الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كنيسةٌ سماوية لكل المصريين

فاطمة ناعوت

2017 / 5 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


===============

كيف ردّتِ الدولةُ المصرية على الإرهاب؟ الحقُّ أن الردَّ جاءَ حادًّا، حاسمًا، وموجعًا. سيذكرُ التاريخُ طويلا هذه الساعات الاستثنائية من صبيحة يوم السبت 29 أبريل، 2017. اليوم الذي كان بمثابة ردّ مصر الأبهر على كل مأفون تعس، فجّر كنيسةً على أرض مصر الطيبة، التي تجاورت على أرضها الكنائس والمساجد على مدى العصور، تصطفُّ حولها قلوبُ المصريين الذين لا تزيدهم الفتنُ والمحنُ إلا إيمانًا بأن نجاتنا، في وحدتنا.
أكتبُ مسودةَ هذا المقال، على المساحة البيضاء من عَلم مصر الصغير الذي أهدته لنا بناتُ الكشافة المليحات لحظة دخولنا (ستاد 30 يونيو) بالتجمع الخامس. وحين يمتلئُ قلبُ مصرَ الأبيضُ بالكلام، سأقلبُ العَلم، وأكملُ الكتابة على المساحة الصفراء في علم دولة الفاتيكان. أجلسُ في مقصورة كبار الزوار تحت وهج شمس مصر الساطعة، أتأمل وجه هذا الراهب الطيب في دثاره البيض، وهيبته التي ازدادت سموًّا حين تواضع وانحنى، قبل شهر، ليغسل أقدام فقراء اللاجئين من العرب الذين طردتهم بلادهم، محاكيًا السيد المسيح الذي انحنى وغسل أقدام تلاميذه وهو يعلّمهم درس التواضع التاريخي الأشهر. أتأملُ ذلك الراهب، البابا فرنسيس، الذي تفصلني عنه عدة أمتار، وأحار في عينيه اللتين تُشرقان بالبِشر والحب لكل البشر دون تمييز في العقيدة ولا العرق ولا اللون ولا الظرف الاجتماعي أو السياسي. تُرى ما سرّ الفرح في عينيه، رغم أحزان العالم؟ تذكّرتُ عيني الأم تريزا اللتين كانتا تنثران الفرح من حولهما، حتى وهي تحتضن أطفالَ الجزام ويتامى الفقراء. ولما سُئلت عن سر ذلك الفرح، قالت: “لأنني أمسحُ دموعًا كثيرة.” صدقت القديسةُ الطيبة. إن أردتَ أن يسكن الفرحُ قلبَك، امسحْ أحزانَ الناس وانثر في قلوبهم الفرح والسلام. وهذا بالضبط ما جاء من أجله ذلك الراهب.
البابا فرنسيس الأول، بابا الفاتيكان، في يومه الثاني بالقاهرة. جاء إلى هذه الأرض الشاسعة، ليرفع صلاته أمام 25 ألف مصريّ في مدرجات الاستاد ومئات الملايين أمام الشاشات في كل بقاع الأرض. صلاةٌ تاريخيةٌ على أرض مصر، من أجل شعب مصر، ومن أجل كل بقاع الأرض المأزومة بالإرهاب. جميعُنا، مسلمين ومسيحيين، مصريين وغير مصريين، ردّدنا خلفه آياتِ السلام ورفعنا لله نجوانا. جميعنا رفع يديه وقلبه للإله الواحد ربّ هذا الكون العظيم الذي كانت مشيئته أن نتنوّع حتى نتكامل، وأن نتباين حتى نتحابّ ونثرى ونسمو.
خلال تلك الصلاة التاريخية التي أقامها البابا الكاثوليكي على أرض مصر، قدّم البابا للعالم، ولشعب مصر، رسائل عديدة. كأنما قال دون كلمات: يا شعب مصر العظيم، جئتُ إليكم حاملاً إيماني بكم كشعب عريق واعٍ، قرر أن يتمسك بوحدته، لافظًا سهامَ الفُرقة التي تضرب خاصرته كل يوم، من أقواس أعداء الحياة. جئتُ إليكم مراهنًا على تلك الأرض الطيبة التي صنعت السلام منذ فجر الضمير الإنساني، ثم قدّمته للعالم في صورة أولى حضارات الأرض. جئتُ إليكم غير هيّاب مما أسماه المحللون: "الإرهاب”. فمثلي لا يهاب إرهاب وحوش الإنس، بل أدعو لهم بالغفران والرحمة مشفقًا عليهم من ضلال سعيهم وخروجهم عن مظلة الإنسانية. فالإنسان وُجِد على هذه الأرض ليصنع السلام ويُشيعه. قصدتُ أرض مصر عارفًا ان السلامَ يسكنها، تمامًا كما قصدتْ مصرَكم قبل ألفي عام، أمي وأمُّكم وأمُّ السلام، البتول الطاهرة، مريم العذراء، حاملةً وليدها، السيد المسيح، طفلا طاهرًا، يرافقهما القديس يوسف. ولّت العائلةُ المقدسة ظهرها لأرض الخوف والإرهاب التي يحكمها هيرودس في فلسطين، وقطعت سيرًا ألف ميل صوب أرض الحضارة والسلام والبركة، مصر. فكانت زهور البيلسان تُشقشقُ تحت قدمي مريم، وتتفجّر ينابيع الخير أينما حلّت، وأينما ارتحلت من شمال شرق مصر عند رفح، حتى قلبها في أسيوط، ثم عادوا من حيث أتوا بعدما قضوا في مصر سنين عددًا، يظلّلهم أمانُ الله وحبُّ شعبكم الكريم. فكيف أخاف على نفسي وما خافت أمي على وليدها، عليهما السلام؟! جئتُ إليكم دون درع واق يزود عني رصاص الإرهاب الذي وصموا به أرضكم، لأنني لم أصدقهم. فشعبٌ مثل شعبكم بنى تلك الحضارة العظيمة منذ فجر التاريخ الأول، مستحيلٌ أن يسمح ليد الإرهاب السوداء أن تحصد ما زرع منذ آلاف السنين. معكم، والآن، سنطلق صيحة السلام لكل العالم من أرض السلام.
لم يقل البابا فرنسيس ما سبق بالكلمات. تلك الكلمات هي الصورة القلمية التي رسمها قلمي لتلك الزيارة التاريخية التي قدّمها بابا الفاتيكان في لحظة صعبة من لحظات مصر، كأنما ليقول للعالم: لا تصدقوا الواشين، فلا إرهاب هنا في تلك الأرض المباركة، التي جئت إليها آمنًا، وخرجتُ منها بعدما أشاعت السلامَ في نفسي وقد جئتُ لأشيعَ السلام في ربوعها.
أنظرُ حولي في ستاد 30 يونيو الشاسع، ثم أهتف لمن حولي: تدرون كيف ردّت مصرُ الجبارة على الإرهابيين؟ قالت: “أنا مصرُ العظيمةُ صاحبة العشرين ألف عام من السعي الحضاري، والسبعة آلاف عام من الحضارة المدونة، قررتُ أن أردَّ على مفجري الكنائس في أرضي، بتشييد أضخم كنيسة في التاريخ هنا على أرض هذا الاستاد. لكنها كنيسة من نوع فريد. كنيسة مفتوحة سقفُها هو السماء ومساحتها بطول حضارة مصر وعرضها. كنيسة سماوية للمصريين كافة، مسلمين ومسيحيين. خرجوا من دورهم مع خيوط الفجر الأولى متوجهين صوب ساحة السلام، رافعين أكفّهم لله ربّ السلام، مُبرئين ذمتَّهم من خصوم السلام. واسلمي يا مصرُ.
--
فاطمة ناعوت
#مصر
#واجهوا_الخطر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الى الثلجي من الفيسبوك
شاكر شكور ( 2017 / 5 / 3 - 15:54 )
تقول للسيدة الكاتبة : (كانكِ كنتِ تقصدين كازينو لكل المصريين) ، الكنيسة التي تتحدث عنها السيدة الفاضلة فاطمة هي كنيسة سماوية للمصريين كافة وتقصد بها تجمع روحي سماوي موحد لعبادة الله الواحد ولا تقصد كازينو كما موجود في جنة إبليس الإباحية التي يقدم الخمر فيها ولدان كاللؤلؤ المكنون والسكارى فيها هائمين بأحضان ذوات كواعب اترابا ، فالسيدة الكاتبة انقى وأشرف من ان تفكر بهكذا كازينو وسخة لا يدخلها الا العاهرين والعاهرات ، فتمتع انت بجنتك لأنك لا تدرك معنى كنيسة سماوية ونأمل ان لا يذيب نار جنتك لثلجك المتكلس ودع الآخرين يتمتعون في كنيستهم السماوية في حضرة الله وليس في حضرة جنة ابليس ، تحياتي للجميع


2 - جعلت لي الارض مسجدا وطهورا
عبد الله اغونان ( 2017 / 5 / 3 - 17:26 )

المسيحي لايؤدي الصلاة الا في الكنيسة

أما المسلم فيمكن أن يصلي في كل مكان طاهر

أينما ادركتك الصلاة فصل

الحوار مع الاخر لايعني الانسلاخ والتبعية والتزلف والاستغلال السياسيوالتظاهر بأننا كلنا على دين ومذهب واحد فهذه مغالطة
لنا ديننا ولهم دينهم
لانعبد مايعبدون
ولايعبدون مانعبد


3 - الاخ عبد الله اغونان
مروان سعيد ( 2017 / 5 / 5 - 23:33 )
تحية للاستاذة فاطمة ناعوت وتحيتي للجميع
كلامك خاطئ عندما قلت
المسيحي لايؤدي الصلاة الا في الكنيسة
والدليل صلى البابا والمسيحيين في الملعب
ولتعرف اكثر المسيحي يصلي 24 ساعة في اليوم عندما يصحى يصلي وعندما يعمل يقدم اعماله لله وعندما يشرب وعندما ياكل ووووووووووو ان الله لايغادر عقل وقلب المسيحي فان الله في قلبه
ولكن كلامك صحيح مئة بالمئة عندما قلت لانعبد ما تعبدون لاان الاهنا غير الاهكم الاهنا يامرنا بالمحبة والسلام والاهكم يامركم بالكره والحرب وقطع الايادي والارجل والرؤس
الاهنا متواضع اما الاهكم المتكبر الاهنا الحق الاهكم الماكر ومكروا وان الله خير الماكرين
الاهنا رحمة الاهكم جزار ويحب الدماء والذبائح
عندما فجروا الكنائس بمن فيها مستندين على ايات شيطانية كثير وخاصة سورة التوبة
قاتلوا اللذين لايؤمنون بالله واليوم الاخر وووووووووومن اهل الكتاب
وليسامحهم الله ونتمنى من الباقين ان يعرفوا الاه الحقيقي
ومودتي للجميع


4 - الى الان لاتعرف من فجر الكنيستين
عبد الله اغونان ( 2017 / 5 / 6 - 15:13 )
وهناك شبهات وقبطي اتهم البابا بأنه تقلى اتصالا قبل تفجير كنسة الاسكندرية

وتقارير مخابرا ت بالضغط وتوظيف الكنيسة

لأن الكنيسة لاتتسع للوفود الرسمية الحاكمة حتى من غير المسيحيين أو لأن الكنيسة القبطية

لاتتبع البابوية الكاثوليكية اختاروا الملعب فهم يلعبون على شعب مصر

ليس المهم الصلاة المهم لمن تصلي هل لله أم ابنه أم روح القدس

الصلاة التي يستغلها حاكم جائر باطلة بلا تعتبر ذنبا كبيرا

اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد