الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوانح

مهدي شاكر العبيدي

2017 / 5 / 7
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


-1-
ماسنيون المختلف عليه
توفي المستشرق الفرنسي لويس ماسنيون في 31 تشرين الأول من عام 1962 فبادر بعض الكتاب العرب والأجانب إلى كتابة الأبحاث والدراسات عنه ، مشيدين بنبوغه وتوخيه الإنصاف والحق والموضوعية والتجرد والنزاهة في حقل الدراسات العربية والإسلامية ، وكان منهم جاك بيرك الذي عرف بتعاطفه وقضايا العرب ومناصرته لهم في تطلعاتهم المشروعة نحو السيادة والتحرر. فغداة نعيه نشر في مجلة الآداب البيروتية مقالة ضمنها من النعوت والأوصاف ما يجلوه انه معجب بتراث العرب عامة ، والحياة الروحية في الإسلام خصوصاً ، وإلا ما بذل غاية جهده في التعريف بسيرة الحلاج وتقصي أخباره وإحياء شعره وتبيان دواعي احتجاجه على مواضعات عصره الذي ساقه سوقاً لمصرعه الأليم. وجاك بيرك مستشرق فرنسي أيضاً، وبداهة أن يحاول تبرئة ذمم المستشرقين ، وبالأخص مواطنيه من الافتئات والتغرض والتحامل ، فيما أطلعوا به من استنتاجات وأحكام ، وخلصوا له من آراء ومسلمات بشأن ماضي العرب وحاضرهم ، فلا غرو أن نعت صنوه أنه رجل الصلاة. على أن الدراسة الضافية المهمة التي كتبت هي دراسة الدكتور عبد الرحمن بدوي المنشورة في مجلة (المجلة) المصرية العدد 71 كانون الأول عام 1962م فقد عد وفاته خسارة لا تعدلها خسارة، وألمح إلى تفرده وامتيازه من نظرائه وأنداده ومجاريه في اهتماماته "بنفوذ النظرة وعمق الاستبطان والقدرة على استنباط التيارات وراء المذاهب الظاهرة والأفكار السطحية". ويستطرد من هذا التقديم إلى الإسهاب في موالاته تحصيله العلمي ورحلاته إلى مصر والعراق والجزائر والمغرب ، وحضوره مؤتمرات المستشرقين وإلقائه الأبحاث المنصفة عن سابقة العرب إلى التأليف في حقلي التاريخ والجغرافية مع انصرافه الكلي إلى دراسة النظم الإسلامية واشتغاله المتواصل بفهم أسرار الصوفية ، فكان ذلك دافعاً إلى تجديد إيمانه بالكاثوليكية نتيجة إعجابه بالإسلام وبعث الإيمان الديني في نفسه ، وان لم يؤد به إلى أن يصير مسلماً ، كما ألمح الدكتور بدوي إلى قيامه بالتدريس في الجامعة المصرية القديمة وإلقائه أربعين محاضرة باللغة العربية على طلابها ، ومدارها على المذاهب الفلسفية في الإسلام عام 1913م ، وكان من بينهم الدكتور طه حسين فضلاً عن حضوره دروساً في الأزهر حيث كان يتزيا بالزي الأزهري.
لكن هناك رأياً آخر، والرأي الآخر، مهما اختلفنا حوله أو شابته نوازع الأثرة والانحياز والتزمت بدعوى الاعتزاز بالتراث وصونه من القدح والتخرص ، أو التهوين من قيمته في أقل تقدير ، حري أن نمحصه ونجيل فيه نظرنا دون أن يلزمنا بدحضه وتفنيده أو يقتضي منا موافقة أصحابه في تخريجاتهم واستنتاجاتهم ، فالشيخ الدكتور محمد مهدي البصير الذي رحل إلى فرنسا في بداية الثلاثينيات وعاد منها عام 1937م بعد حيازته شهادة الدكتوراه في أشعار كورني الغنائية مبدياً شيئاً من التنمر وعدم مسايرة المستشرقين من أساتذة الجامعات في مونبيلية وباريس في اجتهاداتهم وأنظارهم حول الأدب العربي ، يقطع أن لويس ماسنيون وقد خبره عن كثب، طليعة المنكرين للشعر الجاهلي وشخصية العرب الأدبية قبل الإسلام ، وان غرضه من الاشتغال بالدراسات الإسلامية لا يمكن أن نبرئه من الغايات والدوافع المستهدفة تشويهه والطعن فيه، ممتثلاً بإمرة الدوائر الاستعمارية الفرنسية التي لا تدخر وسعاً في التهوين من قيمة تاريخ الشعوب وتراث الأمم الممتحنة بجورها واستعبادها ، ويتعدى هذا الحد من التشكيك والتجريح إلى الزعم أنه لم يعف بالمرة عن التجسس والفضول والوقوف على الآراء السياسية التي يعتنقها طلابه من العرب ومشاعرهم نحو فرنسا، وقد جهر برأيه هذا في فاتحة كتابه / بعث الشعر الجاهلي / عام 1939م.
شئت أن أجعل عنوان المقالة ( ماسنيون المختلف عليه ) ولم أقل المفترى عليه تحرزاً أن تستطيل الدعوى ويعظم فيها المراء والجدل ويطول الظلم والحيف أن يوصم بالشبهة امرؤ لم يمل من ترديد الآية الكريمة ، { قل اني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحداً }. الآية 22 من سورة الجن. مقتفياً منهاج صديقه الحلاج ومترسماً أثره.



-2-
ماكس نورداو

هام ثلاثة من أعلام الشعر والكتابة الأدبية ومعهم سائر محبي الفنون بنتاجات هذا المفكر الذي ذاع صيته في نهايات القرن التاسع عشر ، وانصرقوا لتبسيط أفكاره وتفسير آرائه حول شتى وجوه العلم والفلسفة والحضارة الإنسانية ، وهذا الرَّجل الثاقب النظر ، المتين الشخصية هو ماكس نورداو الأوربي النشأة والتحصيل إذ كنت أجهل موطن نشأته ويفاعته واضطرابه بين أفراد مجتمعه ، فأمَّا الثلاثة المفتونون بنزعاته وضروب تفكيره ، وصدعوا بواجب نشرها وتهيئة دعاتها ومريديها ، فهم خيرة شباب الأدب الفلسفي الطالع آنذاك:- العقاد ، والمازني ، وعبد الرحمن شكري ، فقد كتب الواحد منهم بضع مقالات نشرتها المجلات المصرية عنه كان آخرها ما نشره الأخير في مجلة الرِّسالة بعد مضي سنوات طوال على وفاته ، وبعد أنْ غدا منسيا ً لا يخطر ذكره ببال ، وإذ أولع به اولاء الأقطاب الثلاثة ، لاسيَّما في مبتدأ حياة الأولين منهم ، ولمَّا يستقم عودهم ويطل عهدهم بمراس الكتابة ، كان الوسط الفكري والأدبي مقفرا ًمن الأساطين المالئي الأعين واليهم ترنو ومن وحيهم تستوحى الخطرات والمنطلقات ، لا من الغربيين الذين امتزجت ثقافتهم بثقافتنا ، على ما هي عليه من تقليد وترديد ولا من الشرقيين التواقين لشيء من التجديد والتحسين سوى ما يؤثر عن:- محمد عبده ، وقاسم أمين ، وشبلي شميل ، من الإلواء بأنصاب الجهالة وتسفيه الخطل والبهتان والعماية ، وكان ذلك مثل بدعة طارئة على الساحة الفكرية ، كالتي نشهدها مؤخرا ًهذه الأيام ، من نزوع بعضهم لشرح معنى التفكيكية أو البنيوية ، وزج أسماء الأعلام الأوربيين في سياق عباراتهم للدلالة على حسن استيعابهم وغزارة تحصيلهم ، دون أنْ تفوز بطائل ٍ من كتابات كهذه ، وفي بيئاتنا ومجتمعاتنا من المعاضل والأدواء المستعصية الحرية بالنظر والتحليل ما يتوجب معه تكريس طاقاتنا وجهودنا ووقفها عليها لا أنْ نعنى بما نخاله ترفا ً نحجم أنْ ننعته بالفكري والفكر أوفى حرمة ً وأنقى ذمة ً وأنأى عن الإبتذال.
ومجمل ما عرف به ماكس نورداو من كلم مغرق في اليأس والتشاؤم ويكاد يشبه هذيان المحموم هو أنْ لا مستقبل سعيد توفي عليه الآداب والفنون الجميلة عموما ًفي كلِ لغات العالم،ذلك أنَّ علم النفس يقول لنا أنَّ التطور طريقة من الغريزة إلى المعرفة ومن العاطفة إلى الموازنة والحكم ، ومن التفكك إلى الإنتظام في إتصال الخواطر ، فليس بعيدا ًذلك اليوم الذي يغدو فيه الشِّعر والرِّواية من قبيل ألهيات الأطفال وقلما يكترث لهما أحد لأنـَّهما يزدادان انحطاطا ًولأنـَّهما لا يترجمان عن الحقائق الإنسانية التي يمكن أنْ نتلمسها في معامل الطبيعة والكيمياء ، تلك هي عصارة فكره التي نستخلصها مما أسهب في الإبانة عن بنات ذهنه المهووس المرحوم ابراهيم عبد القادر المازني وضمنه تعليقاته واشاراته واستطراداته الذكية وما ينسحب عليها من الخواطر والشجون إلى ما يعتري بعض العقول ويستولي عليها من القنوط في غدٍ ترفل فيه الإنسانية بالصفو والإزدهار ، لأنهم أصلا ًيغفلون العامل الإنساني من حسابهم ويسقطون الطبيعة البشرية من تقديرهم وينفون العاطفة الإنسانية من وجدانهم إلى مكان قصي ، ويعتدون ما يتوالد عنها وتخلفه من ثمرات الآداب وهما ً وأكذوبة ًوخداعا ً.
ولماكس نورداو سوانح وشذور غيرها تتعلق بالحياة الإنسانية ينافح عنها بشيء من السفسطة والجدل البيزنطي دون ان يفضي إلى نتيجة نهائية ، فهـو ينكر مثلا ًظهور جماعة الأفراد الممتازين ذوي الـملكـات الراقية ممن يرسمون لبني جلدتهم مستقبلهم ، ومقابلهم سائر الخلق الذي يقف عقبة في طريقهم ويعترض على ما يخالج وجدانهم من توق إلى المثل العليا ورغبة في ان تستوي الحياة على الكمال وتنتفي منها الأكدار والشوائب.
بقي أخيرا ً أنْ نعرف أنَّ هذا الرجل يهودي كما قيل عنه وليس لدينا أيُّ تحفظ أو اعتراض على هذا الحال ، بَـيـْدَ أنـَّنا نذم من بني صهيون وحفدة شايلوك ديدنهم في مباينة المألوف السَّائد من القيم والمواضعات والجهر بمناقضته والحيدة عن اتباعه وانتهاجه ليدللوا على جدارتهم وتفوقهم على سائر المخلوقات،وانـَّهم وحدهم الخليقون بتغيير العادات والمسلمات والنواميس .... فما سر إقبال الجهابذة الثلاثة على درس فلسفته وعنايتهم بشرحها وتحليلها .... وتحملهم على مشقة وعناء مضن ٍفي التعليق عليها وتقريبها من الأذهان بما عهد عنهم من بيان آسر ولغة جميلة؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غرقُ مطارِ -دبي- بمياهِ الأمطارِ يتصدرُ الترند • فرانس 24 /


.. واقعة تفوق الخيال.. برازيلية تصطحب جثة عمها المتوفى إلى مصرف




.. حكايات ناجين من -مقبرة المتوسط-


.. نتنياهو يرفض الدعوات الغربية للتهدئة مع إيران.. وواشنطن مستع




.. مصادر يمنية: الحوثيون يستحدثون 20 معسكرا لتجنيد مقاتلين جدد