الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سؤال الإرهاب أيضاً

عبد الحسين شعبان

2017 / 5 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


يعوّل كثيرون على هزيمة "داعش"، لأنه ضدّ الحياة والتطوّر والطبيعة البشرية ولا يمكنه الاستمرار في مواجهة متشعبة عراقياً وإقليمياً ودولياً. ولكن السؤال هل سينتهي الإرهاب؟ وماذا سيكون مصير المناطق التي سيتم تحريرها؟ وكيف ستكون إدارتها؟
وسؤال الإرهاب لا يتعلّق بالعراق وحده، فهو ظاهرة كونية زادت العولمة وانفراد جهات متنفّذة في العلاقات الدولية من خطورتها، ومن جهة أخرى ثمة أسباب داخلية أساسها عدم الاعتراف بالآخر وعدم الإقرار بالتعدّدية والتنوّع وهضم حقوق الإنسان والتمييز إزاء المجموعات الثقافية، وهذه جميعها غذّت التعصّب وأنجبت التطرّف ووليدهما الإرهاب.
وبقدر ما يتعلّق الأمر ببلادنا العربية لم ننجح حتى الآن في مواجهة الإرهاب، لأننا اختصرنا المواجهة معه إلى معركة عسكرية، وأهملنا أسبابه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والدينية والطائفية وغيرها، الأمر الذي يتطلّب أولاً وقبل كل شيء البحث في أسباب التطرّف وجذور التعصّب، والمبرّرات والذرائع والحجج التي يتم الاستناد إليها لرفض الآخر والزعم باحتكار الحقيقة وامتلاك الأفضليات. وإذا ما انتقل التطرّف من التفكير إلى الممارسة، فسيصبح إرهاباً، ومثل هذا الفعل يحتاج إلى حزمة من القوانين والإجراءات والتدابير لمنعه والحد من تأثيراته.
إذا نظرنا إلى خريطة الوطن العربي، سنرى أن الإرهاب استفحل في العراق بعد الاحتلال الأمريكي العام 2003، الذي استهدف الدولة العراقية وعمل على تفكيك مؤسساتها، ولا سيّما بعد حل الجيش وقوى الأمن الداخلي بما فيه شرطة النجدة وحرس الحدود وشرطة مكافحة الجريمة، ولا يزال مستمرّاً منذ 14 عاماً حيث توّج باحتلال "داعش" للموصل ولثلث الأراضي العراقية في 10 يونيو (حزيران) العام 2014 ولا تزال المعارك محتدمة معه، على الرغم من الخسائر التي مُني بها.
وفي ليبيا انتشر الإرهاب في العام 2011، ولا سيّما بعد التدخل العسكري الخارجي لحلف الناتو والإطاحة بنظام القذّافي حيث تشظّت مرجعية الدولة وفقّس بيض الميليشيات وطغى العنف والمنافسة على مراكز النفوذ، إضافة إلى الفساد المالي والإداري، وهو سمة ملازمة للإرهاب ووجه آخر له.
وتفشّت ظاهرة العنف على نحو غير مسبوق في سوريا، بعد أن تحوّلت حركة الاحتجاج التي بدت سلمية في 15 آذار (مارس) 2011 إلى حركة مسلّحة رمت فيها الجماعات الإرهابية من "جبهة النصرة" إلى "داعش" ثقلها الأساسي وزاد الأمر تعقيداً التداخلات الخارجية لجميع الأطراف، لدرجة أن المسألة السورية تم تدويلها ولا يزال الحل السياسي بعيداً والمأساة الإنسانية تزداد اتساعاً في ظل وجود نحو 8 مليون سوري نازح ولاجىء، إضافة إلى تدمير مدن بكاملها.
أما في اليمن فقد كان يمكن السير بالمبادرة الخليجية حتى أقصاها لكن محاولات الاستقواء الإقليمي دفعت الأمور باتجاه الحسم العسكري الذي لا يزال حتى الآن بعيد المنال وتسوء أوضاع البلاد إلى درجة مريعة منذرة بكارثة لا حدود لها. فاليمن بئر عميقة لا يُعرف لها قرار.
ومع أن تونس ومصر شهدتا تحولاً سلمياً بفعل الضغط الشعبي وعدم تدخل الجيش، وإن كان قد تدخّل في اللحظة الحاسمة بالنسبة لمصر بعد هيمنة الإخوان على مقاليد الأمور، فهما أيضاً لا يزالا يعانيان من ظاهرة الإرهاب.
إذا أخفقنا في محاربة الإرهاب فهل يمكن مراجعة مواقفنا وإعادة النظر باستراتيجياتنا وبطائفة من التدابير وحزمة من القوانين التي اتخذت في وقت سابق؟ فلم يعد الرضا عن النفس وتهوين الأمور سوى هروب إلى الأمام، كما أن تهويل الخطر باعتباره من صنع الخارج لوحده ليس مجدياً وإن كان مؤثراً، إلاّ أن العوامل الداخلية هي الأساس، ولا سيّما الفقر والبطالة والأمية وشح الحرّيات وضعف الشعور بالمواطنة.
لا زال خطابنا اليومي في مواجهة الإرهاب يعيد إنتاج نفسه، وإعادة إنتاج الذات ليست سوى التعتّق بالمواقع والمواقف وعدم رؤية الجديد، وإلاّ فإن الحرب على الإرهاب تفترض في أولى أبجدياتها أن تقترن باحترام كرامة المواطن وحقوقه الإنسانية، فلا أمن دون كرامة، وسيكون الأمن وطيداً وراسخاً مع الكرامة والحرّية، كما أن الحرّية دون الأمن ستكون مهدّدة ومبتورة، حسب معادلة عالم النفس سيغموند فرويد.
ولكي نواجه الإرهاب نحتاج إلى أرضية مشتركة وإلى حوار مجتمعي وتعاون عربي وإقليمي ودولي وإلى نقد للمعايير المزدوجة ولسياسة الكيل بمكيالين، على المستويين الداخلي والدولي، لأن الإرهاب لا يحارب بالإرهاب، مثلما العنف لا يواجه بالعنف والتعصّب بالتعصّب والتطرّف بالتطرّف والطائفية بالطائفية، ولي أن أردّد "إرهابان لا يحققان عدالة" مثلما "عنفان لا يجلبان سلاماً".
إن خطاباً واقعياً تتصالح فيه الدولة مع المجتمع كفيل بمحاصرة الإرهاب ودحره، ليس عسكرياً فحسب، بل على الصُعد الفكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والحقوقية والتربوية والنفسية، وبذلك يمكن قطع شريان حياته، سواء بمنعه من غسل عقول الشباب أو بالحيلولة دون تمويله، وتحصين المجتمعات بالحرّيات والمساواة والعدالة والشراكة والمشاركة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإنفاق العسكري العالمي يصل لأعلى مستوياته! | الأخبار


.. لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م




.. ألفارو غونزاليس يعبر عن انبهاره بالأمان بعد استعادته لمحفظته


.. إجراءات إسرائيلية استعدادا لاجتياح رفح رغم التحذيرات




.. توسيع العقوبات الأوروبية على إيران