الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة التونسية بين زيف الجمهورية وأوهام الدّيمقراطية

الأسعد بنرحومة

2017 / 5 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


بدأت حكاية " الدّولة الحديثة " مع النظام الجمهوري منذ بداية العهد البورقيبي بعد لعبة المفاوضات وخديعة الاستقلال التي استمرّت حتّى انقلاب زين العابدين بن علي الذي اعتبره كثيرون عهد الجمهورية الثانية وعظّموا تلك الحركة معتبرين ايّاها انقلابا أبيض متنكّرين لمن اعتبروه زعيم الأمّة والمجاهد الأكبر فتركوه يُدفن بالحياة على يد جلّاده بن علي ...
ثمّ جاءت أحداث 2011 وجاءت معها عناوين " الكرامة" و" الحريّة " و" الدّيمقراطية " وهي في الحقيقة نفس تلك الاسطوانة الكئيبة التي تتردّد طيلة عقود طويلة حتّى صارت توقع في نفس سامعها كآبة وبؤسا يعادل كآبة وبؤس هذه الشعارات , ولا يقلّ عن كآبة وبؤس أصحابها . وطيلة أكثر من ستّين عاما بما في ذلك سنون " الربيع العربي " لم تستطع هذه " الدولة الحديثة " عن اثبات استقلالها وسيادتها ولا خروجها عن سلطة الغازي المستعمر . فعلى مدى أكثر من ستّين عاما لم تستطع هذه " الجمهوريّة " , ولم تتمكّن " الدّيمقراطية " من اثبات سيادة الدولة الحديثة على ثرواتها الطّبيعية التّي ظلّت عرضة للنهب الى اليوم من شركات استعمارية ووفق اتفاقيات ومعاهدات تجاوزها الزمن لكن لم يتجاوزها الاستعمار ولا عمالة الحكّام . ولا هي استطاعت بناء تعليم منتج مثمر يحقق للبلاد اكتفاءها ويخلّصها من التبعية المهينة والهزيمة المستمرّة . ولا تمكنّت هذه " الجمهورية " وربيبتها " الدّيمقراطية " من اخراج الشعب من بوتقة التهميش والفقر وضنك العيش , بل انّ هذه " الدّولة الحديثة التي يتغنّون بها فشلت فشلا ذريعا في اثبات هويّة لها أو حضارة تميّزها حتّى أضحت منبتّة انبتات أصحابها وأبواقها التّي لم تعد تسمع منها الا فحيحا وغوغاء لا يقدّم الا السراب وراءه سراب ومن فوقه سراب . وكلّ ما أنتجته كامل هذه الفترة لا يعدو الا أن يكون تخديرا للجماهير وخمرا معتّقة يشرّبونها للشعوب , ووعودا كاذبة هي نفسها تتكرّر منذ الخطاب الأول لسيادة الزعيم المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة , زعيم الكذب والعمالة , ومجاهد تفليس البلاد وتفقير الشعوب لصالح حبيب القلب مونداس فرونس أو ديغول وكلّ من تمثّلهما من السيّد الفرنسي.
أمّا بعد 2011, فصورة " الجمهورية الثالثة " كما يحبّ البعض وصفها لم تتغيّر , وظلّت عنوانا للفشل الذّريع والتبعيّة المذلّة , بل زادت سوءا وبؤسا عن سابقتها , فمن التّخاذل والتآمر المفضوح الذي انطلق مع الأيام الأولى بعد رحيل بن علي ومع عهد فؤاد المنزّع والباجي قايد السبسي , الى تآمر حكومات ما بعد انتخابات أكتوبر 2011 وتواطئها مع باقي مكوّنات الطيف السياسي والنقابي والتخاذل في كشف ملفّات كثيرا ما أرهقت الناس وأتعبهم ,كملفّات الفوضى والعنف والارهاب رغم القدرة على فعل ذلك , وبسبب هذا التآمر والتواطئ رحلت حكومات وجاء جبهات ثمّ اعتصامات ثم حكومات تكنوقراط ومسرحيّات كمسرحية الحوار الوطني ثمّ مسرحية وثيقة قرطاج ومسرحية حكومة الوحدة , وأصبح تعاقب الحكومات يأتي على شاكلة الناسخ والمنسوخ , وكلّ حكومة ليس لها من مشاريع الا الوعود الكاذبة , وليس لها من هدف الا السير شوطا في تنفيذ برامج المستعمر واملاءات مؤسساته الاستعمارية . وبين هذا وذاك كانت خطوات تجديد الاستعمار , وتجديد خيوطه المتحكّمة في البلاد وشعبها سياسيا واقتصاديا وثقافيا وعسكريا وأمنيا , فكانت مذكّرات التفاهم مع أميركا , والحوار الاستراتيجي معها أيضا , وصفقات السلع الفاسدة والأسلحة منتهية الصلوحيّة وغيرها .
ومع " الجمهورية الثالثة " و ّ ديمقراطية " النكد والشقاء أصبحت عناوين مثل " الحرب على الارهاب " و مثل " حريّة الرأي " و " الحرية الشخصية " ليست الا بابا للحرب على الدّين وعلى القيمة وعلى الأخلاق , وهدما للأسرة وللعلاقات , وقتلا للعقل وللجسم , ووأدا للانسان , وذلك من خلال الاستهزاء بالدّين وبالعقيدة , واستبعاد كلّ فكر أو ثقافة من الاسلام , وفي مقابل ذلك نشر الفاحشة والرذيلة بين المسلمين , ونشر كلّ ما يساعد على الافساد وهتك الأعراض , فكانت اباحة المخدّرات , بل صارت المخدّرات مادة للمدح والتغنّي داخل قبة البرلمان يتغنى بها بعض النواب ,فيعدّدون محاسنها , وكان رفع التحفّظات على اتفاقية سيداو واباحة العلاقة الجنسية الحرّة ,وأصبح الدّفاع عن التعرّي والشذوذ والجنس أعمالا بطولية , والدفاع عن الشرف وقضايا الشرف تخلفا واستفزازا , وصار أكثر شبابنا وبناتنا مدمني مخدّرات , وجلّهم من التلاميذ والطلبة , والمخدرات تحتاج للأموال لشرائها ,فارتفعت الجريمة , وكثر الاغتصاب حتى صار سلوكا يوميا , وصار ابتزاز البنات والفتيات جنسيا أمرا معهودا لتوفير ثمن جرعة أو كمية ... وأصبحت المساحات الاعلامية على القنوات الفضائية برامج خصبة لنشر الدّعارة والفحش والفاحشة والجنس والقمار تحت عناوين رخيصة تساوي رخص أصحابها .
وفي مقابل ذلك صارت الدولة , في ظل الجمهورية , وتحت شعار الديمقراطية تتفنّن في اهمال رعاية شؤون الناس وتعطيل مصالحهم وقتل كلّ مبادرة وابداع , وصارت الدولة تبيع الأوهام للناس تحت عناوين كالمصالحة والتوافق وغيرها , وصارت الدولة وحكّامها أداة عند المستعمر يقمع بها الشعب , ويحمي بها مصالحه واستعماره , ينهب بها ثروات البلد وخيراته , ويترك للحكام الاستجداء والتسوّل لعلّه يحصل على بعض الفتات من مؤتمرات العار وقروض الخزي والذلّ .
وعندما تحدّث الباجي قايد السبسي عن الكفاءات وقال لنا في حزب نداء تونس من الكفاءات ما يسيّرون دولا , وقبلها قالها حمّادي الجبالي وعبد الفتاح مورو , لم يطل الزمان حتّى رأينا هذه الكفاءات , ورأينا حرصها على التآمر على الشعب وعلى البلاد , وتسابقها وتنافسها لبيع مؤسسات الدولة ومرافق الجماعة للمستعمر الأجنبي , كنا رأينا هذه الكفاءات وتآمرها في فنادق فرنسا وايطاليا وكندا وأميركا وبريطانبا وغيرها , وشهدنا كفاءات الدولة في نواب البرلمان وفي عمليات بيع أسرار البلاد الى الخارج , والمتاجرة بمقدّراتها وخيراتها ... رأينا هذه الكفاءات وهي تتآمر في أروقة قناة نسمة , وفي تسريبات نبيل القروي , وحافظ السبسي وقد جمعوا بين التأمر والجهل وبلادة التفكير : فمن وزيرة الطاقة التي لا تفرّق بين المال العام ومال الشعب , ووزيرة المالية التي لا شغل لها الا التباهي بشروط صندوق النقد الدولي واتحاد شغل يتفاوض مع مؤسسات استعمارية على حجم استعمار البلاد , رأينا تآمر هذه الكفاءات في مستشار وزيرة الصحة أسامة محمد المهرولا لمدح ماري لوبان تاركا رعاية شؤون القطاع , وأحد قادة المعارضة التي كثيرا ما ظهر الفلفل والطماطم في لحن القول لديه ولكنه يهرول الى فرنسا لعله يحظى بصورة مع خصم لوبان ماكرون .
رأينا أيضا هذه الكفاءات مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي صار يفتخر على الفضائيات بخضوعه لصندوق النقد الدولي فيقول "نحن من ذهبنا اليه " , وكيف لا يفعل الشاهد ذلك , وزعيمه الباجي قايد السبسي يكافئ لصوص الشعب وجلّاديه بحت عنوان " المصالحة" فصارت خطوات تنفيذها مذكّرات تآمر تُمرّر بين أعضاء الدّيوان الرئاسي ؟؟؟
الجمهورية والدّيمقراطية لم تبدع اليوم الا في أمر واحد وهو أنها جعلت لكلّ موجة من الاحتجاجات عملا ارهابيا مقصودا في المكان والتوقيت وذلك من أجل تكميم الأفواه , واسكات الجماهير بسيف " مصلحة الوطن العليا " , وصار ملفّ الارهاب سيفا مسلّطا على رقاب الشعب تستنجد به السّلطة متى رأت ضرورة ذلك , ولا يهمّها تلك الدماء التي تسفك سواء من ذلك الشرطي والبوليس أو ذلك الذي وصف بالارهابي .
اليوم وصل طريق الجمهورية الى آخره , وظهر للعيان أنه طريق مظلم قاتم أسود ,مستنقع لا يخرج منه من وقع فيه , فهو طريق يأخذ صاحبه دون رجعة ان لم يبادر الى الخروج منه . جمهورية عجزت لأكثر من ستّين عاما على تقديم الحلول , وايجاد المعالجات اللازمة والضرورية والصحيحة لجميع المشاكل ... جمهورية عجزت عن اثبات استقلالها لأنها غير مستقلة , وعن سيادتها لأنها بدون سيادة , ومعها كان عجز الحكام وعمالتهم , وفشل الطغمة السياسية التي ظلت تردّد نفس العناوين المكرّرة المملّة المبتذلّة , وهي عناوين مكرّرة مملّة مبتذلة لانها تأتي من نفس الزاوية الفاسدة , ونفس الاعوجاج وهو العناد في استبعاد الاسلام وفصله واقصائه من الحكم ومن الدولة ومن الحياة , وهو ما لا يستقيم مع الاسلام أبدا : ولا مخرج من نفق الجمهورية المظلم الا اذا وضعنا أنفسنا أمام أحد الخيارين بعيدا عن محاولات التضليل للمزج بينهما , فاما الدّيمقراطية نظام الواقعية الفاسدة , واما الاسلام نظام العدل والنور والخير ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل