الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضلالة الروائيين العرب في المستعمرة السعيدة

جهاد الرنتيسي

2017 / 5 / 10
الادب والفن


تنطوي مشاركة روائيين وناشرين عرب في اعمال "ملتقى فلسطين الاول للرواية العربية" الذي نظمته وزارة ثقافة السلطة الفلسطينية على قدر كبير من الانفعالية والاستعراض استغلهما الاعلام الرسمي الفلسطيني في تصوير الحدث ـ المفترض ان يكون عاديا بمقاييس الملتقيات الروائية التي تقام في مشارق بلاد العرب ومغاربها ـ باعتباره فتحا سياسيا يوازي وقف اعمال الاستيطان التي تنهش الضفة الغربية او فك قيد الاسرى الذين يخوضون معركتهم بالامعاء الخاوية بعد ان وجدوا ظهورهم الى الجدار.
قيل في اعلام السلطة عن احد الروائيين انه "زغرد" حين علم بصدور التصريح الاسرائيلي لدخوله المستعمرة السعيدة ووصف "آخر" ذهابه الى رام الله بانه دعم لثقافتها و هويتها وتضامن مع ادبائها واعتبر ثالث رحلته تحقيقا لأمل كاد ان يفقده وامتطى رابع صهوة البلاغة ليسهب في الحديث عن الغبار الذي سينساه والعطر الذي سيتشممه فور وصوله ورأت روائية حالمة في مشاركتها فتحا للابواب المغلقة بين فلسطينيي الداخل والعالم العربي واعتبرت اخرى رحلتها اقرب الى الحج .
دهشة الروائيين بالمفاجأة صاحبها خطاب هجين لوزير ثقافة السلطة ايهاب بسيسو لاينطلي على قامات روائية مفترضة يأخذها جمهور القراء على محمل الجد ويتم تداول اسماءها في بورصات جوائز مثيرة لجدل المعنيين بالابداع.
الاكثر اثارة في مجافاة دلالات الوصف للحالة الموصوفة والهوة التي تفصل الدهشة عن بواعثها تجاهل الروائيين المأخوذين بالرحلة الى فردوس رام الله "الموعود" و"المفقود" في الوقت ذاته غياب رغبة الوقوف عند مغالطات خطاب الوزير وقياس صدقيته مع ما يجري على ارض الواقع للخروج باستنتاجات يجدر بالروائي ان يكون قادرا على استخلاصها لا سيما وان من بين المندهشين كتاب رواية عالجت تاريخ المنطقة واخرين اجتهدوا في سبر اغوار العلاقة بين الشرق والغرب.
وجد بسيسو في الربط بين تزامن انعقاد الملتقى مع ذكرى وعد بلفور ما يمنح الحدث الآني جوهرا استثنائيا يميزه عن الملتقيات والمؤتمرات الشبيهة التي تشهدها المنطقة ويضفي على المشاركة فيه بعدا نضاليا وبما ان الشئ بالشئ يذكر استرسل في سرد جملة من التواريخ المصادفة بينها مرور خمسين عاما على احتلال القدس وثلاثين عاما على الانتفاضة الفلسطينية الاولى .
لم يتبادر لاصحاب الخيال الروائي وهم يتابعون سردية التواريخ ان القيادة الفلسطينية التي نظمت ملتقاهم تنازلت خلال صولات المفاوضات الدونكيشوتية عن ما يفوق وعد بلفور وغاب عنهم ايضا ان الانتفاضة الاولى وظفت بكل ابداعها الشعبي وتضحياتها في توقيع اتفاق اوسلو الذي تجاوزه صانع القرار الاسرائيلي وتتمسك به قيادة السلطة للحفاظ على امتيازاتها.
كليشيه "رسالة الثقافة" و "صيانة الذاكرة" المستهلك الذي انتهى اليه بسيسو عنوان اخر للضلالة التي تعايشت معها نوايا الروائيين الحسنة في المستعمرة السعيدة ففي التوقف عند تعريف اي منهما والتدقيق في الاداء ما يكفي لنزع الشعارات الفضفاضة العاجزة عن خداع قارئ تقليدي للصحف او مدمن على وسائل التواصل الاجتماعي والقاصرة عن الحد من الشكوك المثارة حول جدية تعامل السلطة واذرعها واجهزتها مع "الثقافة" و"الذاكرة" باعتبارهما رسالة وليس وسيلة لاعادة كتابة تاريخ الفلسطينيين وبناء ذاكرتهم بالشكل الذي يتناسب مع اوهام تسوية غير قابلة للتحقق.
يوضح بعض هذا الجانب الاكاديمي والناقد محمود غنايم بوقفته امام تغييب فلسطينيي الداخل الذي وصفه بانه صفعة من اخ يفترض ان يشد به الازر قبل ان يخرج باستنتاجات اهمها تفوق منظمي الملتقى على السياسة الإسرائيلية في تهميش الذين يشكّلون جذوة الصراع ولب المعاناة الثقافية.
الناقص من حقيقة رسالة الثقافة وصيانة الذاكرة التي اشار غنايم لبعضها يكمله الالتفات الى طبيعة المشاركين من فلسطينيي الشتات الذين تم اختيارهم وفق مقاييس سياسية وخدمية محددة تراعي علاقات وارتباطات وربما مصالح تضمن الصمت عن كل ما يمكن ان يكون محل انتقاد في المستعمرة السعيدة وعلى هذه القاعدة يتم تجاهل اصوات روائية رصدت تجربة اللجوء الفلسطيني بجرأة وعمق مثل محمد الاسعد وسامية عيسى وغيرهما.
بعض الروايات الفلسطينية الصادرة خلال الاعوام القليلة الماضية تكشف سطحية وسذاجة المشاعر التي ظهرت في حماسة الروائيين العرب المفتونين بالفردوس المفقود وغياب متابعتهم للمشهد الروائي الفلسطيني الذي جاءوا للتضامن معه ـ كما اعلنوا عشية توجههم الى المستعمرة السعيدة ـ حيث يكشف عباد يحي في روايتيه "رام الله الشقراء" و"جريمة في رام الله" بعض اثر السلطة في تحولات المجتمع الفلسطيني منذ الانتفاضة الاولى وتتوقف ايناس عبدالله في روايتها "لاملائكة في رام الله" عند تفاصيل وابعاد انسانية لا يمكن مصادرتها بذريعة الصمود الزائف.
الاشارة لـ"جريمة في رام الله " تحيل الى اخرى فلم تزل الرواية مصادرة وموزعها ممنوع من السفر بعد شيطنتها على خلفية ما تضمنته من انتقادات لاجهزة المستعمرة السعيدة مما دفع كاتبها الى مناشدة المشاركين في ملتقى الرواية للتدخل علهم يستطيعون الافراج عنها.
حدود تجاهل الروائيين العرب لمتناقضات العلاقة بين السلطة والابداع في المستعمرة السعيدة تشمل روافع تسويق الادب الردئ وطمس الجاد التي اوصلت روائيا بخطاب سلطوي مثل يحي يخلف الى جائزة كتارا ومكنت رواية متواضعة لربعي المدهون من الفوز بالبوكر وكادت ان تفعل الامر ذاته مع رواية لعاطف ابو سيف اقل ما يمكن ان يقال عنها انها بحاجة الى اعادة تحرير.
سلبية الروائي العربي تجاه شقيقه الفلسطيني ليست وليدة ملتقى المستعمرة السعيدة بقدر ما هي امتداد لارث من النظرة المجتزأة حيث جرت العادة خلال ثورة "بساط الريح" على التعامل مع منظمة التحرير باعتبارها حالة ثورية وليست جزء من النظام الرسمي العربي وانعكست هذه الرؤية بشكل سلبي على النظرة للمثقفين الفلسطينيين.
اخذ بعض انعكاسات هذه النظرة شكل تعريف المثقف السلطوي بانه حالة ابداعية و ثورية ـ رغم انه لا يختلف في تفاعلاته وسلطويته عن غيره من موظفي اجهزة الدعاية والاعلام في بقية النظام الرسمي العربي ـ لمجرد ان السلطة التي يخدمها تحمل شعارات التحرير وبناء على القاعدة ذاتها تمت شيطنة الخارج عن نمطية اجهزة المنظمة ووصفه بالعدمية رغم وجاهة اسبابه .
وعلى الرغم من انها قدمت توصيفا غير مسبوق لوضعية المثقف الفلسطيني في اطر منظمته المرتبطة عضويا بالنظام الرسمي العربي والمتبنية لقوانين العلاقات الداخلية المتبعة في اكثر الانظمة تخلفا لم تغير مقالة غالب هلسا الشهيرة "مثقف منظمة التحرير" التي نشرت في الثمانينات من رثاثة مخيلة المثقف العربي القنوع برؤية ما يطفو على السطح والمكتفي بتشوهات المشهدية التي تجود بها السلطة.
تصريحات المشاركين في ملتقى رام الله اظهرت استعدادا لاجترار الصورة التي كانت والتعامل معها باعتبارها حالة قائمة رغم تبدلاتها المتفرعة من جوهر تحول ثورة بساط الريح من مشروع حركة تحرر وطني مفترض الى اداة طيعة في يد الاحتلال مهمتها ملاحقة مبدعي التمرد على القهر واعتقالهم ووجد هذا الاستعداد من يستطيع الذهاب بعيدا في استثماره وتوظيفه.
قراءة حدث انعقاد الملتقى من زاوية التطبيع او عدمه اقرب الى اسطوانة مشروخة ادمنت عليها اجهزة المستعمرة السعيدة وكتابها لتبرير ظهور المثقفين والمبدعين العرب مع جنود الاحتلال على المعابر وباتت مبررا للاكتفاء بوصف الشجرة بدلا من التوسع في رؤية الغابة وعلاقاتها الداخلية التي تفرخ زوايا اخرى للمعاينة من بينها توظيف الحدث في تلميع ما لايلزم تلميعه وصدق الروائي مع جمهوره ووعيه وذائقته ودوره المفترض في قراءة التحولات وضرورة ابتعاده عن شبهات شهادة الزور .
من حق الفلسطينيين في الضفة الغربية على الروائيين العرب الذين شاركوا في الملتقى الافلات من قبضة السلطة المضيفة ولقاء الناس في الشوارع والاستماع اليهم بعيدا عن اعين الاجهزة والتقاط مؤشرات تحول المجتمع الفلسطيني وعذاباته بعين وذهنية الراصد والتعبير عنها بشفافية ووعي بدلا من الاختباء وراء معزوفة المشاعر المجانية والمجاملات التي لا تليق بالمبدعين والاكتفاء بالتقاط الصور البروتوكولية والتذكارية في خيمة التضامن مع الاسرى والمعالم الاثرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما


.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا




.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما


.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في




.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة