الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قيود أمّي-الفصل الخامس-4-

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2017 / 4 / 30
الادب والفن


يحيط بي الظلام من كل صوب، رائحة السجون تصيبني بالغثيان، كان فعلهم معي في المرّة الأولى لا يحتمل، ثم أصبح عادة يوميّة . في موعد قهوة الصّباح أكون قد فقدت الإحساس بالعالم عن عمد، عندما يقترب دوري لتسليم أمري. أكون على أهبة الاستعداد في تحقيق كل رغباتهم.
ليتني بقيت في حالة سبات ،بعيدة عن هذا العالم.
-لم أتحمّل عناء المجيء إلى وادينا من أجل الحياة. أتيت أبحث عن ابني، وعندما رأيت الظلم يقع على امرأة .اعتقدت أنّها أنا ،فوقفت أدافع عن نفسي، وكانت النتيجة أن أتيت إلى السجن. حتى اليوم لم يوجهوا لي تهمة.
كيف يمكن أن أشرح لكم هذا الأمر. لا أستطيع. أمر يفوق التّصور.
عندما يعيدوني أجلس في زاوية قرب جدار. أعتقد أنّني فأراً ينتظر قدره، أحدّث أمّي:
لو ربّت أمّي النّساء والرّجال على حسّ العدل . لما جرى ما جرى. هؤلاء البشر هم تربيّة أمّي. هي من قبل أن يسخر الآخرون من أنوثتها عندما يختلفون معها، يشتمونها بأنوثتها، ويعيّرونها بأنّها وجدت من أجل أن يتباهوا بفحولتهم. لو دافعت أمّي عن كونها امرأة وماتت في المرّة الأولى، والثانية، والعاشرة، لما استطاع أحد أن يقترب منّي.
هل أبي غير مسؤول؟
نعم هو غير مسؤول. صحيح أنّه بسيط ومسكين، فقير، ومهمّش، لكنه مكتف من الحياة بالتّهميش، وليس مطلوباً منه إصلاح البشر، فهم يمتدحون الرّجولة، وهو في النّهاية رجل لا تستطيع أمّي أن تخالف له أمراً .
تسألني أمّي بصوت مكبوح: وأنتِ ماذا فعلتِ؟
. . .
تكوّمت قرب زاوية مظلمة فاقدة الحسّ بالحياة.
لا أدري إن كنت قد غفوت، لكنّ شريطاً يمرّ أمامي
فيه بساتين من وهم. مواسم كالسرّاب
أرى نفسي ولدت للتوّ من بقرة جميلة
تركلني برجلها كي أتعلّم الوقوف
أقفز قربها. أرافقها
تدّربني على الحياة
تطلب منّي العيش ريثما يحلّ موسم الّذبح
أنظر إلى البشر حولها:
ليتني كنت بشراً
يتناوب الشمس والمطر والثلج في الهطول
أنسى النّهاية
تذهلني الفصول
ما أجمل الحياة!
حتى لو لم أكن بشراً
لا يبخل المرج عليّ بالجمال
وفي ذلك النّهر القريب
أسرار أرميها له
كي تنتصر إرادتي
أشعر بالضّياع
. . .
كأنّهم ينادون عليّ. ماذا يريدون؟
كأنّه المنام. الشّرطة في المنام ملائكة. أراهم يمسكون بي من الجهتين. الحمد لك يا رب. تفقدّت وضعي، أرسلت الملاكين. لا أعرف أيّهما ناكر، ولا أيهما نكير.
رأيت هذا الوجه الذي يبتسم لي. هل يمكن أن يكون الرّب على شاكلة البشر. نعم إننا على صورة الرّحمن . يبتسم لي، يقول: قولي يا عليا! هل كنت على ما يرام هنا؟
-نعم أيّها الرّب. كنت أنتظر تلك اللحظة بفارغ الصبر. كلّ رغبتي أن أرى وجهك.
-هل سمعتم ماذا قالت؟ صوروها وهي تقبل قدمي ، تعلّموا منها.
أعطوها رغيف خبز هديّة.
وقف الرّب ، صافحني، خرجت من الباب.
في تلك اللحظة استفقت، نظرت إلى نفسي. لا زلت على قيد الحياة. لكن ما قصّة الملاكان، والرّب ؟
يبدو أنّني أقنعت نفسي أنّني أعيش الحلم كي أسمي ذلك الوغد الذي كان يمعن في إهانتي كل يوم ب "الرّب"
هل كلّ الذين يقدّسونه أذلّهم كما أذلّني؟
أعتقد أنّ أكثركم فاقد لوعيه مثلي. يسمي السّجان ربّه.
. . .
لا أعرف إلى أين أذهب.
جلست على حافة الرّصيف المقابل للسجن، هناك مكان يشبه الخراب. كلّما مرّ رجل من قربه يشتهي أن يدشّن الجدار، فيبول عليه. أرى ظلالهم بينما يتبولون.
لو فكّرت جيداً لاستطعت أن أجد مخرجاً. إنّني أفكّر الآن: لو كان معي ليرة لاشتريت رغيف خبز. لو كنت شابة لبعت جسدي المدنّس بعمّي منذ البداية، والذي أضاف عليه السّجان بعض اللمسات إلى تاجر جنس، أعمل في شركته باسم شريف، ويعمل لي عقداً طويلاً، لكن هيهات!
أمّي!
لماذا خلقتني هنا؟
لماذا قبلت أن تعيشي كشخص ليس على قيد الحياة ؟
ولماذا لم أفعل مالم تفعله أمّي؟
سوف أتسّول ثمن رغيف خبز.
لا أستطيع المشي. أترنّح
أزحف ، يركلني المّارّة. يعطيني الذّل مسحة من الحقد على الحياة. أصل إلى كراج للمسافرين.
أجلس قرب بيت الخلاء حيث يوجد الماء. تأتي الشّرطة، وتقودني ثانيّة إلى السّجن فالتسّول ممنوع. اتهموني بالإساءة لجمال البلد.
وعندما قلت لهم أنّ رائحة البول تنطلق من جدار الجامعة، والكراج، ومدينة الأحلام، وأنّني أكملت المشهد بتسولي. ضربني الشّرطي بكفه على خدّي فلصق كفه . تحوّل جلدي إلى صمغ بعد أن امتنعت عن الحمّام.
. . .
يوجد طفل اسمه تميم
كان ابني
بنيت له مسرحاً
غنّت ألعابه ورقصت معنا
شخص ما أبعدني عنه
بعد أن أهرب مع تميم
أعود وأنتقم من الشّخص
تعوّدت على السّجون
تميم ليس طفلاً
هو شاب
بعد أن أراه
سوف أقتل عمّي، زوجي، السّجان
أشعر أنّني ثورة للحبّ
والحبّ ينادي
تخلّصي من وصمة العار
تميم!
إنّي قادمة
أحمل روحي فداك
ما صبرت كل تلك الأيّام لولاك !
انتظرني
تأخّرت عليك
كنت ناقصة عقل
وناقصة ثقة
وناقصة احترام
لا تخف بعد اليوم
خبّأت لك أجمل الأحلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما


.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة




.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير