار الحاملين لأحلام المساواة والعدالة الاجتماعية إلى قصور الحكم في العالم بخاصة في العالم العربي. لكن لا يزال في الدرب من الضوء ما يكفي لاستمرارهم في المسيرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل شخص وجرح آخرين جراء قصف استهدف موقعا لقوات الحشد الشعبي


.. فايز الدويري: الهجوم رسالة إسرائيلية أنها تستطيع الوصول إلى




.. عبوة ناسفة تباغت آلية للاحتلال في مخيم نور شمس


.. صحيفة لوموند: نتيجة التصويت بمجلس الأمن تعكس حجم الدعم لإقام




.. جزر المالديف تمنع دخول الإسرائيليين احتجاجًا على العدوان على