الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لمن تقرع حماس أجراسها ؟

سعيد مضيه

2017 / 5 / 5
القضية الفلسطينية


لمن تقرع حماس أجراسها?
إن اختيار العاصمة القطرية للإعلان عن الوثيقة الجديدة لحماس تفصح عن الجهة التي تتوجه لها حماس ببرنامجها الجديد. برنامج الحزب او الحركة يجب أن يوجه في الأصل إلى جمهور التنظيم باعتباره القوة الأساس المعول عليها إنجاز بنود البرنامج. والشعب الفلسطيني بحاجة ماسة إلى أن تعدل حماس من برنامجها المطروح عام 1988 ، الموغل في اغترابه عن الواقع. البرنامج او خطة العمل التي لا تلتزم بالواقع المتعين لا تجيب على مشاكله وتخدم من ثم المحافظة على ما يراد تغييره . وقداستثمرت دولة إسرائيل على نطاق واسع اخطاء النشاط السياسي لحماس وغيرها من فصائل منظمة التحرير الفلسطينية لتبرير عدوانيتها والتحريض عليها بدعوى الإرهاب . وتحت تصرف اسرائيل أجهزة دعاية تبث الوعي الزائف على أوسع نطاق. حسنا فعلت الحركة لوضع حد لنهج اختطته استفاد منه عدوها ولم يدفع النشاط التحرري خطوة للأمام. وبات من الأسهل، إذا ما تم الالتزام بروح البرنامج الجديد الدخول في حوارات مثمرة مع شركاء النشاط الوطني والتوصل معهم الى مواقف مشتركة.
توجه حماس نحو الاعتدال يسقط ورقة بيد العدو ويضع امام جمهور الحركة برنامجا واقعيا وسياسة عقلانية. يحتفظ بقيمة ثقافية عالية تعديل برنامج حماس نظرا لنفوذها بين قطاع عريض من الشعب الفلسطيني لم يتمرس بالنشاط السياسي ومارس المقاومة انطلاقا من معتقد ديني : التخلي عن وهم تدميركيان في ظرف نعجز فيه عن رد تطاولاته على الأرض والمقدس وعلى المزارع والمنشئات وبيوت السكن، مما يندر حدوث مثيل له في أي من المجتمعات المعاصرة. والأشد مرارة وقهرا صمت المجتمع الدولي حيال هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان الأولية المناقضة لمعايير القانون الدولي الإنساني.
لنأخذ على سبيل المثال انتهاكات مسجدالأقصى لم تنفع حيالها الاستنكارات والتهديدات ؛ غير أن الأمعاء الخاوية كان لها قوة ردع أوقفت الانتهاكات ولو مؤقتا.
ومثال آخر فهم ترومب جدية تهديد رئيس كورياالشمالية وحول إبحارأسطوله البحري ولم تعبأ إسرائيل بتهديدات أو احتجاجات تصدر من الجانب العربي، ولن تعيد اميركا النظر في تحيزها لباطل إسرائيل رغم ما يشاع من تفاؤل.
كما ان تهديد رئيس كوريا الشمالية لوزير حرب إسرائيل سوف يؤخذ بالاعتبار ؛ بينما لم يكف الوزير بسوء خلقه كاحد زعران المواخيرعن توجيه الإهانات للفلسطينيين والعرب عموما .
ان الانطلاق من مفاهيم حركة، تحرر، وطني، انتخابات حرة ونزيهة، يدل على اتباع المنهج العلماني،بمعنى الاستدلال على عناصر العالم المحيط او البيئة المراد تغييرها من اجل السيطرة على نواميسها وتسخيرها للمنفعة العامة او الخاصة. المعرفة قوة، والعلمانية تستعين بالبحث والتجريب لاستكناه القوانين الموضوعية لسيرورة الظوهر وإدراك خصائصها من اجل التحكم بسيرورتها حيث أن الممارسة موصولة بالتفكير العقلاني وبثقافة العصر الحديث، والعكس صحيح. أما في العصور الوسطى ، فقد شاع المفهوم الديني – المبايعة على الطاعة وفاقا لفقه الولاءوالبراء. هكذا رأينا حماس، بدل ادعاءالقداسة لمنطلقاتها تهبط إلى الواقع تخوض نقاشات عبر سنين شارك فيها كوادر من الداخل والخارج ومن داخل السجون قبل ان تخرج بميثاقها الجديد المتضمن حلولا لمشاكل الواقع تراعي تشابك المحلي بالإقليمي وبالدولي. بينما العصر الوسيط فرض نشوء الدول والعلاقات الدولية طبقا لمنطلق الدين أو المذهبية؛ آنذاك لم يدخل مفهوم الوطن حيز التداول السياسي؛ دخل المفهوم مجال التداول حين تشكلت الأوطان على اسس قومية؛ فباتت السيادة على البقعة الجغرافية المحتوية للعرق أو مجموعة اعراق متعايشة كضرورة وطنية؛ وحملت قيم التراب الوطني والحدود السياسية قداسة خاصة، واخترعت الخرائط السياسية ترمز لحدود الوطن وترسمها بدقة متناهية. اقترن مفهم الوطن بمفاهيم التحرر والسيادة الوطنية والتطور المستقل والشعب والتاريخ الخ.
ومن مظاهر الواقعية السياسية في وثيقة حماس البرنامجية الجديدة الإقرار بدولة فلسطينية على حدود حزيران والإقرار بأهمية منظمة التحرير الفلسطينية والحفاظ عليها، والتوجه للتعاون والتنسيق مع القوى الوطنية الأخرى، والتعاو مع دول المنطقة، وأيضا للعمل من اجل " بناء المؤسسات على أسس ديمقراطية سليمة وراسخة في مقدمتها الانتخابات الحرة والنزيهة على قاعدة الشراكة الوطنية وفق برنامج واستراتيجية واضحة المعالم يجب أن تراعي مواقف الشركاء الآخرين وانتهاج المقاومة بكافة الوسائل"؛ وبناء على ما تقدم تتوفر فرص الحد من انفراد فتح ورئيسها في رسم القرارات المصيرية للقضية الفلسطينية
جرى تقييم برنامج حماس الجديد على انه مسعى للتواصل مع العالم الخارجي، لكسب الشرعية الدولية من خلال الظهور بمظهر الاعتدال: ردت إسرائيل من موقع غطرسة القوة. حذر وزير الأمن الداخلي العالم من النظر" للميثاق الجديد باعتباره تغييرا فعليا في سياتها كمنظمة إرهابية". كعادتها تصر إسرائيل على رمي كل من يعارضها بالإرهاب . فهي لا تقبل الحوارولا تحترم الراي الاخر كل من ليس معها فهو ضدها. طالبت المصادر الإسرائيلية وحلفاء إسرائيل حماس بالمزيد من التنازلات . رحبت نيويرك تايمز باعتدال حماس واعتبرت الوثيقة مقصرة عن ولوج "تغييرحقيقي تجاه إسرائيل"، التقطت عبارة عَزَتها للصحفي فايز ابو شماله "المقرب من حماس" حول "رغبة التعامل مع العالم الخارجي". كذلك مجلة فورين بوليسي الأميركية أشارت للنقطتين السالفتين ، وإلى ما تضمنه البرنامج الجديد من تمييز اليهودية عن الصهيونية ووالتشهير بعدم رفض حماس للعنف في برنامجها دون أن تطلب ذلك من إسرائيل التي لا تفوت يوما التهديد بالعنف وبالحرب الساحقة.
رئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب الأميركي لم ير في الوثيقة الجديدة ما ينفي عن حماس صفة " المنظمة الإرهابية". افتتح البرنامج الجديد موسم شيطنة حماس. ومطالبتها بتنازلات ترضي جموح إسرائيل وشهواتها. وهذا يبرهن على أن مبادرة حماس جاءت في غير اوانها لا تساعد في التأثير على الموقف الثابت والمجمع عليه من قبل التحالف الامبريالي – الصهيوني. إسرائيل لا تعاني ازمة او مازقا تقدم المبادرة له خشبة إنقاذ وتقدم إسرائيل بالمقابل تنازلات . فشرط التفاوض الناجح تعريض الطرف المتفوق لضغوط او وضعه ضمن ملزمة تضطره للتنازل عما اكتسبه بالقوة. ولم يتوفر هذا الشرط منذ أن بادر السادات بزيارة القدس. بالعكس فُهِمت زيارة السادات للقدس مظهر ضعف قيل حينذاك في إسرائل هكذا بالقوة يخضع العرب.كان السادات قد رهن مستقبل مصر وحقوق شعب فلسطين للولايات المتحدة تمسك ب99 بالمائة من أوراق الحل.
واضح أن حماس تتوجه عبر حلفائها العرب إلى القوى ذات النفوذ الدولي؛ للأسف الشديد لم تتوجه حماس ببرنامجها الجديد إلى شعبها وقواه الوطنية ، شركائها في الهم الوطني. البرنامج السياسي والاقتصادي والثقافي ثقافة ترقي الوعي الاجتماعي وترفده بالسياسات الواقعية ويحد من الانفعالية والعفوية والارتجال في النشاط الشعبي. أم أن حماس تحتفظ بالجمهور احتياطي انتخابات واجتماعات لعرض القوة؟
لم تعتذر حماس لمن رمتهم بالخيانة والإلحاد بسبب واقعيتهم السياسية والصدق مع شعبهم، فسبقوها الى ما اهتدت إليه بعد نقاشات داخلية استمرت سنوات كما تقول الأوساط المطلعة، طبقا لمقتضات الواقعية السياسية؛ وحبذا لو اكتملت مواقف الواقعية السياسية في وثيقة حماس البرنامجية الجديدة. فالوثيقة تنطوي على تناقضات تعطي المبرر للاستخفاف بها وإغفالها. فكيف يمكن إقامة دولة فلسطنية على جزء من فلسطين والجزء الآخر ليس صحراء قاحلة بل دولة لها حدودها ولا مناص من احترام الحدود وعدم تخطيها، أي الإقرار بالكيان المجاور، ناهيك عن إقامة نوع من العلاقات معه . وهل يعقل الحصول على الأمان مع إعلان نية تدمير دولة دأبها العدوان سدرت في التدخل بشئون الدول المجاورة بما في ذلك تصدير الفتن، ولم تخف تحريضها على دول المنطقة:حرضت في حينه على غزو العراق وحرضت على ضرب إيران بالصواريخ، ولا توقف تدخلها لتعقيد أزمات سوريا واليمن والسودان وليبيا و...
وكيف تنتظر من إسرائيل المتفوقة على بقية دول المنطقة من حيث القدرات العسكرية ان تقبل قيام دولة مجاورة تعلن على المكشوف نية تدميرها؟ ألم تبادر إسرائيل بالضربة الوقائية اكثر من مرة، ما يلح على المنطق السليم العزوف عن التهديدات وانتظار نضج الظروف؟ ام أن تدمير إسرائيل يوظف للاستهلاك الداخلي والمزاودة المفضوحة على شركاء العمل الوطني؟ وما هي القيمة العملية لبرنامج سياسي يغفل الشروط الواجب توفيرها لإنجاز بنود البرنامج في واقع يعج بالتعقيدات والمخاطر وتختل فيه موازين القوى بين طرفي الصراع؟ واخيرا لا آخرا هل وعت حماس تجارب المبادرات العربية وعروضها السلمية الصادقة مع إسرائيل؟

لم يضع اتفاق كمب ديفيد ، الذي انطلقت إليه مبادرة السادات في وضع حد لعدوان إسرائيل على الجوار،ولا أوقف اطماعها التوسعية. نشر مارك بروجينسكي عام 2000عن خديعة وقع في حبائلها السادات، وذلك على موقعه في صحيفته الإليكترونية ميدل إيست ، ثم أعاد نشرها في 4/4/2017 تحذيرا لرئيس فلسطين، محمود عباس، من الوقوع ضحية نفس الخديعة. قال بروجينسكي أن السادات استدعى الطائرة لتقله مع الوفد المصري من منتجع كمب ديفيد بعد أن يئس من تعنت بيغن. اقترح عليه الرئيس الأميركي التمشي في الغابة ، وقدم اثناءها الوعود بأن يستجيب بيغن لمطلب إقامة الدولة الفلسطينية وبأن يفعّل قرار مجلس الأمن 242 حال انتخابه لفترة ثانية ، وبدعم الاقتصاد المصري بمليارات الدولارات. وافق السادات على التوقيع على اتفاق كمب ديفيد بناء على وعود لم يلتزم بها بيغن. لم يتزحزح ميناحيم بيغن عن الاستئثار بكامل فلسطين ومنع قيام دولة فلسطينية.
واعترف المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988 بدولة إسرائيل وجاء الرد في الحال من جانب حكومة الوفاق الوطني ، شامير –بيرز،" لن تقوم دولة فلسطينية بين إسرائيل ونهر الأردن. شرقي الأردن هو دولة فلسطينية.اما المناطق المدارة فيتقرر مصيرها وفق الخطوط العريضة التي تقرها حكومة إسرائيل" . حظي موقف حكومة إسرائيل بتأييد جيمز بيكر ، وزير خارجية إدارة بوش الأب.
في ذلك الحين ابلغ رابين جماعة السلام الإسرائيلة، كما نقل الصحفي الإسرائيل،ناحوم بيرنيا، ان المفاوضات خدعة من أصدقائنا الأميركيين كي يتيح الوقت الكافي لإسرائيل أن يسحقوا الفلسطينيين ، وسوف يسحقونهم، بينما يظن العالم ان مفاوضات السلام جارية. كان هذا يكمن في ذهن بيريز حين اقترح مفاوضات اوسلو : إلهاء الفلسطينيين بعملية سلام زائفة بينما تنفذ إسرائيل عملية استيطان لا رجعة عن منجزاتها.
حتى ضمن الطيف الواحد من التفكير الصهيوني حدثت تمايزات في التلاوين. في مذكرات الرئيس الأميركي كلينتون أورد ما دار أثناء إفطار عمل مع رابين صبيحة اليوم التالي لتوقيع معاهدة أوسلو بالبيت الأبيض. سأل ضيفه لماذا أقدمت على المخاطرة. أورد رابين ، صاحب تكسير العظام والوعود غير المقدسة، سببين لموقفه: الصواريخ التي ضربت إسرائيل من العراق ألغت نظرية الأرض ضمانا للأمن ومصدا للعدوان. السبب الثاني أنه لاحظ غضب الفلسطينيين العارم أثناء الانتفاضة (1988 -1993) فأيقن استحالة حكم الفلسطينيين مع تحقيق الأمن لإسرائيل في نفس الوقت. أما بيريز فلم يفكر إطلاقا في تنفيذ اتفاق اوسلو الذي فاوض عليه، ولم يتعرض بسوء على يدي قاتل رابين ، المخدَر بتحريض الحاخامين أصحاب فتاوى تكفير من يتنازل عن "أرض إسرائيل".
ونتنياهو ليس رابين؛ هو وريث نظرية الجدار التي طلع بها جابوتينسكي عام 1923.كتب مقالة بعنوان الجدار قال فيها: "...يجب ان تستمر جميع المشاريع الاستعمارية مهما كانت محدودة ضد رغبات الشعب الأصلي. ليس بإمكان الدولة أن تستمر وتنمو إلا خلف درع القوة. وهذا الدرع هو جدار حديدي لا يتمكن الشعب المحلي أبدا من اختراقه. ينبغي تكبيد الخصوم خسائر فادحة تكسر عنادهم بعد أن يتأكدوا من استحالة قهر الجدار".
في وقت لاحق، عام 1982، طور الخبير الاستراتيجي في وزارة خارجية إسرائيل ، عوديد يينون، نظرية جابوتنسكي في ظروف اكثر ملاءمة وضمن رجحان كفة إسرائيل: "لن يستتب السلام والأمن في البلاد إلا بعد ان يدرك العرب أنهم لن يظفروا بالوجود ولا بالأمن إلا بسيطرة اليهود على المنطقة ما بين النهر والبحر. ولن يفوزوا بالأمن ولا بالدولة إلا في الأردن . اما السياسة الصهيونية لتهجير الفلسطينيين من فلسطين فيجري تنفيذها بالقوة من خلال صراعات كالتي حدثت عامي 1948 و1967."
لمن توجه حماس خطابها الجديد، لمن تقرع الأجراس؟ هل يلقى اخطابها ما يستحقه من تجاوب ممن صوت مندوبهم في منظمة اليونيسكو ضد قرار اعتبار القدس الشرقية مدينة محتلة؟ ألا يطرح الموقف الأميركي التساؤل حول مصداقية وعود الدبلوماسية الأميركية وعبثية اللجوء إليها؟ هل يبرر الموقف تفاؤل الرئيس الفلسطيني وحاشيته، وهو يتوجه للقاء الرئيس الأميركي أو بعد اللقاء ينثر الوعود المبشرة بقرب حل الدولتين على يدي ترومب؟ وما هومضمونالتعاون بين أديان الإسلام والمسيحية واليهودية الذيبشر به ترومب؟
في ضوء هذه المعطيات، وحيال المواقف المدعمة بقدرت عسكرية متفوقة بإسناد سياسي وعسكري من جانب القطب الدولي المهيمن ألا يوجب الصدق السياسي التداول الجاد في شروط التصدي والصمود بدل الفشر بخطة تحرير فلسطين من النهر للبحر؟ ألا يتوجب حشد وتعبئة طاقة صمود وتصدي لمخاطر التهجير ؟ ألا يفرض خطر التطهير العرقي للمرة الثانية – والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين - تضافر الجهود لإقرار نهج اقتصاد الصمود وتعليم الصمود وثقافة الصمود بدل نشر الأوهام بصدد تدمير إسرائيل؟









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استقالة المبعوث الأممي إلى ليبيا، أي تداعيات لها؟| المسائية


.. الاتحاد الأوروبي يقرر فرض عقوبات جديدة على إيران




.. لماذا أجلت إسرائيل ردها على الهجوم الإيراني؟ • فرانس 24


.. مواطن يهاجم رئيسة المفوضية الأوروبية: دماء أطفال غزة على يدك




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا الحربية أغارت على بنى تحتية ومبان