الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من تاريخية المؤسسة الأمنية في العراق الملكي**: (6-6)

عقيل الناصري

2017 / 5 / 6
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


من تاريخية المؤسسة الأمنية في العراق الملكي**: (6-6)

وأكثر الأدلة سطوعا على تعقب حركة اليسار، هو أن دائرة التحقيقات الجنائية قد سبق وأن أصدرت عدة موسوعات خاصة بالحزب الشيوعي العراقي منذ عام 1949، دون غيره من الاحزاب السياسية في المرحلة الملكية أو لجمهورية، إذ أصدرت، وهذا بعض منها:
- موسوعة سرية خاصة بالحزب الشيوعي العراقي السري، 6 أجزاء، بغداد مطبعة الحكومة عام 1949؛
- الحركة الشيوعية في العراق 1949-1958،الجزء الاول، بغداد 1960؛
- الحركة الشيوعية في العراق 1958-1963، جزءان ،بغداد 1966؛
- الكتاب الأسود، اعترافات الشيوعيين، وزارة الأرشاد 1963؛
- سمير عبد الكريم ( أسم مستعار) أضواء على الحركة الشيوعية، دار المرصاد بيروت، بدون تاريخ ؛
- عبد الجبار أيوب، مع الشيوعيين في سجونهم، الصادر في بغداد في مطلع سنة 1958 ؛
- مالك سيف للتاريخ لسان، ذكريات خاصة بالحزب الشيوعي العراقي منذ تاسيسه حتى اليوم.
وغيرها من الكتب والدراسات والتقارير التي كتبها ضباط الأمن العامة، وكذلك بعض ( المرتدين) الذين تعاونوا مع دوائر الآمن، وكان من أولهم عبد الحميد الخطيب في ثلاثينيات القرن المنصرم. تناولت هذه الدراسات النشاط التنظيمي والفكري لحركة اليسار عموما والحزب الشيوعي خصوصاً، حتى توجت تنظيمها وهيكلها الإداري بإنشاء مركز التطوير الامني في زمن الجمهورية الثانية، الذي كان من أهم أرأسيات عمله، النظري والتطبيقي، متابعة الحركة الشيوعية بالعراق،الذي الذي"... لابد من أن نضع مجمل تحركاته وأساليب عمله ونشاطات قيادته وعناصره ومنظماته ووسائل إدارة عمله في الداخل والخارج وعلى مختلف الأصعدة تحت الأضواء للدراسة والبحث من أجل تقليص مساحة الفرض التي يحاول استغلالها لتعميق وتطوير عمله المعادي ... ". كما أصدرت عدة دراسات في مكافحة الأفكار التقدمية واليسارية منها: دور المعلومات والخبرة الأمنية في متابعة الحزب الشيوعي العراقي؛ الجواسيس ومكافحتهم ؛ الجفر والرموز؛ التحقيق السياسي؛ دليل ضابط الأمن وغيرها.
وقد سارت بعض الأحزاب السياسية في إلصاق التهم باليسار العراقي ، وهي موحى لها من قبل قوى الأمن (كما نعتقد) حيث "... تبع ذلك نشر أكذوبة حرق القرآن وإتهام الشيوعيين العراقيين بذلك، والتي كذبها بعد عقود السيد حسن العلوي، وهو الكادر الحزبي البعثي آنذاك، وأشار إلى أن من نفذ هذه الجرائم هم فرق من البعثيين كجزء من سعيهم لإلصاق التهمة بالشيوعيين ولزعزعة الإستقرار وإثارة الفتن وتهيئة الأجواء لتنفيذ مجازرهم في 8 شباط لاحقاً. ولجأ المفبركون إلى نشر صور تعود لضحايا مواطنين جزائريين قتلوا على يد المستعمرين الفرنسيين، ليعلنوا أنها من ضحايا النزاع العرقي في كركوك في تموز عام 1959، ويلصوقونها بالحزب الشيوعي العراقي بهدف دق إسفين بين عبد الكريم قاسم والحزب الشيوعي، وترويج الإتهامات ضده كجزء من التحضير لمأساة شباط عام 1963. والقائمة قد تطول لو إستعرضنا كل تلك الفبركات الطويلة والعريضة في تلك الأيام المضطربة ... "

- الإندساس:
يوضح تاريخ دائرة التحقيقات الجنائية، ومن ثم الأمن العامة وبخاصة ما بعد الانقلاب الدولي عام 1968، أنها قد استخدمت مجموعة من المندسين الذين تم زرعهم في تنظيمات القوى اليسارية ومنظماتها الجماهيرية، سواءً مستغلةُ بذلك حالات الضعف الانساني إزاء التعذيب والتشريد، أو من خلال زرعها لأحد منتسبيها ضمن هذه القوى. وقد وصل بعضهم إلى مواقع لا بأس بها في الهيكيلية التنظيمية لتنظيمات لهذا القوى، وقد تجلى ذلك بوضوح في الجمهورية الثانية ( 9 شباط 1963-9 نيسان 2003) وبصورة خاصة في حركة الانصار الشيوعية وغيرها من المنظمات الحزبية الشيوعية ومنظماتها الجماهيرية. وتزداد مثل هذه الحالات كلما:
- تعمق الصراع الاجتماعي ؛
- ارتفاع تجليات الوعي السياسي للمطالبة بالتغيير ؛
- تزايد تاثيرأت قوى اليسار في الشارع السياسي ؛
- وأرتبط هذا الموضوع بالتطور النوعي والكمي، لجهاز الأمن العامة وتعدد شعبه واختصاصاته.
هذا التطور تناول ليس الجانب السياسي فحسب، بل تعدى ذلك إلى الجوانب التخصصية والفكرية بل وحتى الفنية والتقنية، حيث نرى أن شعبها السياسية قد تخصصت بحزب واحد أو حركة سياسية واحدة، كما أن هناك شعب قد تخصصت بالقوميات والاثنيات العراقية وبخاصة في زمن سلطة البعث الثانية (17تموز 1968- 9 نيسان 2003) .
أما التحقيقات الجنائية فقد عملت على خلق منظمات وهمية مزيفة يتم إمدادها بالمال لغرض العمل بإسم الحزب الشيوعي أو بإسماء قريبة منه. وهذا بالتحديد ما أشار إليه بهجت العطية مدير التحقيقات الجنائية في مذكرة سرية عام 1949، بعنوان ( طرق محاربة الشيوعية)، كتب يقول: "... سيكون من المفيد لمواجهة التنظيم الشيوعي القائم إقامة حزب شيوعي منافس تكون له صحيفته السرية الخاصة به... ويسيِّر العملاء هذا الحزب بموجب خطوط محددة وبطريقة تخفي طبيعته الحقيقية... ويجب أن يجتذب الحزب إليه شيوعيين وآخرين لهم ميول متشابهة بحيث يمكن تقديمهم للعدالة... ويجب أن يتبنّى موقفاً مناوئاً للحزب الشيوعي القائم... وأن يدحض نظرياته وكتاباته باسم الماركسية .
وليس من الواضح ما إذا كان بهجت العطية قد وضع في ما بعد هذه الفكرة موضع التنفيذ-في منتصف 1949 كانت هنالك أربعة تنظيمات تنافس الحزب الشيوعي في العمل السري ولكن بصدق - ولكنه عدل عنها في تلك الأيام على الأقل. ولقد علّق ضابط الاستخبارات البريطاني ب.ب. راي P.B.Rai على الفكرة قائلاً : إنه مشروع ممتاز ولكن من الصعب جداً جداً أن يعمل, وإستناداً إلى خبرة مكتسبة في مكان آخر، فإن الأفضل هو عدم المحاولة إلا إذا كنا متأكدين تماماً من إمكانية الإبقاء على طبيعته الحقيقية سراً. ولن يؤدي الفشل إلا إلى زيادة الشيوعيين قوة. وبشكل عام فإن من الأفضل الاعتماد على نظام تسريب عدد من العملاء المدربين والذين يمكن الاعتماد عليهم إلى داخل الحزب الشيوعي، وعندما تنجح الشرطة في القبض على عدد من الشيوعيين، فإنه ينصح بمحاولة استمالة واحدٍ أو اثنين من بين الأقل شهرة منهم. ثم تجب محاكمتهم والحكم عليهم إلى جانب متهمين آخرين والسماح بقضاء مدة الحكم في السجن، وإعادة إدخالهم إلى الحزب بعد الإفراج عنهم. وقد تمر سنوات عدة بعد ذلك قبل أن يرتقي هؤلاء العملاء إلى قمة الحزب،ولكنهم لابد وأن يصبحوا من مصادر المعلومات القيّمة جداً خلال ذلك ". رغم إنهم اتبعوا هذا النهج منذ مطلع الثلاثينيات عندما اندس عبد الحميد الخطيب، العائد من موسكو وإنضم إلى الحلقات الماركسية في بغداد ومن ثم حضر المؤتمر الأول لجمعية مكافحة الاستعمار والاستثمار. وهكذا فإن الشرطة صارت تعتمد في حربها ضد الشيوعيين وبشكل أساسي، على التقنية نفسها التي يستخدمها الحزب : التسلل أو التغلغل. ومن المؤكد أن رجال الشرطة استخدموا هذه التقنية في وقت أبكر، ومنذ الثلاثينيات، ولكن بشكل فج يتسم بالهواية، بينما أصبحوا الآن أكثر صقلاًوتطوراً. وكانت ممارستهم المميزة تقوم على أساستوظيف عميلين متوازين، لا يعرف اي منهما شيئاً عن الآخر ، ولا حتى عن وجوده أصلاً... ".
كما قامت دائرة التحقيقات بإستخدام الكثير من (المرتدين) للكشف عن التنظيمات الحزبية، ولنا من مالك سيف وعبد الرزاق عبد الوهاب وباقر الفيلي وغيرهم. إذ "... استمر عبد الوهاب عبد الرزاق في مهمته لكشف أوكار الحزب الشيوعي والقبض على يهودا صديق، ولما علم بنية يهودا السفر إلى إيران ومنها إلى موسكو بعد موافقة فهد على ذلك عرض مساعدته عليه بحجة أنه يسكن خانقين ويعرف المناطق والمحلات والطرق التي يمكن أن يسلكها في سفره، وقد عرض رغبته هذه في المساعدة على جاسم حمودي عضو اللجنة المركزية الذي أبلغها بدوره إلى يهودا واتفق معه على دعوة عبد الوهاب عبد الرزاق إلى الدار الحزبية التي يسكن فيها مع رفاقه في محلة الهيتاويين، وحضر فعلا وتم الاتفاق على السفر، وبعد خروجه من الدار بساعتين، داهمت الشرطة الدار وألقت القبض على يهودا، وعزيز محمد، ( السكرتير العام السابق- الناصري) وهادي عبد الرضا في الثاني عشر من تشرين الأول 1948، وتعرض يهودا خلال ثماني وعشرين ساعة إلى مختلف أنواع التعذيب لأن التحقيقات كانت تعتقد أنه المسؤول الأول في الحزب... " .
كما كان من أعمال التحقيقات الجنائية رفع التقارير السياسية عن الشخصيات السياسية العامة وحركة الواقع السياسي والاقتصادي عن طريق مخبريها السريين المنتشرين بكل مكان، كما أمست بعد عام 1930 أكثر تخصصا مهنيا، ليأخذ عملها طابعاً استخباراتياً، لذا توسعت اقسامها توسعا يناظر، إن لم يكن أكبر، من الحراك السياسي عامة ونشاط الاحزاب السياسية خصوصا والسرية منها ذات التوجهات اليسارية والشيوعية على الاخص. حيث أن هذه الدائرة منذ تأسيسها قد شددت الرقابة على الأحزاب العلنية على العموم وأشتد حضورها الرقابي بعد أن تم إجازة عدة أحزاب في عام 1946، لأن مثلث الحكم الملكي كان يرغب في عدم توسيع نفوذ هذه الاحزاب المرخصة، في أوساط الرأي العام وبخاصة المتعلمين منهم والمثقفين. ولنا من الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري، وغيره من الشخصيات العامةـ خير مثال لمتابعتهم من قبل التحقيقات الجنائية، حيث صنقوا ضمن ملف الشخصيات العراقية المشبوه، بل كانت تتابع حتى الشخصيات غير المشبوه من الذين أفردت لهم ملف ( الشخصيات العراقية) إذ تابعت التحقيقات الجنائية تحركاتهم العلنية أو السرية.
وبصدد الجواهري الكبير فقد تابعته التحقيقات الجنائية حيث ورد في إحدى تقاريرها التي تعود لعام 1935 بالقول : "... حيث أكدت بأنه وصل ناحية المجر الكبير يوم 26/10/1935 قادماُ من البصرة ومكث هناك والغاية من مجيئه كانت الحصول على المساعدة في توزيع قسماً من ديوانه الشعري وقد جلب معه 30 نسخة لكنه لم يصادف المساعدة التي كان يؤملها. ثم ذهب إلى العمارة وتناول طعام الغذاء بدار الشيخ جعفر النقدي القاضي الأسبق، وقد بلغنا أن الجواهري فاه أثناء تناول الطعام مخاطباً الشيخ قائلا له أنه ذاهب إلى بغداد ويسعى للحصولعلى وظيفة كبيرة وسيصله خبر الحصول عليها، وإن أخفق في مساعيه فسيصله خبر شنقه، ولكن لم يتأكد ما كان يقصد المذكور من الكلمة الأخيرة... ".
كما كانت التحقيقات الجنائية تغالي في تقاريرها حول التأثيرات السلبية لهذه الأحزاب، مما وضع نشاطاتها تحت المراقبة الدقيقة وبخاصة ذات البعد التقدمي، إذ غالباً ما كانت هذه " ... الأحزاب التي أُجيزت، كانت تتهم في كل مناسبة بتهمة التخريب أو الشيوعية، وعليه كان على دائرة التحقيقات الجنائية أن تبذل جهودها لتحقيق تلك الغاية لا سيما انها أُسست لمحاربة النشاط السياسي إرضاءاً للبلاط والإنكليز... ".
وكانت التحقيقات الجنائية قد شددت أكثر فأكثر من مطارداتها للقوى اليسارية والتقدمية المستقلة منذ الحرب الباردة، عام 1947، وارتباط ذلك مع اشتداد حركة التحرر العالمية، ومارسمته المراكز الرأسمالية في التصدي للحكومات التقدمية وبصورة خاصة في منطقة الشرق الأوسط حيث نقلت الولايات المتحدة تجاربها الانقلابية في دول أمريكا اللاتينية، منذ القرن التاسع عشر، إلى المنطقة، وبالذات في سوريا منذ عام 1949-1954 ومن ثم في إيران ضد حكومة مصدق وكذلك الانقلاب المصري في تموز/ يوليو. بمعنى آخر أمست محاربة الفكر التقدمي واليساري بصورة عامة وعلى الاخص الشيوعي، ملازمة للصراع الطبقي على المستوى الكوني، وقد تكيفت التحقيقات الجنائية مع هذه الغائية، وبالتالي التصاعد المستمر، كما ونوعاً، ضد هذه الحركات والتي ارتبطت إحدى حلقاته بتكوين الاحلاف العسكرية، كحلف بغداد.
وإزاء ما فعلت حكومات العهد الملكي وتشديد قبضتها من خلال التحقيقات الجنائية والاجهزة القمعية الأخرى، فقد تحشدت بالنقيض منها القوى الوطنية ، وارتقى الوعي الاجتماعي بتجلياته الجمالية والسياسية والفكرية والحقوقية، بدلالة تعمق الانتفاضات المحلية منذ أواسط اربعينيات القرن المنصرم، وغيرها من العوامل التي أدت إلى تعميث الأزمة البنيوية للنظام الملكي من خلال "... الإحراءات الرادعة التي اتخذها النظام الملكي بحق اليسار العراقي وعدم السماح له بالنمو الطبيعي مما جعل الديمقراطية في العراق تمر بمرحلة عقم عسير لم تفد معهاكل العلميات القيصرية التي أجريت عليها... " وبالتالي كانت مساهمة النظام في وأدي نفسه يوم التغيير الجري في 14 تموز 1958.
الهوامش
** فصل من كتاب قيد الانجاز والموسوم : دور المؤسسة الأمنية في اسقاط الجمهورية الأولى
84 - مستل من أحدى دراسات المقدمة إلى مركز التطوير الأمني ضمن الدورة الثقافية الرابعة عشر لضباط الأمن ، بعنوان : دور المعلومات والخبرة الأمنية في متابعة الحزب الشيوعي العراقي، الذي تم نشره ملفات الحزب الشيوعي العراقي في أروقة الأمن العامة .
85 - صادق أطيمش، مجرمو شباط، في 6/2/2016 الحوار المتمدن، http://www.ahewar.org

86 - أحد ضباط الاستخبارات البريطانية ملحق بالقوة الجوية البريطانية في الشعبية وسن الذبان بالحبانية.
87 حنا بطاطو، ج.2، ص. 265.
88 - المصدر السابق، ص. 266.
89 - تم إعتقال باقر الفيلي عام 1952، بمعية بهاء الدين نوري وصادق جعفر الفلاحي مع حزبي آخر. ولم يصمد الأخيران فقد إنهارا أمام التعذيب. لقد تعاون الفيلي مع التحقيقات الجنائية بمطاردة الشيوعيين وبخاصة القدامى منهم .. وقد لعبا دورا في الكشف عن القيادات الحزبية. وقد تم إغتياله من قبل إحدى منظمات خط حسين للحزب الشيوعي عام 1968 في مدينة الثورة.
90- زينة شاكر الميالي، التحقيقات، ص. 197، مصدر سابق، مستل من الموسوعة السرية الخاصة، ج1، ص82-83. مصدر سابق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بدأ العد العكسي لعملية رفح؟ | #التاسعة


.. إيران وإسرائيل .. روسيا تدخل على خط التهدئة | #غرفة_الأخبار




.. فيتو أميركي .. وتنديد وخيبة أمل فلسطينية | #غرفة_الأخبار


.. بعد غلقه بسبب الحرب الإسرائيلية.. مخبز العجور إلى العمل في غ




.. تعرف على أصفهان الإيرانية وأهم مواقعها النووية والعسكرية