الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التَقَيّةُ الفلسفية عند كانط ..

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2017 / 5 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


" إنّ ديناً يُعلن الحرب على العقل من دون تفكر فى العواقب ، سوف لن يتمكن مع طول المدة من الصمود أمامه "
الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط (1724 - 1804)

عندما ألّفَ " كانط " كتابه "الدين في حدود مجرد العقل" كانت سطوة الكنيسة الكاثوليكية في أوج عنفوانها وشراستها ، وكانت تلاحق العقول والضمائر و التفكير ، الذين اضلّهم الشيطان السبيل عن طريق الحق، وشردوا كالخراف الضالة عن باحة المحبة والملكوت (حسب التعبير الديني ) ..
ولكن بعد أن نشر كانط كتابه الهام هذا في خضم هذا الرعب والملاحقة و التتضيق على المعرفة الفلسفية ، وصل الخبر إلى بلاط الملك فريدريك الثاني فأرسل وزيره رسالة إلى الفيلسوف المشهور ، يطلب منه فيها تبريراً لكتابة هكذا كتاب شرير ، وذلك لما لاحظه من تشويه و إحتقار للدين وثوابته حسب زعمه..
قال فيها : لقد لاحظ سموُّنا منذ زمن بمرارة وضجر ، الطريقة التي وفقَها أسرَفتم بفلسفتكم في تشويه و إحتقار الثوابت الأساسية والرسمية للكتب المقدسة و للمسيحية ، وبخاصة في كتابكم " الدين في حدود مجرد العقل " وعليه فإننا نلزمكم بضرورة تقديم تبرير فعلكم هذا ، وإن لم تفعلوا ، فينبغي أن تنتظروا منا ما لا يعجبكم ..
وتحت هذا التهديد الصريح في مضمون الخطاب ، اضطر كانط بالطبع ، للرد برسالة لا تخلو من فطنة مراوغة وحنكة ، قال فيها : إنني بوصفي مربياً للشباب ومن خلال إعطائي لدروس الفلسفة في الاكاديمية، لم أتعرّض قط للكتب الدينية المقدسة ولا للمسيحية ، وانني لم أشكك أبداً في الدين الرسمي للدولة ، وإن كتابي "الدين في حدود مجرد العقل" هو كتاب بالنسبة للعموم من الناس العاديين ، كتابٌ صعبٌ و غير مفهوم ومستغلق على أفهامهم ، و هو مُجرّد نقاش بين النخبة من علماء الكلية المتخصصين لا أكثر ولا أقل ، و لا تُعيره العامة أية اهتمام ولا توليه الناس أية أهمية أو قيمة ..
بهذه العبارات الذكية تخلّص كانط من تهديد السلطة ونجا من عقوبة سطوتها ، ولكن للأسف فوجئ أيضا بأن أولئك النخبة من العلماء في الكلية والزملاء المتخصصين والذين دفع بهم حجته أمام مساءلة الكنيسة والسلطات ، قد رفعوا عليه دعوى في الأكاديمية ، واحتجوا على كتابه وعبروا عن استيائهم منه ، فما كان أمام الفيلسوف من بدٍّ سوى استخدام المكر مرة أخرى ولكن معكوساً هذه المرة ، وقام بالرد عليهم بتبرير قال فيه : أن هذا الكتاب ليس لكم أيها السادة أو لأفهامكم العالية أو للنخبة وإنما هو كتابٌ سهلٌ ، موجهٌ للعامة والدهماء ، وهو بسيط للغاية وواضح جداً ، ويستطيع حتى الأطفال فهمه ..
طبعاً ، من خلال هاتين الإجابتين المتناقضتين، نستطيع أن نستدل عن مدى الإحراج والحذر الشديد للعالم أو المُفكر النقدي حين يجرؤ على أن يفكر بحرية أو يدعوه عقله الحر للاقتراب من المحظور ونقد السائد أو المُسَلّم به في المجتمع .
كما يمكن أن ندرك حال التقيّة والمُراوغة الفطنة الذي كان عليه الفيلسوف كانط ، أثناء توخيه لخطرين أساسيين :
أولهما : اجتناب سيف الرقابة والسلطة من قبل الحكم ، والسيف الأخطر هو المجتمع والناس الذين يعيشون حوله ، وقد يكونون الجدار الأقسى في منع وصوله إلى أية حقيقة أو إبداع ..
وثانيهما : إلتزامه بالوفاء لمنهجه الفلسفي النقدي (نقد العقل الكلي ونقد العقل المحض)
وأخيراً وليس آخراً : من يدري ..، لربما ساهمت تلك الضغوط في خلق أسباب وجيهة لدى "كانط" دفعته إلى إطلاق تسميته الغريبة نوعاً ما على كتابه " الدين في حدود مجرد العقل " .. المترجم للعربية من قبل د.فتحي المسكيني .. و قد نتحدث عن هذا الكتاب في مقالات لاحقة و بتفصيل أكثر إفادة ، لنبين مدى أهميته وأثره على الفكر الإنساني بعامة ..
وللحديث بقية ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سوناك: المملكة المتحدة أكبر قوة عسكرية في أوروبا وثاني أكبر


.. أردوغان يزور العراق في أول زيارة بعد أكثر من 12 عاما




.. أبو عبيدة: بعد 200 يوم من معركة طوفان الأقصى لا يزال العدو ا


.. سياق | تصاعد الاشتباكات في ميانمار بين المتمردين والجيش




.. شاهد | كلمة الناطق العسكري باسم كتائب القسام أبو عبيدة في ال