الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
طوبَى لصُنّاع السلام
فاطمة ناعوت
2017 / 5 / 1العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
===========
“فكأنما أحيا الناسَ جميعًا". تلك الكلماتُ العجيبة هي خاتمة الآية 32 من سورة “المائدة”. وكلّما تأملتُ الآية الكريمة؛ أصابني الذهولُ، فرحًا، وخوفًا!
مَن ذا بوسعه أن يمنح الحياةَ لكائن حي، مهما كان ضئيلا ولو كان نملةً أو بعوضة أو وحيد خلية، فضلا عن أن يمنح الحياةَ لإنسان، أعظم الخلق وأرقاه، فضلا عن أن يُحيي الناس جميعَهم؟! مَن يمنحُ الحياةَ إلا اللهُ تعالى، الخالقُ واهبُ الحياة؟ هل يمتلكُ إنسانٌ تلك المَلَكة الربوبية؟! حاشا لله، بل نعم. إنه مَن أسعده زمانُه بأن يُنقذَ إنسانًا من القتل، أو يُنجّي نفسًا من الهلاك مرضًا أو جوعًا أو عطشًا، أو بردًا، أو يأسًا، أو يُتمًا، أو تيهًا، أو غيرها من مسببات الفناء والهلاك. ذاك هو الفائزُ العظيم من بين الناس. هو من أكرمه الله الأكرمُ بأن يجعله سببًا في نجاة إنسان "واحد" من الموت، فيمنحه اللهُ مجدًا هائلا يكافئ مجد إحياء الناس جميعًا. فكأنما رقّى اللهُ ذلك الإنسانَ الطيب من درجة "المخلوق" إلى درجة "الخالق"، مجازًا ورمزًا. وهو تكريمٌ عظيمٌ من الربِّ للعبد، لا تكريمَ بعده. تلك رسالةٌ عذبةٌ مُغريةٌ من الله لبني الإنسان لترغيب خليقته في مساعدة المُعوزين ونجدة الملهوفين ومساندة ذوي الحاجة من المقهورين والفقراء والمرضى والتعساء. وعلى النقيض من ذلك؛ يُعظّمُ اللهُ من هول خطيئة القتل، أو المساهمة في قتل نفس "واحدة". فيرمي اللهُ ذلك القاتلَ التعسَ بإثمَ من قتلَ الناس جميعًا. وهو هولٌ عظيم وبلاءٌ فادح؛ لا هولَ ولا بلاءَ بعده. نعوذُ بالله منه. وفي ذاك رسالةٌ مخيفةٌ من الله تعالى لبني الإنسان؛ لترغيب خليقته عن القتل وإفزاعهم من فكرة إزهاق الروح أو المساعدة في إهلاك نفسٍ أو عدم محاولة إنقاذ مُحتضر أو مستغيث ملهوف ذي حاجة. هنا يكتملُ المعنى وتكتملُ رسالةُ الله لبني الإنسان في الآية الكريمة: “مَن قتلَ نفْسًا بغير نَفْسٍ أو فَسادٍ في الأرض؛ فكأنما قَتَلَ النَّاسَ جميعًا، ومَن أَحْيَاهَا فكأنما أَحيَا النَّاسَ جَمِيعًا.” صدق الله العظيم.
هنا، بوسعنا كمسلمين، أن نفهم المعنى العميق لإحدى وصايا السيد المسيح، عليه السلام، حين قال: “طوبى لصُنّاع السلام، فإنهم أبناءُ الربِّ يُدعون". تلك كانت وصيته الأعظم للبشرية جمعاء، فوق الجبل وهو يُعلّم تلاميذه أن من صنع السلامَ وأشاعَه بين الناس، أحبَّه اللهُ، وتوّجه بإكليل البُنوة والخلافة. أي جعله خليفتَه في الأرض وابنه "الرمزي". تمامًا كما جعل القرآنُ الكريم من المخلوق خالقًا "رمزيًّا"، كأنه أحيا الناسَ جميعًا، إذا ما أحيا نفسًا واحدة، كما قالت الآيةُ الكريمة السابقة. فالبنوةُ التي يقصدها السيد المسيح، لصُنّاع السلام، هي خلافةُ الإنسان لله على الأرض، ليصنع السلام بين الناس ويشيع قيم العِمارة والمحبة. وهذا مقصدُ الله في الخلق حين أخبر ملائكته، قبل بدء الخليقة، بعزمه، تعالى، على عمارة الأرض بالحياة وخلق بني الإنسان قائلا: “إني جاعلٌ في الأرض خليفةً" البقرة 30.
وكان البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، أحدَ أرقى صُنّاع السلام في عالمنا اليوم. جاء إلى مصر، أرض السلام، في لحظة صعبة، متحدّيًّا ما حدث، ويحدث، بها من كوارث إرهابية على يد صُنّاع الشرّ من بني الإنسان. جاء مادًّا يده بالسلام كأنما يقول للعالم أجمع، لا بلسانه، بل بفعله: (هنا أرضُ سلامٍ، وستظل أرضَ سلامٍ، لأن اللهَ أراد لها أن تكون أرض سلام، فخصّها بالذكر الجميل في الإنجيل والقرآن.) جاء البابا الطيب تلبيةً لدعوة طيبة من الأزهر الشريف بزيارة مصر الطيبة المباركة، فما تأخر. جاء داعمًا مصرَ وقت تخلّى عنها كثيرون. لماذا؟ لأنه تلميذٌ بارٌّ للسيد المسيح رسول السلام للعالم، عليه وعلى أمّه البتول السلام.
وفي تتمّة هذا المقال أقدّم للبابا رسالة:
“البابا فرنسيس الأول. أيها الأبُ العظيم الذي حملتَ بين يديك للعالم رسالةَ سلام ومحبة، كما حملها من قبلك السيدُ المسيح عليه السلام للعالم أجمع. تحية السلام عليك.أشكرُك لأنك راهنتَ على مصر الطيبة أرض السلام. ولم تصدّق الوشاة بأنه أرضُ إرهاب. أشكرك لأنك راهنتَ في مصر على أمنك وسلامك بيننا، كما راهنتْ عليها من قبلك السيدةُ البتول عليها السلام، فتركتْ وراء ظهرها هيرودس وبُغضَه، ثم جاءت إلى مصرَ حاملةً فوق ذراعيها الطاهرتين وليدَها القدسيَّ لتحميه من بطش الطغاة في الأرض المجاورة. ستجدُ أيها الأبُ الكريم على أرضنا ذاتَ السلامَ والدفء اللذين وجدتهما العائلةُ المقدسة على أرضنا الشريفة، دون حماية ولا حرس شرف ولا دروع واقية. وما حاجتها لحماية عسكرية وقد ظللها الله برحمته ومحبته اللتين كانتا غيمةً من نور تتبع الأمَّ العذراء البتول وطفلها النورانيَّ والقديسّ يوسف النجار، حيثما رحلوا وارتحلوا من شمال مصر حتى جنوبها؟! رهانُك أيها الأبُ الكريم لن يخيب. لأن ما يحدث على أرضنا الطيبة من وحوش الإنس عابرٌ غير مقيم. أما الثابتُ فهو سلامُ تلك الأرض الشريفة التي ستنقّي تربتَها من آفات الشرّ والبغضاء، بإذن الله ووعي شعبها الطيب. سلام الله عليك ورحمته وبركاته.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - وهل يقتصر السلام على التوافق مع المسيحيين ؟
عبد الله اغونان
(
2017 / 5 / 1 - 13:00
)
السلام الحقيقي يجب أن يكون بين كل المواطنين المصريين
مع الاخوان الذين انقلب عليهم العسكر وأزاحهم من سلطة بالاختيار الديمقراطي وزج بهم في السجون
مع الغلابة الذين قتلهم القهر البطالة والغلاء
مع الاعلام المضللالذي يهاجم حتى الدين والأزهر
ويجب أن يكون مع الفلسطينيين المحاصرين في غزة
وكل الفلسطينيين الذين تركوا لاسرائيل تسومهم سوء العذاب
المواعظ الكنسية المسيسة للبابا لاتصنع السلام
الاستقبال الرسمي واعتلاء البابا الأزهر لايصنع سلاما حقيقيا
السلام مع الشباب والعاطلين والمفكرين المضطهدين
السلام ليس خطبا ومهرجانات ومواعظ انه
مصداقية ونقد ذاتي ومشاركة والاستماع الى صوت العقل والضمير
السلام على السلام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
2 - يا شيخة فاطمة
عبد العزيز سيد علي
(
2017 / 5 / 1 - 20:00
)
“فكأنما أحيا الناسَ جميعًا-. تلك الكلماتُ العجيبة هي خاتمة الآية 32 من سورة “المائدة”. وكلّما تأملتُ الآية الكريمة؛ أصابني الذهولُ، فرحًا، وخوفآ
في ذمتك يا شيخة فاطمة هل كان مؤلف تلك العبارة من صناع السلام ام من صناع الغزوات والحروب والسبي....الهدف من الكتابة هو التنوير وليس التضليل كشيوخ المنابر...نتمنى لك الشفاء من الخوف والذهول
3 - اية جميلة ومرعبة اخرها قطع الايادي والارجل من خلاف
مروان سعيد
(
2017 / 5 / 1 - 22:48
)
تحية لاستاذة فاطمة ناعوت وتحيتي للجميع
مِنْ أَجْلِ ذَٰ-;-لِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ-;- بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ-;- وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰ-;-لِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32) إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ-;- ذَٰ-;-لِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ-;- وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)
الاية تتحدث لبني اسرائيل وعندما قتلوا المسيح وبقتلهم هذا كانهم قتلوا الناس اجمعين
وهذا ايضا ما نقوله نحن المسيحيين باننا متنا بموت المسيح على الصليب وعندما احيي احيانا جميعا اي احيا جميع البشر
والاية المرعبة التي تليها ان جزاء من يحاربون الله ورسوله ركزي على رسوله ان يقتلوا او او او
ليه هذا العنف
يتبع
4 - طوبى لصانعي السلام ابناء الله يدعون
مروان سعيد
(
2017 / 5 / 1 - 22:59
)
هل القران يحث على السلام هذا ما يجب ان يفكر به كل مسلم
القران يشجع على القتال والكره والحروب عندما يكونون اقوياء وان يجنحوا للسلم اذا هم ضعفاء الى حين ان يقووا ويتمكنوا من نشر الدين
ويقول محمد
((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني دماءهم، وأموالهم، إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى)) رواه البخاري ومسلم.
يعني لامفر سيقاتل الناس حتى يشهدوا انه رسول الله
وين الحرية والسلام والمحبة مع هذا الدين العظيم الذي سينتشر بحد السيف وليس بالاقناع والمحبة والسلام
واخيرا اتمنى على الجميع ان يعرفوا النور الحقيقي ليتجنبوا هذه الظلمات
ومودتي للجميع
.. صحيفة هآرتس: صفعة من المستشارة القضائية لنتنياهو بشأن قانون
.. عالم الجن والسحر بين الحقيقة والكذب وعالم أزهري يوضح اذا ك
.. واحدة من أبرز العادات الدينية لديهم... لماذا يزور المسيحيون
.. مشاهد لاقتحام مستوطنين باحات المسجد الأقصى تحت حماية قوات ال
.. تجنيد اليهود المتشددين قضية -شائكة- تهدد حكومة نتانياهو