الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قيود أمّي-الفصل الخامس- الجزء الخامس،والأخير-

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2017 / 5 / 5
الادب والفن


أخجل منّي، من عمري، من كلّ المواقف التي صادفتني، وجعلتني أصغر في عين نفسي. لم أبك منذ عقود، يهجم عليّ البكاء. يباغتني. في الماضي كانت تغسلني الدّموع. عزّت عليّ، جفت ، والآن تعود كالمطر.
لماذا أنا على قيد الحياة؟
لست على قيد الحياة. لو كنت على قيد الحياة لكنت الآن في فراش دافئ وليس على ناصية الشّارع. أشمّ رائحة طعام. لو أستطيع أن أحصل على قسم منه.
ولدت وفي فمي معلقة من فقر. كلّما نظر لي أحدهم قرأ حالتي.
-ما بك أيتها المرأة؟
أراك تهلوسين. هل تحتاجين لطبيب؟
-إن كنت لا أحلم فإنّك تسألني إن كنت مريضة. أنا جائعة.
-لحظة! سوف أشتري لك صحن طعام.
تفضّلي. أين تسكنين؟ سوف أوصلك بسيارتي.
-شكراً يا بني. ليس لي مكان أسكنه. خلقت هنا، وربما خلقت في مكان آخر لا أعرف أين يكون.
-هل اعتدى عليك أحد . أرى أنّ حالتك ليست طبيعيّة.
-لم يبق أحد لم يعتدي عليّ سواك. إنّني تحت أمرك. في ذلك السجن فقدت آخر ما أملك.
-هذا سجن للنساء " الداعرات"
-نعم أيها الشّاب. نعم. ليتني أستطيع أن أشرح. في بعض الأحيان هناك قصص لا يمكن شرحها. لا يهم. ليتني كنت منهنّ يوماً، لكنت حظوت باحترامك، ولم ترني على هذه الحال. انتهى الأمر. لم يعد هناك مجال. شكرا لك. دعني لو سمحت. لا أرغب في الكلام.
-تعال معي إلى مزرعتي، وسوف تعتني زوجتي بك.
-إنّني ساذجة أصدّق ما يقوله النّاس. لو ذهبت معك ماذا ستفعل بي. قد تبيعني قطعاً من اللحم. لم أعد أصلح لشيء.
-تعالي! سوف أساعدك على النّهوض. اركبي في السّيارة قربي.
-ما أجمل هذا المكان!
لم أر مكاناً مثله في وادي القنص. رائحة الجنّة فيه. أشعر أنّها الحياة.
-هذا المكان ليس جزءاً من وادي القنص. كنت هناك بالصدفة. لدي بعض الأوراق النّاقصة أتيت، أخذتها من منزلنا السابق، ولن أعود، لا يمكنني إعادتك أيضاً. لو عدت سوف يرمون بي في السجن، فأنا أدخل وأخرج بهوية مزوّرة لأنّه محكوم عليّ هناك.
-هل أنت مجرم؟
-وهل أنت داعرة؟
لست مجرماً يا سيدتي. أنا حرامي. عشت سنوات طفولتي مشرّداً. كبرت، وأردت أن أنال احترام النّاس. سرقت البنك الوطني. بالصدفة كان مدير البنك أيضاً يسرق بنكه. هدّدته، وأخذت مبلغاً يسيراً ، وهاجرت.اتهمنّي بالسرقة كلّها اشتريت تلك المزرعة هنا، تزوجت تلك الشّابة الجميلة ياسمين ، أنجبت لي أحلى طفلة.
يمكنك الاستحمام. ثم نتناول الطّعام معاً، لكن إيّاك أن تنصحيني، أو تحدثيني عن السّرقة. قمت بها عن قناعة بأنها العمل الشريف الوحيد الذي قد يعيد لي كرامتي، فلا كرامة بدون المال، والوصايا العشر هي وصايا ليست للتطبيق.
زوجتي يا ياسمين. اهتمي بأمر السّيدة، فقد لا تحبّ أن يهتمّ بأمرها رجل.
تعالي يا عليا نقوم بجولة ريثما تنتهي أمك من مساعدة السيدة.
-عليا! اسم ابنتك عليا؟
كأنّني سمعت بهذا الاسم من قبل.
لماذا سمى ابنته عليا. لا أحب هذا الاسم. أخشى أن تعني هذه العليا مثلما عانيت.
اسم يروقني أحياناً.
عندما كنت أقف أمام المرآة عارية . أرى فينوس في عليا.
شطبت على الزّمن الذي مرّ.
لا زلت طفلة أحبّ أن أغادر منزل عائلتي. طفلة تجزن لأنّها ممنوعة من اللعب، من الكلام، ومن التعبير عن حاجاتها.
كنت في الرّابعة عشر عندما أتتني الدّورة الشّهرية
لم أعرف كيف أتصرف.
لا زلت أخجل أنّني أمرّ بتلك الدّورة.
كنت أنظر خلسة عندما كبرت إلى المحبيّن، وأتمنى أن يكون مسموحاً لي مثل أصدقائي.
إنّني عليا التي كانت تطمح بتغيير العالم، فأفقدها العالم هويتها.
. . .
أرى حلماً يدور أمامي
أرى جنّة تضمّ عظامي
عقدة النّقص تكبّلني
لا زلت أبحث عن شيء قضيت عمري أبحث عنه
مادام قادراً على سرقة بنك
قد يستطيع فك لغزي
قد يساعدني
أقنعني بمهنة الحرامي.
-تفضلي أيتها السّيدة إلى الطّعام. لن نسألك عن أمرك حتى تنتهي الأيام الثلاثة في ضيافتنا.
-شكرا لكم. تعالي يا عليا اجلسي في حضني.
بعد أن ننتهي من الطّعام. سوف نذهب للعب، نصنع مسرحاً نغني معاً.
-تذكرت أمّي. لو كنت أعرف أين مكانها.
طردها أبي، تزوّج. قتل على يد أخ زوجته. طلبت منّي العائلة الانتقام. لا أستطيع أن أقتل حتى قاتل أبي. ثمّ إن قلبي كان يقول أنه ظلم أمّي فسلط الله عليه من يظلمه. لا تعطني نصائح أيتها السّيدة عن حبّ الوالدين.
لكن قولي لي ما اسمك؟
-أخشى أن أقول اسمي فأسبب لك الحرج. اسمي عليا أيها الشّاب، وأنت ما اسمك؟
-لن أقول لك اسمي حتى تتحدّثي لي عن حياتك، وأولادك، وزوجك. بدأت أشم رائحة أمل.
-قصتي طويلة .
لا أعرف كيف أبدأ بها.
لا أعرف شيئاً عنّي
سوى أنّني كنت أحاول أن أبني مكاناً للعيش ثمّ أسرق ابني لنعيش معاً.
تذّكرت. كان زوجي أيمن يعذّبني، ولا أعرف كيف أدافع عن نفسي.
كان عمّي, لا. لا أتذكّر سوى أنّني أرغب في رؤية ابني.
كان عمر ابني ستّ سنوات لو رأيته اليوم لما عرفته.
-وأنا لو رأيت أمّي لما عرفتها.
-كنت أحاول أن لا يعرف تميم ما يجري لي، فأصنع له مسرحاً.
-أمّي عليا كانت تفعل نفس الشيء.
-هل تعتقدين أنّه يمكن أن تكوني أمّي؟
-هل يمكن أن تكون تميم؟
-كل الأمور اجتمعت. نعم أنا تميم.
-هو أنت. أنت تميم. سامحني يا بنيّ. كان يجب عليّ أن أكون أقوى وأحميك. ليتني لم ألتقيك. في قلبي كره للناس، وحقد على البشر لن يزول مع الوقت.
ليتني بقيت أبحث عنك كي أشعر أن لي هدفاً.
أنت بخير. تعذّبت إلى حدّ السّرقة، ونجوتَ، أمّا أنا فتعذّبت إلى حدّ الغرق في الفضيلة فعوقبت. لو قلت ليتني سيكون ضرباً من الجنون. ها أنا ذا أمامك كسيرة القلب، فاقدة الكرامة. التقيتك، ولا أعرف من أنت. لم تكبر أمام عيني.
هل تسمح لي بالبكاء يا تميم؟
أرغب أن أرثي نفسي.
عندما وجدتني قرب القمامة هناك. اعتقدت أنّك تحدّث أحداً غيري.
لم أتعود أن يحدثني أحد باحترام.
عندما أموت لا تغسلوا جسدي. ل تصلوا عليّ، فأنا محكومة بالرّجم. جسدي مدنس بعمّي، وبأيمن ، وبالسّجان. أستحق الرجم.
عندما أحيا دعوني أمرّ بين الزّهور، أقطف كرمي، أعصره.
عندما أحبّ دعوا عليا الصّغيرة تكون أميرة.
عندما أستطيع رمي الماضي في القمامة سوف أبدأ من جديد.
-لو تدري يا أمّي كيف كنت أبحث عنك. كيف كنت أرتجف من الخوف. كيف كان أبي يعاملني؟
لم تكن زوجة أبي سيئة. كانت مسكينة. لم تكن تحبّني، لكنّها كانت محايدة.
هل يمكننا يا أمّي أن نجفف دموعنا؟
هذه الأرض لي. هنا مملكتي.
أرغب أن أبني معبداً للحبّ، وآخر للفرح.
سوف أعلم ابنتي على الرّحمة.
تعالوا نبني مسرحاً حقيقيّاً هنا.
صفّي الألعاب أمام المسرح يا عليا.
اصعد يا تميم إلى الخشبّة.
أنا وعليا وياسمين سوف نكون الجمهور.
يا إلهي!
كأنّها البارحة
الألعاب تغنّي معنا.
وعليا ترقص على المسرح.
هذه هي مملكة تميم.
هو من صنعها
وأنا من جماهير المملكة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج


.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما




.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا


.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما




.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في