الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة وضرورة المرافقة التنويرية

خالد الصلعي

2017 / 5 / 2
الثورات والانتفاضات الجماهيرية



عفوية الجماهير أساسية وضرورية ، لكنها وحدها لا تكفي ، ملاحظة في صميم العمل الجماهيري كان كتبها احد أكبر مؤرخي الفوضى ؛دنيال كالفان . وقد سار على درب كبير الفوضويين برودون الذي كان منبهرا في البداية بعفوية الجماهير قبل ان ينتقد جمودها وبساطتها ونفاقها ، وتمجيدها اللاواعي للحكومة والسلطة ، ما جعله يؤمن بضرورة توجيه العمل الجماعي من الخارج ، عبر نخبة قادرة على استيعاب مختلف المناورات والتحولات .
كان المفكر العربي الذي ارتبطت كتاباته بالعمل الشعبي مطاع صفدي ، قبل وفاته بشهور وهو الذي انخرط من فرنسا مع كل الثورات العربية الجديدة ، يدعو الى عقلنة العمل الشعبي واشباعه بنظرات ومواقف قوية ومبتكرة ، تستند الى التراكمات التاريخية والمقارنة .
لكن للأسف ، لاحظنا أن معظم من كانوا يستثيرون الشعوب ضد حكوماتهم وحكامهم من مفكري وكتاب اليسار مجرد أبواق لامتصاص غضب الجماهير وسحب لغة المقاومة والنقد من أيديهم .حتى اولئك الاسلامويين الانتهازيين وهم يتمردون حين تمردهم على الأنظمة العربية ، كانوا يناورون من أجل غنائم تافهة .مما يتطلب من الجيل الجديد مزيدا من القراءات لشروط وادوات الثورة او الحراك الاجتماعي .
ما لفتني وأنا ابحث عن ثورة الجماهير هو موقف احد أكبر متمردي القرن التاسع عشر "ميخائيل باكونين " الذي أسس لما يسمى "ب اللاسلطوية الجمعوية " ، وشارك في عدة ثورات دولية ، سواء في بلاده روسيا أو في فرنسا وبولونيا . لكنه في النهاية وبعد صراعات فكرية وايديولوجية مع مختلف التيارات ، ومنها التيار الماركسي بفرنسا ، خلص الى ضرورة توجيه الوعي الجمعي ، الذي يبقى في كل حالاته تجمعا فوضويا تتوزعه اهواء عاطفية وأنوات فردانية ، ما منح الطرف المقابل فرصة استثمار ذلك التشتت والتوزع .
ان قدر التقسيم الاجتماعي الذي عمقته الرأسمالية تصاعديا الى مرحلة الامبريالية ، وجعلته قاعدتها الأساسية ، وهو واقع انساني وتاريخي لا يمكن نكرانه . بيد أن محاولات تصحيحه وتعديله وأنسنة المشترك الانساني سواء داخل جغرافيا واحدة او مختلفة ، خاصة ونحن نعيش مكرهين مرحلة العولمة /الهيمنة الكلية ، هذا القدر أصبح يفرز بما لا يدع شكا قطبين أساسيين ، قطب ناتئ ، تمثله قلة من الاحتكاريين والامبراليين ، وقطب شاسع وواسع تمثله القاعدة الشعبية .
وما دمنا نعيش في احدى البلدان النموذجية لهذا التقسيم الطبقي التشققي ، فان تصاعد وتيرة ونسبة الاحتجاجات الشعبية لابد وأن يدفعنا الى تأملها وتفكرها والدفع بها الى مستويات متقدمة في نيل مطالبها وتحقيق أهدافها .
وهنا لابد من الاقرار ان المعارك الفكرية ومهما تقلص دورها ، او أريد لها ان تتوارى للاستفراد بفوضوية الجماهير وسحقها على أسس قانونية وشرعية ، في انفلاتاتها وتجاوزاتها ، تبقى هذه المعارك هي الأضواء المسلطة على ساحة الفعل والحركة . وما محاولة تهميشها وضربها ، الا تعبير صريح عن ارادة اطفاء تلك الأنوار . وقد أذعن الكثير من المثقفين لهذه اللعبة الوسخة وتراجعوا الى ادوار عكس ما تفرضه صفتهم ومواقعهم .
أي ثورة لا يقودها وعي مرن متوثب ، مآلها الى الفشل ، والثوري لا يثور من أجل الثورة ، بل يثور من أجل قضايا انسانية وجوهرية . ان ثورته ما لم ترتبط بما هو وجودي ومصيري ، تبقى ثورة ناقصة وقاصرة . وكلما كانت الثورة نابعة مما هو انساني وكينوني ، فانها على الأقل تشكل لبنة صلبة وقوية في مسار الثورة الانسانية . وساذج من يعتقد اليوم ان حركته هي حركة محلية ، فهو لا يقرأ التاريخ وخارج التاريخ . نحن اليوم شئنا ام أبينا صرنا ذوات أممية وكونية ، وكل فعل أو رد فعل منظورا اليه من خارج هذه الزاوية يظل عاجزا عن فهم وظيفته ولحظته واهدافه .
لابد اذن من النظر قريبا وبعيدا . قريبا من تطهير أي حراك او ثورة من الطفيليات المدسوسة ، والنزعات الفردية المفرطة .وبعيدا في محاولة تدويلها واشراك الأحرار العالميين في اذكائها ودعمها اعلاميا وديبلوماسيا وسياسيا ولوجيستيكيا . قريبا ، وكما رأى المفكر مطاع صفدي لابد من الحذر مما "ابْتليت به بوادرُ الثورات الربيعية هو استبدال جماهيرها العفوية الكبرى بالعُصابيات الإرهابية" . وأضيف من موقع المشارك لابد من الانتباه والحذر من المناضلين المزيفين . ففي الحراك الطنجي وكرأي شاهد ، فان معظم من كان يقود الحراك ويرفع الشعارت ويستحوذ على الساحة ، كانوا مخبرين . وهذا هو المأزق الكبير والضخم الذي يهدد أي ثورة او حراك جماهيري .
فنحن لو حاولنا الاستشهاد بأدوار المثقف عموما ومسؤولياته ، فلن تسفعنا الأيام في ذكرها ، كما اننا لو عمدنا الى تدوين أسماء المثقفين الذين خانوا كتاباتهم وأفكارهم فان الزمن لن يسعفنا ، وحسبنا أن نقوم باثبات الراجح والنافع . فدور المثقف لن يخبو ، قد يتراجع ، لكنه يظل دائما هو القائد والممسك بزمام المبادرة وان على خطى باكونين ، اللاسلطوية الجمعوية . لكن الدور العملي والعضوي يبقى للفئة الميدانية التي تشعل جذوة المطالب العادلة ، ويبقى دور المثقف هو تشسيع مديات تمدد وهج الثورة أو الحراك والتحذير من جميع أشكال الاخماد والأفول .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام


.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ




.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا