الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأسرى مشاعل على الطريق !!

رمضان عيسى

2017 / 5 / 4
أوراق كتبت في وعن السجن


إذا كان مفروضٌ علينا أن نعيش عذابات هذا الزمن ، فلماذا لا تكون عذاباتنا من أجل قيم انسانية راقية تعطي للحياة معنى ، وتخلق فينا الحافز للتضحية من أجلها ؟
وهل هناك قيماً أرقى من قيم الحب للوطن !! إن الانسان إيمان وموقف ، وبقدر ما يكون الايمان ، يكون الموقف !! والموقف يكون بالتفرد ، والتفرد يكون بالتفاعل والتضحية !!
من هنا نستطيع أن نفهم حجم ونوازع التفاعل والتضحية التي يتفرد بها الأسير تجاه الوطن !!
فحينما دخلت دبابات العدو الاسرائيلي قطاع غزة في حزيران سنة 67م ، كان السؤال الأهم الذي يواجهنا هو : ما العمل فيما لو بقي الاحتلال هنا ، ولم يرحل ؟ فكان الجواب : أن نبدأ حرباً شعبية ضد الاحتلال ومراكز تواجده حتى لا نجعل له مستقراً ونضطره للرحيل !!
إن حجم المعاناة في معتقلات العدو ، وتنوع أساليب الإرهاب والتعذيب والإهانات المتعددة الأشكال تجعل الشخص الذي لم يُجرب حياة الاعتقال يتساءل بتعجب !! ياه !! كيف استطعت أن تقضي عشر سنوات في المعتقل !! كيف !! كيف صبرت ؟
بالطبع ، من حقه أن يتساءل !! فهو لا يُدرك أن الاحتمال والصبر يأتي من الايمان ، والايمان هو الذي خلق حوافز التضحية بالعمر ، بالشباب ، بالمُتع ، بالنزهات ، والنوم في مكان دافئ ، والحرية الشخصية في الحركة !!
ولكن لماذا كان الأسر ؟ حينما يحدث احتلال للوطن ، تتأجج المشاعر الوطنية والغيرة القومية ، فيعيش الشباب هاجس الوطن ، فوجود الاحتلال يخلق ويذكي المتضادات ، وتزداد وتتنوع أشكال المقاومة ، المنظمة والعفوية ، فيندفع الشباب وقد تملكتهم حمية الثورة للمشاركة مدفوعين بالصورة اليانعة لمعنى التضحية في سبيل الوطن ، ومعاني النصر والحرية .
ومع تضافر الحراك المجتمعي ، والتعاون السري والعلني بين المقاومة والشعب ، وتداخل العواطف وردود الأفعال التي تتجدد يوميا وتشتعل بقدر اشتداد الأحداث ، سيكون من الطبيعي أن تكون النتيجة لهذا وقوع البعض في الأسر .
فالأسير لا يضع في حسابه أن يكون أسيراً ، بل يضع في حسابه المحطة الأخيرة من درجات التضحية ، النصر ، أو الشهادة ، ولكن القدر هو من ألقى به في منعطف الأسر !!
تعودنا أن نرى شعاراً مكتوباً على بوابة السجن يقول : " السجن تهذيب وإصلاح " ، وهذا بالطبع يقصد السجناء الجنائيين الذين انحرفوا في سلوكاتهم عن مُسلمات وقوانين المجتمع وشرائعه التي تنظم حياة الناس ، وتهدف الى المحافظة على حياة الناس وممتلكاتهم ، ولا يتشابه هذا الوصف مع السجون التي يحتجز فيها الاحتلال الأسرى ، إلا بالحجز داخل مبنى محاط بالأسوار العالية والأسلاك الشائكة .
فالحياة داخل معتقلات الأسر بسبب الاشتراك في المقاومة الشعبية ضد الاحتلال تختلف في شخوصها ودوافعها ومردودها وخبراتها عن دوافع ومردود وخبرات السجن الجنائي .
فالسجن الجنائي يحشر من لديه شذوذ وانحراف ، ومن قام بأعمال دنيئة ومعيبة ، ويقضي حياته ملاحقاً بالشعور بالذنب ، والخزي مما اقترف من أعمال مُشينة .
بينما الأسر في سجون الاحتلال كان بسبب تعاظم المشاعر الوطنية داخل المواطن الذي لا يقبل الاحتلال لبلاده ، فيهب مشاركاً في الحراك الشعبي لطرد الاحتلال مدفوعاً بأن يرى علم الحرية والاستقلال يرفرف في ربوع بلاده .
فرغم أن الأسر معاناة ومحنة وقيد ، إلا أنه تمترُس خلف مبدأ حب الوطن ، ففيه يتنامى الشعور بالانتماء والايثار للوطن وللشعب !!
في الأسر يعيش الأسير مجللاً بمشاعر العزة والفخار ، والنضوج والرجولة والاعتزاز والثقة بالنفس في كونه أحد الرجال الذين لبوا نداء الوطن ، واشتركوا في المقاومة .
في الأسر تعرف معنى وطن ، ومعنى شعب ، ومعنى ثورة ، ومعنى حرية ، ومعنى استقلال !! ، في الأسر ، حياة من نوع آخر ، في الأسرِ تتعرف على إخوة لم تلدهم أمك ، في الأسر تعرف معنى انتماء ، في الأسر قصصاً صِدامية مع الاحتلال ، قصصاً تزرع فيك ثورة ، فكل أسير قصة ، ولكل قصة هدف !! ولكن كان الأسر ، ولم تنته القصة ، ولم يتحقق الهدف !!
إن الأسر مدرسة ثورية مُكثفة ، فالحجز بين أسوار السجن لا يمنع الرؤى والأفكار أن تتشعب وتنطلق الى العالم الخارجي بإنسانه وشعوبه ودوله وتاريخه ، وأرضه وسمائه وكونه ونجومه وكواكبه .
ففي الأسر رغم أن الأسير قُطري الهدف والمشاعر، فهو يصبح كوني التفاعل والرؤى ، فهو يتفاعل مع أحداث العالم بمدى انعكاساتها على قضية شعبه وثورته . وفي الأسر تحدث مراجعة لكامل التجربة الشخصية الحادثة - تحدث مراجعة - لكامل الأحداث والأخطاء التي أدت بالمعتقل الى الوقوع في الأسر !!
كما تتضح له فكرياً عوامل القوة والضعف في الحركة الثورية برمتها ، وأنجع الوسائل لتعظيم عوامل القوة لتسريع الانتصار ونيل الحرية والاستقلال .
إن الأسر مدرسة تنظيمية ، ففي الأسر كل شيء بميعاد معروف زمانياً ، كما فروض الصلاة ، فالأكل بميعاد ، والنوم بميعاد ، والصحو بميعاد ، والزيارة بميعاد ، والفسحة الشمسية بميعاد !!
في الأسر يبدو أن لا جديد ، وأن كل شيء يسير بتواتر وسكون ، لا ، فالأسير لديه ما هو جديد ، فكل يوم يخرج بعض الأسرى ممن انقضت فترة محكوميتهم ، وكل يوم يأتي غيرهم من الأسرى الجُدد ، أو ضمن برنامج التنقلات .
ومع الأسرى الجُدد تأتي الحكايات والقصص السرية والعلنية ، وما جَد من أساليب التعذيب الجسدية والنفسية لانتزاع الاعترافات من الأسير الجديد ، ماذا فعل ، وماذا رأى ، وماذا سمع ، وماذا يعرف عن أي شخص شارك ، أو يشارك في المقاومة ؟
في الأسر يكتسب الأسير خبرات حياتية متشعبة ، بقدر ما سمع من روايات من شركاء في الأسر الذين يتنوعون في السكنى والمواهب والأعمال .
الأسر مدرسة تعليمية ، يتعلم فيها الأسير قيمة الزمن ، وكيفية الاستفادة من الزمن بالقراءة ، وقيمة ما يكتسب من ثقافة ، من خلال اطلاعه على العديد من الكتب الثورية والفلسفية والاجتماعية والتاريخية والعلمية واللغات .
في الأسر يتعلم الأسير التفكير الواقعي ومعنى التخطيط وتحديد الهدف والامكانات الرئيسية والثانوية لتحقيق الأهداف !!
الأسر مدرسة أمنية ، يكتسب فيها الأسير خبرات جديدة من خلال الصراع مع ادارة السجن لتحسين الوضع المعيشي للأسرى ، ويتعرف على مداخل الحس الأمني ، والحذر والتنبؤ بالنتائج المترتبة على كل حركة أو كلمة قد تخرج من سياق الحديث !!
كما يكتسب فن اختيار الأصدقاء ممن لديهم رجاحة في التفكير ، ولديهم تقدير لقيمة الصداقة ، ولا يمكن أن تساورك الشكوك أو الندم في توطيد العلاقة معهم .
الأسر مدرسة لتخريج القادة والكوادر الثورية الذين عركتهم التجربة ، وشدة المحنة في الأسر ، وأصبح لديهم مخزون ثوري وتجديد للعزم على تكملة المشوار الثوري ، واختيار الطرق الأمينة لمقارعة الاحتلال وتحقيق استقلال الوطن .
ولكن هل يكتسب جميع الأسرى هذه الخبرات ويتفاعلون معها بنفس الدرجة ؟ بالطبع لا !! فالأسير جهاز حسي أولا ، وكل أسير يختلف عن الآخر في ردود أفعاله وتفاعله مع الأحداث ، فالآراء متعددة بتعدد المنظمات السياسية في الأسر ، ولا يتم الاتفاق إلا في المواقف الجماعية وخاصة أثناء الصدام بين الأسرى وإدارة السجن .
ومن جهة أُخرى ، ففي الأسر صراع سياسي بين مكونات الأسرى ، فكل أسير له انتماؤه لإحدى المنظمات العاملة على الساحة ، فهناك تنوع في الآراء ، وتنوع في المؤسسات السياسية ، وتنوع في التوجهات الفكرية والسياسية والاجتماعية ، فتوجد منظمات ذات توجه ديني متنوع يتوزع بين التطرف والاعتدال !! وأيضا منظمات يسارية لها أصول قطرية أو قومية ، وهناك منظمات وطنية ذات شعارات مرحلية لا تحمل أي بُعد اجتماعي . لهذا تجد الأسير في حالة تماوج فكري دون توقف ، فكل يوم أخبار ، وكل يوم أحداث داخل جدران المعتقل وخارجه ، وهذا يؤثر على مخزون القناعات الفكرية في وعي الأسير !!
قلنا أن الأسير قطري الهدف والمشاعر ، كوني التفاعل !! فمن خلال اطّلاعه على كتب الثورات العالمية ، مثل الثورة الصينية والفيتنامية والروسية والكوبية والجزائرية والأنغولية والغينية واليمنية ، يجد نفسه أمام فكرة " ديمومة الثورة " ، أي عدم توقف الثورة عند مصطلح التحرر من الاحتلال العسكري ونيل وثيقة الاستقلال ، لا فالاستقلال هو البداية للثورة الحقيقية ، - الثورة الاجتماعية - ، أي توجيه الثورة لصالح الشعب ، لصالح أغلبية الجماهير من العمال والفلاحين ، وكيفية صيانة الاستقلال الوطني من الأعداء الداخليين والخارجيين !! وهذا يحتاج الى استمرار العمل الثوري بشكل جديد اجتماعي وتنظيمي وبنائي ، يتم فيها خلق أرضية لدولة مستقلة اقتصاديا ، غير خاضعة لاتفاقيات اقتصادية مهينة .
هذا غيض من فيض عن حياة الأسرى داخل معتقلات الاحتلال ، من هنا كان للأسرى موقع خاص وحظوة منقطعة النظير في ضمير الشعب ، فهم مشاعل على طريق الحرية والاستقلال ، على طريق تحقيق دولة فلسطين الديمقراطية !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نعمت شفيق.. رئيسة جامعة كولومبيا التي أبلغت الشرطة لاعتقال د


.. في قضية ترحيل النازحين السوريين... لبنان ليس طرفًا في اتفاقي




.. اعتقال مناهضين لحرب إسرائيل على غزة بجامعة جنوب كاليفورنيا


.. بينهم نتنياهو.. مذكرات اعتقال دولية بحق قادة إسرائيل بسبب حر




.. اعتقال مصور قناة -فوكس 7- الأميركية أثناء تغطيته مظاهرات مؤي