الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانية جدل المفهوم

وليد يوسف عطو

2017 / 5 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


علمانية الدولة وعلمانية المجتمع

يقاس العصر الذي نعيش فيه بقدر ة المجتمعات والدول على احترام الحريات وحمايتها,والتعددية الثقافية والفكرية والدينية داخلها .لقد شمل الاعلان العالمي لحقوق الانسان حرية الفكر والدين وحرية الراي والتعبير ويشمل هذا الحق حرية تغيير الديانة او العقيدة وحرية الاعراب عنهما بالتعليم والممارسة واقامة الشعائر , ومراعاتها , سواء اكان ذلك سرا ام مع الجماعة .

كذلك جاء في باب حرية الراي والتعبير على ان لكل شخص الحق في حرية الراي والتعبير ,ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الاراء دون اي تدخل .واستقاء الانباء والافكار , واذاعتها باية وسيلة كانت , دون تقيد بالحدود الجغرافية.كما يحق لكل انسان التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في الاعلان العالمي لحقوق الانسان دون تمييز , كالتمييز بسبب العنصر او اللون ,او الجنس ,او الدين او الراي السياسي , او اي راي اخر , دون اية تفرقة بين الرجال والنساء.( هشام آدم : المسلمون الجدد- في نقد الاسلام المعتدل )- ط 1 – 2017 – اصدار دار سطور – بغداد – شارع المتنبي .

الملاحظة الاولى في بنود اللائحة الدولية لحقوق الانسان هي الوضوح والمباشرة في استخدام الجمل والمصطلحات والتي لاتقبل التفسير والتاويل .بينما تاتي اشكالية النصوص الدينية من عدم قدرتها على الانسجام مع الواقع المتغير وذلك بسبب اكتساب المعنى صفة ( القداسة).انه من المعيب ان تكون فكرة تعبير غير المؤمنين من اللادينيين والملحدين عن عدم ايمانهم في القرن الحادي والعشرين امرا محل نقاش وجدال .في حين تعتبر فكرة اعلان المؤمنين عن افكارهم شيئا طبيعيا .

ان شعور المؤمن بالاهانة لمجرد ان صرح احدهم برايه المخالف لما يعتقده المؤمن هو شعور غير مفهوم وغير مبرر .ان التعبير عن راي يمس مشاعرك تجاه قضية معينة ,لايعتبر تعديا على حريتك في التفكير , ولكنه فقط راي مخالف لرايك .ومما تجدر ملاحظته في بنود الاعلان العالمي لحقوق الانسان انها لم تضع اية استثناءات على الاطلاق .لان الحريات العامة مسالة حقوقية .

كما ان هذه الحريات ليست منحة او هبة يتفضل بها القانون على احد , بل هي حقوق اصيلة للافراد , لان الانسان يولد وهو متمتع بخصال التفكير والرغبة في التعبير عن افكاره . ومسالة تقييدهذه الحريات يتعارض مع الفطرة الانسانية السليمة .

يقف الاعلان العالمي لحقوق الانسان على مسافة واحدة من كل الديانات والعقائد والافكار ,بغض النظر عن مصدرها او تعاليمها,او عدد معتنقيها طالما التزمت بالحدود المعلومة للحريات .اضافة الى ان البنود المتعلقة بحرية التدين تنص بصيغة شديدة الوضوح على حق تغيير الدين او المعتقد .وبذلك يكون تطبيق حد الردة في الاسلام يتعارض كلية مع الشرعة الدولية لحقوق الانسان .

وبهذه المقدمة البسيطة نعرف تماما ان الفكرة القائلة بان العلمانية ضد الدين هي فكرة مكذوبة ولا اساس لها من الصحة , اذ كيف تكون العلمانية ضد الدين وتنشر الدول العلمانية وثيقة دولية تعترف فيها بحرية التدين . انما العلمانية ضد مصادرة حقوق الاخرين في التدين والتعدي على هذا الحق الاصيل والتعبير عن افكارهم الدينية .

يخطيء الكثيرون عندما يخلطون بين حرية التدين وضرورة احترام الاديان او الافكار الدينية , اوحتى اللادينية .ان الافكار محترمة فقط لمن يعتنقها ويراها كذلك ,ولكن لايمكن الزام الاخرين باحترام افكار او اديان قد لايرون انها محترمة او حتى عقلانية بالنسبة اليهم .

ومن اجل ذلك فان الدول العلمانية تسمح بانشاء واقامة الكنائس ,وفي الوقت نفسه تسمح بنقد المسيحية والسخرية العلنية منها ومن رموزها التاريخية.ولايجد المسيحيون في الغرب اي تعارض بين حرية الاديان وبين حرية السخرية من الاديان , طالما لم يحدث تعد واضح وصريح يمس بحرية التدين ,او اقامة الشعائر والطقوس الدينية .
ان حرية التدين تتيح لك اعتناق اي فكرة مهما كانت سخيفة , او لاعقلانية ,فهذا هو حق يكفله القانون .اما الفكرة نفسها فهي ليست محمية من النقد والسخرية ,طالما ان البعض راى انها تستحق السخرية .وهذا ايضا احترام لحق الانسان في التفكير . لذا لايمكننا عبر حرية التدين مصادرة حرية الاخرين في تحديد موقفهم من الافكار الدينية .لذا يظهر بطلان فكرة احترام الاديان والتي تروج لها المؤسسات الاسلامية مثل الازهر تحت غطاء قانون ازدراء الاديان , وهو قانون يمكن وصفه بانه قانون قمعي وارهابي ويتعارض مع اللائحة الدولية لحقوق الانسان , وخصوصا البنود المتعلقة بحرية الراي والتعبير , لان حماية الدين بالنسبة اليهم هي غاية بحد ذاتها وهدف اساس .وهنا تكمن مشكلة الفكر الاسلامي في مقابل قيم الحداثة والديمقراطية والعلمانية والتي لاتتعامل مع الافكار الدينية او اللادينية بقداسة , وانما تعتبر الافكار نتاجا بشريا قابلا للنقد او السخرية .

لذا فان العلمانية تقوم على الوقوف على الحياد تجاه جميع الافكار والمعتقدات والديانات . والحيادية هنا لاتعني احترام جميع الافكار والمعتقدات , بل تعني المحافظة على المسافة بينها ,بالاضافة الى المسافة التي تفصل بين ماهو خاص ومابين هو عام ,وبين ماهو تعدي على حقوق الاخرين .

ان العلمانية تعطي حق الشخص في الترشح لاي منصب سياسي , او اداري في الدولة,هذا الحق لاعلاقة له بالافكار والمعتقدات التي يحملها الشخص ذاته .اما الدعوات الى القتل والاقصاء فهي تستوجب قمعها فورا ,لان هذه الافكار لاتعتبر من الحريات الشخصية , لانها تجاوزت الحق الشخصي الى حقوق الاخرين .

ان الدين هو فكرة , والفكرة تحمي نفسها بان تكون من داخلها صالحة ومترابطة ,فتفرض احترامها ووجودها ضد النقد الذي يوجه اليها .القانون يحمي الانسان صاحب الفكرة ويضمن له نشر فكرته والتبشير بها ,لكنه لايحمي الفكرة نفسها من النقد.لذا فالعلمانية ليست ضد الدين ولكنها تعمل على الوقوف على الحياد تجاه الاديان ومختلف وجهات النظر الدينية. فتتعامل مع الدين كمشد روحي للافراد في المجتمع , ولا تتعامل معه باعتباره مرجعية سياسية .

الدولة العلمانية لاتتدخل في ضمائر الناس , ولا تمنع احد من ممارسةمعتقداته , بل تمنعه فقط من افتراض ان تكون تعاليم دينه قانونا للدولة . ونظرا للطبيعة الخدمية للدولة فانها تهتم بالجانب المادي والواقعي للافراد وتقديم الخدمات لهم :تنمية ,تعليم ,مستشفيات ,علاج .لان هذه المتطلبات يتساوى فيها الجميع , ولكنها بالمقابل لاتتعامل بالجانب الروحي لهم .اذ ان هذا الجانب يختلف من شخص الى اخر .

ان الحفاظ على القيم الاخلاقية هي من مسؤولية المجتمع ,لان من يرى انها مسؤولية الدولة سيظل يرى ان الدولة عاجزة . وهو نفس راي الاسلاميين عندما يرددون دائما عن افتقاد الغرب الى القيم الروحية , بينما العكس هو الصحيح . يفرق الباحث هشام آدم بين الاخلاق والمعيار الاخلاقي . فالاخلاق مشتركة , بينما المعايير الاخلاقية تختلف من مجتمع الى مجتمع اخر .

لذا يصل الباحث هشام آدم الى استنتاج مهم جدا وهو :
(ان الاسلام كايديولوجيا دينية ,هو الذي بطبيعته ,وليس بتاويل المسلمين له,يقف ضد قيم العصر,وليس ان هذه القيم تمت صياغتها خصيصا لمحاربة الاسلام ,وليست هنالك ديانة او معتقد اليوم في تصادم مع قيم العصر سوى الاسلام ..ان الاسلام لم يستطع التاقلم والانسجام مع قيم مجتمع علماني ..).
يقول هشام آدم ان الدين الاسلامي فرض نفسه بقوة السلاح . هذه الظاهرة انتجت التدين الزائف وظاهرة النفاق والمنافقين , وهو يظهر في ظاهرة الارتداد عن الاسلام بعد وفاة محمد .

مسك الختام :
من مضمون المقال يتبين لنا معنى العلمانية الحقيقي وزيف وكذب وتدليس الاسلاميين على مفهوم العلمانية .لذا علينا التفريق بين الدولة العلمانية والدولة المدنية والتي يرفع شهارها الاسلاميون والتي تعني بالنسبة اليهم تطبيق الشريعة الاسلامية , بما فيها حد الردة .
ليكن المواطنون مسلمون في بيوتهم وعلمانيون في المجال العام ..

لنعمل على علمنة الدولة والمجتمع !
نعم للعلمانية وللمساواة ولحقوق الانسان !
على اليسار العراقي الا يخلط بين الدولة العلمانية والدولة المدنية !
على اليسار العراقي الايتحول الى حزب اسلامي !

نعم لدولة المواطنة والقانون والمساواة !

نعم لكرامة المواطن !

الشرعة الدولية لحقوق الانسان دستورنا !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العلمانية تحتاج قرار سياسي
نضال الربضي ( 2017 / 5 / 10 - 07:44 )
العزيز وليد،

تحياتي و محبتي لكم!

دعنا نسأل أنفسنا: كيف تتحقَّق العلمانية؟

ربما نُحسن أن ننظر إلى النموذج التركي: أتاتورك يلغي الخلافة، يغير القوانين، يغير التعليم، تبدأ العلمانية بالنمو، تصل تركيا لمرحلة جيدة تبدأ فيها دعوات لانضمامها للاتحاد الأوروبي.

قرار سياسي.

يتم انتخاب الحزب الإسلامي، يعود الخطاب الديني بصورة مقنَّعة، و مع مضي الوقت، نصل لاستفتاء تتحول فيه تركيا بالتدريح للنظام الرئاسي بدل البرلماني، و يلمع أردوغان نفسه كرمز وطني إسلامي (خليفة مودرن)، و تبدأ مبادئ العلمانية بالتقهقر لصالح فكر رجعي.

قرار سياسي.

لا يمكننا أن نركن لوعي الشعب، فالجماهير تحتاج إلى من يُسيِّرها، و لا يمكنها أن تصل للمرحلة التي تستديم فيه نفسها بدون قيادات واعية، هذا مستحيل لم يحصل في التاريخ و لن يحصل (و هذه نقطة لم يفطن لها الشيوعيون و كانت سبب سقوط نظريتهم و تطبيقاتها).

إذا ً يبقى حديثنا عن العلمانية نوعا ً من التوعية، من بناء الفكر، تغير الإدراك، لكن نطاقه محدود فردي، فإن لم يتم تبنيه سياسيا ً، بقي ترفا ً أو في أحسن الأحوال غذاء ً للمكتبات.

كم نحن بؤساء في هذه البقعة من الكوكب!

محبتي لكم!


2 - الاخ نضال الربضي المحترم
وليد يوسف عطو ( 2017 / 5 / 10 - 16:31 )
طاب مساؤكم اخي نضال..

العلمانية صيرورة تاريخية ظهرت في اوربا بفعل الثورة الفرنسية وظهور الراسمالية والاصلاح البروتستانتي وفلاسفة عصر التنوير ..

اتحذت العلمانية في الغرب اربعة اشكال مختلفة ..العلمانية فيالولايات المتحدة وفي بريطانيا وفي فرنسا وفي الدول الاسكندنافية ..

وهي قتئمة على نظام مؤسسات راسخة غير موجودة في تركيا ..

علمانية تركيا الحادية وليست محايدة وتعتمد على دعم مؤسسة الجيش وليس على مؤسسات ديمقراطية راسخة ..

العلمانية في تركياحديثة الظهور ..

هنالك اشكالية بنيوية في المجتمعات الاسلامية ساكتب عنها في مقال قادم ..

قصدت من مقالتي تعريف العلمانية والفصل بين مفهومي الدولة العلمانية والدولة المدنية...

يتبع ..


3 - الاخ نضال الربضي
وليد يوسف عطو ( 2017 / 5 / 10 - 16:42 )
تتمة ,,,وانتقدت استخدام اليسار لمصطلحات فضفاضة مثل الارهاب والشعب الذي لااعرف مصدره والديمقراطية والامة حيث قدمت تعريفا انثروبولوجيا للامة العراقية التي لم يعد لها وجود حاتليا واسطورة الامة العربية ..

صديقي نضال .. كتبت سلسلة مقالات عن العلويين في تركيا وتبين لي ان النظام التركي علماني في المظهر وطائفي وعنصري في الجوهر وثد اضطهد العلويين مثلما يضطهد اليوم الاكراد..

وقام بابادة المسيحيين واضطهاد اليهود وباقي الاقليات ..

لايكفي للقرار السياسي ان يخلق علمانية رغم ضرورته ..

العلمانية نتاج تفاعل عوامل كثيرة ..

لاتوجد نسخة واحدة من العلمانية ولايمكن ايستنساخها ..

اما قولك اننا لايمكن ان نركن الى وعي الجماهير .. الفرد الاوربي تميز بالمبادرة الفردية والعقل النقدي والفردي ..

بينما العقل التركي لايزالملوث بالعقل الدائري الجماعي عقلية القطيع والعشيرة في المناطق الريفية من تركيا ..

ختاما تقبل مني وافر مودتي وتقديري ..


4 - العزيز وليد يوسف عطو
نضال الربضي ( 2017 / 5 / 10 - 19:30 )
صديقي الجميل،

أعتقد أن علمانية تركيا ابتُسِرت، و تم إجهاضها قبل الأوان، خرجوا من الحرب العالمية الأولى و قام أتاتورك بجهد ٍ جبار، و بدؤوا في التقدم، ثم ما لبثوا أن انتكسوا بصعود الإسلام السياسي الذي هو وصفة للخراب و الرجعية أينما حل، لم يعيشوا ملء تجربتهم، وعيهم كشعب لم يكن كاملا ً لم يتغير كما لدورته لم تمت أن تغيره، لذلك جاؤوا بأردوغان و سلموه رقابهم من جديد، و كأنك يا أبو زيد ما غزيت.

هذه المنطقة من العالم يحكمها الأموات من قبورهم لذلك لا أمل أن تصل يوما ً للعلمانية، ربما فقط إلى جوانب منها، إلى مظاهر، إلى ممارسات، لكن ليس إليها كجوهر أو وعي ينطلق منه إنسانُها.

أحيانا ً حينما أنظر ُ بمزيد ٍ من الموضوعية أقول لنفسي: و ما الذي يفرض أن تكون العلمانية هي الحل، أليس أن طبيعتنا كبشر تحمل في ذاتها بذور الحياة و الموت معا ً، أليس العقل فينا يحارب نفسه حينما يُنتج المنطق و المشاعر المتضاربة من ذاته فيتصارعان فيه؟ إذا ً من قال أن العالم يجب أن يكون علمانياً؟ من الطبيعي إذا ً أن يكون هناك غرب و شرق!

مرة أخرى و كما قلت لصديقنا قاسم: البيولوجيا و علم التطور مفتاح فهم نوعنا!

دم بودٍّ!

اخر الافلام

.. لابيد: كل ما بقي هو عنف إرهابيين يهود خرجوا عن السيطرة وضياع


.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #




.. خالد الجندي: المساجد تحولت إلى لوحة متناغمة من الإخلاص والدع


.. #shorts yyyuiiooo




.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #