الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق وسياسات دول الجوار الأقليمي

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2017 / 5 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


العراق وسياسات دول الجوار الأقليمي


لعلي لا أبالغ حينما أقول أن لا تركيا ولا إيران ولا السعودية حصرا لها كراهية محددة أو أكيدة ضد الشعب العراق عامة، قد تكون بعض الدويلات تحمل أحقاد نتيجة شعورها بالنقص والماضي القريب وأحداثه ولا تتمنى الخير للعراق وشعبه، ولكن من المؤكد أن هذه الدور المحورية الثلاث تتصرف بأنانية في حماية مصالحها السياسية والأقتصادية الأستراتيجية ولو أدت بالضرورة الحتمية إلى إيذاء الشعب العراقي والضغط عليه، لأنها ببساطة تتعامل بطريقة سياسة مرسومة بدقة لنقل صراعاتها إلى المناطق الرخوة والهشة من حولها حين تجد أن أبن البلد مستعد لأن يكون أداة لتنفيذ المهمة على أكمل وجه من غير أن يحسب حساب للمصلحة القومية والوجود الكامل لبلده.
لقد أحتضنت إيران والسعودية وتركيا أطيافا منوعة من المعارضة السابقة للنظام الحاكم كما فعلت اليوم في المعارضة الجديدة للنظام الحالي، وسخرت كل منهما للصراع مع الأنظمة المتعاقبة التي حكمت العراق وفقا لأستراتيجياتها الخاصة، وهذا من حرصها على أمنها الوطني، العيب الأساسي يكمن في هذه المعارضات القديمة والجديدة التي ربطت مصيرها ليس بمصير العراق ومصلحته وشعبه، بل بهذه الأستراتيجيات وتعاملت معه كما يقول المثل (ملكي أكثر من الملك)، كان المؤمل والمنطقي أن تقول هذه المعارضة بكل أشكالها وألوانها ودوافعها حين وصلت إلى موقع القرار لهذه الدول، نحن اليوم قادة بلد ومسئولين عن مصيره ومستقبله نشكركم لكل دعم ولا ننسى ما قدمتموه لنا، والمطلوب اليوم أن نتعاون بالندية فأنتم دولها لها مصالح ونحن شعب ودولة لدينا مصالح ومهمات كثيره نتفق معكم بالمشتركات ونتقاطع معكم حتما بكل ما يمس أمن البلد ومصالحه البعيدة والقريبة.
لو سمعت هذه الدول وهي مؤمنة بأن الكلام جدي وصادق وله أرضية حقيقية في الواقع لما تجرأت وتجاسرت على أستقلالية البلد وقراره الحر، ولكنها حين وجدت هؤلاء مجرد أقزام ما زالوا يعانون من عقدة النقص تجاه هذه الحكومات والأنظمة لم تبالي أبدا بأن تذهب بعيدا وبعيدا جدا في فرض وصايتها وتدخلها العميق في الشأن العراقي، تحضرني هنا مقولة المرحوم جوزيف بروز تيتو حينما خاطب السوفيت في عز العلاقة الأستراتيجية بين يوغسلافيا والأتحاد السوفيتي حينما قال لهم وبالفم المليان ( لا نريد أن نكون عملاء للأتحاد السوفيتي في يوغسلافيا)، هذه المقولة التي ميزت لاحقا العلاقة بين البلدين الشيوعيين ولفترة طويلة كانت حجر الزاوية في بناء سياسة يوغسلافيا الوطنية رغم الرابط العقائدي الذي يربط بينهما، نعم نريد أن نكون عراقيين فقط وفقط دون أن نرهن مصيرنا بحكومات وأنظمة تعاني من تناقضات في صراعها مع الأخرين وأن نبني سياسة مستقلة عمادها وركنها الأساس التعاون والتشارك بما يحفظ للعراق وجوده وأستقلاله.
قد يظن البعض أني أدافع عن سياسات هذه الدول ومصالحها ولكنها كنتيجة واقع وحقيقي ولا ينكره عاقل، الدول لا يهمها من الأخرين إذا كانت حريصة على مجتمعاتها وكيانها أن تفعل كل ما يعزز هذا المبدأ ويحفظ وجوده، ولكن أيضا لا ننكر من جهة أخرى أن اللعب بنيران هذه التناقضات والمصالح ستكون على حساب مجتمعنا ودولتنا وكياننا، ما ينقص القادة العراقيون الجدد اليوم أو الذي يتهيأون لمثل ذلك مستقبلا هذا الحس الوطني المستقل، ويعود ذلك لخوفهم أولا من ضغوط قد تمارس عليهم من قبل هذه الدول وهم لا يملكون ما يدفع عنهم هذه الخشية، فقد أنجروا عميقا إلى مواقف وأحداث لم يحسبوا حساب المستقبل فيها، وأفتقارهم إلى رؤية وقاعدة وطنية جامعة وقبول مجتمعي واسع، فلجاوأ إلى التشبت بالفرعيات والفئويات لعلهم يستقوا على بعضهم في لعبة الصراعات الأقليمية ومضارها مع ضعف وهشاشة الواقع العراقي نتيجة سياسات النظام السابق، ولو حرصوا منذ البدء بطرح مشروع وطني مستقل وغير منحاز وجامع لكل العراقين لجنبوا العراق وأنفسهم هذا المنزلق الخطير واللا وطني.
إن أعتماد خطاب وطني مشارك ومشترك بين كل المكونات برؤية أكثر برغماتية لصالح العراق وشعبة تجلله روح المسئولية الأخلاقية والإنسانية قادر بحق أن ينتشل العراق من هذا الوضع المزري، ويقود لبناء دولة المواطن ويحافظ على مصلحة شعبه ومستقبله الامن، دون التفريط بعلاقات حسن الجوار والتعامل بالمثل في أطار منظومة كاملة لا تفرق بين الدول إلا بمقدار ما يخدم مصالحه ويخدم شعبه، لكننا نجد اليوم سباقا محموما بين رموز الذيليات التي جعلت من نفسها خط الصد الاول للنزاع الأقليمي وقدمت الأرض العراقية كمكان جاهز ومستوعب لهذا النزاع وسخرت مئات الألاف من شعبه وقودا له، لا يمكنها أن تتراجع بعد أن سلمت بكل شيء يفرض عليها من الخارج، ولم تعد تملك ما يؤهلها مرة أخرى للخروج بموقف وطني مشرف.
إن ما يدور اليوم في الواقع العراقي لا يمكن تسميته بسياسة وطنية ولا حتى يمكننا أن نطلق على القادة السياسين رجال دولة، إنهم حفنة من وكلاء لمخابرات الدول الإقليمية تملى عليهم المواقف في كل حين ولا يمكن لأحد أن يقول كفى أو يقول بلدي، فهم قد أنتزعوا عراقيتهم حينما رهنوا وجودهم ومصيرهم في هذا الصراع وقبلوا به وأبدوا أستعدادهم الكامل لأن ينفذوا ما يطب منهم، هذه الحفنة من السياسيين اعجز من أن تدير بلد محوري وأساسي في توازنات الحرب والسلام لو كان حرا مستقلا، ولا ننكر أيضا أن ضعفهم الشخصي وجهلهم بعلم السياسة وفنونها واحدا من أسباب النتيجة الكارثة التي أوصلونها لها، ويبقى البحث عن البديل الحقيقي هو مشكلة المشاكل العراقية وواحدة من معضلات المستقبل بعد أن تركوا كل شي في المجتمع على خراب.
ويبقى الرهان مربوطا بنتيجة الصدام المتوقع بين الجماهير الواعية وقياداتها الحقيقية وبين ما يسمى بأركان العملية السياسية الراهنة، ولا بد من التصعيد وصنع أسباب المواجهة معها وفقا لشعار العراق للعراقيين وحدهم، وأن تتوحد كافة القوى والتيارات الوطنية في جبهة عريضة فاعلة ومؤثرة في قيادة الشارع العراقي دون أن تسكرها الأنتصارات الجزئية والتي غالبا ما يتم الألتفاف عليها وتفريغها من محتواها، والعنصر الأساس يبقى محاولة عدم خلق الأعداء والزج بشعبنا في محاور التنازع وتجنيب العراق سياسات لا تهمه من قريب ولا من بعيد أعتمادا على أوهام الطائفية والعنصرية والأنخراط التام لتأهيل الإنسان العراقي مجددا ليعلم أن لا مستقبل له إلا بالعراق الواحد القوي الذي يحتضن شعبه دون عناوين وفروع ومن دون إقصاء أو تفرقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طيران الاحتلال الإسرائيلي يستهدف سيارتين في بلدة الشهابية جن


.. 11 شهيدا وعدد من الجرحى في قصف إسرائيلي استهدف سوق مخيم المغ




.. احتجاجات ضخمة في جورجيا ضد قانون -النفوذ الأجنبي- الذي يسعى


.. بصوت مدوٍّ وضوء قوي.. صاعقة تضرب مدينة شخبوط في إمارة أبوظبي




.. خارج الصندوق | مخاوف من رد إسرائيلي يستهدف مفاعل آراك