الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من تاريخية المؤسسة الأمنية في العراق الملكي **: (3-6)

عقيل الناصري

2017 / 5 / 1
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


من تاريخية المؤسسة الأمنية في العراق الملكي **: (3-6)
ونستنتج مما ذكر "... أن عمل التحقيقات الجنائية تطور مع تطور الوضع السياسي للبلاد وأصبح عملها سياسياً يعكس عملها الجنائي الذي تحمل اسمه ليتحول عملها خلال المرحلة اللاحقة إلى عملية مراقبة ومطاردة زعماء الأحزاب السياسية المعارضة للنظام... "، على وفق إشتداد الصراع الاجتماعي والسياسي والفكري من جهة، وإنتقال الانتفاضات الشعبية المعارضة من الريف إلى المدينة بعد الحرب العالمية الثانية مقارنة بما قبلها من جهة ثانية . ومن جهة ثالثة تطور الوعي الاجتماعي العام بتجلياته المتعددة وبخاصة ما أصاب العلاقة الابوية (البطرياركية) ومنظومة افكارها ومعاييرها وقيمها، من ضعف بصورة خاصة في المدن الكبرى والتجمعات الاجتماعية، نتيجة التطور في قوى الانتاج وما حدث من تغيرات في بنية الانتاج الاجتماعي.. وقد تجلى ذلك في أحد أوجهه في خروج المرأة للعمل الاجتماعي ومساهمتها في النضال الاجتماعي والسياسي والثقافي ونزولها بقوة نسبياً مقارنة بفترات ما قبل الحرب العالمية الثانية.
كما أقترن وتزامن هذا الحراك الاجتصادي والسياسي، في الاضرابات العمالية، منذ عام 1946 ولغاية تموز 1958، والتي دشنها عمال النفط في كاور باغي ومحطة H3 لضخ النفط، والسكك الحديدية وعمال الموانئ وبقية القطاعات، كما أخذت تتشكل النقابات العمالية من نمط جديد مقارنة بما كان قبل الحرب العالمية الثانية من حيث طابعها الحرفي .. كما أن بروز الحراك الطلابي وتعمق مشاركته في الانتفاضات الشعبية منذ تأسيس أول منظمة طلابية عام 1948، قد عمق من الأزمة البنيوية المستديمة للسلطة الأولغاركية.. والأهم النمو، الكمي والنوعي، للطبقة الوسطى بفئاتها المتعددة، حاملة الافكار الغائية التغييرية، والمتطلعة إلى لعب دورها المنتظر في المنظومة السياسية والتداول السلمي للسلطة.
فبالإضافة إلى توسع نشوء الاحزاب السياسية العلنية منها والسرية ، فكثرت مراقبتها إذ ركزت التحقيقات الجنائية كما أسلفنا، على هذه الاحزاب والمنظمات الجماهيرية وبخاصة السرية بصورة أشد ووعلى الخصوص ذات الابعاد اليسارية ؟! وعلى الأخص الحزب الشيوعي،"... الذي يعدّ من الأحزاب المهمة التي شغلت أكثر عمل التحقيقات لما له من أثر كبير في الأحداث السياسية التي شهدها العراق حتى ان أكثر من 75% من عمل التحقيقات مكرس لهذا الحزب في محاولة للانقضاض عليه ... "، حتى وصل بها إلى انها عملت بمثابرة وجد متواصلين لمحاربته بكل السبل ومحاولة إجتثاثه كهيكلية تنظيمية وبالتالي إلغاء دوره التأثيري الفكري والسياسي، لهذا "... كانت تراقب الحزب الشيوعي منذ بواكير ظهوره في العراق والذي يعد من أخطر الأحزاب السرّية المعارضة للسلطة وللبريطانيين وتنتهز الفرصة الملائمة لاعتقال أعضائه وسحب الاعترافات منهم بغية الإفراج عنهم في مقابل زج آخرين بالمعتقلات رفضوا الاعتراف لهم... ".
وبالمقابل المضاد لنشاط التحقيقات الجنائية، يؤكد واقع الحراك السياسي والفكري والتنظيمي لنشاط الأحزاب السياسية الوطنية المعارضة كجماعة الأهالي طيلة النصف الأول من الثلاثينيات. وكذلك الحزب الشيوعي منذ البواكير الأولى لتشكل الحلقات الماركسية في كل من بغداد والبصرة والناصرية، التي توحدت وأسست ( جمعية مكافحة الاستعمار والاستثمار عام 1934 ومن ثم أبدلت أسمها إلى الحزب الشيوعي عام 1935 )، قد فتحت هذه الاحزاب وغيرها خط المواجهة مع مختلف الحكومات الملكية المسؤولة، إلى حدٍ كبير، عن الفشل العضوي في تحقيق التنمية الاجتصادية السياسية المستديمة وتطور المجتمع العراقي، وإتباع هذه الأحزاب، بخاصة اليسارية التوجه، أسلوب التحدي، التي أعتقد جازما، على عدم قدرتها في مواجهة كل هذه الحالات في آن واحد. هذه المجابهة الشاملة، نعتقد أنها قد"... أثرت سلبياً في نشاطه وقوته، فقد تعرضت ملاكات الحزب لمطاردة السلطة الحاكمة وزج الكثير منهم في المعتقلات والسجون ناهيك عن مراسيم عام 1954، قد ضربت قواعد الحزب الشيوعي ضربة موجعة ولاسيما قانون سحب الجنسية لمن ينظم للتنظيمات الهدامة، والمقصود بها الحزب الشيوعي... ".
وتأسيسا على ذلك ومقارنةً بالأحزاب السياسية الأخرى، سرية كانت أم علنية، فقد تعرضت الحركات اليسارية عامةَ، بما فيها الحزب الشيوعي والمنظمات القريبة منه أو التي تدور في فلكه، إلى أقسى المطاردات واشرسها على الاطلاق، لأنها:
- تمثل النقيض النوعي النافي للسلطة الاوليغاركية الحاكمة، وقاعدتها الاجتماعية، وتوجهاتها الفلسفية في تجلياتها الاجتصادية والسياسية والفكرية وبكل ابعادها الطبقية ؛
- فإن فلسفة هذه الحركات السياسية وغائية حراكها الاستقلالي، ببعديه السياسي والاقتصادي، تتعارض مع القوى الاستعمارية المتمثلة في الاحتلال البريطاني واستراتيجيته على كل المستويات الداخلية والاقليمية والعالمية ؛
- فحراك القوى الاجتماعية الحاكمة كان يتمحور حول الماضي (التليد!) وفي سكونية الابداع، في حين إن هذه الحركات اليسارية كانت تعبر، ولا تزال، عن جوهر الحداثة والتطور ؛
- كانت الغائية الطبقية للقوى الاجتماعية للنظام الملكي بكل ابعاده في تناقض تام مع الحركات اليسارية.
- "... ثمة حقيقة تاريخية أخرى، أن اليسار العراقي في العهد الملكي قد تعرض إلى ضغط عنيف من قبل السلطة الحاكمة آنذاك، وخصوصاً الشيوعيين الذين لم يكتفي النظام الملكي بإعتقالهم، بل وصل الآمر إلى إعدام قادتهم عام 1949، وإسقاط الجنسية العراقية عن العديد منهم، وإبعادهم إلى خارج العراق ولكن مع كل ذلك، ظل الحزب الشيوعي يواصل نضاله حتى تحول إلى قوة فعلية في خمسينيات القرن الماضي مما جعل القوى السياسية الأخرى بأمس الحاجة إلى التحالف معه في جبهة الاتحاد الوطني التي أُسست عام 1957 لتمهد الطريق إلى الرابع عشر من تموز عام 1958 التي اسقطت النظام الملكي وأحلت محله النظام الجمهوري.. " بحيث أن قوى اليسار وبخاصة الشيوعيين، كانت لا تشملهم حتى الاعفاءات الملكية التي كانت تمنح لسائر السجناء بالمناسبات العامة.
بمعنى آخر لقد عمقت محاربة اليسار المعارض من الأزمة البنيوية للنظام الملكي مما أدى إلأى ما يطلق عليه ( الانسداد التاريخي ) وقد "... تمثل هذا الانسداد في الاجراءات الرادعة بحق اليسار العراقي وعدم السماح له بالنمو الطبيعي مما جعل الديمقراطية في العراق تمر بمرحلة عقم عسير لم تفد معها كل العمليات القيصرية التي اجريت لها في زمن الاحتلال الأمريكي ... " ما بعد عام 2003.
الهوامش
** فصل من كتاب قيد الانجاز والموسوم : دور المؤسسة الأمنية في اسقاط الجمهورية الأولى
36- المصدر السابق، ص. 99.
37 - حول هذه الانتفاضات راجع للمؤلف:الانتفاضات الشعبية .. الارهاصات الأولى للثورة ، الثقافة الجديدة ، العدد 325 تموز 2008، كذلك في الحوار المتمدن في6/9/ 2008، http://www.ahewar.org/
38 - "... وإزداد عدد النقابات العمالية في عام 1946 حتى بلغ 16 منظمة نقابية شكلت فيما بينها هيئة ارتباط هدفها السعي إلى استحصال موافقة الحكومة على إجابة طلبات العمال الآخرى، وإعادة النقابات المعطلة وخاصة نقابة السكك الحديدية، وتأسيس إتحاد عام لجميع هذه النقابات....". د. جعفر عباس حميدي، التطورات 1953-1958، ص, 26، مصدر سلبق. كذلك طالب عبد االجبار، ربع قرن من تاريخ الحركة النقابية في العراق، مطبعة النجوم، بغداد 1960. وفي الحقيقة أن هذا الكتاب من تأليف زكي خيري، كما أفاد لي في ستوكهولم قبيل وفاته .. لكنه نشر بأسم طالب عبد الجبار بعد استشهاده لأنه المشرف الحزبي على عملية كتابة الحركة العمالية.
39 - تألفت خمسة من الأحزاب بعد موافقة وزير الداخلية سعد صالح في 2/4/ 1946 هي: الاستقلال والأحرار والاتحاد الوطني والشعب والوطني الديمقراطي. راجع عبد الرزاق الحسني، تاريخ الوزارات، المجلد7، ص. 23، مصدر سابق. أما الحزب السري فهو الحزب الشيوعي العراقي آنذاك ، وحزب البعث في مطلع الخمسينيات.
40- زينه الميالي، التحقيقات الجنائية، ص. 3. مصدر سابق.
41 - المصدر السابق، ص. 180.
42- لقد تشكلت جمعية مكافحة الاستعمار والاستثمار ، نواة الحزب الشيوعي العراقي . نتيجة إتحاد الحلقات الماركسية التالية: 1- جماعة الناصرية ، تأسست عام 1928، وضمت: يوسف سلمان يوسف ( فهد لاحقا) عامل في معمل ثلج، وغالي زويد عبد ووكيل لعائلة السعدون، وأحمد جمال الدين محامي ؛ 2- جماعة البصرة، تاسست عام 1927، وضمت، عبد الحميد الخطيب مدرس، وزكريا إلياس دوكا موظف في الميناء وسامي نادر مصطفى معلم وعبد الوهاب محمود محامي ؛ 3- جماعة بغداد - المجموعة الأولى، تاسست عام 1929 وضمت عاصم فليح خياط، وقاسم حسن موظف حكومي ومهدي هاشم معلم، وحسن عباس كرباسي محامي ؛ المجموعة الثانية تاسست عام 1933 وضمت: جميل توما مهندس، ونوري روفائيل مدرس ومن ثم مهندس، ويوسف إسماعيل البستاني طالب حقوق؛ المجموعة الثالثة، تأسست عام 1934، وضمت: زكي خيري موظف، يوسف متي طالب حقوق، وعبد القادر إسماعيل البستاني محامي. أما بالنسبة إلى الأخير فقد أنكر حنا بطاطو انتماءه إلى الجمعية، في حين بؤكد آخرون مساهمته بتأسيس الجمعية. ومن استعراض الأسماء أعلاه ، نتوصل إلى استنتاج مهم هو أنهم يمثلون مختلف الفئات الاجتماعية والدينية والاثنية. للمزيد راجع عزيز سباهي، عقود من تاريخ، وحنا بطاطو، الكتاب الثاني، مصدران سابقان.
43 - لما "... عاد وزير الداخلية رشيد عالي الكيلاني في حكومة ياسين الهاشمي الثانية (17 آذار 1935- 29 تشرين الأول 1936) من الفرات الأسفل بعد قمع انتفاضة فلاحي سوق الشيوخ، فوجد نسخة من كفاح الشعب على مكتبه بديوان الوزارة فقال لأحد أتباعه "أنظر إلى هذه الورقة انها أخطر من ثورة سوق الشيوخ الفلاحية"، ففي تشرين الثاني 1935 قرر الكيلاني ضرب التنظيم باعتقال قسم من أعضاء الحزب ومصادرة المطبعة وتوقفت جريدة كفاح الشعب عن الصدور... / مستل من زينة الميالي، التحقيقات، ص. 172، مصدر سابق. علماُ بأن الجريدة المذكورة كانت أول جريدة سرية في العراق المعاصر.
44 - من مقدمة الدكتور إسامة الدوري لكتاب، د. سيف عدنان القيسي ، الحزب الشيوعي العراقي من إعدام فهد
حتى ثورة 14 تموز 1958، ص.10، دار الحصاد، دمشق،2012. وهي رسالة اكاديمية.
45- د. عادل البلداوي،لقاء الاضداد، ص. 122، مصدر سابق.
46 - المصدر السابق، ص. 123.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الهدف وراء الضربة الإسرائيلية المحدودة في إيران؟|#عاجل


.. مصادر: إسرائيل أخطرت أميركا بالرد على إيران قبلها بثلاثة أيا




.. قبيل الضربة على إيران إسرائيل تستهدف كتيبة الرادارات بجنوب س


.. لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟




.. هل وصلت رسالة إسرائيل بأنها قادرة على استهداف الداخل الإيران