الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية -قلبي هناك- والعشق

عبدالله دعيس

2017 / 5 / 4
الادب والفن


عبدالله دعيس:
رواية "قلبي هناك" والعشق
ينتصر مهنّد صبّاح في روايته (قلبي هناك) للحبّ، فتنتهي كل حكاية عشق بخاتمة جميلة، ببيت زوجية يجمع الحبيبين، وينتصر للآجئيين فيعيدهم إلى قراهم، ولو لزيارة قصيرة يتفّيؤون أشجارها التي تتوق لدفء أنفاسهم، ويستنشقون عبق ترابها الذي لطالما حنّوا إليه وحملوا حبّه بين أضلعهم.
"قلبي هناك" تقصّ حكايات عشق: أولها، حبّ الفلسطينيّ لوطنه، وارتباطه به مهما تقاذفته دروب الهجرة والإبعاد، ثمّ عشق الفلسطينيّ، الإنسان، للمرأة وإخلاصه لها، حتّى لو كانت من غير أرضه وعلى غير دينه. فما يجمع أطراف الرواية هو الحبّ، وليس الحقد والكره، مع أنّها تتناول موضوع اقتلاع الفلسطينيّين من أرضهم وتشتيتهم في مخيمات اللجوء. لكنّ الكاتب يتناول هذا الموضوع من جانب آخر مختلف، فيجعل هؤلاء اللاجئين محبّين، يخرجون دائما من حالة اليأس والإحباط، وانسداد أفق العيش الكريم، إلى بحبوحة من الحبّ والحياة الكريمة، وإن كانت منقوصة بعيدا عن الوطن، فيبقى القلب هناك، مدفونا في قالونيا، ودير ياسين والقسطل ولفتا منتظرا عودة ميمونة بإذن الله.
رواية (قلبي هناك) هي إضافة جديدة إلى أدب النكبة، وقضيّة اللاجئين الفلسطينيّين، وهي جهد يضاف إلى ما كُتب في هذا الموضوع. ومهما كُتب عن النّكبة الفلسطينيّة وعن حياة الفلسطينيّين في الشتات، فلن توفى حقّها؛ فلكل فلسطينيّ هُجّر من أرضه حكايات وذكريات، أهمها حكاية العشق لتراب قريته، الذي تكدّس في قلبه، وانتقل مع تراث القرية وعاداتها وتميّزها وتفرّدها، إليه عبر آلاف من السنين قضاها الفلسطينيّون متّحدين مع هذه الأرض، فلو اقتلع الفلسطينيّ من أرضه، ولو سوّيت مباني القرية بالأرض، ستبقى كلّ ذرة تراب فيها تحكي قصّة، وسيبقى كلّ فرد منها يحملها في قلبه، فتراث آلاف السنين لا يمكن أن يتبدّد في لحظات اللجوء.
وتتميز هذا الرواية، أنّها تناولت موضوع لاجئي قرى القدس الذين يعيشون في مدينة القدس نفسها، فوضعهم فريد، فهم لم يبتعدوا كثيرا عن أرضهم ولكنّهم لا يستطيعون العودة إليها إلا زائرين مراقَبين من شرطة الاحتلال. وهم أيضا يعيشون في مدينتهم التي يحبونها، كما كلّ عربي ومسلم، ومع ذلك يتوقون إلى قراهم وتتعلق قلوبهم بها؛ فليس هناك ما يغني عن الوطن، والتوطين خيار غير مطروح حتّى ولو كان في مدينة القدس. وتتميز الرواية أيضا أنها تدخل في النسيج الاجتماعي لأبناء المخيّم، الذين أصبحت تجمعهم حياة اللجوء، مع أنهم من قرى مختلفة، وكذلك لحياة الأسرة اللاجئة داخل المدينة، وتكيّفها للحياة فيها مع ارتباطها الوثيق بقريتها الأمّ.
وتعرض الرواية أيضا مشكلة الشباب الذين يتخرّجون من الجامعات ولا يجدون فرص العمل، إلا كأجراء عند العدو، أو يضطرّون للهجرة بحثا عن فرصة عيش بعيدا عن الوطن، فتصبح غربتهم غربتين وألمهم ألمين. وتتناول الرواية أيضا خداع المؤسّسات الأجنبيّة، التي تسوّق نفسها كمدافعة عن حقوق الإنسان ونصرة الشعب الفلسطينيّ، وانحيازها التام للاحتلال، وتبرير أفعاله المنافية لحق الإنسان بالعيش الكريم.
وتنتهي الرواية بعودة اللاجئين الذين يعيشون في القدس لزيارة قراهم ليوم واحد. وتبدو صورتهم هناك وكأنهم هم الأصل والعدو الذي استوطن الأرض وزرع فيها عماراته وشوارعه غريب طارئ، يعلم في قرارة قلبه أنّه مغتصب، ويخشى حتّى من زيارة عابرة لصاحب الأرض لأرضه؛ فهو يرى سمرة الأرض في بدن صاحبها، وهواءها في أنفاسه، وينظر إلى نفسه فيراها غريبة لا تنتمي إلى هذه البلاد، فيثور ليبعد هذا اللاجئ الضعيف عن أرضه، وليمنح نفسه برهة أخرى من الاستيطان عليها، موقنا أنّه زائل، وأنّ هؤلاء الذين يستقلّون الحافلات ويغسلون وجوهم من عيون الماء في لفتا وصطاف، لا بدّ أنهم عائدون إليها ولو بعد حين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا