الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ع الضيعة يمة ع الضيعة

جوزفين كوركيس البوتاني

2017 / 5 / 9
الادب والفن


هنا في مقهى المغتربين
او بالاحرى مقهى الفارين من بطش الدخلاء
ومن الانصياع لمسؤول القطيع الذي مهامه اولا واخيرا هو اطاعة الدخيل الذي يرحب به فرحا
ليمنح قطيعه الوديع
كهبة فقط ليرضه ويرضى عنه
وعن بطولاته الوهمية
ليساقوا الى المجزرة التي نصبت خصيصا لهم .
في هذه المقهى القديمة اكتشف انني لست وحيدة . وان لي اخوة طيبون من كل اصقاع العالم
هناك من هم من بلدي
وهناك من هم من البلدان المجاورة
وهناك من هم بلدان
لاتخطر
على البال مثل
التبت، والبرازيل، بوليفيا، غواتي مالا، نيبال
وكان لي الشرف بالتعرف على شعوبها المنهوبة مثلنا
شعوب فقيرة ولكنها غنية بمواردها.
واما صاحب المقهى هندي الاصل وطيب القلب تراه يرضي جميع الاذواق اي ينوع بالاغاني التي يبثها في المقهى مذكرا اياي بقناة العراقية الوحيدة التي كنا نتمتع بمشاهدتها يوم ذاك وكانت القناة المدللة لدى الجميع كل يوم بين السادسة والسادسة النصف مساءا تبث فترة( من كل قطر اغنية)
وهذا المقهى تضم من كل قطر
نفرا فارا
نفر ظال
نفرا كان اخر (العلاج الكي اي الفرار)
الهروب الى اي مكان
يوهم الفار أنه بأمان ولو امان مؤقت
ومعتقدا الحياة الجديدة ستعيد اليه كرامته المنهوبة مثل خيرات بلاده.
وانا جالسة بينهم استمع الى اغانيهم الجميلة
وفي يدي رواية حكاية زهرة للرائعة حنان الشيخ
احداثها تدور في افريقيا اقصد أفريقيا المنهوبة ايضا من قبل حكام مرضى نفسيا عثرت عليها هنا في المكتبة المركزية هذا يؤكد لي علينا ان لا نخاف من التعتيم الاعلامي (العربي) على بعض كتابنا الذين لهم ثقلهم طالما هناك مكتبات عالمية تصون ابداعاتهم ليعثروا عليهم قراء شرهون مثلي هنا عثرت على حميدة النعنع
مي زيادة
انعام كججي
حنان الشيخ
وسلامة الخياط
وغيرهن من المبدعات
آه. اليوم صاحب المقهى
يبدو انه يتعمد التحرش بي لان صوت شحرورة الشرق جعلني اضع الكتاب جانبا
واتفرغ لها وللوجع الذي اصابني فجأة
اغنية تهزني تشد اذن الذاكرة بشدة
وانا جالسة اراقب كوب القهوة واخوتي بالغربة
استمع الى أغنيتها الرائعة (ع الضيعة يمة ع الضيعة وديني وبلاها ه البيعة)
آه يا صباح
انت بكبشة توت ضيعتي قلبك في بيروت
لم تذهبي بعيدا مثلي
انا يا صبوحة
ضيعوني بحفنة دولارات سلبوا بيتي منحوني خيمة كهبة
وطارت الخيمة
وطرت انا الى هنا
او بالاحرى طيروني
كما كان ابن جارنا الطيب طيلة الوقت يطلق حمامته ليصطاد بها حمام غيره متباهيا بحيله المخجلة امامنا
ملفوفين بالانبهار من طريقة تصفيقه
يصفق كالحمام تماما
وحمام السلام تستجيب له فرحا
بعد ان تدور حول رأسه وحول الضحية
ثم تعود اليه طائعة
واما انا واخوتي فلم نعود
كسرت الغربة اجنحتنا
وكل منا ركن في زاوية بعيدا عن الاخر بحكم التقسيم الذي ترتبه لنا (يو ان) الكريمة صاحبة الفضل الأكبر بعثرت العوائل والامم ايضا. ان صح القول بحجة الانسانية.
والمهاجرين اقصد الفارين العزل من امثالنا اسعد لحظة في حيا تهم هو يوم ترضى عنهم (اليو ان)
آه يا امي
كم هي موجعة الغربة
كم هي مرة
تعالي يا امي
نعد الى الضيعة وبلاها الهجرة
الم تقولي ان يد (الله) تحرس الفقراء اذن علام تخافين من العودة الم تقولي لا شيء يبقى على حاله
هه يا امي
ما رأيك نقوم بلم كل اخوتي المبعثرين كل في مدينة ونعود بهم الى بيتنا الى ضيعتنا
تذكرت امي بعيدة عني هي الاخرى في مدينة غير مدينتي الموقرة
ها وانا أطلق العنان للذاكرة المحبوسة مثل دموعي أطلقتها كما يطلق الحارس الليلي كلابه الشرسة
لتتعقب اثار لصا جائعا او قاتل مأجور يبحث عن ضحية لا يعرفها لكنه في مهمة وعليه انهاءها قبل طلوع الشمس.
وها انت من جديد. جالسا قبالتي
كعادتك جئت للمشاركة
تنقر بيدك الباردة على كفي
كدت تدلق القهوة علي حتى مزاحك موجع مثل غيابك
وها انا اعود جميلة ممتلئة بالحياة
اطرز المناديل الملونة لعرس ابن المختار اطرزها بالنمنم الملون وانت واقفا على رأسي تراقب اشغالي اليدوية فرحا ثم تهمس قائلا
ماذا تريدين ان اجلب لك عند عودتي
أرد بخجل مفتعل
نفسي الدنية تشتهي
كبشة تفاح مجفف كما تشتهيك
تضحك مقهقها بصوت عالي تتركني وتمضي راضيا سعيدا
دون ان تلتفت الي
لتعود في اليوم التالي وفي يدك الكريمة كيس مليء بالتفاح المجفف ترمي به في حضني ثم تضمني
ياه كم انا دنية تصور منحتك نفسي قبالة كبشة تفاح مجفف. ربما لان اول تفاحة ذوقتها كانت من يدك
اجل كنت
اول قضمة
اول ضمة
اول شمة
يومها تبعتك تاركة خلفي حياة المدن المملة
تبعتك متباهية بك وبنفسي
كأي فتاة مدينة
متحضرة
نظرة
مدللة
تبعتك
وتحت أبطي مجلة ( البوردة ) لأني ببساطة كنت من المولعين بمتابعةالموضة
وكل ما هو جديد
لكن مجرد ما تبعتك تخليت عن كل شيء ومن يومها
وانا بملابس الريف بوشاحي الاخضر
ذلك الذي اشتريته لي من سليمانية يوم كنت جندي هناك
ومن يومها وشاحك الاخضر لا يفارقني
يلازمني كما لازم الوسام ابن عمي البطل
الذي جرح في احدى المعارك التي خسرها
مداريا به هزيمته النكراء وحين مل من وسامه
انتحرملفوفا به بطلقة رحمة
خاسرا الاولى والآخرة
وانا ربحت الوشاح الاخضر
وخسرتك
هه انت تختفي
وانا أكمل قهوتي برفقة الشحرورة صوتها الذي يقرصني بوجع
كما كانت تقرصني ابنة الجيران بقوة بحجة انها تهنئني على النجاح الذي لا تستحق درجاته كل هذا القرص
وكلاب ذلك الحارس الليلي لا زالت تنبح بالجوار
وها انا صبية مطيعة
اتذكر بوجع كيف
كان ابي يأخذني كل صيف الى القرية وعند فتح المدراس
يعود جدي بي محملا بالبرغل والجريش وغيرها من خيرات الارض ناهيك عن جرة العسل والجبن المطمور التي كانت جدتي ترسله لنا لان راتب ابي العسكري بالكاد كان يغطي مصاريف الايجار والبيت وكنا نسميها (المونة) والفواكه المجففة وضفائر الثوم وقلائد الفلفل الاحمر الحار والخ الخ
طيلة الصيف انا مطيعة وتحت امرة جدتي اساعدها بكل صغيرة وكبيرة وكم كنت اتلذذ بذلك اي تجعلني احس انني كائن يمكن الاعتماد عليه كما انني حرة بعكس حين اكون في المدينة
لان امي كانت تحبسنا وتحاصرنا بنظراتها الحادة وتمنعنا من الخروج وذلك خوفا علينا من الغرباء
كانت تردد بهلع تذكروا حياة المدينة غير حياة الريف واليوم يا امي
تركنا المدينة
وتركنا الريف
وكل منا تبعثر في مكان كل يبعد عن اخر مسافة يوم بالطائرة
بعزقونا كمن يبعزق حفنة سمسم في ارض خربة
آه يا امي
لقد نالوا من ابناءك
ومنك
ومن حرصك الشديد علينا
هه يا صباح ماذا تريدين مني
اتركيني لحالي هه؟
لماذا تقرصيني بقوة كما كانت تفعل بنت الجيران الخبيثة.
ماذا تريدين ان اخبرك
او أخبر نفسي التي تدعي النسيان وأنها لا تنظرالى الخلف
الست في مقهى جميلة مطلة على البحر اذن ماذا اريد اكثر من هذا؟
صحيح اغنيتك اخذتني الى ضيعتي الجميلة
المطلة على نهر خابور (مايا رابا) اي النهر الكبير وذلك لانه كبير ومخيف وسرق الكثير منا
وكنت اقضي اجمل اوقاتي على النهر برفقة ابنة عمتي كنا نذهب خلسة دون علم احد واحيانا يصطحبنا ابن عمتي الكبير هو ينشغل بالصيد انا وابنة عمي بالسباحة محذراايانا على ان لا نذهب بعيدا ابن عمتي فقد بأحد الحروب الكثيرة التي مررنا بها وانا وابنة عمتي هنا كل تواسي الاخرى بالذكريات
وجدتي الحريصة تردد قائلة احذروا النهر احذورا من
الدوامة فهي لا ترحم احد اياكم ان تقتربوا من (مايا رابا )
فهو غدار لا يرحم غدر، بربع اهل القرية
سرق اطفالا ورجالا
وشيوخا ونساء اخذهم
بزلة قدم من على صخوره الملساء وأنتم اقدامكم صغيرة هه
يا صباح ماذا اخبرك بعد ان نفذ المخزون او تسرب لا اعرف ماذا حل به
سأسكب المتبقي منه ردا على كلامك الموجع
أكثر ما علق من بقايا الطفولة يا صباح هي تلك الايام التي امضيتها برفقة جدتي الطيبة العنيدة
واذكرها بأدق تفاصيلها بأسى
كيف كانت جدتي توقظنا عند شروق الشمس انا وابناء عمتي وترسلنا بعد ان تضع في يد كل منا صفيحة (الدهن الراعي)
وهي تقول
اذهبوا خلف القطيع ولموا روث البقر
كنا نسرع خلف القطيع ونملء الصفحية الروث
نعود محملين لنفرغه بجانب البيت لكي
تصنع جدتي منه (مطال) لتشجير التنور كانت تعجنه وتصنعه على شكل اقراص وترصه في الشمس ليجف لان اهل القرية يقدسون الشجر ولا يقطعون اشجارهم للتنور الا إذا جفت الشجرة من تلقاء نفسها او عند تقليمها لذا كانوا يستخدمون روث البقر عوضا عن الحطب
واذكر مرة عدت وانا محملة بالصفحية كنت منهكة جدا حد الذي جلست تحت شجرة التوت التي كانت تتوسط الحوش وغفوت تحتها من شدة التعب
استيقظت على صوت جدتي وهي تهزني ماذا بك انهضي اغتسلي واذهبي الى الفراش هل انت مريضة.
استيقظت وقفزت شعرت بلسعات في ظهري قلت وانا اتقافز من الخوف ياجدتي هناك شيء يلسعني رفعت ثوبي الطويل وقالت ضاحكة لا تخافي
انه النمل الأصفر، هذا يعني ان حظك حلو وستنالين كل ما تتمنين انت محظوظة يا عزيزتي الصغيرة والحياة ستعطيك كل يوم حلوى وكل ما تشتهي نفسك ومن يومها كلما اعتطني الحياة حاجة حلوى اشكر النمل الأصفر واشكرك.
ولا أخفي عليك انت كنت اطيب حلوى ذقتها في حياتي
ورغم أنك لم تعد موجود
الا ان طعمك لازال لاصقا في سقف الذاكرة
سكتت صباح
وسكت انا
وذهبت انت
وسكتت كلاب الحارس الليلي
وعدت لاكمل الرواية مخاطبة حنان
قلت لها بصوت شبه مسموع
اتعرفين يا حنان
في يوم ما سأكتب حكاية امرأة ريفية كيف منحت نفسها قبالى كبشة تفاح مجفف
ولوعت يا حنان
الى قريتي بأذن الله
سأدعوك
كضيفة عزيزة
وسأمنحك كبشة تفاح
كبشة مشمش
كبشة بابونك
كبشة زعتر
وجرة عسل
اما اذا الزمت بالبقاء
لاسباب انا نفسي لا اعرفها
سأعزمك على فنجان قهوة مرة، كما تعلمين بالغربة لا نملك سوى فنجان القهوة وحكايا الجدات !

جوزفين كوركيس البوتاني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف


.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي




.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد