الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا الاصرار على الاشتراكية اليوم ؟

الأسعد بنرحومة

2017 / 5 / 4
ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا


رغم وجود عددا لا بأس به من الأحزاب التي تنسب نفسها للشيوعية أو الاشتراكية في البلاد , فنرى حزب العمّال الشيوعي في تونس أو الجبهة الشعبية , والحزب الشيوعي في العراق وكذلك في سوريا والسودان والكثير من المناطق , الّا أنّ السؤال الذي آن الأوان لطرحه هو مدى جدوى الاصرار لدى هذه الحركات على التمسّك بالشيوعية والاشتراكية كشعارا يدعون اليه , وخاصة بعد مضيّ أكثر من سبع وعشرين سنة من سقوط الدولة المموّلة والراعية وهي الاتحاد السفياتي منذ 1990 من القرن الماضي .
فسقوط الاتحاد السفياتي وتفكّك جمهورياته ووقوع الكثير منها تحت التبعية الأمريكية مباشرة , وتغلغل الرأسمالية داخل الحظيرة الروسية نفسها ومعها الصّين , جميع ذلك يطرح التساؤل حول جدوى الانتساب لفكرة ميتة تخلّى عنها أصحابها ومنظريها , وأثبت العقل فسادها وانحرافها ,كما أثبت الواقع المادّي عدم انطباقها عليه ...
وفساد الاشتراكية ومنها الشيوعية حسم فيه العقل والتفكير قبل الممارسة والسلوك , فالاشتراكية ومنها الشيوعية ترى أنّ الكون والانسان والحياة مادة فقط , وأنّ المادة هي أصل الأشياء , ومن تطورها صار وجود الأشياء , ولا يوجد وراء هذه المادة شيء مطلقا , وأنّ هذه المادة أزلية قديمة لم يوجدها أحد , أي أنها واجبة الوجود , ولذلك ينكرون كون الأشياء مخلوقة لخالق , فينكرون وجود الخالق , والدّين , ويعتبرون الاعتراف بوجودها خطرا على الحياة ,لذلك يعتبرون الدّين أفيون الشعب الذي يخدّرها , فلا وجود عندهم لشيء سوى المادّة ,حتّى الفكر انما هو انعكاس المادّة على الدّماغ , وعليه فالمادّة أصل الفكر وأصل كلّ شيء , ومن تطوّرها المادّي توجد الأشياء ..
فالمادية والتطوّر المادي هي عقيدة الاشتراكية ومنها الشيوعية وهي المادية الديالكتيكية عندهم , وعنها انبثقت أنظمة الحياة من خلال تنزيل الديالكتيك المادي على التاريخ وحركة الشعوب فاعتبروا أنّ أداة الانتاج هي المصوّغ الرئيسي لتطّوّر النظام لأنها المحدّد لعلاقات الانتاج , والنظام يؤخذ من انعكاس أداة الانتاج " المادّة " على الدّماغ بما أنّ الفكر هو انعكاس للمادّة على الدّماغ ...
فهل صحيح أنّ المادّة أصل الأشياء , ومن تطوّرها صارت الأشياء ؟
وهل فعلا انّ الفكر هو انعكاس للمادة على الدّماغ ؟
أمّا كون المادّة أزلية قديمة وهي أصل الأشياء , فهذا لم يعد يقول به عاقل اليوم , فانّ كلّ من له عقل يدرك من مجرّد وجود الأشياء التي يقع عليه حسّه أنّ لها خالقا خلقها ,لأنّ المشاهد فيها جميعها أنّها ناقصة وعاجزة ومحتاجة لغيرها ,فهي مخلوقة قطعا , ذلك أنّ الأشياء التي يدركها العقل هي الكون والانسان والحياة , وهذه الأشياء محدودة , لانها محتاجة لغيرها وعاجزة , فالانسان محدود لانه ينمو في كلّ شيء الى حدّ ما لا يتجاوزه ,فهو محدود . والحياة محدودة لأنّ مظهرها فردي فقط والمشاهد بالحسّ أنها تنتهي في الفرد فهي محدودة , والكون محدود لأنه مجموعة أجرام , كلّ جرم منها جزء من الكون محدود , ومجموع المحدودات محدود بداهة ,فالكون محدود , وعلى ذلك فالانسان والحياة والكون محدودة قطعا .
وحين ننظر الى المحدود نجده ليس أزليّا والا لما كان محدودا فلا بدّ أن يكون المحدود مخلوقا لغيره , وهذا الغير هو خالق الكون والانسان والحياة , وهو أي خالق الكون والانسان والحياة هو امّا أن يكون مخلوقا لغيره , أو هو خالق لنفسه , أو أزليّا واجب الوجود . أمّا أنه مخلوق لغيره فباطل لأنه يكون محدودا , وأمّا أنه خالق لنفسه فباطل أيضا لأنه يكون مخلوقا لنفسه وخالقا لنفسه في آن واحد , وهذا باطل أيضا ,فلا بدّ أن يكون الخالق أزليا واجب الوجوب وهو الله تعالى ...
فالقول بأنّ المادة أصل الأشياء يحكم العقل ببطلانه وفساده , بل انّ الدّليل العقلي ينطق بوجود الله تعالى , وما ذكرناه دليل عقلي على الايمان بالله , فالايمان بالله آتيا عن طريق العقل علاوة عن كونه موافقا للفطرة ومحدثا للطمئنينة , وكان العقل هو الركيزة التّي يقوم عليها الايمان كلّه , بخلاف الاشتراكية فهي لم تبن على العقل , ولم يقم عليها الدّليل العقلي , ولا هي موافقة للفطرة ..هذا من حيث بطلان عقيدة المادية والتطور المادي في الاشتراكية ومنها الشيوعية .
أمّا من حيث نظرتها للعقل وللفكر وللادراك , فهي أي الاشتراكية ومنها الشيوعية ترى أنّ العقل هو انعكاس على الدّماغ , لذلك هي مبنية على المادة وليس على العقل لأنها تقول أنّ المادة تسبق الفكر أي تسبق العقل , وهذا خطأ من وجهين :
الأول أنه لا يوجد انعكاس بين المادة والدماغ , فلا الدماغ ينعكس على المادة , ولا المادة تنعكس على الدماغ , لأن الانعكاس يحتاج الى وجود قابلية الانعكاس في الشيء الذي يعكس الأشياء كالمرآة , وهذا غير موجود ,لا في الدماغ ولا في الواقع المادّي, ولذلك لا يوجد انعكاس بين المادة والدماغ مطلقا .
فالمادة لا تنعكس على الدّماغ , ولا هي تنتقل اليها , بل انّ الذي ينتقل هو الاحساس بالمادة الى الدماغ بواسطة الحواس أو واحدة منها " البصر والسمع والشمّ واللمس والذوق " , ونقل الاحساس الى الدماغ بالطبع ليس انعكاسا للمادة على الدماغ , ولا هو انعكاس للدماغ على المادة , وانما فقط هو حسّ بالمادة ولا فرق في هذا الحسّ ان حدث من العين أو الأنف واللمس أو أي واحد من أنواع الاحساس لدى الانسان . اذن فالذي يحصل من الأشياء ليس انعكاسا على الدّماغ , وانّما هو حسّ بالأشياء , فالانسان يحسّ بالأشياء بواسطة حواسّه الخمس , ولا تعكس على دماغه الأشياء كما توهّمت الاشتراكية ومنها الشيوعية .
أمّا الثاني : فانّ الحسّ وحده لا يحصل منه فكر , بل الذي يحصل هو الحسّ فقط , أي الاحساس بالواقع , واحساس زائد احساس , زائد ألف احساس , يبقى احساس فقط ولا يحصل من الاحساس فكر ولا ادراك , انما يخصل احساس لا غير , وذلك أنّ الاحساس لا ينتج فكرا الا بوجود معلومات سابقة لتفسير الواقع الذي أحسّ به , فلا بدّ من المعلومات السابقة عند الانسان يفسّر بها الواقع المراد التفكير به والذي وقع الاحساس به , فلو أعطينا انسانا كتابا سريانيا ولا توجد لديه معلومات عن اللغة السريانية ونجعل حسّه يقع على الكتاب بجميع أنواع الاحساس من العين والأنف واللمس وغيرها , ونطلب من هذا الانسان تفسير ما لديه باللغة السريانية فانه لا يمكن أن يعرف كلمة واحدة ولا أن يفكّر به حتّى تعطى له المعلومات اللازمة عن السريانية, فحينئذ يبدأ يفكّر بها ويدركها فينتج فكرا . فالذي يجعل الانسان يدرك الأشياء انما هو المعلومات السابقة مع الدّماغ , ومع الواقع الذي يحسّه , لذلك كان العقل هو انتقال الحسّ بالواقع المادي الى الدّماغ مع المعلومات السابقة لتفسير ذلك الواقع .
ولو كان العقل كما جاء في الاشتراكية ومنها الشيوعية بأنه انعكاس للمادة على الدماغ , فانّ الحمار له دماغ وله العين المبصرة ومع ذلك لم يقل أحد بأنّ الحمار مفكّر ...وعلى ذلك فالقيادة الفكرية الاشتراكية ومنها الشيوعية باطلة ومخطئة وفاسدة , وهي غير مبنية على العفل ,كما أنّ معنى العفل والفكر عندها فاسد , واذا ثبت لدينا بالعقل فساد المادية والتطور المادي في أفكارها الأساسية وعقيدتها , فانّ جميع ما انبثق عن هذه القيادة الفكرية يكون فاسدا وباطلا فلا يصلح لنهضة الانسان , وهو ما جعلها لا تدوم وتنهار سريعا لأنها غير مبنية على العقل وليست موافقة للفطرة فلا تجد لها قبولا عند جموع الناس , واذا ما طُبّقت فانها تطبّق بالحديد والنّار والقمع والتضليل ...
وانهيار الشيوعية اليوم ورفضها من عامة الشعوب يجعلها مجرّد فكرة خيالية يستحيل اعادة تطبيقها مرّة أخرى - هذا ان صحّ القول بأنها تطبقت بعد ثورة 1917 - وانّه وان كان لا يرفع لواءها أحد اليوم في بلاد الدنيا من الغرب وأميركا وروسيا , فمن العبث الاستمرار في رفع شعاراتها وعناوينها في بلادنا , وفيها حضارة وقيم أعظم من أيّ فكرة أخرى في العالم لو طبّقت , وعقيدة هي وحدها العقيدة العقلية الموافقة للفطرة , وهي العقيدة الاسلامية وحضارة الاسلام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الأستاذ الأسعد المحترم
جلال البحراني ( 2017 / 5 / 4 - 18:30 )
الأستاذ الأسعد المحترم
الاشتراكية والشيوعية لا يقررها الفكر سواء المادي أو الماركسية ولا من وجد قبل الأخر المادة أم الله!
بل يقررها (طبيعة الإنتاج) كما بأي نمط وتشكيلة اجتماعية اقتصادية، مثل: أن الإنتاج في الرأسمالية هو ذو طبيعة اجتماعية، أي جهد مشترك (من هنا الاشتراكية) يقوم به عدة ألاف من العمال في مصنع ما مثل الفورد، ويتناقض هذا الجهد المشترك مع نوعية التملك الذي تفرضه الرأسمالية وهو خاص
في مصنع الفورد بالمثال أعلاه في عملية الإنتاج، لا علاقة للمادة أو الله بالموضوع!


2 - مناصر اليسار ام معاداته؟
صباح البدران ( 2017 / 5 / 7 - 19:29 )
اليافطة الاوسع لموقع الحوار المتمدن انه يساري علماني وديمقراطي، لكن معاداة اليسار والعلمانية والديمقراطية ليست ما تروج له هذة المقالة وحدها بل مقالات عديدة لاحصر لها.

اخر الافلام

.. عقوبة على العقوبات.. إجراءات بجعبة أوروبا تنتظر إيران بعد ال


.. أوروبا تسعى لشراء أسلحة لأوكرانيا من خارج القارة.. فهل استنز




.. عقوبات أوروبية مرتقبة على إيران.. وتساؤلات حول جدواها وتأثير


.. خوفا من تهديدات إيران.. أميركا تلجأ لـ-النسور- لاستخدامها في




.. عملية مركبة.. 18 جريحًا إسرائيليًا بهجوم لـ-حزب الله- في عرب