الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نكبتي ولجوئي

عطا مناع

2017 / 5 / 10
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


نكبتي ولجوئي

بقلم : عطا مناع

مدخل

لا بد ان اعترف انني بت اخشى الإبادة بتعبير ادق فقد اصبح القلق رفيقي الوحيد، احاول جاهداً ان اتقوقع في ذاتي وأدجن نفسي لتستوعب الواقع الذي يسحقني فكرياً ويصادر احلامي وتطلعاتي التي كبرت معي كواحد من جيل عايش اوجاع اللاجئين الاوائل دون جدوى.

ادرك ان الصراع مع الكيان الصهيوني تجاوز قضية اللاجئين ليشمل كل الشعب الفلسطيني اينما وجد، لكنني وأنا احاول ان انبش الذاكرة لأعيد الحياة لمن ماتوا وفي قلوبهم غصة اللجوء اشعر بالعرفان لجيل النكبة الذي علمني وغيري الالاف كيف نحافظ على الراية التي طغى عليها غبار المرحله.

اكتب لأشعر بأنني حي، لا اكثر ولا اقل، وحالي هنا كما الراهب هيبا في رواية عزرائيل للكاتب يوسف زيدان، لم يلقي الراهب هيبا بالا بآراء الاخرين فيما كتب لأنه كان يخاطب نفسه ويدون افكار دفنها في اروقة كنيسة لتكتشف بعد مضي مئات السنين.

شخصياً لا اميل للمبالغة خاصة انني احاول ان ارى الاشياء كما هي، ولا ادعي بتميز جملتي التي لا افكر كثيراً في اختيارها، وليس لي هدف من كلماتي سوى ذاتي المتعبة والأرواح التائهة لمئات الالاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين اصبحوا الان جزء لا يتجزأ من التراب التراب الفلسطيني مع ادراكي ان ابناء جلدتي من اللاجئين في الشتات رحلوا وعيونهم ترنوا لذكرياتهم البسيطة التي قد تكون تافهة في نظر البعض.

اكتب وأحاول ان انتصر على الذاكرة السمكية التي تطحننا كشعب بات ضحية لشتى انواع وأشكال شطب الذاكره، واعصر دماغي لدرجة الصداع للعودة بالزمن الى الوراء لأتخيل حياة اللجوء الفقيرة والمتعبة التي عاشها اجدادنا وآباءنا وأمهاتنا.

في مخيمي الذي يحاول جاهداً تحدي حركة الواقع المضادة للقانون الطبيعي شهدت وأبناء جيلي تحدي الحياة والتأقلم مع الفقر في مجتمع كان منبوذاً من المحيط، لا اعرف لماذا كان اللاجئ منبوذا في البدايات ؟؟؟؟ اهو الخوف من الاخر بالرغم من ان هذا الاخر فلسطينياً ؟؟؟ أم ان النظرة الدونية للاجئين وقتها جاءت جراء ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية التي لم تتشكل بعد.

وأنا اخط كلماتي تسطو على ذاكرتي الصور التي من الصعب نسيانها، صور الطفولة البشعة التي كان لها الفضل الاكبر في تشكيل وعي وثقافة جيلنا المحظوظ بأنه عايش رجالاً واجهوا العاصفة بكل مخاطرها وتحدوا صلف الاحتلال والمجتمع الذي عاش التيه قبل ان يستفيق من كابوسه.

من واجبي وكل من يستطيع ان يحمل القلم رد الجميل للرعيل الاول من اللاجئين الاوائل الذي ضحوا من اجلنا ويذلوا ما فوق استطاعتهم لتربيتنا لنكون على ما نحن عليه، وأتمنى ان نكون كما توقعوا ان نكون ولكني اشك بذلك وسأتطرق لهذه الحيثية في سياق كلماتي.

ولأنني في خريف عمري او اكثر على اعتبار ان العمر المفترض للفلسطيني يختلف عن بقية الشعوب، ولأنني كما ذكرت انفا يداهمني القلق لدرجة انني احسد الديك الذي لم يعد ديكا كما عرفناه، هذا القلق يعيدني للوراء خمسون عاماً حيث حارتي التي هي عالمي، حارتي التي نحتت طفولتي كما بقية اطفال الحارات، سأكتب لنفسي عن حارتي التي مزجت بين البؤس والجمال، وسأكتب عن شجرة التوت الضخمة التي كانت في الساحة الصغيرة التابعة لدار ابو اسماعيل وعن الصورة المرسومة على جدار غرفة الوكالة التي اعتقدت وقتها انها صورة الله، لقد كرهت تلك الصوره.

من الاشياء الصغيرة تتشكل طفولتنا التي كبرنا معها، طفولة عاشت الخوف من الخروج للحمام الجماعي الذي بنتة وكالة الغوث في حارات المخيم، وطفولة نشأت على المعونات التي تقدمها وكالة الغوث، وهي ذات الطفولة الشاهدة على بؤس الرجال الذين لا عمل لهم سوى الجلوس على الارصفة يتسامرون وعزائهم الوحيد في ذلك انهم يعيشون الظروف ذاتها وانتظار فرج الله.

كثيرة هي الصور التي تتجسد امام كل لاجيء عايش تلك المرحلة، مع العلم انني وأبناء جيلي لم نشهد الخيام والثلجة الكبيرة التي حدثني عنها ابي، ولم اشهد عام القمل، لكنني شهدت العنف المركب الذي عاشته النساء في توفير القليل من المياه للأسرة حيث كانت تضطر للمشي عدة كيلو مترات للوصل للنبع الموجود في قرية ارطاس القريبة من المخيم وبالطبع عبر الجبل الفاصل بين المخيم والقرية، وكانت النساء تعيش الامرين وخاصة اذا وقعت تنكة الماء عن رأس المرأة لأسباب عدة منها عبث الفتيان الذين كانوا يحولوا دون وصول النساء للنبع.

تلك هي سنوات البدايات الصعبة التي شكلت قاعدة النهوض اللاجئ في مخيمنا الذي ضم كوكبة رائعة من المناضلين الشيوعيين والقوميين والبعثيين الذين لا نزال ننهل من تراثهم القيمي الذي ورثوه لنا، هؤلاء العظماء الذي نبذهم المجتمع شكلوا حالة لا نزال نستذكرها في جلساتنا.

ما بين الخاص والعام تنسج الحكاية، في حالتنا يمتزج الخاص والعام، ففي المخيم كل النساء كانت امك وكذلك الرجال كان لهم حضور والدك، قيم نفتقر اليها في ايامنا هذه ونشتاق لها ايضا، كانت كل البيوت بيتك، والشوارع كانت لك، ولو بقيت الحيطان على حالها لنطقت وأنصفت تلك المرحلة التي طواها الزمن او بشكل ادق البشر.

هي مرحلة لها حق علينا في انصافها بدون مكياج، حق الامهات اللواتي لعبن الدور الاساس في نهوضنا، وحق الرجال الذين صادقونا وعرفوا اننا كبرنا قبل الاوان، حق كل سيدة ناضلت وقدمت لمخيمها وقضيتها كل ما باستطاعتها وكان كتفها يعلو كل الاكتاف ما يدفعني للتفكير فيما اصبحت المرأة الفلسطينية الان حيث دفعها اصحاب المرحلة الجديدة للمطبخ وأنا على يقين انهم يخافونها.

من حق البشر علينا ان نصرخ بأوجاعهم وتضحياتهم، ان نحكي قصص الاسرى الاوائل في المخيم، وان نستحضر الشهداء، هؤلاء هم مخيمنا ولجوئنا، من حقهم علينا ان نعيد لهم الاعتبار كل باسمه.

هو المخيم الذي يحتضن كل الحكايات بحلوها ومرها، حكايات وقصص لا تختلف كثيراً عن حكايات الشعوب التي استقوى عليها التاريخ، اسردها كما هي بدون زيادة او نقصان، حكايات في مجملها تزودنا بالعزيمة والعنفوان ومنها ما احبط عزيمتنا ولكن الى حين، حكايات نتسلح بها في مواجهة زمن الهزيمة، بسيطة ببساطة احلامهم التي عتقها الزمن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024