الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفلسطيني في رواية -مصائر- ربعي المدهون

رائد الحواري

2017 / 5 / 3
الادب والفن


الفلسطيني في رواية
"مصائر"
ربعي المدهون
ما دفعني لتناول هذه الرواية أنها حصلت على جائزة البوكر العربية، وبما أن كاتبها فلسطيني، وعلي أن اتابع ما ينتج من أدب روائي في فلسطين ساهم ايضا في الميل نحو قراءة الرواية، ولا اتجاهل ما سمعته حول تناولها لموضوع "التطبيع" والتي وجدتها بريئة منه تماما كبراءة الذئب من دم يوسف، فبعد صوم عن الكتابة دام ما يزيد على الاسبوع، وجدتني من جديد اتقدم مما ينتج من ادب، وكأن هناك هاجس يقدمني من ضرورة إزالة الغباش الذي لازم الحديث عن الرواية، خاصة ما اشيع حول فكرة التطبيع والتي امست الغول الذي يجعلنا نتقرب/نحب أو نبتعد/نكره الكاتب وأعماله.
قبل الدخول إلى الرواية، اريد أن اشير إلى الحدث الذي اعتقد بأنه فهم على أنه تطبيع، المشهد يتحدث عن زيارة متحف الهولوكست والذي جاء بهذا الشكل: "بعد مصمم اتزور متحف الهولوكست زي ما قلت؟" سألني.
"رح أجرب .. بدي أشوف دير ياسين من هناك، بدي أشوف كيف الضحايا بشوفو الضحايا" ص182، فالراوي ارد أن يعرف هول المجزرة التي ارتكبها المحتل من خلال زيارة الهولوكست، التي اقترفت بحق اليهود، وعندما قال: "بدي أشوف كيف الضحايا بشوفو الضحايا" ارد القول بأني ضحية كما كان هؤلاء اليهود ضحايا في تلك المحرقة، فهو الحي وضحية، وكما يوجد هناك ضحايا فقدوا حياتهم، بينما الضحايا اليهود انتهوا بناتهاء المحرقة، أما هو فما زال يعيشها، ويتألم بسببها.
يحدثنا الراوي عن فلسطيني قبل قيام دولة الاحتلال من خلال تناوله لحارة الأرمن مدينة عكا فيقول على لسان "متري" "قولي للي امربيكي في بيته، سكان ساحة عبود ما بجوزوش بناتهم للنجليز، بكفيهم ثلاثين سنة راكبين البلد ومتشعبطين على كتافنا وامدندلين رجليهم، ناقص يركبوا نسانا كمان" ص30، بهذا الموقف يؤكد لنا الروي على موقف الفلسطيني من الاحتلال الانجليزي، فرغم أن المتحدث أرمني مسيحي إلا أنه يرفض أن يزوج الانجليزي.
وهناك موقف آخر يتحدث فيه الراوي عن موقف الأرمن من العصابات الصهيونية فيقول: "في الثامن عشر من مايو سقطت عكا بأيدي المنظمات اليهودية قتل أنتلاانيك اردكيان، شقيق مانول وعم إيفانا، في المعركة الأخيرة للدفاع عن عكا" ص31، بهذا الكلام يحسم الراوي مسألة ضياع فلسطين وكيف قاوم الفلسطيني، فهو لم يقف مكتوف الأيدي كما يشاع البعض.
يحدثنا "وليد" عن مخابرته مع أمه عندما وصل المجدل التي هجرتها مكره في عام 48، فتقول له: " بصلاة محمد سيد الأنبياء والمرسلين، إذا انت يا وليد ابني وأني إمك، تبوس حيطان الجامع، وإذا ما القيت حيط دور ع حجر وبوسه، وما تنساش تعبر ع الجامع جوه إذا بعدو موجود، وتصلي ركعتين.... يا إلهي ...كيف أصلي ركعتين أنذرهما لأمي في مسجد أصبح متحفا وحانة؟" ص 54و55، ما يحسب لهذا المشهد تناوله لعلاقة الفلسطيني بالمكان، إن كان هذا الفلسطيني عاصر النكبة أم سمع بها، فالأم و ابنها كلاهما يعيشان حالة من الألم لفقدانهما المكان، الأم بما تحمله من حنين والابن لما يحمله من عاطفة وقهر، فالمكان يأخذ مكانته كما هو الحال الإنسان عند الفلسطيني، لهذا نجده يأخذ هذه المساحة من الحديث.
الراوي يتحدث عن "جنين" الفلسطينية التي بقيت في يافا وعن زوجها "باسم" ابن بيت لحم، فيقول على لسان "جنين": "لن أرحل، إن قرر باسم الرحيل فليرحل وحده، أنا لن اترك مالي وما بنيته لمهاجرين يأتون من بلاد لهم إلى بلاد ليست لهم، يرثونني وأنا على قيد الحياة، سأجادل باسم إن جادلني، سأهجره إن هجرني، سأطلقه إن طلقني" ص100، مشهد آخر يؤكد على العلاقة الحميمة التي تربط الفلسطيني بالمكان، فها هي امرأة تفضل أن تترك زوجها إذا رفض البقاء في يافا، ورغم أنه يدعوها للذهاب إلى مكان فلسطيني أيضا، بيت لحم، لكنها تفضل يافا على أي مكان من فلسطين، فهو مصدر وجودها، وكأن الراوي بهذا المشهد أراد أن يقول أن الفلسطيني لا يستطيع أن يتجاهل المكان، ولا يستطيع أن عيش/يكون بدونه، فرغم حالة الصراع والتعقيدات التي يضعها المحتل أمامه إلا أنه يبقى متمسك به.
وهناك "محمود دهمان" الذي بقى في فلسطين بعد قيام دولة الاحتلال، وبعد حرب 67، يلتقي بعائلته في غزة لكنه يرفض الهجرة وترك فلسطين رغم هذا الأمر: "رفض. تيس محمود دهمان وقتذاك، وصلب قدميه في الأرض، بينما الطائرات في الجو تصرخ، والقذائف تصرخ، وابنته غزة على ذراعي أمها تصرخ، والناس في الشاحنة يصرخون، وموتور السيارة التي تستعد للرحيل يصرخ" ص160، اجزم بأن هذه المشاهد لم تأتي من فرغ بل لتأكيد على الاصرار الذي ابداه الفلسطيني لتمسك بوطنه، فالمكان عنده اهم من الإنسان، لهذا نجد "جنين ومحمود" يفضلان المكان على من هو أغلى من كل الموجودات، الأولى "جنين" الزوج، والثاني "محمود" الأبنة، وإذا ما أضفنا إلى ظرف الذي يعيشه "محمود وجنين" يتأكد لنا عمق الاصرار الذي ابداه الفلسطيني على تمسكه بالمكان.
اليهودي
في المقابل تم تقديم اليهودي بواقعة، كما يراه الفلسطيني، فهو سبب كل المآسي التي مر ويمر بها، هو اللعنة التي حلت عليه وعلى وطنه، فمسخته، وحولت حياته إلى جحيم، "...لكنه مات كان واحد من بين مائتين وخمسي شابا قتلتهم القوات الإسرائيلية بعد احلاها خان يونس في حرب السويس عام 1956" ص160، فالمحتل قاتل ومجرم بحق الفلسطيني، وقد استمر هذا الأمر حتى بعد أن ثبت اقدامه في الأرض، وترسخت دوله كقوة فاعلة في المنطقة، فيحدثنا عن طريقة تعامل موظفي دولة الاحتلال مع القادمين لزيارة فلسطين: "...خصصت، على ما بدا لي للتنغيص على المسافرين والتنكيد عيشهم.
سألتني جولي بستني كتير هون هبيبي؟"
"قدامنا تحقيق ثاني يعني انفستغيشن حبيبتي" ص163، يفصل لنا الراوي هذا التنغيص من خلال هذا التوضيح: "طرحت علي الشرطية من الأسئلة، ما يطرح على عشرين مسافرا اجنبيا آخر، حين أدركت أنها ملت من الأسئلة، وربما من إجاباتي" ص165، تعامل دولة الاحتلال مع الفلسطيني تكون بهذا الشكل، فهي تعامله بعدائية وعنصرية، فالعداء كان منها عندما انتزعته من وطنه، وحتى عندما يأتي بجواز سفر غربي ها هي تعامله بعين الطريقة، وكـأنها لا تريده أن يكون/موجود/حاضر.
بعد كل هذا لا بد أن يتخذ الفلسطيني موقفا من المحتل، يحدثنا الراوي عن المدن المحتلة وكيف يتم تغربها وتهويدها، "اجتاز القطار محطات "تل أبيب يونيفيرستي" وتل أبيب هغناه، من دون أن يسمع أسم "مركاز سافيدور" أو نقرأ على اليافظة/ مع أن عيني تلوثتا بكل الأسماء التي كرهتها، هغناه، شتيرن، لحي، وكل العصابات القديمة والجديدة، التي صارت عناوين بارزة لأكبر خريطة تزوير للتاريخ والجغرافيا في عصرنا الراهن" ص233، إذا ما توقفنا عن مشاعر الراوي اتجاه اليهود، فهي ناتجة عن اسباب موضوعية ومبررة، فهو تعرض للقتل وللتهجير والمعاملة غير الإنسانية من دولة الاحتلال، لهذا نجده يتخذ موقف معادي/رافض لها، بينما موقف المحتل من الفلسطيني والعداء الذي يبداه اتجاهه ليس له أي تبرير، فرغم القتل والتهجير والظلم نجد المحتل ما زال يمارس البطش والقهر، فهو يعتبر الفلسطيني عدو دون أن يكون هناك مبرر لهذا العداء.
الرجل والمرأة
يقدم لنا الراوي المرأة بشكل ملفت ومبهر، على النقيض من الرجل، الذي كان إما مستسلم لما هو كائن، أو غير معني بالتغير والصمود، فكان "جولي" أقوى من "وليد" وأكثر تمسكا بوطنها، وكانت "جنين" تتحدى المحتل بينما كان "باسم" يريد الذهاب إلى بيت لحم وترك يافا لليهود، وإذا استثنينا موقف "محمود الدهمان" (الباقي هون) يمكننا أن نجمل موقف الراوي الايجابي من المرأة.
وإذا ما أضفنا إلى "جولي وجنين" شخصية "فاطمة" المرشدة السياحية الفلسطينية التي تقاوم المحتل من خلال عملها كسائحة تبين حقيقة المكان، ما كان عليه قبل وبعد قيام دولة المحتل، والتي اشتهرت بقولها لهذه القاعدة: "بعطيهم المعلومات صحيحة ابلاش... أحسن ما يشتروا الكذب من اليهود" ص 15و16، فالمرأة كانت اهم واكثر فاعلية من الرجل، لهذا نجد "جنين" تفضل ترك زوجها على ترك يافا.
الرواية من منشورات المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، الطبعة الثانية 2015 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا