الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصطفى درويش: إنسان نبيل ومثقف تنويرى نادر

طلعت رضوان

2017 / 5 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مصطفى درويش: إنسان نبيل ومثقف تنويرى نادر
طلعت رضوان
فى الثمانينيات عرّفنى صديقى الصحفى رشدى أبوالحسن بالراحل الجليل مصطفى درويش فتأكــّـدتُ من صدق مقولة: الإنسان النبيل هومن تتطابق أقواله مع أفعاله، خاصة عندما يكون هذا الإنسان له اهتمامات بالشأن العام. وتلك القاعدة تنطبق على درويش، لأنّ ماكان يقوله فى جلساتنا الخاصة، كان يكتبه فى مقالاته، وفى كتبه مثل كتابه (أربعون سنة سينما) الصادرعن صندوق التنمية الثقافية عام2003.
الراحل الجليل شغل وظيفة نائب بمجلس الدولة، وتم انتدابه إلى وزارة الثقافة، ليشغل وظيفة (رقيب المصنفات الفنية) وتلك الوظيفة كانت (محطة) غاية فى الأهمية فى حياته حيث الصراع النفسى والعقلى داخله بين نقيضيْن لايلتقيان: المثقف صاحب العقل الحروالضميرالحى، ووظيفة فى نظام سياسى لايعترف بأبسط مبادىء الحرية، فخاض التجربة التى تصلح لعمل درامى.
بدأ الصراع عندما هاجمه وزيرالثقافة بشدة لأنه وافق على عرض فيلم (خذنى بعارى) لمجرد أنّ به تلميحات عن انفصال سوريا عن مصر، وطالبه الوزيربسحب الترخيص.
ودخل صراعه النفسى مرحلة جديدة عندما طلب الاطلاع على الأفلام الأجنبية الممنوعة (فى عهد السيدة اعتدال ممتاز) رغم أنها مأخوذة عن روائع الأدب العالمى، مثل (المسيح أعيد صلبه) للأديب كازانتزاكيس، وفيلم (الجماعة) للأديبة (مارى ماكارثى) و(ربيع مسزستون فى روما) للأديب (تنسى وليامز) و(المليونيرة) للأديب برنارد شو. وحدث هذا عقب منع الرقيبة السابقة عرض فيلم (السراب) للأديب نجيب محفوظ. وذكرأنّ (عدد المحظورات) فى لائحة المصنفات الفنية64محظورًا.
وعن تجربته مع الصحافة كتب مقالاعن فيلم (من أحب؟) انتاج وإخراج وتمثيل ماجدة الصباحى، قال فيه أنّ ماجدة خانها التوفيق ثلاث مرات: الأولى عندما (مصّرتْ) الفيلم الأمريكى الشهير(ذهب مع الريح) وتقـمّصتْ شخصية (فيفان لى ) وصوّرتْ فى سيناء والمكان فى الفيلم الأمريكى يختلف عن المكان فى الفيلم المصرى. والخطأ الثانى قيامها بالإخراج، والخطأ الثالث اسناد دورالبطل لزوجها إيهاب نافع رغم عدم صلاحيته للتمثيل. وسلــّـم المقال لمجلة آخرساعة ولكنه لم يـُـنشر، وكان ذلك فى عهد يوسف السباعى (رجل السيف والقلم)
وعن تجربة الفيلم التشيكى (غراميات شقراء) الذى صرّح بعرضه فى نادى سينما القاهرة عام1968، صوّبتْ الثقافة السائدة مدافعها ضده. وأصدروزيرالثقافة (ثروت عكاشة) قرارًا بمنع عرضه. وأنّ حسن عبدالمنعم وكيل الوزارة وعديل النبوى إسماعيل (وزيرالداخلية) اتصل بدرويش وأبلغه أنّ وزيرالثقافة مستاءٌ من (هبوط مستوى الفيلم فنيـًـا) فكتب درويش (مذكرة) استشهد فيها بعدد كبيرمن نقاد السينما العالميين الذين أشادوا بالفيلم. خاصة أنّ مخرج الفيلم (ميلوش فورمان) هومخرج فيلم (طارفوق عش المجانين) الذى فازبالأوسكار. وحصد الأوسكارمرة ثانية عن فيلمه (أماديوس) وهوعن قصة حياة الموسيقار(موتسارت) والفيلم مأخوذ عن مسرحية للكاتب البريطانى (بيترشافر)
وعن تجربته مع يوسف السباعى ذكرأنه طلب منه الموافقة على إجازة سيناريوعن قصة من قصصه (على وجه الاستعجال) وعن المرارة التى عانى منها الأديب يحيى حقى، بسبب إزاحته من رئاسة تحريردورية كانت تصدرعن هيئة الكتاب. والسبب أنّ (صاحب القنديل مُـذنب فى حق الرئيس عبدالناصرلأنه صديق محمود شاكر، والمقبوض عليه بتهمة التطاول على الرئيس فى مجلسه الخاص والسخرية منه بغيرتحفظ، ولذلك نال أصدقاء الرجل جانبـًـا من (حب النظام)
وبعد هزيمة يونيو1967 أشاع النظام الناصرى خطاب العداء لأمريكا، الذى شمل الفن السينمائى، والأدب الأمريكى حتى المتميزبطابعه الإنسانى مثل أدب (مارك توين) و(هيمنجواى)..إلخ. وذكردرويش أنّ وزيرالثقافة د.عكاشة (فى اجتماع حضره كثيرون) طلب التصويت حول مصيرالفيلم الأمريكى فى مصر: هل يحظرعرضه أم لا؟ فقام أحمد حمروش وجرى نحواليساريين ليقنعهم بالتصويت للمنع، وتحذيرهم من التصويت للعرض. فجاء التصويت لصالح المنع، عدا ثلاثة (فقط) لصالح العرض، هم: سعد كامل وأحمد رشدى صالح ودرويش.
بعد هذا الاجتماع استدعاه الوزيرلمكتبه، وبمجرد دخوله قال له: أنت عميل أمريكى. أنت مقبوض عليك. وكان سبب غضب الوزيرأنّ درويش قال لمديرى فروع الشركات الأمريكية أنّ عرض الأفلام فى دورالسينما المصرية مسئولية الرقابة على المصنفات، وأنه غيرمسئول عما نشرته صحيفة الأهرام. وفى اليوم التالى صدرقرارالوزيربمنع الأفلام الأمريكية والإنجليزية وألمنيا الغربية.
ونظرًا لأنه رفض أنْ يكون نسخة كربونية فى طابوربلاط النظام، صدرقرارإنهاء ندبه فى إبريل1968وبالقرار11إتهامًـا فى مذكرة موجـّـهة لكل من: رئيس مجلس الدولة، وأمين عام الاتحاد الاشتراكى، ووزيرالعدل، ومن بين (التهم) التخوين والتكفير. وذكرأنّ وزيرالثقافة (ثروت عكاشة) عمل على ضرب (نادى السينما) حيث عيـّـن نفسه رقيبـًـا على أفلامه وعلى كل كلمة تكتب فى نشراته، رغم أنّ الجمهورمن فئة متميزة وقليلة العدد. وكان من بين الأفلام التى منع الوزيرعرضها (فيلم المدرس الأول) بحجة هبوط مستواه الفنى. رغم إجماع كبارالنقاد على أنه من روائع الأفلام، خاصة وأنّ الفيلم انتقد بشدة (وبلغة الفن) الشمولية والجمود الفكرى. ومع ملاحظة أنّ سيناريوالفيلم عن رواية للأديب (ايتماتوف) وإخراج (كونشالوفسكى)
وذكرأنّ وزيرالثقافة أنهى عمل الأديب نجيب محفوظ الذى كان يشغل منصب (رئيس مجلس إدارة مؤسسة السينما) وفضــّـل عليه عبدالحميد جودة السحار.
وعن فيلم (المتمرّدون) المأخوذ عن قصة للأديب صلاح حافظ وإخراج توفيق صالح، ذكرأنه أشـّـرعلى السيناريوبالموافقة على عرضه، ولكن تم تأجيل العرض أكثرمن مرة، تمهيدًا لانهاء انتدابه وعودته لسلك القضاء، فجاء الرقيب الجديد وشوّه السيناريو، وأساء إلى مخرجه وإلى حرية التعبير. فلماذا كان هذا التشويه المُـتعمّـد للفيلم؟ لأن البطل طبيب شاب متخصص فى علاج مرضى السل، فيصاب به، ويدخل إحدى المصحات فيكتشف أوجه النقص فى العلاج. لذلك تزعـّـم التمرد ضد إدارة المصحة، خاصة وقد انضمّ جميع المرضى للتمرد. وبعد أنْ كاد التمرد يحقق النجاح بطرد رئيس المصحة التى أصبحتْ إدارتها فى أيدى المرضى، إذا بقوات الأمن تتدخل وتــُـنهى التمرد بقوة وعنف. ورأى البعض أنّ المصحة ترمزإلى معسكراعتقال، وأنّ الطبيب الذى تزعـّـم التمرد يرمزإلى عبدالناصر، بدليل أنّ الحواربه بعض الشعارات والعبارات المنقولة حرفيـًـا، ورغم أنّ الفيلم (فيه تمجيد لعبدالناصر) فإنّ هذا لم يشفع له، لأنّ رسالة الفيلم تشجيع التمرد على السلطة الحاكمة.
ورغم أهمية هذا الفيلم وفيلم (درب المهابيل) و(صراع الأبطال) فإنّ توفيق صالح أساء إلى نفسه عندما أخرج (فيلم الأيام الطويلة) عن سيرة صدام حسين. وكان التليفزيون العراقى يعرضه سنويـًـا يوم الاحتفال (بالثورة) على حكم عبدالكريم قاسم ومصرعه، وهما حدثان لعب فيهما صدام دورًا حاسمًـا.
وإذا كان الأصوليون اليوم (ونحن فى عام2017) ضد الفن، فقد حدث نفس الشىء فى يوم 21فبراير1986فى اجتماع دعا إليه وزيرالثقافة لمناقشة (ظاهرة أفلام الجنس) حيث تقـدّم بعض نواب البرلمان بأسئلة إلى الوزير، منها: إنّ الأفلام التى وافقتْ الرقابة على عرضها أضعفتْ الروح المعنوية ((وأحد أسباب هزيمة67)) ونائب آخرهاجم فيلم (قصرالشوق) ونائبة جاءتها دعوة لمشاهدة أحد الأفلام فردّتْ مستنكرة الدعوة: أنا أدخل دارالعار؟! فكان قرارالوزيرأنْ (بشـّـر) النواب بقرارمنع الأفلام التى ذكروها لأنها أساءتْ إلى الفضيلة.
وعن تاريخ السينما المصرية ذكردور(محمد بيومى) بعد عودته من ألمانيا حيث درس فن السينما والتصوير، ليكون أول مصرى يـُـنتج ويصوّرأول جريدة سينمائية (آفون) التى كان لها فضل تسجيل عودة سعد زغلول من المنفى عام1923. وكان أول مصرى يـُـصوّرفيلمًا روائيـًـا (فى بلاد توت- عنخ آمون) الذى أنتجه وأخرجه (فيكتوررويسفو) المصرى من أصل إيطالى.
وفى فصل عن (دورالصهيونية فى السينما) ذكرأمثلة عديدة مثل فيلم (الوصايا العشر) الذى نقل ماورد فى التوراة عن خروج اليهود من مصروأنتجته شركة (بارامونت) لصاحبها (أدولف زوكر) وهذا الفيلم أخرجه الأمريكى/ الصهيونى (سيسل دى ميل) مرتيْن: الأولى (صامت) سنة1923(بعد وعد بالفور) لتشجيع الهجرة إلى أرض الميعاد. والمرة الثانية سنة1956(ناطق وبالألوان) ومع ملاحظة علاقة الصداقة التى جمعتْ المخرج بكل من (أدولف زوكر) و(هربرتروتشليد) وهى علاقة ترجع إلى أيام (وعد بالفور) الذى أرسله إلى لورد (روتشيليد)
ورغم أنّ الفيلم نسخة كربونية توراتية (عن اضطهاد اليهود فى مصر) وتصويرالمخرج المصريين على أنهم (وحوش وظلمة) إلخ، فقد تـمّ تصويرالفيلم على أرض مصرعام1954، ليس ذلك (فقط) وإنما (بمشاركة الجيش المصرى) فى بعض المشاهد خاصة مشهد (شق البحر) من أجل سواد عيون شعب الله المختار. وفى هذا المشهد السينمائى (المُـبهر) نجا موسى ومن معه، وغرق (فوعون) ومن معه. ولعب (عباس البغدادلى) الضايط المصرى السابق فى سلاح الفرسان، دورسائق عربية رمسيس. وبعد الانتهاء من المونتاج فى المعمل عـُـرض الفيلم فى مدينة نيويورك يوم29نوفمبر1956، أى فوراجتياح القوات الإسرائيلية لسيناء بأقل من ساعات.
فلماذا وافقتْ القيادة السياسية على تصويرهذا الفيلم على أرض مصر؟ وكيف وافقتْ على استخدام الجيش المصرى فى فيلم دعائى لصالح إسرائيل؟ وهل معنى ذلك أنّ المسئولين المصريين لم يقرأوا السيناريو؟ أم قرأوه وتجاهلوا ما فيه من دعاية صهيونية؟ وفى الحالتيْن كانت الموافقة على التصويرجريمة فى حق الشعبيْن المصرى والفلسطينى.
وفى المقابل عانى المخرج الكبير(شادى عبدالسلام) من رئيس مجلس شركة الإنتاج السينمائى (المناضل اليسارى د.عبدالرازق حسن) الذى ماطل كثيرًا واعترض على قرارالرقابة على المصنفات الفنية التى وافقتْ على السيناريو. بل وصل الأمرلدرجة أنّ د.عبدالرازق حسن اتصل بدرويش وطلب منه الامتناع عن الموافقة على السيناريو، بحجة أنه سيكلف الشركة خسائرفادحة. وبعد أيام اتصل به مرة أخرى وقال له إنّ سيناريوفيلم المومياء له ((علاقة بالنظام العام ويتضمّـن الأفكارالمعادية للقومية العربية)) ولكن درويش لم يهتزوسارع بالموافقة على السيناريو. وهكذا كان درويش، المؤمن برسالة (المثقف) والمنحازللفن ولوطنه ولشعبه.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لابيد: كل ما بقي هو عنف إرهابيين يهود خرجوا عن السيطرة وضياع


.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #




.. خالد الجندي: المساجد تحولت إلى لوحة متناغمة من الإخلاص والدع


.. #shorts yyyuiiooo




.. عام على حرب السودان.. كيف يعرقل تنظيم الإخوان جهود الحل؟ | #