الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار: دردشة عابرة

جودت شاكر محمود
()

2017 / 5 / 2
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


بعد دعوة الصديق الكاتب اليساري (رزكار عقراوي) لقوى اليسار للتحاور وتوحيد الجهود لمواجهة الوضع المأساوي الذي يمر به العراق. جاءت بعض الردود الايجابية حول ذلك، والتي تكللت بعقد لقاء بين بعض الأطراف ذات العلاقة. وقد كانت هناك بعض التعليقات من المتابعين على قنوات التواصل الاجتماعي كانت حافزا لي على الكتابة بعد غياب طويل.
الكثيرون تسألوا من هي قوى اليسار.؟ وما هو وضع هذه القوى اليوم؟
وللإجابة على هذه الأسئلة وبإيجاز بمقالة لا تأخذ الكثير من وقت القارئ. لكوننا نعيش عصر التغيرات السريعة في الأحداث والأفكار والمواقف. نقول أن(اليسار، اليمين) مصطلحات سياسية تم صياغتها خلال الثورة الفرنسية في الأعوام(1789-1799)، هذه المصطلحات هي إشارة إلى أماكن جلوس ممثلي الشعب: فأولئك الذين جلسوا على اليسار عموما هم المعارضين للملكية والداعمين للثورة، بما في ذلك الدعوة لإنشاء الجمهورية والعلمانية، في حين أن أولئك الذين جلسوا على اليمين كانوا هم الداعمين للمؤسسات التقليدية من النظام القديم.
وقد أصبح استخدام مصطلح "اليسار" أكثر بروزا بعد استعادة الملكية للسلطة في فرنسا عام (1815) عندها تم تطبيقه على "المستقلين". وفي العموم فأن مصطلح اليسار صار يطلق على أولئك الذين كانوا غير تقليديين في وجهات نظرهم الدينية أو السياسية.
وقد تم تطبيق هذا المصطلح لاحقا على عدد من الحركات، وخاصة الجمهوريين خلال الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر، ومن ثم على الاشتراكيين، والشيوعيين، والفوضويين، والديمقراطيين الاجتماعيين في القرنين التاسع عشر والعشرين. ومنذ ذلك الحين، تم تطبيق مصطلح اليسار على مجموعة واسعة من الحركات بما في ذلك حركات الحقوق المدنية والحركات النسوية والحركات المناهضة للحرب والحركات البيئية فضلا عن مجموعة واسعة من الحركات والتجمعات. كما يمكن أن يشير مصطلح اليسار أيضا إلى "الجزء الراديكالي أو الإصلاحي أو الاشتراكي في الحزب أو في النظام السياسي".
تدعم السياسة اليسارية المساواة والعدالة الاجتماعية، وفي كثير من الأحيان كانت هذه القوى في مواجهة الهرمية الاجتماعية وعدم المساواة الاجتماعية. وعادة ما ينطوي ذلك على القلق بالنسبة لأولئك الذين يعتبرون أتباعهم محرومون مقارنة بغيرهم في المجتمع، إضافة إلى الاعتقاد بوجود تفاوتات غير مبررة يجب تخفيضها أو إلغائها( بالدعوة إلى العدالة الاجتماعية).
ووفقا لباري كلارك(Barry Clark)، "اليسار يدعو إلى أن التنمية البشرية تزدهر عندما ينخرط الأفراد في علاقات تعاونية، مبنية على الاحترام المتبادل، والتي لا يمكن لها من أن تزدهر إلا عندما يتم القضاء على الاختلافات المفرطة في المنزلة، والسلطة، والثروة".
وقد أكد كلا من كارل ماركس(Karl Marx) وفريدريك إنجلز(Friedrich Engels)، في البيان الشيوعي الذي نشر في عام(1848)، على أن كل تاريخ البشرية هو تاريخ للصراع الطبقي. وتوقعوا أن الثورة البروليتارية ستطرح في نهاية المطاف الرأسمالية البرجوازية وتخلق مجتمعا شيوعيا بلا طبقات. وبذلك أصبحت الشيوعية قوة يسارية تنافس الجمهوريين والراديكاليين والاشتراكيين كقوة داخل اليسار.
هل نحن في العراق بحاجة إلى قوة سياسية جديدة، قد يتساءل البعض؟ ولكن، بالفعل المشهد السياسي لدينا مزدحم. فلماذا نحتاج قوى آخري جديدة. ولماذا هذا التشظي والتعدد في المحاور ضمن مجال الفكر الواحد؟ وهل يمكننا القول أن الحركات والأحزاب اليسارية اليوم تواجه أزمة وجودية. أم أن هناك زعامات تبحث عن السلطة والقيادة؟
اليسار وعلى مدى التاريخ لم يفهم أنه يمتلك ثقافة وروح وعقلية القبيلة، بحيث أصبحت المعتقدات السياسية تعادل المعتقد أو المبدأ الديني. والتي هي سياسة العقيدة المغلقة في التفكير، والتشبث بالحطام بينما التغير هو السمة في جميع أنحاء العالم. القوى اليسارية بالرغم من ادعائها العلمية، وأنها ممثلة للفكر العلمي، وأن العلم هو المركزية في التغيير والتطور إلا أن هذه القوى لم تتغير أو لم تسعى لتطوير أفكارها ولم تتبنى التفكير العلمي في دراستها للواقع، وبدلا من ذلك تتشبث باليقين وبما تراه حقائق أبدية كامنة في نصوص تجاوزها العلم اليوم، مثلما تجاوزتها الأحداث. وهي هنا لا تختلف بشيء عن القوى الإسلامية التي تعيش في عالم النصوص التي لا تصمد أمام الواقع.
يقول ماركس: أن الفلاسفة لم يفعلوا غير أن فسروا العالم بطرق مختلفة ولكن المهم هو تغييره. وهذه دعوة صريحة لنبذ التنظير والعمل على التغيير، أي تبني الفكر العملي الواقعي العلمي التجريبي لتغير هذا الواقع، والأساس في ذلك هو دراسة الواقع المعاش والموضوعي كما هو وفق المتغيرات التي تحركه، وليس تأطيره بنصوص تجاوزها العلم والتاريخ. لأن معرفة المشكلة بشكل دقيق هو بداية الوصول إلى حلول ناجعة لها، لكي يتسنى لنا حلها.
من مظاهر عالم اليوم هو الرأسمالية الصناعية غير المقيدة التي جلبت لنا تطورا رائعا في المعرفة والصحة والاتصالات والرفاهية، لكنها لن تكف عن توسعها الطائش والذي سيؤدي إلى انتحار اجتماعي جمعي. فالرأسمالية الحديثة اليوم هي مرادفة لانعدام الأمن وعدم المساواة، وهناك استياء واسع النطاق من المؤسسات السياسية والحياة السياسية في العالم وفي الغرب بشكل خاص. وقد ساهم هذا في بروز الأفكار والحركات المتطرفة. فالصورة اليوم في العالم مختلطة جدا، وغير مكتملة، مع زيادة في الشعبوية، وكراهية الأجانب أو الشخص المختلف في الفكر أو الدين أو المذهب أو الطائفة، إلى جانب سياسة العودة للهوية، أو القومية. فهناك فزع واسع النطاق في الغرب من الآخر المختلف. ونتيجة لانتصار الحركات الشعبوية اليسارية في أمريكا اللاتينية واستلام تلك الزعامات الشعبوية مقاليد السلطة في العديد من الدول، سعى اليمين الغربي لتقليد تلك التجارب. فالأحزاب اليمينية في أوربا وأمريكا اليوم تسعى للتراجع وراء الحدود الوطنية، واحتضان الشعبوية كقوة من أجل التغيير. وإظهار نشوتها في التعبير عن الهوية القومية. هناك موجة جديدة من المعارضة للعولمة، تقودها قوى اليمين.
أما الوضع الداخلي في العراق اليوم، فحدث ولا حرج. فالعراق اليوم يرزح تحت احتلال قوى عديدة متعارضة المصالح. فهناك العديد من الدول تلعب على الساحة العراقية السياسية والاقتصادية وبمسميات عديدة، جعلت من العراق بؤرة قابلة للتفجر، وخاصة مع غياب سيطرة الدولة، وظهور التنظيمات المتطرفة الإسلاموية، وانتشار السلاح بيد الناس، مع بروز قوى مسلحة ممولة من العديد من الدول. كل ذلك إلى جانب الفساد وغياب العدالة الاجتماعية والدستورية، جعل العراق على فوهة بركان، قد تؤدي في لحظة ما إلى حروب أهلية لا يحمد عقباها.
هذه اللحظات التاريخية التي نعيشها اليوم حاسمة حول بلورة ماهية المستقبل الذي نصبو إليه، وما هو السبيل للوصول إلى ذلك، فالواقع أن الحالة التي يمر بها العراق أكثر تعقيدا مما تنطوي عليه بعض التصريحات والتحليلات الأكاديمية.
من هنا، ربما حان الوقت لليسار من تشكيل هيئة تنظيمية منظمة لضمان توحيد مسار العمل المشترك للنهوض بقوى الشعب المختلفة. فهناك حاجة مفصلية لتحقيق الهدف المشترك، من خلال التجمع حول مجموعة من القيم والممارسات المشتركة في العمل والتعبير.
إن عصر الاشتراكية والديمقراطية الاجتماعية كما نعرفها بشكلها الكلاسيكي قد انتهى. فهناك حاجة إلى نوع جديد من اللغة والمصطلحات المتعلقة بالطبقة، والوضع، والاستغلال، والصراع، والثورة، والاشتراكية، أنها الآن ليست سوى مجموعة من القوالب النمطية. كلنا نتحدث عن مفاهيم غامضة ليس لها وجود في عالم اليوم مثل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة، وكلنا يعلم بأنها ليست سوى مصطلحات على الشفاه أو على الورق وليس لها واقع مادي ملموس. والدليل هو ما يحدث في الدورات الانتخابية في دول تعتبر نفسها هي الممثلة للعالم الحر والأنموذج للديمقراطية. فكيف بنا نحن.
ونظرا لوفاة الأيديولوجية وتزامن ذلك مع انتصار الليبرالية الجديدة، فإننا بحاجة في العودة إلى لوحة الرسم من أجل إعادة اختراع السياسة، واللغة السياسية، ومن نقطة الصفر. فالسياسة في الوقت الحالي تعاني من ارتباك كبير بشأن تفسيرها للأحداث المتسارعة نتيجة لغياب الاستراتيجيات المعرفية والتفكير الجدلي.
إلى جانب ذلك هناك الكثير من قوى اليسار لا تزال تدعو لبناء الشيوعية في حين أصبحت الاشتراكية في بلدانها شيئا من الماضي مع غياب كل الأسس والمرتكزات الاقتصادية والفكرية والاجتماعية التي تمهد لبناء تلك الاشتراكيات.
كما أن قيادات هذا اليسار من الناس الذين لم يغيروا الكثير من الآراء الأساسية في السنوات الأربعين الماضية حيث أن العالم قد اتسم بالتغيرات والتشنجات والاضطرابات الضخمة. ولكن، على مدى السنوات الماضية، كان يساريون يناقشون التضاريس المتحركة للسياسة الطبقية وفق مفاهيم القطب الواحد وما على الجميع سوى الخضوع والتطبيق. حيث كانت موسكو تحرر أو تنتج الفكر والخيارات السياسية وعلى الآخرين التطبيق ولالتزام بها حتى لو كانت تتناقض مع الواقع القطري لتلك الأحزاب. ولكن، مع غياب المرجعية العالمية(الاتحاد السوفيتي أو المعسكر الاشتراكي السابق) ارتمى الكثير من تلك التجمعات في أحضان الغرب الرأسمالي، لنكن واقعيين هناك بعض من يحسب على اليسار أو القوى التقدمية ولكن سياساته تصب في مصلحة القوى الرجعية المتخلفة والغرب الرأسمالي، أن لم يكن مرتبط تنظيميا أو تمويليا بتلك القوى، وهذه حقيقة لا يمكن التغاضي عنها أو نكرانها.
كما لا يغيب عن فكرنا وجود فئات زئبقية، تستطيع وبسهولة من تحويل ولائها من اليسار إلى اليمين. فكثيرا ما رفع اليمين والأحزاب المتأسلمة المتحالفة مع الرأسمالية الأفكار اليسارية والثورية لتحقيق سياساتها في عالمنا العربي وفي اغلب تلك الأحداث كان موقف بعض من قوى اليسار العربي هو التأييد، أن لم يكن في بعض المرات التحالف مها. كما لا ننكر بأن هناك بعض المواقف الرافضة لكل ذلك، فما حدث في العراق بعد(2003) وفي مصر وسوريا، يظهر تخبط قوى اليسار العربي وتعارضها، وعدم مواكبتها للشارع الجماهيري، مع اختلاف مواقفها اتجاه ما يحدث والذي يصل إلى حد التعارض التام. علما بأن كل مواقف التأييد والتحالف تلك كثيرا ما أعطت مشروعية لدعاوي هذه القوى بحيث أدى إلى التفاف الجماهير حولها، وخاصة فئات الشعب الفقيرة وذات التعليم المنخفض. إلى جانب فشل قوى اليسار والحركات القومية طوال تلك الفترة في قيادة الجماهير وانجاز مشروعها الإنساني، ولجوءها إلى التناحر والصراع بدلا من التعاون أو حتى أنها لم تلجأ إلى التنافس على قيادة الجماهير وتحقيق مشروعاتها، وإنما كان الاحتراب والإقصاء ديدنها.
اليوم كثيرا ما تبدو الأحزاب والقوى اليسارية والتقدمية عتيقة أو زائدة عن الحاجة، وأفكارها طوبائية، وأهدافه غير معروفة. وقوى هذا اليسار مهمشة ومجزئة وغير قادرة على توحد. لذا علينا أن نفهم أن قوى اليسار ليست مجموعة من القبائل المتناحرة. والشعب العراقي حاليا بلا قيادة، ومشوش، ودون توجيه، وهذا الزمن، يتسم بعدم اليقين، والسيولة في السياسة والأفكار والسلوكيات. وأن مشاكل العولمة وسقوط الدولة الوطنية والقومية هي أبعد من أن تلم بها أفكار اليسار القديمة، ولا هناك كيفية لمعالجتها في بيئة معرفية راكدة أو كيفية إعادة صياغة فهمنا لها. فالجماهير تريد حلول فورية وفعالة لمشكلاتها. لكون نمط الحياة الحالي يتميز بالسرعة في إحداث التغييرات. لهذه الجماهير اليوم تعجز على الصبر والانتظار لفترات طويلة.
وأخيرا: في الماضي كان ظاهرة إدمان الجماهير على الثقافة والنضال اليومي للكفاح ضد الامبريالية وقوى التخلف، في حين اليوم هذه الجماهير قد أدمنت المخدرات بكافة أنواعها من كيميائية وحتى إدمان التقنيات التكنولوجية. فالجماهير اليوم تعيش في عالم من الخيال الافتراضي ساعية إلى الدعة غير آبهة بما يحدث حولها، مما أدى إلى بروز السلوكيات الأنانية، ولامبالاة، والسعي للربح الحرام. وحتى لو تحركت فتحركاتها آنية وقصيرة لا تمتلك القدرة على الاستمرارية والإصرار على المواقف ومواصلة النضال أو المطالبة المشروعة بحقوقها، حتى أن الآخر عرف ذلك ولم يبدي أي اهتمام بمطالب تلك الجماهير وقد وصفها بالفقاعة التي سوف تزول وبسرعة.
ولكن، يبقى السؤال الذي يجب أن تجيب عليه قيادات اليسار وهو:
أين اليسار اليوم على الساحة العراقية، والعربية، والإقليمية، والعالمية. لان الهجمة عامة ولا تقتصر على مجتمع بعينه. والطوفان يكتسح الجميع؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل