الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(6-5) مشاكل إدارة الموارد المائية في مصر - النزاعات الإقليمية حول المياه

محمد مدحت مصطفى

2017 / 5 / 14
الصناعة والزراعة


تزايد حجم النزاعات الإقليمية حول المياه العذبة خلال السنوات الأخيرة سواء كان ذلك بسبب موجة الجفاف التي تجتاح مناطق كثيرة من العالم، أو بسبب ترتيبات حدودية جديدة، أو نزاعات حول زعامات إقليمية. وتشهد المنطقة العربية غالبية هذه النزاعات، حيث تُفيد البيانات الإحصائية بأن 62% من موارد المياه العربية تأتي من خارج الحدود السياسية للبلدان العربية، في الوقت الذي تُغطي فيه الصحراء 80% من مساحته الإجمالية. وتشير الإحصاءات إلى أن 90% من سكان الوطن العربي يعيشون تحت خط الفقر المائي حيث تقع البلدان العربية ضمن النطاق الجغرافي الجاف وشبه الجاف التي تقل فيها كمية الأمطار السنوية عن 250مم. كما أن نصيب المنطقة العربية من موارد العالم المائية المتجددة لا تتجاوز 0.5% رغم أنه يستأثر بنحو 10% من مساحته، و5% من عدد سكانه. ونستطيع في هذا الصدد الإشارة إلى ثلاث نزاعات متجددة في المنطقة العربية: الأولى خاصة بدول حوض النيل، والثانية خاصة بدول حوض نهري دجلة والفرات، والثالثة خاصة باستلاب إسرائيل للمياه العربية.

نزاعات حوض نهر النيل:
تتجدد مشكلات مياه نهر النيل مع سنوات الجفاف التي تُعاني منها بعض بلدانه وخاصة إثيوبيا، هذا ولا توجد حتى الآن اتفاقية دولية تجمع دول حوض النيل من أجل تنظيم الاستفادة بمياهه، ولكن توجد بعض الاتفاقيات الثنائية أو الثلاثية بين بعض بلدانه. ونستطيع أن نشير هنا إلى أن توتر العلاقات السياسية يعقبه بشكل مباشر نزاعات حول مياه النهر، ويظهر هذا بوضوح في حالة الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا. فعندما توترت العلاقات المصرية السودانية عام 1954م بعد حصول السودان على استقلاله رفض الأخير التوقيع على اتفاقية مياه النيل مع مصر الخاصة بإنشاء السد العالي حتى تغيرت الحكومة السودانية وجاءت حكومة الفريق إبراهيم عبود لتوقع على الاتفاقية. وعندما توترت العلاقات المصرية الأمريكية عام 1958م بسبب التقارب المصري السوفيتي قامت الحكومة الأمريكية بتكليف المكتب الأمريكي لاستصلاح الأراضي الزراعية بدراسة الوضع المائي في إثيوبيا والذي أوصى بإنشاء 26 سداً على فروع نهر النيل مما يُخفض من نصيب مصر من هذه المياه. واشتد الخلاف عندما أعلن الرئيس أنور السادات عام 1979م عن عزم مصر على إمداد إسرائيل بمياه نهر النيل. وعندما وقع الخلاف الأخير بين مصر والسودان قامت السودان منفردة بتوقيع اتفاقية مع إثيوبيا تقضي بإنشاء ثلاثة سدود على النيل الأزرق وذلك دون التشاور مع مصر مُخالِفة بذلك اتفاقية عام 1959م. وسوف نتعرض لهذا الموضوع تفصيلاً في فصل مستقل من هذا الكتاب.

نزاعات نهري دجلة والفرات:
ينبع نهرا دجلة والفرات من سلسلة الجبال في شرق تركيا، ويمر نهر الفرات بالعراق وسوريا قبل أن يتحول للعراق ويلتحم بنهر دجلة في شط العرب ليصب بعد ذلك في الخليج العربي. وقد ارتبط النهران بالزراعة في العراق وسوريا بينما كان اهتمام تركيا بهما ضئيلاً نظراً لتوفر مصادر أخرى من المياه لديها، حيث يوجد بها 26 حوضاً نهرياً مستقلاً بالإضافة إلى نهري دجلة والفرات. ولكن مع بداية السبعينات أولت تركيا اهتماماً كبيراً بتوليد الطاقة الكهربائية باستخدام مياه النهرين خاصة مع ارتفاع أسعار البترول، ويتلخص المشروع التركي في جنوب شرق الأناضول في إنشاء 22 سداً لتوليد الكهرباء وري نحو 1.6 مليون هكتار "3.84 مليون فدان"، وقد تم تنفيذ ثلاثة سدود من هذا المشروع حتى الآن "كيبان – قراقيا – أتاتورك" وجاري العمل في سدي "بيرة جيك – قراقميش". ولا يُجادل أحد في حق تركيا في استغلال مياه النهرين لكن المشكلة تكمن في أن لهذا الاستغلال أثراً سلبياً للغاية على كل من سوريا والعراق، كما أن تركيا تقوم بالتصرف في هذه المشروعات دون التشاور مع سوريا المشغولة بحربها مع إسرائيل ومع العراق المشغول بحربه مع إيران أولاً ثم بحربة مع الكويت وتأزم الموقف الدولي ثانياً. والتخوف هنا ينجم من احتمال أن تستخدم تركيا تلك الخزانات في الإضرار بمصالح سوريا والعراق عند حدوث أية مشكلة. بالإضافة إلى أن المساحات الزراعية الجديدة سوف تستهلك كميات كبيرة من المياه مما يُخفض من إيراد النهرين ، كما أن مياه صرف هذه المساحات الجديدة سوف تتم على الوديان المتشعبة التي تصب في نهر الفرات في القسم الذي يمر بسوريا ثم ينتقل إلى العراق مما يُغير من مواصفات مياه النهر النقية التي ستختلط بمياه الصرف الزراعي. أما بخصوص خزن المياه فإن متوسط إيراد نهر الفرات عند الحدود السورية التركية يبلغ نحو 31.4 مليار متر3 سنوياً، يبلغ إجمالي حجم خزانات السدود التركية 90 مليار متر3، ويبلغ إجمالي حجم التخزين في سدي الفرات وتشرين في سوريا 16 مليار متر3، ويبلغ حجم التخزين في سدي حديثة والقادسية في العراق 12 مليار متر3. وهذه الأرقام تتعارض مع القسمة العادلة لمياه النهر التي تقرها قواعد القانون الدولي. كما أن سد اتاتورك مصمم بحيث يستوعب إيراد النهر بالكامل كما حدث عندما قطع الجانب التركي هذه المياه لمدة شهر كامل في بداية عام 1990م. أما متوسط إيراد نهر دجلة عند الحدود السورية التركية فيبلغ نحو 18.5 مليار متر3 سنوياً ، يبلغ حجم تخزين السدود التركية على هذا النهر نفس حجم الإيراد تقريباً أي 18.5 مليار متر3، بينما لا تمتلك سوريا أي سد لتخزين المياه على هذا النهر. هذا ويناور المسئولون الأتراك لكسب الوقت حتى تنتهي تركيا من بناء سدودها وتٌصبح أمراً واقعاً وبعد ذلك تبدأ التفاوض مع سوريا والعراق بشأن اقتسام مياه النهرين.

إسرائيل واستلاب المياه العربية:
احتلت قضية الزراعة والمياه جزء كبير من الفكر الصهيوني في مرحلة ما قبل إنشاء دولة إسرائيل ثم استمر بالطبع بعد إنشاء الدولة. في المرحلة الأولى كانت السيطرة على الأراضي الزراعية ومشروعات المياه على حساب أهل البلاد من الفلسطينيين، وكان القول الشائع لبن جوريون مؤسس الدولة "أننا لن يُمكنا تحويل الصحراء إلى جنة خضراء دون السيطرة على مصادر المياه في المنطقة وفي مقدمتها مياه نهر الأردن"، ومن ثم كانت عملية تجفيف بحيرة الحولة ومستنقعات الجليل الأعلى عام 1951م بغرض زيادة تدفق المياه أعلى نهر الأردن الذي يتكون أساساً من نهري بانياس والحاصباني بعد اتحادهما، واستمرت الأعمال المائية الإسرائيلية في المناطق المنزوعة السلاح، واستمرت الشكاوى العربية إلى الأمم المتحدة ولكن بلا جدوى، مما دفع العرب إلى التفكير في تحويل مجرى نهر الأردن بأكمله وكان ذلك أحد الأسباب التي تذرعت بها إسرائيل للقيام بحرب 1967م. وبانتهاء الحرب سيطرت إسرائيل على كل مياه نهر بانياس وعشرة كيلومترات إضافية من نهر اليرموك ، وكامل الضفة الغربية لنهر الأردن وكل المياه الجوفية في قطاع غزة. وأصبح الوضع الراهن هو الوضع الأمثل بالنسبة لإسرائيل حتى أنها أجلت بحث قضية المياه إلى اتفاق المرحلة النهائية مع الفلسطينيين ورفضت تضمينه ضمن اتفاقية عام 1995م مع السلطة الوطنية الفلسطينية. وتوضح الدراسات أن كل من لبنان وسوريا والأردن وفلسطين وإسرائيل تشترك في حوض نهر الأردن، ومن ثم يكون من حق هذه الدول الخمس الاستفادة من مياه النهر. وقد استولت إسرائيل بعد حرب 1967م على حصة الضفة الغربية كاملة، وعلى جزء من حصة الأردن. وتعتبر الدول العربية حوض نهر الأردن إقليماً مُحتلاً وبالتالي تحكمه اتفاقيات جنيف الخاصة بإدارة المناطق المحتلة والتي تعتبر مثل هذه الموارد حق أصيل للسكان ولا سلطان للمحتل عليها. هذا ولم تشترك سورية ولبنان في مفاوضات فينا التي تقررت عام 1992م بشأن موارد المياه في المنطقة، وربطت مشاركتها بانسحاب إسرائيل من المناطق المحتلة. وتتمثل السياسة الإسرائيلية بهذا الخصوص في: محاولة السيطرة على مياه نهر الأردن، واستنزاف المياه الجوفية في المناطق المحتلة حيث قامت بحفر 40 بئراً في الضفة الغربية تحصل منها على 57 مليون متر مكعب سنوياً، وتحديد كميات المياه المُستخرجة من الآبار الواقعة في المناطق الفلسطينية مع الغرامات والعقوبات على المخالفين، ومنع حفر آبار جديدة أو إعادة تأهيل الآبار القديمة. ويأتي الجفاف الذي تُعانى منه المنطقة ليُزيد من حدة المشكلة، وتُعلن إسرائيل عن تخفيض كميات المياه التي تقدمها للأردن. ويحصل الفلسطينيون في الضفة الغربية حالياً على 120 مليون متر3، بينما يحصل الفلسطينيون في قطاع غزة على 45 مليون متر3، بالإضافة إلى 65 مليون متر3 يتم سحبها من احتياطي الآبار الجوفية مما يؤثر على صلاحية تلك الآبار مُستقبلاً. وبالنسبة لمياه الشرب العذبة يحصل الفلسطينيون في الضفة الغربية على 47 مليون متر3 سنوياً يُفقد 40% منها بسبب تلف شبكات نقل المياه ، بينما تحصل المستوطنات في الضفة الغربية على 50 مليون متر3، ومن ثم يصل متوسط نصيب الفرد في المستوطنات إلى 800 لتر يومياً بينما يصل نصيب الفرد الفلسطيني إلى 300 لتر يومياً. ويُعد استيلاء إسرائيل على المياه العذبة مخالفة صريحة لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949م. ولذلك فإن المفاوضات الخاصة باقتسام المياه العذبة في اتفاقيات السلام التي يجري العمل على تنفيذها تُعتبر من أهم أسباب التوتر والنزاع في المنطقة.

المجلس العالمي للمياه:
جاء تأسس "المجلس العالمي للمياه" عام 1996م تتويجاً لجهد مصري بالتعاون مع عدد من دول العالم التي استشعرت خطورة الوضع العالمي للمياه وما يُمكن أن تنشأ عنه من مُشكلات ونزاعات بل وحروب. وقد تم اختيار مدينة مرسيليا بفرنسا مقراً له، وبلغ عدد أعضائه 176 دولة، وقد أقرت الجمعية العمومية للمجلس في اجتماعها الأول في ديسمبر 1997م اللوائح الداخلية التي تحكم عمل المجلس، وتم انتخاب الدكتور محمود أبو زيد وزير الري المصري رئيساً له. وجاء الاجتماع الثاني للمجلس في ديسمبر 1998م في مونتريال بكندا بغرض إعداد الرؤية المستقبلية للمياه في العالم في القرن الحادي والعشرين. ومن أهم أعمال المجلس أنه أعد برنامجاً لتمويل مشروعات تنمية موارد المياه في دول العالم الثالث باسم "برنامج الشراكة المائية الدولية" يرأسه الدكتور إسماعيل سراج الدين نائب رئيس البنك الدولي. وقد عقد المجلس مؤتمر في مقره بمدينة مرسيليا بجنوب فرنسا في أغسطس 1999م لوضع تصور عالمي لمنع حروب المياه في العالم، وذلك تمهيداً لطرح ذلك التصور على المؤتمر الدولي للمياه تم عقده في مدينة لاهاى بهولندا خلال الفترة 17-19 مارس 2000م . وقد صدر عن المؤتمر بياناً يحمل عنوان "إعلان لاهاى" يتضمن سبعة بنود هي:
- تأمين الاحتياجات الأساسية : نظراً لكون الماء حاجة أساسية للإنسان فإنه يجب إتاحة السلطة للنساء والرجال لاتخاذ القرارات بشأن ما يحصلون عليه من مياه وتجهيزات صحية آمنة.
- حماية نظام البيئة: أي حماية المياه من التلوث وعدم المساس بها من خلال إدارتها بشكل يُتيح الحفاظ عليها ويحميها من التدهور.
- توفير الغذاء: أي تأمين توافر المياه اللازمة لإنتاج الغذاء، مع زيادة إنتاجية وحده المياه من محاصيل الغذاء.
- التحكم في المخاطر: ويُقصد بها التكاتف الدولي في شأن توفير الأمن من مخاطر الفيضانات ومخاطر الجفاف.
- تقاسم مصادر المياه: يجب تطوير التعاون بين الدول في حالة تعدي مصادر المياه للحدود السياسية وذلك من خلال إدارة موحدة لحوض النهر.
- إدراك قيمة المياه: من خلال إدارتها بطريقة تعكس قيمتها الاقتصادية والاجتماعية، والاتجاه نحو تثمين خدمات المياه لتغطية تكاليف تقديمها بطريقة تسمح بتلبية الاحتياجات الأساسية للفقراء.
- إدارة المياه بحكمة: ضمانا للإدارة الجيدة للمياه فإنه يجب مشاركة الأهالي في تحمل هذه المسئولية بشكل يضمن رعاية مصالح جميع المنتفعين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر