الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعجزة اليابانية - وخصائص الإدارة اليابانية

تامر البطراوي

2017 / 5 / 6
الادارة و الاقتصاد


يرجع عصر النهضة باليابان لبدايات القرن السابع عشر مع حكم الإمبراطور "إياسوا توكوجاوا" والذي عمل على رفع درجة اندماج وتفرد السكان اجتماعيًا ، ومع تقلد الإمبراطور "موتسوهيتو" الميجي عام 1868 والذي قاد حركة اصلاحية ثورية بدأت النهضة الفعلية على مبدأ واحد هو (بلد غني وجيش قوي) ، في تلك الفترة كانت الصين تعاني من ويلات حروب الأفيون من قبل الدول الأوروبية وعلى رأسها المملكة المتحدة ، اتبع "موتسوهيتو" الميجي سياسة كسر عزلة البلاد وبدأ حركة انفتاح تجارية وعلمية ، ففتحت الموانئ البحرية بشكل كامل وألغت الإقطاعيات العسكرية وعمل على تقليص نفوذ الساموراي وتجريدهم من امتيازاتهم حتى انتهى تحكم الطبقة العسكرية في اليابان في ظرف ثماني سنوات ، وسمح للفلاحين للمرة الأولى بامتلاك الأراضي الزراعية وإنتاجها مما ساهم في تكوين طبقة فلاحين منتجين ، نتجت عن تلك الإصلاحات تكون نسيج اجتماعي شديد التماسك بين الدولة واتحاد شركات القطاع الخاص (زايباتسوا) ، ومع الحرب العالمية التي تم ضرب خلالها اليابان بقنبلتي هيروشيما ونجازاكي ثم حصارها بحريًا وانهيارها اقتصاديًا اعلنت اليابان استسلامها وتم تعيين الجنرال الأمريكي "ماك آرثر" حاكمًا فعليًا لليابان والذي قام بتسريح الجيش الياباني بالكامل وبدأت سنوات احتلال الولايات المتحدة لها (1951 - 1945) ، تلا وثيقة الإستسلام انهيار اقتصادي وانتشار البطالة والفقر واعتمدت اليابان بشكل كبير على المساعدات الأمريكية (مليار ونصف دولار من 1950:1945) ، كان المخرج الرئيسي من تلك الأزمة مبادرة كلاً من "سابورو أوكيتا" و"يونوسوكي جوتو" وهما مهندسان كهرباء كانا يعملان في العاصمة الصينية بكين ، وبعد الحرب عادا إلى طوكيو ليبدآ التحضير لجلسات نقاشية لوضع خطة لتجاوز الأزمة وعقد أول اجتماع يوم 16 أغسطس لعام 1945 (بعد الهزيمة بيوم واحد فقط) ، وبمرور الوقت تحولت الجلسات من جلسات خاصة لجلسات عامة يحضرها أكاديميو وسياسيو اليابان لمناقشة إعادة الإعمار، وتولى أوكيتا وجوتو مهمة تلخيص نقاط كل جلسة نقاشية وتحويلها لتقرير كامل ، بعد فترة أخرى تبنت الحكومة الجلسات رسميًا وضمتها وزارة الخارجية إليها تحت مسمى (لجنة المسح الخاصة) وظهرت التقرير النهائي في سبتمبر عام 1946 بعنوان (المشكلات الأساسية لإعادة إعمار الاقتصاد الياباني)، تناول التقرير المشكلات والتحديات التي تواجه الاقتصاد مع توصيف دقيق جدًا للوضع الداخلي، ثم وضع إستراتيجية عامة لمواجهة كل المشكلات، ثم في مرحلة التقرير الثالثة وضعت توصيات التحرك لإعادة الإعمار بالتفصيل، اتبعت اليابان سياسة تحسين الإنتاجية ودعم الإبتكار (حتى أصبحت المركز الرابع عالميًا كأفضل بيئة موائمة للابتكار) مع استثمار فائق في القطاع التكنولوجي ، ومن جانب آخر ساهمت وزارة التجارة الدولية والصناعة بشكل كبير في إعادة هيكلة الصناعات اليابانية والتعاون الوثيق بينها وبين القطاع الخاص ودفع هذه الصناعات وصولًا إلى منافسة الولايات المتحدة مباشرة ، واعتمدت استراتيجيتها في الدعم على أساس نمو الطلب على الصناعة.
أما الإدارة اليابانية فقد استمدت خصائصها من الطبيعة الإجتماعية الخاصة بالمجتمع الياباني ذات الإمتداد التاريخي ، وبخاصه خصائص الأسرة اليابانية التي تقوم على مبدأ الاحترام لرب الاسرة واطاعة أوامره ، في حين يكون مسؤلاً عنهم ومشاركا اياهم في اتخاذ القرار ، لقد انعكست تلك الخصائص الإجتماعية على طبيعة العمل الإداري الياباني مكوناً طريقة إدارية خاصة والتي يمكن وصفها بالإدارة الأبوية أو العائلية ، والتي يكون فيها التحاق الفرد بالعمل أشبه بالتحاقه بأسرة إنتاجيه على غرار أسرته المنزلية ، لها مدير بمثابة أب روحي لفريق العمل والذي يسوده مناخ الإخاء الأسري مما يؤثر بشكل إيجابي على إنتاجية الافراد واخلاصهم لمؤسستهم ، هذا النظام الإنتاجي ما كان ليتكامل لولا وجود النظام التربوي بالمجتمع الياباني الذي يقوم بشكل أساسي على التربية المسالمة للطفل الياباني وغرس الأخلاق والقيم والتقاليد الحسنة، لإخراج فرد يتمتع بالصلاح وروح المواطنة والدأب على خدمة مجتمعه ووطنه، ومن تلك التنشأة للفرد الفرد بالأسرة الصغيرة يتكون المجتمع الأكبر الذي يتسم بالتعاطف والتواد والتكافل بين أفراد المجتمع ككل، وبين زملاء العمل والمهنة على وجه الخصوص، فالنظام التربوي الياباني يقوم على أساس غرس قيم التعاون والتشارك بين الأفراد بعضهم بعضًا في العمل أو المنظمة، فبمجرد التحاق المواطن الياباني بعمله عند بداية حياته العملية تنهال عليه عبارات الترحيب والاستقبال من زملائه في المؤسسة، الأمر الذي يشعره بالاطمئنان ويعطيه انطباعًا أوليًا حسنًا، يشجعه على الانخراط في عضوية هذه المؤسسة باعتبارها بيته الثاني، ينتمي إليها ويعيش مع رفاقه الخبرات السارة وغير السارة في ظل جو يسوده التفاهم والتعاضد بين الأفراد، وكأنهم عائلة واحدة، بالإضافة إلى تقديم امتيازات وتسهيلات أخرى تتعلق بالإسكان والترفيه وغيرها ، وبشكل عام تقوم الإدارة اليابانية على مجموعة من المبادئ أبرزها:
أولاً: الاستقرار والأمن الوظيفي بضمان الوظيفة للموظف مدى الحياة ، إذ لا تلجأ المؤسسات اليابانية إلى الاستغناء عن الأفراد حتى في أصعب الظروف الاقتصادية مما يخلق ولاء وتفاني من الموظف تجاه المنظمة.
ثانيا: العمل كفريق وقياس الإنتاج بالجهد الجماعي، وبالتالي تكون المكافأة جماعية لا فردية.
ثالثًا: المشاركة في اتخاذ القرار بين المديرين والعاملين مما يخلق انسجاماً وتوافقاً في الأهداف بين كافة العاملين وعلى اختلاف المستويات الوظيفية.
رابعًا: الاهتمام الشامل بالعامل بما فيه عائلته ، وتوفير مقومات الحياة والاستقرار من حيث السكن والرفاهية ومتطلبات العيش الكريم، بالإضافة إلى تكافؤ الفرص والعدالة والمساواة وعدم التمييز.
خامسا: عدم التسرع بالتقييم والترقية فتنقل الموظف يكون بنفس المستوى الإداري من موقع أو وظيفة إلى موقع آخر ، مما يمنح الأفراد إلمامًا بدرجة أكثر شمولية بطبيعة العمل ، ولذلك فالإدارة اليابانية لا تميل للتخصص الدقيق في العمل ، فالعامل يمارس أكثر من مهنة وينتقل من قسم إلى آخر ، كما تعتمد الترقية في جميع المؤسسات اليابانية على سنوات الأقدمية في المؤسسة وبغض النظر عن السن أو الخبرة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصوات من غزة| شح السيولة النقدية يفاقم معاناة سكان قطاع غزة


.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الخميس 25-4-2024 بالصاغة




.. بركان ثائر في القطب الجنوبي ينفث 80 غراما من الذهب يوميا


.. كل يوم - د. مدحت العدل: مصر مصنع لاينتهي إنتاجه من المواهب و




.. موجز أخبار السابعة مساءً- اقتصادية قناة السويس تشهد مراسم اف